Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محاولات جزائرية لاستغلال ذكرى 1988 وإحياء حراك 2019

ربط الماضي بالحاضر لوجود قواسم مشتركة

مشاهد الخراب التي افرزتها أحداث عام 1988 وتتخوف الجزائر من عودتها في 2020 (غيتي)

أحيا الجزائريون الذكرى الـ32 لأحداث 5 أكتوبر (تشرين الأول) 1988، على وقع ظروف شبيهة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، على الرغم من بعض الفروقات، ما دفع أطرافاً إلى الدعوة لاستغلال المناسبة وإحياء الحراك الشعبي، حيث عرفت مواقع التواصل الاجتماعي حملات تعبئة، كما شهدت بعض المناطق محاولات تنظيم مسيرات.

وبقدر ما كانت أحداث أكتوبر 1988 المنعرج الذي جعل الجزائر تطرق أبواب التعددية السياسية، وعهداً جديداً من الديمقراطية، بات استذكار المناسبة "يستنفر" السلطة، وهو الحال هذا العام، حيث تعيش البلاد وضعاً "غير مستقر" سياسياً وصحياً، ما فتح الأبواب لـ"تهديد" جهات معارضة في الخارج وبعض نشطاء الداخل بالسير في الشوارع لإحياء الذكرى 32 للأحداث وإعلان عودة الحراك الشعبي بعد توقف منذ شهر مارس (آذار) الماضي، بسبب جائحة كورونا.

ذكرى في ظروف استثنائية

يعتبر الناشط السياسي وليد كبير، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن الذكرى تأتي هذا العام في ظروف استثنائية نتيجة الوضع الصحي الذي تمر به البلاد وباقي بلدان العالم، و"قد تتحول إلى نقطة انطلاقة ثانية للحراك الشعبي، خصوصاً مع الدعوات وحالة التعبئة على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل نشطاء الحراك"، إضافة إلى أنها تسبق الاستفتاء حول الدستور الذي دعت إليه السلطة في الأول من الشهر المقبل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويوضح أن "ما يمكن قراءته من خلال هذه المحطة التاريخية التي كانت ربيعاً ديمقراطياً جزائرياً سباقاً في محطينا الإقليمي، وسبقت ربيع دول أوروبا الشرقية آنذاك، ضرورة استخلاص الدروس من الانتكاسة التي جعلتنا نتأخر عن دول حققت الانتقال الديمقراطي الحقيقي في حين بقينا ندور في حلقة مفرغة، وعلى العكس تراجعت الحريات الفردية، وميعت الحياة السياسية، وقوض دور الأحزاب في تأطير المجتمع، واستمرار وصاية السلطة على الشعب من خلال تمرير مشاريعها التي تدَّعي أنها إصلاحية في حين ما زالت بعيدة كل البعد عن الإصلاح ومشروع الدولة التي تكرس الإرادة الشعبية بشكل فعلي، وليس مجرد شعارات وفقط.

ويتابع كبير أن نشطاء الحراك يعتبرون الذكرى رصيداً تاريخياً ملك للشعب، ومن حق كل جزائري أن يفتخر به، ويُحييه في إطار يجسد استمرار النضال من أجل تحقيق ما خرج من أجله الشعب في ذلك الموعد قبل 32 عاماً، وما خرج من أجله أيضاً يوم 22 فبراير (شباط) 2019".

وختم أنه "قد نشهد عودة للحراك تزامناً مع هذه الذكرى، وقد تتأجل إلى موعد آخر، لكن الأكيد أن شمعة الحراك لن تنطفئ أبداً طالما لم يحقق الشعب إرادته في إرساء دولة ديمقراطية، دولة الحق والقانون".

لا سير في الجزائر وخروج آلاف في مدن فرنسية

وبينما طوقت السلطات الأمنية مداخل العاصمة الجزائر، وكثفت من دورياتها عبر شوارع مختلف المدن الكبرى، منعاً لأي محاولات للتظاهر، خرج عدد من الجزائريين ومن مزدوجي الجنسية في مسيرة بالعاصمة الفرنسية باريس، وبعض المدن على غرار ليون، لإحياء ذكرى أحداث أكتوبر، استجابة لنداء أطلقه نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ومنشورات، حيث طالب المتظاهرون بـ"الإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، ورحيل النظام بشكل منظم وسلمي وغير مشروط وكامل، وبداية تحول ديمقراطي في إطار دولة قانون ديمقراطية واجتماعية".

ربط الماضي بالحاضر

في السياق ذاته، يعتقد الحقوقي سليمان شرقي، أن "استلهام روح 5 أكتوبر 1988، هي محاولة جادة ومشروعة من أجل الانطلاق مجدداً وربط الماضي بالحاضر، لا سيما بوجود قواسم مشتركة كبيرة بين التاريخين والحدثين، فكلاهما كان من تحريك الشباب ويهدفان للانعتاق من أنظمة بائدة عشش الفساد فيها، وبلغ الفشل منها منتهاه، وكلاهما واجه ويواجه بقمع وإن كان بدرجة أقل، ومحاولة تكبيل".

ويضيف "إن لم نصادف نجاحاً وزخماً في اليوم ذاته، فإن الانفجار في رأيي قادم، لا سيما أن النظام لم يتعظ من التاريخ ولم يستفد من دروسه، وهو ماضٍ في الممارسات الترقيعية ذاتها التي لم تعُد تنطلي على شباب اليوم، وكل عمليات التجميل التي يُجريها على وجهه البائس لا أظنها تصمد لأمد بعيد".

فرحة تم وأدها

يفتخر الشعب الجزائري كون أحداث 1988، ثورة عربية سابقة للأوان، والسبب الرئيس والمباشر في إعلان التعددية والانفتاح السياسي بعد هيمنة الحزب الواحد على المشهد العام في البلاد، حيث خرج الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، في العاشر من أكتوبر 1988 على التلفزيون الجزائري، وألقى خطاباً دعا من خلاله إلى التعقل والكف عن العمل التخريبي، وقدم وعوداً بإجراء إصلاحات عميقة وفورية في المجال السياسي وفي القطاع الاقتصادي، وهو ما حصل مع دستور 1989، الذي أقر التعددية الحزبية، وفتح المجال لإنشاء الأحزاب السياسية والجمعيات، كما منح الضوء الأخضر للصحافة والإعلام من خلال السماح بإنشاء الصحف الحرة المبنية على حرية التعبير، وفتح المجال الاقتصادي للقطاع الخاص الذي كان تحت هيمنة القطاع العام.

لم تدم الفرحة بالعهد الجديد طويلاً ولم يستمتع بها الشعب الجزائري، بعد أن تم وأدها في الحادي عشر من يناير (كانون الثاني) 1992، بإقالة الرئيس الشاذلي بن جديد وإلغاء النتائج الأولية للانتخابات البرلمانية التي جرت في 26 ديسمبر 1991، والتي فاز فيها حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ بغالبية المقاعد في الدور الأول، كما أوقف المسار الانتخابي، وأعلنت حالة الطوارئ، وألغي العمل بالدستور، لتدخل الجزائر بعدها أزمة أمنية راح ضحيتها 200 ألف قتيل، وبلغت خسائرها أكثر من 25 مليار دولار.

استغلال الذكرى للعودة للحراك

من جهة ثانية، يعتبر الباحث في علم الاجتماع السياسي، أسامة لبيد، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن شباب اليوم لديهم أفكار نظرائهم وطموحهم في 1988.

ويقول إنه لا أحد يستطيع إنكار أن أحداث 1988 أدخلت الجزائر عهد التعددية السياسية والإعلامية، على الرغم من أن تظاهر الآلاف من الجزائريين كان احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية بسبب تدهور أسعار النفط التي شهدها العالم عام 1986، مضيفاً أنه على الرغم من المكتسبات التي حققتها الأحداث، فإنه تم الالتفاف على الإصلاحات من طرف السلطة تدريجياً، ولم تستطع المعارضة تغيير طبيعة ومكونات النظام الحاكم، لتبقى رموز الحزب الواحد ضمن أهم مكوناته.

ويواصل لبيد، أن "أطرافاً هذا العام لا تحب الخير للبلاد، تسعى لاستغلال الذكرى والعودة إلى الحراك، وجعلها مناسبة لانتفاضة جديدة"، موضحاً أن هذه الجهات لن تنجح في مخططها لأن الشعب بات على علم بهوية هذه الأطراف وأهدافها وطموحها، و"حتى النظام الحالي الذي يعمل على جزائر جديدة يطمح لساحة سياسية خالية من أحزاب الفساد السياسي والمالي".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي