Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صفقة تبادل أسرى غامضة في "مالي" تهدد حدود الجزائر الجنوبية

أدركت البلاد الخطأ الجسيم بتخليها عن حدودها الخلفية الاستراتيجية الذي استغلته أطراف لعزلها

التوترات القائمة في مالي تلقي بظلالها على أمن الجزائر الجارة  (أ ف ب)

يزداد تخوف الجزائر من استمرار "تهلهل" الوضع في دولة مالي بعد استيلاء العسكر على السلطة، وتنحية الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا، حيث تعيش البلاد على وقع انسداد سياسي واحتقان شعبي يُنذران بمستقبل غامض يهدد منطقة الساحل، الأمر الذي عبر عنه الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بالقول "أتمنى ألا يكون ما حدث في مالي بداية لربيع أفريقي".

تخوف رسمي وتحرك

وقال تبون، في تصريحات إعلامية إن "الأزمة في مالي ثلاثية، سياسية، اقتصادية واجتماعية، بالإضافة إلى مشكلة أخرى ظهرت وهي التفرع بين الشمال والجنوب"، مؤكداً أنه إلى جانب هذه الهشاشة، تعتبر مالي أرضاً خصبة لجميع التهديدات مثل البلدان الأفريقية الأخرى بشكل عام"، مشدداً أن الديمقراطية هي السبيل الوحيد لأي تنمية بشرية واقتصادية.

ومن أجل تهدئة الوضع، أرسلت الجزائر وزير خارجيتها صبري بوقادوم، إلى باماكو، مرتين في أقل من شهر، وكان أول مسؤول أجنبي رفيع المستوى يزور مالي، عقب الانقلاب على رئيسها بـ 10 أيام، وذلك في 28 أغسطس (آب) الماضي، بعد أن دانت ما وصفته بالتغييرات غير الدستورية للحكم في مالي، وقد التقى أعضاء لجنة إنقاذ الشعب الذين قادوا الانقلاب على الرئيس كايتا.

وأجرى بوقادوم، خلال الزيارة الثانية، لقاءات مع عدد من الفاعلين الماليين، بينهم محمود ديكو، قائد حركة "إم 5"، ورئيس حزب "التوافق من أجل تطوير مالي" حسيني أميون غيندو، ورئيس لجنة إنقاذ الشعب، أسيمي غويتا، ونائبه مالك دياو، وكذا الناطق الرسمي للجنة، إسماعيل واق، بالإضافة إلى ممثلي تنسيقية حركات الأزواد وأرضية الحركات، الموقعين على اتفاق السلم والمصالحة بمالي، المنبثق عن مسار الجزائر، كما أجرى لقاءً تشاورياً مع رؤساء بعثة الأمم المتحدة وبعثة الاتحاد الأفريقي بمالي، ومع ممثلي المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأوروبي و5 أعضاء دائمين لمجلس الأمن الأممي، حيث أبرز الوزير الجزائري الأهمية التي توليها بلاده على أعلى مستوى، للاستقرار والأمن في مالي، وهو ما جعلها تبذل قصارى جهدها ليتمكن هذا البلد الشقيق والمجاور من تجاوز هذه الفترة العصيبة في ظروف ملائمة.

 

 

الخطأ الجسيم

يعتبر أستاذ الحقوق والعلوم السياسية بجامعة ورقلة، مبروك كاهي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن التخوف من ربيع أفريقي يرجع لعدة اعتبارات أهمها أن مالي دولة محورية وموقعها جد استراتيجي، فهي تتوسط أغلب الدول الفرنكوفونية شمال وغرب القارة الأفريقية، وعليه فإن سقوط النظام في مالي سيؤثر لا محالة في باقي الدول التي تعاني أزمات تنمية وفساد مستشري، وقد يصل الأمر إلى اندلاع حروب أهلية، في ظل مؤسسات دستورية ضعيفة لا يمكنها احتواء الأزمة والحفاظ على البلاد وتأمين انتقال آمن وسلس للسلطة، وقال إن الربيع الأفريقي عواقبه وخيمة على المنطقة المغاربية، من حيث تزايد موجات الهجرة البشرية وطالبي اللجوء، كما سيزيد من نشاط الجريمة المنظمة، ويجعل منطقة الساحل أرضاً خصبة لازدهار نشاطات الجماعات الإرهابية العابرة للحدود.

