Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا لا تنجح الإغلاقات المحلية ضد كورونا في بريطانيا؟

لم تقلص تلك الإجراءات العدوى التي تزايدت في 19 منطقة من أصل 20 منذ شهرين

مع تطاول زمن الجائحة، تصبح إجراءات الإغلاق مرهقة بالنسبة إلى الجمهور (نيوساينتست.كوم)

مع استمرار معدلات العدوى بكورونا في الارتفاع في مختلف أرجاء المملكة المتحدة، إذ تتزايد بوضوح أرقام الوفيات والدخول إلى المستشفيات، برز سؤال حيوي في خضم الارتباك والذعر، هو "لماذا لا تنجح القيود المحلية"؟

إذ تشمل تلك الإجراءات حظراً على الاختلاط الأسري، وتحد من تقديم الكحول في الأماكن المغلقة، وقد باتت هكذا إجراءات مفروضة في كل مكان في مختلف أرجاء بريطانيا، إضافة إلى أنها تؤثر في عشرات الملايين من الناس وتعيد مجدداً تشكيل الحياة كما نعرفها.

في المقابل، أثبتت تلك القواعد التي تسير على ذلك النحو، أنها غير فاعلة إلى حد كبير في تقليص العدوى بكورونا. وقد بيّن تحليل أجراه حزب العمال أن معدلات العدوى ارتفعت في 19 منطقة من أصل 20 تطبق فيها تلك القواعد منذ شهرين.

وفي الشمال ومنطقة "ميدلاندز" وسط إنجلترا، قفز معدل العدوى الأسبوعي الذي يرصد العدوى كل سبعة أيام.

ففي "نوتنغهام"، بلغ ذلك المعدل 661 حالة لكل 100 ألف شخص، وفي "ليفربول" وصل إلى 562،  واقترب في "مانشستر" من 507. وتفوق تلك الأرقام كلها ما سُجِّل في البؤر الأوروبية لتفشي عدوى كورونا، كمدريد وباريس. وما يثير أشد القلق يتمثل في أن معدلات الدخول إلى المستشفيات بدأت في الارتفاع أيضاً.

وقُرِعت طبعاً أجراس الإنذار. ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، كتب قادة المجالس البلدية في "ليدز" و"ليفربول" و"مانشستر" و"نيوكاسل"، إلى الحكومة قائلين إن استراتيجيتها تفشل، ما يوجب عليهم أن يتولوا المسؤولية.

وقد ذكر السياسيون العماليون أن "هذه القيود لا تنجح، وتربك الرأي العام، وبعضها ليس مثمراً، كقاعدة منع التجول بعد العاشرة مساء".

وفي حين نجحت بلدان في آسيا إلى حد كبير في قمع الفيروس، تقف المملكة المتحدة على شفا موجة ثانية قد تقتل الآلاف في الأشهر المقبلة إذا صحت التوقعات. وعلى هذه الخلفية المشؤومة، يسعى المسؤولون الرسميون والخبراء الصحيون والسياسيون إلى شرح ما يجري.

وفي ذلك الصدد، أُلقِي معظم اللوم على البرنامج الحكومي الفاشل الخاص بالفحص والتتبع. وينقل غابرييل سكالي أستاذ الصحة العامة الزائر في جامعة "بريستول"، لـ"اندبندنت"، أنه "لا يهم مدى جودة ترتيبات الإغلاق ما لم يتوفر نظام فاعل في العثور على المرضى وفحصهم وتتبعهم وعزلهم ودعمهم".

وفي ذلك الصدد، تبين أحدث الأرقام أن برنامج الفحص والتتبع، بعد أكثر من شهرين من تشغيله، لا يزال بعيداً عن أن يكون "الأفضل عالمياً". إذ استطاع ذلك البرنامج الوصول إلى 68.6 في المئة من المخالطين عن كثب، مع حلول 30 سبتمبر (أيلول)، خلال أسوأ أسبوع من الأسابيع المسجلة منذ بداية الجائحة، في حين نُقِل ثلثا الحالات الإيجابية إلى ذلك النظام (برنامج الفحص والتتبع) خلال تلك الفترة نفسها.

