Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"التتريك" والخوف يمنعان سكان رأس العين من العودة إلى بلدتهم

عام مر على العملية العسكري التركية والأمم المتحدة اتهمت فصائل موالية لأنقرة بارتكاب جرائم حرب في مناطق سيطرتها

يصادف الجمعة التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) مرور عام كامل على العملية العسكرية التركية، التي عرفت بـ"نبع السلام"، واحتلت على إثرها مناطق حدودية امتدت من شرق مدينة رأس العين (سري كانيه) وصولاً إلى الريف الشرقي لمدينة كوباني، بما فيها مدينة تل أبيض، بعمق ما يقارب 30 كيلومتراً أي إلى الطريق الدولي  M4.

ولم تكن نذر الحرب بادية في أجواء تلك المدن، عدا التهديدات التركية وانسحاب القوات الأميركية من نقاطها الحدودية، وانحسار تواجدها في أقصى شمال سوريا وشرقها، وحتى في يوم بدء العملية العسكرية كان السكان يعيشون حياتهم العادية من دون وجود حركة نزوح.

مشهد الحرب

في الرابعة عصر التاسع من أكتوبر عام 2019، بدأت الغارات الجوية التركية والقصف المدفعي على مدينة رأس العين مباشرة، ومن ثم على مدينة تل أبيض وعلى نقاط عسكرية على طول الشريط الحدودي ما بين المدينتين، لتبدأ حركة نزوح فورية باتجاه قرى ومدن الجنوب كالحسكة والرقة، حيث تجاوز عدد النازحين من تلك المناطق خلال ساعات 100 ألف شخص.

تظاهرات غاضبة

 بمناسبة مرور عام على احتلال المدينتين، وتنديداً بما جرى خلال هذا العام، خرجت تظاهرات في مناطق عدة تابعة للإدارة الذاتية. وفي مدينة القامشلي أمام مقر للأمم المتحدة، تجمع عدد من الكتاب والشعراء والمثقفين المنتمين إلى عدد من المؤسسات والتجمعات الثقافية الكردية، للمطالبة بخروج القوات التركية من المناطق السورية كافة وضمان عودة آمنة للسكان الأصليين.

وسط تلك التظاهرة، تحدثت الشاعرة آناهيتا سينو المنحدرة من مدينة رأس العين لـ"اندبندنت عربية"، بتثاقل عن العام المنصرم، وأنه حمل لهم كثيراً من الألم والتشرد، وأضافت أنها لا يمكن أن تتوقع متى يمكنها العودة إلى بلدتها "لأننا أصبحنا ضحية لمصالح الدول والقوى المتحكمة في سوريا".

"تتريك المنطقة"

 في الأيام الأولى من انتهاء العملية العسكرية، رفعت قوات عسكرية تركية وفصائل سورية تابعة لأنقرة، العلم التركي فوق ما كان يعرف بالمجمع الحكومي في مدينة سري كانيه، ثم دخلت منظمات إغاثية تركية مثل (AFAD) و(IHH) والهلال الأحمر التركي إلى كلا المدينتين وريفيهما، لتوزيع المواد الإغاثية على السكان المتبقين في تلك المناطق، وأنشات بالتوازي نقاطاً عسكرية لجيشها هناك، ودخلت المؤسسات التركية إلى داخل الأراضي السورية كمؤسسة الحبوب التركية TMO  واشترت محصول القمح من مدينة سري كانيه، التي أصبح أصحاب أراضيها نازحين وممنوعين من العودة إلى أرزاقهم وممتلكاتهم.

وفي تمدد تركي واضح، دشّن عبدالله آرين والي شانلي أورفا التركية في مدينة سري كانيه، عدداً من المؤسسات التي تتبع للمجلس المحلي التابع للمعارضة السورية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الحياة داخل المدينة

وبعد عام من نزوح السكان من المدينتين، لم يعد منهم إلى منازلهم إلا نسبة ضئيلة جداً، وفيما توزعت النسبة الساحقة منهم في مدن الرقة وكوباني والحسكة والقامشلي، بالإضافة إلى لجوء الآلاف منهم إلى إقليم كردستان العراق، حلت محلهم في منازلهم عائلات المسلحين التابعين لبعض الفصائل التي قاتلت إلى جانب القوات التركية في هاتين المدينتين. وتحدث بعض العائدين من مدينة رأس العين وريفها لـ"اندبندنت عربية"، عن ظروف العيش فيها وسط خوف من التعرف على شخصياتهم، وبيّن رجل خمسيني فضل عدم ذكر اسمه، أن الحياة داخل المدينة "كئيبة ومحزنة"، وأن السرقات وعمليات النهب التي قام بها المسلحون الموالون لتركيا، طالت منازل المدينة كلها من دون استثناء، بالإضافة إلى مضايقات يومية خصوصاً إلى جانب التعذيب "الوحشي" والإهانات اللفظية أثناء التحقيق، للتعرف على هوية الشخص العائد إلى المدينة.

وأشار إلى أن أهالي المنطقة لا يتعاملون مع الفصائل المسلحة، ولا يتجولون في المدينة إلا لشراء أو قضاء حاجة ملحة، مثل معالجة المرض والطبابة "لعدم إحساسنا بالأمان في المدينة".

وذكر أن عمليات السرقة والنهب أصبحت بشكل "لا يتصوره عقل" على حد تعبيره، وأن كل شيء من حولك كان موجوداً سرقه المسلحون وعائلاتهم، "حتى سحبت المضخات المعدنية من داخل الآبار الارتوازية في المشاريع الزراعية".

جرائم حرب

في الـ15 من سبتمبر (أيلول) الماضي، أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة تقريرها المقدم إلى مجلس حقوق الإنسان، حول الانتهاكات المرتكبة من قبل الأطراف العسكرية والمسلحة في مختلف مناطق سوريا.

وجاء في تقرير اللجنة الذي أعد من الحادي عشر من ديسمبر (كانون الأول) حتى الأول من يوليو (تموز) من العام الحالي، ارتكاب الفصائل الموالية لتركيا جرائم قد ترقى لجرائم حرب، بما فيها حالات القتل والخطف والاعتقال ونقل معتقلين إلى تركيا في المناطق التي تسيطر عليها.

ودعت ميشيل باشيليت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان السلطات التركية إلى احترام القانون الدولي، وضمان وقف الانتهاكات التي ترتكبها الجماعات المسلحة الخاضعة لسيطرة أنقرة الفعلية.

الوضع العسكري

في الـ17 من أكتوبر من العام الفائت، وبعد تسعة أيام من القتال الضاري في شوارع مدينتي رأس العين وتل أبيض، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) استعدادها لوقف إطلاق النار والانسحاب من مدينة رأس العين، بعد توقيع كل من الولايات المتحدة الأميركية وتركيا اتفاقاً ينص على إنشاء "منطقة آمنة"، تمتد من ريف سري كانيه إلى الغرب من تل أبيض، وتبلغ 86 كيلومتراً بعمق 30 كيلومتراً، أي وصولاً إلى الطريق الدولي M4، فيما جرى تفاهم عسكري آخر بين "قسد" والنظام السوري برعاية روسيا، أثناء العملية العسكرية التركية، قضى بموجبه توزيع نقاط للجيش الحكومي وأخرى روسية في المناطق الحدودية مع تركيا، خصوصاً في الخطوط التي رسمت أخيراً من جراء "نبع السلام"، فيما هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن هجوم جديد على المناطق الكردية، بدعوى عدم التزام الأطراف الموقعة، الأمر الذي يسبب مزيداً من القلق لدى سكان المناطق التي لم تطلها العملية العسكرية التركية، من أن يتحول مصيرهم إلى ما سبقهم إليه سكان كل من تل أبيض وسري كانيه.

المزيد من تقارير