Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فيلم الناشط البيئي البريطاني ديفيد أتنبره الجديد "متين وغاضب"

يستعيد تجربة 70 عاماً من العمل التلفزيوني في شريط "الحياة على كوكبنا" الذي أصدرته "نتفليكس

استمر ديفيد اتنبره سبعة عقود في تغطية مشاكل البيئة لكنه ينتقد الآن تلك المسيرة (غيتي)

يصف ديفيد أتنبره David Attenborough فيلمه الجديد على نتفليكس بأنه "إفادة يقدّمها كشاهد"، وتلك الإفادة تأتي على شكل تلخيص، في 90 دقيقة، لتجربته التي غطّت زهاء سبعة عقود كمقدم تلفزيوني.

أما الجريمة التي يدلي أتنبره بإفادته عنها وشهادته عليها، فهي جريمة تدمير الموائل الطبيعية على كوكب الأرض، التي عاين مجريات أحداثها من على كرسي عند طرف حلبة تلك الأحداث. هذا الوصف ربما يوحي ببعض الدعابة، إلا أنه أيضاً يأتي مشحوناً بغضب لم يكن على الدوام سمة من سمات أعمال الرجل.

يمكن القول بداية إن فيلم "الحياة على كوكبنا" A Life on Our Planet هو من النوع الذي قد ينزلق نحو منزلق نتاجات الاحتفاء بالذات، بيد أن تبرير أتنبره لذلك وتفسيره له يشيران إلى خطورة القضية التي يطرحها، معتبراً أن تلك الخطورة هي التي جعلته يسمح لنفسه في أن يقدّمه بذاك الأسلوب الوداعي، ففي الفيلم ثمة إحساس بحتميّة النهاية. لكننا، مرة أخرى، كما أمام كل نتاج جديد لأتنبره منذ عشرين عاماً، نجد أنفسنا نسأل إن كان هذا سيمثّل العمل الأخير للرجل.

ذاك رهان في الحقيقة يتطلب شيئاً من الجرأة.

وتتناوب في الفيلم مشاهد وذكريات من مسيرة أتنبره المهنية، تبدأ من ليسترشاير Leicestershire حين كان شاباً يبحث عن الأمونيتات (لافقريّات بحرية تنتمي إلى رأسيات الأرجل، انقرضت مع الدينوصورات قبل 65 مليون سنة خلال العصر الطباشيري)، وتصل إلى مقابلة حديثة أجريت معه، فنعاين وجهه من قريب وهو يسرد حجم الكارثة التي نحياها، والآمال غير الحاسمة في إصلاح ما تضرّر.

كانت أفلامه التي حققها في الآونة الأخيرة تميّزت بإيقاع معهود، تتألّف من لقطات باهرة لنباتات وحيوانات، ومشهديات تغطي معظم زمن الفيلم، تتبعها، في الدقائق الأخيرة، رسالته البيئية المحبطة.

بيد أن ذاك الإيقاع المعهود جاء هذه المرة معكوساً، إذ يتّسم "الحياة على كوكبنا" في معظم زمنه بحركيّة تستحضر أفلام الرعب.

يباشر الفيلم قصته ببداية سعيدة، تزامن فتوّة أتنبره وفقراته الأولى على التلفزيون، حيث العالم آنذاك يبدو أشبه بنعيم. إلا أن الأمر سرعان ما ينقلب. وتغدو أمامنا على الشاشة ثلاثة اتجاهات تتطور على نحو صارخ: معدّل سكان الأرض من البشر ومعدّل ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض والنسبة المئوية ممّا تبقّى من موائل طبيعية على كوكبنا. اثنان من هذه المعدّلات والأرقام يرتفعان بسرعة، وواحد ينخفض بالسرعة ذاتها. هنا، وفي أحد المشاهد المتعاقبة والأكثر ترويعاً، يستعرض أتنبره ما قد نتوقعه من عقود السنوات المقبلة إن استمرّينا في تلويث الأرض.