ويضيف سكالي، وهو أيضاً عضو في "المجموعة الاستشارية العلمية المستقلة للطوارئ" Independent Sage، إن "الحكومة لم تتخذ الخطوات المطلوبة لإنجاز العمل المهم في الوقت المناسب، ومساعدة الناس على عزل أنفسهم. فنحن نحارب هذا الفيروس فيما إحدى أيدينا مربوطة وراء ظهورنا".

وثمة قناعة لدى البعض بأن القيود المفروضة حالياً هي ببساطة غير شديدة بما يكفي. إذ يذكر جون إدموندز، العضو في "المجموعة الاستشارية العلمية الحكومية للطوارئ" Sage، أن الإغلاق في "ليستر" يشكل الإغلاق الوحيد الذي ينجح فعلاً في خفض العدوى وتقليل الحالات.

ويشدد على أن الإجراءات المحلية التي تلت في أمكنة أخرى لم تصل إلى المستوى الذي وصل إليه نموذج "ليستر".

وكذلك يورد إدموندز، وهو أستاذ في صنع نماذج الرياضيات الخاصة بالأمراض المعدية في "مدرسة لندن للنظافة والطب المداري" London School of Hygiene & Tropical Medicine، لـ"اندبندنت"، أن "الإجراءات كانت أشد بكثير جداً في "ليستر" من أي مكان آخر. إذ أُغلِقَتْ متاجر البيع بالتجزئة غير الأساسية، والمدارس، والجامعة أُغلِقت، وأماكن العبادة أُغلِقت. لقد كان إغلاقاً صحيحاً ويشبه جداً ما كنا نفعله على صعيد البلاد سابقاً. وما من أدلة كافية على أن القيود المحلية التي فُرِضَتْ لاحقاً، وأنا لا أستخدم كلمة إغلاق، قد أنجزت شيئاً كثيراً".

ويضيف إدموندز أن "ليستر" كانت أيضاً فريدة إذ طبقت حملة فحص جماعي لم تتكرر على النطاق نفسه بعد ذلك.

ويضيف، "حاولوا فحص المدينة كلها، أو على الأقل أجزاء منها، الأجزاء الأكثر عرضة للخطر. وجاؤوا بمختبرات متحركة للفحوص. وحاولوا تشجيع الناس، سواء كانت لديهم أعراض أم لا، على الخضوع للفحص بهدف العثور على الحالات ثم عزلها. وشكل ذلك تصعيداً بالمقارنة مع ما نفعله عادة في برنامج الفحص والمتابعة".

وكذلك يقر سكالي بوجود "كثير من الارتباك" يحيط بالقيود المحلية، ما يجعل من الصعب على الناس أن يعرفوا ماذا يستطيعون فعله، وماذا لا يستطيعون. ويضيف، "لا أستطيع أن أقول لكم كيف كانت القيود في "بلاكبيرن ويذ داروين" Blackburn with Darwen أو "نيوكاسل"، ولا يستطيع ذلك أيضاً معظم السياسيين، وفق ما تبين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبهدف معالجة هذا الأمر، تعتزم الحكومة تطبيق نظام مبسّط من ثلاث مراحل يُطبَّق عند المستوى الوطني. في المقابل، حتى عندئذ، إدموندز ليس مقتنعاً بأن ذلك سيكون كافياً كي يقلب الاتجاهات المتصاعدة في انتشار العدوى، التي تُسجَّل حاضراً. وبحسب رأيه، "أعتقد حقاً بأننا بحاجة إلى إعادة تطبيق القيود الوطنية. وعلى رغم أن الحالات أعلى بكثير في المدن الشمالية الكبرى، تبدو المعدلات آخذة في الازدياد في كل مكان".

