على الرغم من خروج الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، من المستشفى، وتحسن حالته الصحية نسبياً، فإنه ما زال مريضاً، وسيظل تحت ملاحظة طبية دقيقة على مدار الساعة؛ لمتابعة تداعيات كوفيد -19، ما أثار بالتوازي مع تفشي وباء كورونا في كثير من الولايات وتصاعد حملة انتخابية مريرة تُقسم المجتمع الأميركي وتنذر بعنف في الشوارع، مشاعر مُتباينة في عدد من العواصم الأجنبية يختلط فيها القلق مع الترقب والتحفز بشأن دور أميركا على الساحة العالمية، وما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة من مفاجأة أكتوبر (تشرين الأول) التي يحذر سياسيون وباحثون من أن تغامر بها دولة أجنبية أو أكثر بشكل عدائي استغلالاً لفرصة انشغال الولايات المتحدة بشأنها الداخلي، فما شكل التحديات التي قد تُشعلها مفاجأة أكتوبر؟ وما القوى الدولية التي يمكن أن تبادر لمغامرة كتلك؟ وهل تستطيع أميركا الرد حتى مع انغماسها في الشأن الداخلي؟
تأثير العجز
طوال الأشهر الـ45 الماضية اتبعت واشنطن ما اعتبره العدو والصديق على حد سواء تراجعاً في مستوى الارتباط والتداخل الأميركي مع العالم الخارجي اتساقاً مع سياسة "أميركا أولاً" التي اتخذتها إدارة ترمب شعاراً في علاقاتها الخارجية، ونفذتها في بعض جوانب سياستها الخارجية، وظهرت شواهد فك الارتباط في التوتر الذي شهدته علاقات واشنطن بحلف الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، وفي الانسحاب الأميركي من اتفاق باريس للمناخ، وفي سحب أو تعليق عضوية أميركا من منظمات دولية؛ كمنظمة الصحة العالمية واليونسكو، فضلاً عن خفض عديد القوات الأميركية من أفغانستان وسوريا والعراق.
ومع عودة تفشي فيروس كورونا في عشرات الولايات الأميركية، واشتعال حملة انتخابية سلبية ومريرة تعزز الانقسام داخل الشعب قبل موعد الانتخابات، وفي أعقاب المناظرة الفوضوية الأولى بين الرئيس ترمب ونائب الرئيس السابق جو بايدن التي صدمت العديد من القادة الأجانب، جاءت إصابة الرئيس ترمب بمرض كورونا وما تثيره الآن أو مستقبلاً من احتمالات عجزه عن ممارسة مهامه كرئيس وكقائد أعلى للقوات المسلحة الأميركية ولو لفترة قصيرة من الزمن، ليفجر تساؤلات جدية حول قدرة أميركا على الرد ضد ما يسميه السياسيون والباحثون "مفاجأة أكتوبر" التي يمكن أن تتخذ شكلاً أو أكثر.
تركيا وروسيا
على سبيل المثال يعتبر باحثون في واشنطن أن التدخل التركي الأخير في النزاع المحتدم بين أرمينيا وأذربيجان حول ناغورنو قره باغ، نذيراً لأزمة أكثر خطورة يمكن أن تندلع أثناء فترة الحجر الصحي للرئيس، أو إذا ساءت حالته في أي لحظة خلال الأيام المقبلة؛ إذ قد تعمل الأجواء المحتقنة في الداخل الأميركي خلال مرض ترمب وفي أثناء أيام الانتخابات إلى دفع تركيا بمزيد من الميليشيات التابعة لها في سوريا، ونقلهم إلى أذربيجان، أو إلى ليبيا، كما قد تنتهز الفرصة وتُقدم على مزيد من الاستفزازات في شرق المتوسط إذا لم تنجح محاولات الاتحاد الأوروبي في تقييد حركة الرئيس التركي رجب أردوغان.
كما أن روسيا قد تصل في ظل حالة الارتباك الأميركية إلى خلاصة مفادها أن مرض الرئيس ترمب وقلقه بشأن تراجع فرصه الانتخابية سيمنعه من الرد بطريقة قوية على التدخل الروسي في بيلاروس مثلاً.
ويشير مختصون أمنيون إلى أن أي عدوانية من جانب موسكو لا تُواجَه برد أميركي سريع من شأنه ببساطة أن يُسلط الضوء بدرجة أكبر على علاقة بوتين مع ترمب، ويجدد التساؤلات حول ما إذا كانت مؤسسات روسية من ضمن الدائنين الأجانب الذين يدين لهم الرئيس ترمب وفقاً لتسريبات ملفه الضريبي التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" ونفى الرئيس الأميركي صحّتها.
الصين وإيران
وعلى الرغم من أن بوتين قد يتردد في الإقدام على هذه الخطوة، فإن الرئيس الصيني تشي جينبينغ ربما يعتبر أن الوقت الحالي هو فرصة سانحة لممارسة مزيد من الضغط على تايوان أو كسب مزايا استراتيجية عسكرية للصين للاستفادة منها في مرحلة قادمة، وقد يكون ذلك عبر نشر صواريخ في جزر بالقرب من تايوان، أو من خلال بناء المزيد من الجزر الصناعية في بحر الصين الجنوبي، وهو ما أثار غضب الولايات المتحدة من قبل وحذرت من تداعياته على الأمن في جنوب شرقي آسيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما إيران فإنها قد تعمد إلى تشجيع الميليشيات التابعة لها فوق الأراضي العراقية لتكثيف هجماتها على القوات الأميركية، وقد تسلك طهران طرقاً أخرى للانتقام من قتل قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بطائرة مسيرة (درون) أميركية في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.
وقد لا يكون من المستغرب أن يستغل زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون الفرصة نفسها للشروع في تجربة صاروخية أخرى، أو حتى تجربة سلاح نووي.
دروس التاريخ
وعلى الرغم من أن سيناريوهات مفاجأة أكتوبر قد يغلفها التوجس الشديد والمبالغة، فإن تجارب تاريخية سابقة تقول العكس، فعندما تعرض الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان لإطلاق نار في مارس (آذار) عام 1981، كانت التوترات مع الاتحاد السوفياتي مرتفعة للغاية، حيث توقع الأميركيون أن يتحرك السوفيات لشن هجوم عسكري مباغت ضد بولندا المجاورة، والتي كانت عضواً أساسياً في حلف وارسو والكتلة الشرقية الحليفة لموسكو من أجل قمع حركة التضامن العمالية بقيادة ليخ فاونسا، بعدما تزايد نفوذها ما شكل قلقاً بالغاً للاتحاد السوفياتي الذي تدخل عسكرياً من قبل وقمع تظاهرات ربيع براغ في تشيكوسلوفاكيا. وفي ظل حالة التوتر والفوضى التي أعقبت إطلاق النار على الرئيس ريغان خشيت واشنطن أن توجه موسكو ضربة نووية، ومع انتقال السلطة بشكل سلس، ولكن غير رسمي إلى نائب الرئيس جورج بوش، رفعت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) حالة التأهب النووي، ولم يتحرك السوفيات ضد بولندا أو أي طرف آخر.
سياسة التحوط
من الواضح أن الحالة الصحية للرئيس ترمب ليست على القدر نفسه من الخطر الذي واجه حالة ريغان، فهو لم ينقل السلطة إلى نائبه مايك بنس وهو يتحرك بحيوية في المقاطع المصورة التي سجلها داخل المستشفى وبثتها وسائل الإعلام الأميركية، ومع ذلك، وبغض النظر عن وجهات النظر السياسية، فإن جميع الأميركيين يرغبون في تعافي الرئيس بسرعة وتراجع حدة التوتر والقلق بشأن الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة.
وفي الوقت نفسه، يطالب باحثون أمنيون بأن تتخذ الإدارة الأميركية جميع إجراءات التحوط من أي طارئ حتى تضمن عدم وقوع "مفاجآت أكتوبر" أجنبية.
ويطالب دوف زاكيم مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ونائب وزير الدفاع السابق برد أميركي سريع، وبقوة عسكرية ساحقة على أي أعمال عدوانية من قبل أي من خصوم الولايات المتحدة، على اعتبار أن لا شيء أقل من ذلك يمكن أن يردع أعداء الولايات المتحدة في هذا الوقت المضطرب من تاريخ أميركا.
وسارع القادة العسكريون في البنتاغون في بيان رسمي إلى طمأنة الرأي العام الأميركي فور الإعلان عن إصابة ترمب بفيروس كورونا يوم الجمعة الماضي بأن العمل يسير كالمعتاد، وأنه لا تغيير في مستوى الجاهزية وفي قدرات القوات المسلحة الأميركية التي تقف مستعدة للدفاع عن مصالح البلاد، ما أوضح أنه في الساعات التي تلت ذلك لم يكن هناك أي مؤشر على وجود تهديد فوري للولايات المتحدة.
وفي الوقت ذاته، أشار العديد من مسؤولي الأمن القومي الحاليين والسابقين إلى وجود آليات للتعامل مع حالات عدم الاستقرار التي تنجم عن أي أذى أو إصابة قد تلحق بالرئيس.
ومع ذلك، حث بعض مسؤولي الأمن القومي السابقين على توخي الحذر عند تقييم مستوى التهديد الحالي، لكنهم حذروا من تغيير المشهد بناءً على حالة ترمب، حيث توقع إريك بروير، وهو مسؤول سابق في مجلس الأمن القومي عدم حدوث تحولات كبيرة في عمل أجهزة الأمن القومي أو تصرفات خصوم الولايات المتحدة طالما ظلت حالة ترمب مستقرة. غير أن سامانثا فينوغراد، المسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي، طالبت بأن تظل الحكومة الأميركية في حالة تأهب، على كل المستويات.