والحال إنه، في المطلق، من الصعب تخيّل غياب أتنبره، على الرغم من أن حضوره في الأعمال والبرامج التي حققها في الآونة الأخيرة بدا، في بعض الأحيان، مصدراً لشيء من الضياع والتشتّت، إذ بوسع المرء إزاء تلك الأعمال، من دون شك، أن يقول حان وقت تقاعد أتنبره وتسليمه الدفّة إلى شخص آخر. لكنه في "الحياة على كوكبنا" يستخدم حضوره، بالتالي عمره، على نحو مختلف، ويجعل منه أداة إبلاغ. فالرجل، حتى في سن الـ94، ما زال يرينا بهاء الأرض وفظائع ما نرتكبه بحقها. عيناه، المتعبتان الآن، تحدّقان بأعيننا، وبرويّة وانتباه ينطق كلماته. "لقد اكتسح البشر الأرض"، يقول.

وأنا من جهتي، على نحو غير متوقع، وجدت تلك الكلمات شديدة الأثر والوقع، ليس فقط أمام ما لحق بالأرض من خراب، بل أيضاً أمام مقدار حياتي الشخصية التي قضيتها مشاهداً وثائقيات أتنبره. مهما كان العمل الذي أقوم به، فقد كان الرجل حاضراً، يقول الشيء ذاته. والمشاهدون الأكبر سنّاً ربما يدركون ذلك على نحو أدق، إذ إن تلك البرامج التي قضيت وقتاً طويلاً جداً ساهماً فيها تمثّل أيضاً شهادة على سنوات من النفاق والخمول.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

وعلى الرغم من إقرار أتنبره بسذاجته آنذاك، حين كان يعتقد أنه يستكشف جنّة بكراً، فإنه ما زال يشير إلى مصادفة تجربته المهنية ومزامنتها لمظاهر التدمير الشامل التي تعرّضت له موائل الأرض الطبيعية. وهو أيضاً في الوقت ذاته، يجايل عمر التلفزيون. وإن قام المرء بمراجعة سيرته المهنية، فسيجد بوضوح أنه واحداً من أولئك الفنانين الذين تترادف أسماؤهم مع أسماء التقنيات الجديدة، وهذه الأخيرة بحالته هي التلفزيون الملوّن (كما كان رائداً أيضاً لتلفزيون "أتش دي" HD - فائق الدقّة).

بدأ ديفيد أتنبره بتكوين اسمه في مرحلة (انطلاق التلفزيون) الأسود والأبيض، بيد أن المقاطع والفقرات التي اختيرت في "الحياة على كوكبنا" تذكّرنا بأن أعماله الأفضل كانت مكتملة الطيف (أي بالألوان). القرد الذي يتناول شراب الزنجبيل في أعلى جذع شجرة عارية، مثلاً، وبياض دب قطبي سابحاً في ماء قطبي ذاب جليده، وطيور بلون قوس قزح تتقافز في الأدغال، هنا وهناك.

ولكي يتركنا وبقدر الإمكان غير مثبطي العزائم، يقدّم لنا أتنبره في الدقائق الأخيرة من فيلمه الجديد بريقاً من أمل. وذاك يتمثّل في أعمال إعادة زرع الغابات في كوستاريكا، ومشاريع الطاقة الشمسية في المغرب، التي أثبتت القدرة التي تتحلّى بها الحوافز الملائمة. فإن جرت فقط حماية ثلث السواحل البريطانية من أعمال صيد الأسماك، فإن مياهنا ستعود مرة أخرى حافلة بالأسماك والحياة البحرية. وكلّما أسرعنا في رفع مستوى الحياة، فإن معدلات الإنجاب بالنسبة إلى الجميع ستتناقص.

ثم إن الفيلم ينتهي في تشيرنوبيل، موقع أفظع كارثة شهدتها البشرية، وهو الموقع الذي يثبت الآن أن الطبيعة تزدهر من دوننا. على أن السؤال الذي يبقى مفتوحاً هنا، هو عما إذا كان البشر قادرين على تعلم العيش مع عالمنا قبل أن ندمره كليّاً. وفي الختام، لا يسعنا إلا توجيه جزيل الشكر لأتنبره، وللآلاف من الحاذقين الذين عملوا في الإنتاج والتصوير والمونتاج والإشارة، وغيرهم من أفراد الفريق الذي عمل مع أتنبره على مدى عقود. فنحن بفضلهم بتنا نعرف، على الأقل، ما نخسره.

© The Independent

المزيد من سينما