وتابع كاهي، أن الجزائر أدركت الخطأ الجسيم بتخليها عن حدودها الخلفية الاستراتيجية، الذي استغلته أطراف لا تريد الخير لها، ممثلة في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التي حاولت عزلها في حل الأزمة في مالي، لكن قابلها رد قوي من الرئيس تبون، بإنزال دبلوماسي ثقيل يتقدمه وزير الخارجية، مضيفاً أنه حتى في دلالة الخطاب الرسمي هناك تغير إلى "مالي الشقيق، وليس الجار"، ما يدل على الاهتمام الجزائري الكبير، وأردف أن الحديث عن الربيع الأفريقي إشارة إلى الفوضى، فدولة كوت ديفوار، التي تعد أحد أعمدة المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا وسياستها الخارجية، تخالف الجزائر، لا سيما في قضية الصحراء الغربية، بالإضافة إلى تغير القيادة النيجيرية وابتعاد الجزائر عنها بعد تجميد مبادرة "النيباد"، وأيضاً تحكم القوة الاستعمارية القديمة ممثلة في فرنسا في توجه المجموعة، أضف إلى ذلك العُزلة الجزائرية أفريقياً بعد مرض الرئيس السابق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الحل 90 في المئة جزائري

ويصر الرئيس تبون، على أن الحل في مالي لن يكون إلا وفق مقاربة الجزائر، وأبرز أن "الحل المالي سيكون 90 في المئة جزائري، وهذه حقيقة جغرافية وتاريخية"، معرباً عن انزعاجه الشديد من تحركات مجموعة دول غرب أفريقيا، حيث "لم يستشيرونا، وبدورنا لم ولن نستشيرهم في الملف المالي"، وشدد على ضرورة تقلد شخصية مدنية للسلطة، وتقليص الفترة الانتقالية إلى عام ونصف العام، مؤكداً أن "حل الأزمة في مالي لن يتم إلا بالاتفاق مع الجزائر".

وفي السياق ذاته، يعتقد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بريك الله حبيب، في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، أن الرئيس تبون، يقصد من وراء تخوفه من الربيع الأفريقي، ضياع جهود الدبلوماسية الجزائرية لحل مشكلة مالي، وكل ما يتعلق بأمن الساحل، موضحاً أن الجميع يعلم جهود الجزائر من خلال تحركات وزير الخارجية صبري بوقادوم، من أجل حل توافقي، وأضاف أن الجزائر تملك كل المؤهلات والمقدرات السياسية والدبلوماسية وحتى العسكرية التي تمكنها من اختراق كل حاجز يعرقل مسار الحلول السلمية.

صفقة تبادل أسرى غامضة

وتزداد مخاوف الجزائر التي التزمت "الصمت" بعد الإعلان عن تحرير رهائن محتجزين لدى الجماعات الإرهابية مقابل الإفراج عن 100 "مقاتل"، في صفقة تجعل الوضع في الساحل يزداد غموضاً مع تشابك التدخلات العسكرية والاستخباراتية.

وأخبرتنا مصادر مطلعة، رفضت الكشف عن هويتها، أن عملية تبادل الأسرى جرت بين المجلس الانتقالي في مالي وزعيم جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، إياد أغ غالي، القائد السابق بجماعة "أنصار الدين"، من أجل تسليم الفرنسية صوفي والمعارض المالي سومايلا سيسي، مقابل 261 عنصراً من جماعة "أنصار الدين"، حيث تمت عملية تسليم وتسلم الرهائن و"المقاتلين"، بالقاعدة الفرنسية التي تشرف على العملية العسكرية "برخان"، بمنطقة تاسليت بالقرب من الحدود مع الجزائر، وقد قدمت طائرة من باماكو تحمل مجموعة من الأسرى وعادت بالرهائن، على اعتبار أن بعض "المقاتلين" كانوا محتجزين لدى القوات الفرنسية بالقاعدة، مبرزة أن الأسرى وأغلبهم من قبائل الأزواد، جنسياتهم مالية واثنان فحسب من ليبيا، وختمت أن من قاد الوساطة والمفاوضات شخصية قيادية من قبيلة الأمهار العربية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير