Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"جمال أبدي" تأمل في الأمراض العقلية يفوق في دقته معظم الأفلام

لا يعتمد أداء سالي هوكينز الساحر على المجازات المعهودة، بل يحافظ على صدقه مع واقع المرض النفسي

أظهر فيلم "جمال أبدي" جرأة في تقديم صورة واقعية ومؤلمة عن المرض النفسي (يوتيوب)

فيلم "جمال أبدي" Eternal Beauty من إخراج كريغ روبرتس، بطولة سالي هوكينز، وديفيد ثيولس، وبيللي بايبر، وبينيلوبي ويلتون، وأليس لو ومورفيد كلارك. التقييم الرقابي للشريط يسمح بمشاهدته من عمر 15 سنة فما فوق. مدة الشريط تساوي 94 دقيقة.

حين تقدّم سالي هوكينز أداء، يبدو الأمر كأنها توجه دعوة إلى المشاهدين. إن حضور الممثلة قوي للغاية وآسر تماماً، كأنها تغري الجمهور بالتغلغل معها في نفسٍ أخرى لإلقاء نظرة على دواخلها. في أحدث أدوارها ضمن فيلم الكوميديا السوداء "جمال أبدي" للمخرج كريغ روبرتس، تلعب دور جين، المرأة تعاني من مرض انفصام الشخصية.

لا تنقل هوكينز المرض العقلي للجمهور من خلال التلميحات المعتادة، بل يجب استيعاب جين وفهمها عبر أفعال دنيوية بسيطة. يتوضح ذلك في طريقتها في نزع الطبقة المحمّصة من خبز شطيرتها ورميها إلى الطيور، إذ تنتف نصف قطعة الخبز عندما تفعل ذلك. قد يكون ذلك السبب وراء مظهرها الشديد النحول، بينما تختفي يداها في أكمام سترتها الطويلة. جين امرأة تضحك بعصبية وتتنفس بصعوبة وتفرك أظافرها باستمرار بين إبهامها وسبابتها.

وكذلك تنساب الأصوات من جهاز الراديو وتجتاح رأسها بأفكار هدامة. ويتواصل رنين الهاتف، والرجل الذي يتحدث إليها يطلب منها الإخلاص. لكن، كل هذه الأمور تشكّل مجرد هلوسات. إنها صرخات خشنة تصدر عن صدمتها، ويتردد صداها منذ اليوم الذي هُجِرت فيه جين عند المذبح. وآنذاك، كانت شابة (أدت مورفيد كلارك دور جين في صباها) ساذجة ومليئة بالأمل بالمقدار نفسه. أما الآن، فإنها تهيم على وجهها كالأشباح، متنقلة بين منازل أفراد عائلتها العديمة الرحمة التي ترثي لنفسها. وكذلك تعمل والدتها (الممثلة بنيلوبي ويلتون) على حشو فكر جين بالشعور بالذنب. كذلك يبدو والدها (الممثل روبرت بيو) غير متأثر. وكذلك فإن أختها الأولى، أليس (الممثلة أليس لو)، متزوجة من رجل يزمّ شفتيه بشكل دائم كأنه يمص ليمونة إلى ما لا نهاية (الممثل بول هيلتون). في المقابل، إن أختها الأخرى، نيكولا (الممثلة بيللي بايبر)، عابسة دوماً. ويعامل جميعهم جين كطفلة. وحين تشتكي من أن أدويتها الجديدة تجعلها تشعر بالنعاس، يأتي جواب والدتها، "حسناً، عليك إذاً أن تستيقظي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كريغ روبرتس، الذي أدى في 2010 دوراً تمثيلياً مميزاً في فيلم "غواصة" Submarine للمخرج ريتشارد أيوادي، ويخوض مغامرات إخراجية منذها، يجمع بين عشقه الشخصي للسينما مع مراعاة الأشخاص الذين تعاونوا معه في السابق. ويحمل "جمال أبدي" شعوراً صارخاً بالعزلة يعيد ذكرى عمل أيوادي، كتلك المشاهد التي تجري في غرف نصف فارغة، لكنها ملأى بظلال طويلة وجائعة. مع ذلك، فإن الفيلم الذي صُوِّر بالكامل على شريط  بقياس 35 ملم، يبدو كأنه فيلم تكنيكولور صامت، وكخيال هوليوودي باهت. عندما تغرم جين بمايك (الممثل ديفيد ثيوليس) ذلك الشخص المرهَق والمُهمَل أيضاً بسبب نظام رعاية الصحة العقلية، يصبحان عاشقين مرحين في فيلم كلاسيكي [ينتمي إلى أسلوب مدرسة] "الموجة الجديدة" في السينما الفرنسية، [التي راجت في أواسط القرن العشرين]. كذلك تحمل الحركة الدراماتيكية لعدسات التقريب والتبعيد، وأصوات الكمان المتكررة، لمسة أسلوب المخرج المعروف آلفرد هيتشكوك، لكن من منطلق أن المرض العقلي قد يجعلك تشعر أحياناً كأنك تعيش داخل شريط رعب شخصي خاص بك.

في المقابل، لا يهتم المخرج روبرتس بالولاء المجرّد، ولا يبدو أن فيلمه لا يتعامل بصدق أبداً مع الواقع النفسي للشخصية المركزية فيه. إذ شكّل أحد قريبات المخرج مصدر إلهام  شخصية جين، وكتب سيناريو الفيلم بعدما أدرك أن كل الدفء والحيوية في حياتها الداخلية، التي سارت جنباً إلى جنب مع مرضها، مثّلت بشكل من الأشكال "قوة خارقة" فريدة.

كذلك يثير فيلمه الضحك، لكن بطريقة معينة، تماماً مثلما يبدو العالم مضحكاً بينما تنهار حياتك. في أحد مشاهد الفيلم، تشعر جين بأنها مضطرة إلى النهوض ومغادرة حفل عشاء لأنها لا تحب الكزبرة المرشوشة على الجزر في طبقها. بينما نستمع إلى نصيحة في تسجيل ضمن جلسة تنويم مغناطيسي التي يدور المشهد في إطارها، تحملها كلمات "لا تحارب الاكتئاب. بل صادقه". ثمة شيء من الحقيقة في هذا الكلام. ووفق ما يبين لنا "جمال أبدي"، قد لا نكون قادرين على هزيمة شياطيننا، لكن يمكننا محاولة العيش في سلام معها. إنه فيلم يتناول الأمراض العقلية بدقة وطريقة متطورة، بما يفوق قدرة معظم الأفلام.

© The Independent

المزيد من سينما