ووسط كل التساؤلات والنظريات والاحتجاجات في شأن ما سينجح وما لن ينجح، لا يمكن تجاهل دور الناس. إذ يمكن للامتثال إلى القيود المحلية، بغض النظر عن مدى اعتدالها، أن يحقق فارقاً، بل إنه يفعل ذلك فعلاً، وفق أستاذ العلوم التنفسية في جامعة ليستر، الدكتور جوليان تانغ.

ويشير الأستاذ إلى تقرير صدر في سبتمبر عن "المجموعة الاستشارية العلمية الحكومية للطوارئ"، بيّن أن أقل من 20 في المئة من سكان إنجلترا يعزلون أنفسهم في شكل كامل حين يُطلَب منهم ذلك، ما يجعل الفحص الجماعي غير ذي معنى عملياً. ففي ضوء فترة حضانة فيروس "سارس- كوف- 2"، يحتاج ذلك الفيروس إلى ما متوسطه سبعة أيام كي يظهر في الجسم، إضافة إلى وجود نسبة عالية من الحالات الخالية من الأعراض، ما يمكن أي هفوات سلوكية من أن تجعل الفيروس ينتشر في شكل غير قابل للاكتشاف.

وينقل تانغ إلى "اندبندنت" أنه "إذا لم يكن التزام الإرشادات صارماً، فقد يبدو تافهاً، بيد أن هذا يغذي الجائحة مع مرور الوقت". ويضيف أن الناس الذين لا يحجرون أنفسهم، ولا يحافظون على التباعد الاجتماعي، و"يذهبون إلى المحال خلال حظر التجول بعد العاشرة مساءً ويختلطون مع أسر مختلفة" يقدمون لمسبب المرض فرصة الاستمرار في الانتشار بمعدل مضاعف.

ووفق كلماته، "إذا نظرتم في أرقام البلدان الآسيوية، كتايوان وهونغ كونغ، ترون أن أرقامها صغيرة جداً. ويقول البعض إن ذلك مرده إلى الفحص والمتابعة أو ارتداء الكمامة، لكن هذه الكتل السكانية شديدة الالتزام. وهي لا تقول بأنها خسرت حرياتها المدنية. إذا امتثلت الكتلة السكانية كلها، فسيكون الأثر كبيراً جداً".

وفي الإطار نفسه، يشير تانغ إلى إن أحد العوامل التي تميز هذه الدول يتلخص في أن الناس المصابين بالفيروس، أو من تعرضوا للإصابة به، يُدخَلون إلى منشأة للحجر حيث "لا يمكنهم الخروج لتدخين سيجارة أو زيارة السوبرماركت، على غرار ما يجري هنا". وهذه السياسة، على رغم أنها غريبة في نظر كثيرين، قد أثبتت فاعليتها في منع حصول سلسلة خفية من العدوى.

ويضيف تانغ أنه في غياب خيارات كهذه، تقصّر المملكة المتحدة في فرض إجراءات أكثر صرامة على مستوى البلاد من شأنها أن تمنع الناس من الاستسهال، على رغم اعترافه بوجود "إرادة سياسية قوية" ضد العودة إلى إغلاق آخر.

ويخلص إلى إن "تلك الأمور تتراكم كلها. إذا لم تمتثلوا للإجراءات هذه الخاصة بالعزل، والتباعد الاجتماعي، واحتياطات ارتداء الكمامات، فأي هفوة بسيطة تشبه فراشة ستسبب إعصاراً في الجهة الاخرى من الكوكب. إنها فرصة لفعل شيء حول الأمر الآن. وإذا فوتتم نافذة الفرصة هذه، ستواجهون موجة ثانية أطول وأكبر. علينا العمل بسرعة وضرب الفيروس بقوة".

© The Independent

المزيد من تقارير