Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل كان تعامل ترمب مع مرضه علامة قوة أم فرصة مهدرة؟

يعيب الرئيس الأميركي على منافسه الديمقراطي ركونه في المنزل خوفاً من الفيروس

أثار مشهد خروج الرئيس الأميركي دونالد ترمب من مركز والتر ريد الطبي ووصوله إلى البيت الأبيض وتغريداته التي رافقت هذه اللحظات، كثيراً من التباينات في الولايات المتحدة، فهناك مَن اعتبر موقفه من مرض كوفيد-19 الذي يتسبب به كورونا، ودعوته الأميركيين إلى عدم السماح للفيروس بالسيطرة على حياتهم، وأنه سيكون بطلاً لا يُقهر عندما يعود لتفعيل نشاط حملته، علامة قوة تحفز الناخبين وتبعث فيهم الأمل وتظهره في موقف قوة ليؤثر إيجابياً بالناخبين، وهناك في المقابل من رأى تصرفات الرئيس وخلعه الكمامة أثناء وقوفه على شرفة البيت الأبيض ومطالبته الأميركيين بعدم الخوف من الفيروس، استهتاراً بأرواح الناس، وإهداراً  لفرصة ثمينة كان يمكن أن يستغلها لمصلحته ويجعلها نقطة انطلاق جديدة إذا أبدى تعاطفاً مع الضحايا وحض الأميركيين على الحذر من الوباء، بما يساعده على عكس نتيجة استطلاعات الرأي التي كانت تحمله مسؤولية تفشي الوباء، فما العوامل التي يستند إليها كل طرف وكيف يمكن أن تنعكس على الناخبين؟


شهر التحول

بالنسبة إلى حملة ترمب الانتخابية ، كان من المفترض أن يكون شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي هو شهر التحول في تأييد الناخبين لمصلحة الرئيس من أجل تأمين ولاية حكم ثانية له عبر إظهار بايدن بأنه غير مؤهل للحكم في المناظرة الأولى، وتوسيع قاعدة التحالفات مع الناخبين، وجمع مزيد من الأموال وتنظيم تجمعات جماهيرية وحماسية أكبر، لكن الأمور سارت بطريقة مختلفة عن تلك التي تصورتها الحملة.

فقد شهد الأسبوع الماضي تقلبات مفاجئة أربكت حساباتهم، بدءاً من التسريبات التي كشفت عنها صحيفة "نيويورك تايمز" بأن ترمب دفع ضرائب قليلة في السنوات العشر الأخيرة، مروراً بالنقاش العدائي مع خصمه الديمقراطي جو بايدن خلال المناظرة الانتخابية الأولى وعدم تحقيق انتصار واضح، وانتهاءً بتفشي فيروس كورونا في البيت الأبيض وإصابة الرئيس وعدد من مساعديه به بعدما كان يستهزئ بالإرشادات الصحية المتعلقة بالمرض.


علامة قوة

ومع ذلك، بدأت حملة ترمب الانتخابية في تجاوز هذه العراقيل، والانطلاق إلى العمل مجدداً بطاقة أكبر، من خلال الاستفادة من طاقة الرئيس الإيجابية التي أظهرها عقب خروجه من مركز والتر ريد الطبي، بل إن تصرفات ترمب في البيت الأبيض لدى عودته من المستشفى وخلعه الكمامة ومطالبته الأميركيين بعدم الخوف، جعلت عدداً من مستشاريه يفسرونها على أنها علامة قوة تتسق مع مواقفه السابقة ولا تناقضها.

ويرى بعض أعضاء الحملة أنه من المهم تصوير الفيروس كمعركة جديدة من سلسلة طويلة من المعارك التي تغلب عليها ترمب بنجاح، مثلما تغلب من قبل على التحقيق الذي أشرف عليه روبرت مولر حول علاقة حملته الانتخابية بروسيا في انتخابات عام 2016 التي فاز بها ضد هيلاري كلينتون، ومثلما انتصر في محاكمة عزله في مجلس الشيوخ الأميركي في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.

 

تجنب التناقض

وعلى الرغم من أن حملة ترمب نشرت فيديو للرئيس من داخل مركز والتر ريد الطبي حيث كان يعالَج من الفيروس، وأظهر خلاله لمحةً أولية إنسانية متواضعة تحدث فيها أنه تعلم كثيراً عن مرض كوفيد-19 وكأنه في مدرسة حقيقية وأنه يتفهم ذلك، لكن هذا النهج لم يؤد إلى زيادة دعمه شعبياً، كما واصل منتقدوه التساؤل عن سبب تجاهله وفريقه باستمرار نصيحة مسؤولي الصحة في الولايات المتحدة حول كيفية وقف انتشار المرض.

ولهذا أكدت حملة ترمب أنها لن تغير نهجها في التعامل مع الفيروس خشية أن يقوض ذلك المشهد بأكمله وقد يضر الرئيس انتخابياً ويتيح لبايدن والديمقراطيين النيل منه، بخاصة أن ترمب لطالما انتقد استمرار بايدن في قبوه داخل منزله متخوفاً من المرض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


صمود ترمب

ودفع هذا التقدير أعضاء حملة الرئيس إلى التراجع عن هذا المنحى بالكامل، وبدلاً من ذلك، قدموا في سلسلة تغريدات ومشاهد تلفزيونية وإعلانية، شهادةً على صمود ترمب من خلال التأكيد على أنه تغلب على المرض، ومن بينها ما تابعه الأميركيون على مواقع التواصل الاجتماعي حين نشرت حملته فيديو قديماً من برنامج كان يشرف عليه ترمب ولكن عدل ليظهر الرئيس يصارع فيروس كورونا ويهزمه بالضربة القاضية.

ويعكس هذا التوجه ما قالته إيرين بيرين، المتحدثة باسم حملة ترمب على شبكة "فوكس نيوز"، حين تحدثت عن أن ترمب يملك خبرة كقائد أعلى للقوات المسلحة، ولديه خبرة كرجل أعمال، والآن بات لديه خبرة في مكافحة فيروس كورونا، وهي جميعاً تجارب مباشَرة لا تتوافر لخصمه جو بايدن.


فرصة مهدرة

وعلى الرغم من أن نائب الرئيس مايك بنس وأبناء ترمب سيقومون بدور البديل في الاتصال الشخصي مع مؤيدي الرئيس، فإن عدداً من الخبراء الإستراتيجيين في الانتخابات، اعتبروا أن ترمب أهدر فرصة جيدة حينما أصابه مرض كوفيد-19 ونُقل إلى المستشفى إذا كان قد أبدى تعاطفاً مع عامة الناس وتحدث عن تجربته الخاصة وتجربة ملايين الأميركيين الذين عانوا من المرض أو راحوا ضحيةً له، فقد يستطيع ترمب إن فعل ذلك إعادة ضبط سياسته بشأن الوباء.

وبحسب هؤلاء كانت الأزمة الصحية التي شهدتها البلاد بسبب تفشي فيروس كورونا بمثابة انتكاسة في مسار إعادة انتخابه، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أنه خسر لأشهر عدة بسبب استهتاره بالفيروس ومواقفه منه، لكن إصابته كانت فرصة لإظهار موقف جديد تجاه الفيروس يناقش فيه تجربته الخاصة ويؤكد أن المرض خطير ولكن يمكن مكافحته، بما يساعده على إدارة التعامل مع الوباء بشكل أفضل مستقبلاً وتحقيق فوائد سياسية قد تجعله يستعيد تأييد عدد مهم من الناخبين في التوقيت الحاسم من المعركة الانتخابية.


أمل تبدد

غير أن هذا الأمل تبدد بسبب سلوك الرئيس حين غرد على تويتر إلى الأمة الأميركية قائلاً "لا تخافوا من الفيروس ولا تدعوه يسيطر على حياتكم"، كما أنه لم يلتزم بالخطاب الذي كان يأمل مساعدوه أن يقدمه للأميركيين، ففي مقاطع فيديو صورها مساعدوه خلف الكواليس، لم يذكر الرئيس المعاناة التي سببها الفيروس للآخرين، كما أنه لم يذكر موظفي البيت الأبيض الذين أصيبوا بالمرض.

أكثر من ذلك فإن تغريدته، التي تحدث فيها أنه يشعر بتحسن أفضل مما كان عليه قبل نحو 20 سنة، صورت الفيروس على أنه ليس أكثر من مجرد وعكة صحية أشبه بنزلات البرد، وهو ما جعل عدداً من الجمهوريين مثل بريندان باك، مستشار رئيس مجلس النواب الجمهوري السابق بول رايان، يعبر عن رغبته في أن يقدم الرئيس رسالة مختلفة تكشف أنه يتعافى من أزمة صحية خطيرة، وأن يمزجها بقليل من التعبيرات الدينية، لكن يبدو أن ترمب لم يكن قادراً على فعل ذلك، وهو ما يعتبره باك أمراً مقلقاً، نظراً إلى أن نصف الأميركيين يتتبعون خطواته ويسيرون على نهجه.

في المقابل، رأى آخرون أن ترمب كان يمكن أن يسير على خطى قادة العالم الآخرين الذين انتصروا في معركتهم مع الفيروس ويرسل رسالة إيجابية مماثلة لما فعله رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون على سبيل المثال حين أعلن عقب خروجه من المستشفى عن كيف أثر الفيروس عليه، وأنه ملتزم بالعمل على التصدي للفيروس واتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة التحديات التي تواجه بلاده.

ماذا بعد؟

وأياً كان السبب وراء النهج الذي دفع الرئيس ترمب وحملته إلى اتخاذ موقف صلب تجاه المرض، فإن ما يشغل حملته الآن هو العمل لاستغلال كل لحظة متبقية على موعد الانتخابات في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وعبر إدوارد رولينز وهو مستشار إحدى جماعات التمويل الرئيسة الداعمة لترمب عن أمله في ألا يندفع الرئيس إلى العودة لمسار الحملة الانتخابية الذي يريد أن يفعله قبل أن يتحسن وضعه الصحي ويخبره الأطباء بأنه لم يعد يمثل خطراً على المحيطين به.

إلا أن حملة ترمب ستنتظر أياماً عدة للتأكد من تحسن واستقرار الوضع الصحي للرئيس قبل أن تقرر الخطوات التالية من حملته، إلا أنها في ذات الوقت تمضي قدماً غير مكترثة بما تكشف عنه استطلاعات الرأي بين حين وآخر من تقدم نائب الرئيس السابق جو بايدن. ويراهن أعضاء الحملة على مؤيدي ترمب الذين لا يكشفون صراحةً عن تأييدهم للرئيس في استطلاعات الرأي ما يجعلها غير دقيقة، تماماً مثلما حدث في الانتخابات الرئاسية الماضية التي كانت تظهر تقدم المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون بأكثر من عشر نقاط على المستوى الوطني.

المزيد من تحلیل