Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العراق... مواجهة إعلامية نادرة بين سياسيين سنة وفصائل مسلحة موالية لإيران

غرق "عبارة الموصل" يفجر جدلاً واسعاً في شأن أسباب انتشار الحشد الشعبي في مناطق الغالبية السنية

تتزايد جرأة نواب من المكون السني في البرلمان العراقي على مواجهة تنامي نفوذ فصائل شيعية مسلحة، مقربة من إيران، وهيمنتها على أكبر الاستثمارات المتاحة في المناطق التي كانت تخضع لسيطرة تنظيم داعش. وكان التنظيم، احتل صيف العام 2014، معظم المناطق التي يسكنها العرب السنة في العراق، قبل أن تنجح بغداد في استعادتها كلياً في العام 2017.

الحشد الشعبي وقتال داعش

وأجبرت جبهة العمليات الواسعة آنذاك الحكومة العراقية، على السماح لقوات الحشد الشعبي التي تخضع الفصائل الكبيرة فيها للتأثير الإيراني، بالمشاركة في القتال ضد تنظيم داعش. كما كان متوقعاً، حافظت قوات الحشد الشعبي على مواقعها في جميع المناطق السنية المحررة، بحجة حماية أقليات شيعية فيها، كما في نينوى وصلاح الدين، أو المشاركة في تأمين الحدود العراقية السورية، كما في محافظة الأنبار.

ضمانات اقتصادية للانتشار العسكري

لم يكن بقاء هذه القوات الشيعية التي تخضع للنفوذ الإيراني، في المناطق السنية ممكناً، من دون ارتباطه بعمليات اقتصادية تضمن تدفق الأموال اللازمة لتشغيل الأجنحة العسكرية. وكشفت حادثة غرق العبارة في الموصل، عن توغل بعض فصائل الحشد الشعبي عميقاً في ملف الاستثمار الخاص في المناطق السنية.

عصائب أهل الحق في دائرة الاتهام

لمّح نواب في البرلمان العراقي عن نينوى، إلى أن ممثل حركة عصائب أهل الحق في الموصل، هو أحد المتورطين في ملف العبارة. وحركة عصائب أهل الحق التي يتزعمها قيس الخزعلي، هي إحدى أبرز فصائل الحشد الشعبي الصديقة لإيران، وقد عزّزت حضورها في الموصل بعد طرد تنظيم داعش. ونشر النائب أحمد الجبوري، تفاصيل محادثة عبر تطبيق "واتساب" مع ممثل الحركة في الموصل، بعد اتهامه بالاستحواذ على استثمارات سياحية، بينها جزيرة أم الربيعين التي شهدت فاجعة العبارة.

عتب... وتضحيات

وجّه ممثل العصائب لوماً صريحاً إلى الجبوري لإسهامه في نقل اتهام العصائب في التورط بحادثة العبارة إلى وسائل الإعلام، مذكراً إياه بـ "تضحيات" قدمتها الحركة في سبيل "تحرير" الموصل من تنظيم داعش، ورد الجبوري قائلاً "الحق لا يُغضب"، في إشارة الى أن اتهامه للعصائب مؤكد. وتطورت هذه الأزمة إلى حملة من قبل نواب العصائب في البرلمان العراقي، وعددهم 15، للدفاع عن الحركة، ضد ممثلي الموصل في البرلمان العراقي.

العصائب تعكس الاتهام

قال زعيم كتلة "صادقون" النيابية، الجناح السياسي للحركة، عدنان فيحان، إن حراس النائب أحمد الجبوري متورطون في عمليات تهريب نفط من الموصل إلى إقليم كردستان المجاور، بينما أصدر نواب آخرون عن العصائب بيانات تحذر من "استهدافها إعلامياً". وفضلاً عن الجبوري، وجّهت الحركة اتهامات صريحة إلى فلاح الزيدان، وهو نائب عن نينوى، سبق له أن تولى منصب وزير الزراعة، باستهدافها إعلامياً.

النواب السنة يتماسكون

على خلفية الاتهامات المتبادلة مع حركة عصائب أهل الحق، أصدر نواب ما يعرف بـ "المحافظات المحرّرة"، وهي مناطق ذات غالبية سكانية سنية احتلها تنظيم داعش، بياناً أعلنوا فيه رفضهم "الاستهداف السياسي والإعلامي الذي يطاول بعضهم لكشفهم ملفات فساد مالي وإداري"، في إشارة إلى سجالهم مع العصائب. وطالب هؤلاء "بعقد اجتماع سياسي طارئ" يشارك فيه رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي "لمناقشة الاستهداف السياسي" لبعض النواب.

جاء في البيان الذي وُزّع على وسائل الإعلام أننا "نرفض الاستهداف السياسي والإعلامي الذي صدر من أطراف وشخصيات سياسية تجاه النائبين فلاح الزيدان وأحمد الجبوري على خلفية كشفهما ملفات فساد في محافظتهم نينوى"، مشيراً إلى أن ما قاما به "يستحق الثناء والشكر لا الاستهداف والتشهير من دون دليل، فضلاً عن أن الجبوري والزيدان قدما المئات من الشهداء من أبناء عمومتهما وأسهما في شكل كبير وفعال في معارك التحرير". وقال نواب المحافظات المحرّرة من تنظيم داعش "سيكون لنا موقف تجاه هذا التصعيد ضد نواب المحافظات المحرّرة، وندعو الشركاء السياسيين إلى الكفّ عن التصعيد الإعلامي الذي يجرّنا إلى تعقيد الموقف السياسي".

تضامن نادر

وفقاً لمعلومات حصلت عليها "اندبندنت عربية"، فإن هذا البيان حظيَ بتوقيع حوالي 60 نائباً في البرلمان العراقي من مختلف المناطق السنية في الأنبار وصلاح الدين وديالى وبغداد وكركوك، فضلاً عن نينوى، ما يمثل تضامناً سياسياً سنياً غير مسبوق، ضد فصيل شيعي مسلح، موال لإيران. ويعتقد كثيرون في بغداد بأن هذا السجال، هو بوابة لنقاش أوسع في شأن أسباب وجود الحشد الشعبي في المناطق السنية، كما يمكن أن يمثل إشارة إلى تبدد الخوف السني من مواجهة الميليشيات الشيعية القريبة من إيران.

سؤال سني

بالنسبة إلى السنة، فليس لدى الحشد الشعبي ما يفعله في مناطقهم، في ظل وجود الجيش والشرطة الاتحادية والمحلية وجهاز مكافحة الإرهاب وشرطة الحدود ومتطوعين عشائريين. ويربط كثيرون من السنة بين وجود الحشد الشعبي في مناطقهم والرغبة الإيرانية في الهيمنة عليها أو استفزاز سكانها. لكن بعض فصائل الحشد الشعبي يقوم بأدوار إستراتيجية في المناطق السنية، تتعلق بتنفيذ الخطة الرامية إلى وصل الأراضي الإيرانية بالأراضي السورية عبر العراق، وهو ما تحقّق عملياً عبر طريقين، الأولى عبر الموصل، والثانية عبر الأنبار.

وعملياً، تملك إيران حالياً، عبر حلفائها في الحشد الشعبي، سيطرة شبه كلية على طريقين بريين في الأقل، تربطان حدودها بالأراضي السورية، ما يجنبها الحاجة إلى استخدام الأجواء العراقية التي تخضع لرقابة أميركية مشددة، لا سيما ما يتصل منها بالملف السوري. ويقول خبراء ومراقبون إن فصائل في الحشد الشعبي ستواجه تحديات مستقبلية كبيرة في حال أصرّت على حماية طرق إيران البرية نحو سوريا عبر العراق، لأنها تتوغّل في مناطق العرب السنة، بينما يُعتقد بأن وجود الحشد الشعبي أساساً في هذه المناطق سيتعرّض لضغوط كبيرة في المدى المنظور.

المزيد من تحقيقات ومطولات