Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أحلى عروسة"... تُحرم من بيت زفافها وجهازها جراء القصف الإسرائيلي على غزّة

دمّر الطيران الإسرائيلي أكثر من 30 وحدة سكنية وتعرضت 500 أخرى للتدمير الجزئي

 

حركت نظرها على كومة الحجار التي تراكمت، امتلأت عيناها بالدموع، وبدأت تخطو بتثاقل حزين، حتى شقت طريقها بخطوات معدودة، وبصعوبة أحنت ظهرها، وأمسكت في يدها المرتعشة حجراً، اسندته جيداً، وجثمت عليه. وأطالت النظر في الحجارة وكأنّها تخاطبها، تنهدت الصعداء "كلّ عروسة نفسها تفرح وتطلع على بيت زوجها من منزلها. إلا أنا، شو عملت لإسرائيل عشان تدمر حلمي".

تدمير كلّي

شيماء الحويطي وعائلتها من الأسر التي فقدت منزلها نتيجة القصف الإسرائيلي الأخير على قطاع غزّة حيث دُمّر حوالي 30 منزلًا بشكل كلّي، وتضرّرت بشكل جزئي أكثر من 500 وحدةٍ سكنية، في موجة تصعيد بدأت بعد سقوط صاروخٍ على تل أبيب شمال إسرائيل، كان قد أطلق من جنوب القطاع، وأسفر عن إصابة سبعة أشخاص، ودمّر منزلاً.

في تلك الليلة 25 مارس (آذار) الحالي التي بدأ فيها الاحتلال قصف غزّة، كانت شيماء تتسامر مع والدتها عائدة، عن تفاصيل دقيقة ومهمة في نظرها، متى ستذهب إلى شقة زوجها لتضع الملابس التي أنهكت نفسها ووالدتها في شرائها، في خزانة غرفة نومها، التي جلبها لها زوجها في خطوة استعدادٍ لفرحهم المنوي الاحتفال به يوم الجمعة المقبل.

إلا أنّ الجيش الإسرائيلي حال دون ذلك، وأوقف فرحتهم، بعدما قصف منزلهم بحوالي ثلاثة صواريخ من طائرات استطلاع، وصاروخ من طائرة حربية، تسببت في تدمير كامل لمنزلهم، وحوّلته إلى كومة ركام، وبضعة حجار متراكمة تجثم يومياً عليها منذ أن قُصف منزلهم.

حقائب وذهب

المنزل الذي انهار، كان يحمل في غرفه حوالي 10 حقائب ممتلئة، بمختلف أنواع الملابس، يقدر سعرها بنحو الفي دولار أميركي، كانت قد أعدتها لساعة الرحيل من بيتها، لتنقلها إلى منزل زوجها، وهي عادة معروفة من مراسم الزواج بين أهالي القطاع، إلا أنّ هذه الحقائب وما بداخلها حرقت بشكل كامل، إثر القصف الذي استهدف منزلها، وما بجواره من مقرٍ يتبع لجهاز الأمن الداخلي في وزارة الداخلية بالحكومة الموازية في غزّة.

بحشرجة بدت واضحة في أوتارها الصوتية، تقول شيماء بلهجتها العامية "ضاع ذهبي، زيتني... وكلّ شيء شريته ليوم فرحي، أنا مش متخيلة إنّه إسرائيل قصفت غرفتي، بجوز يكون حلم" وانهمرت في البكاء، ثمّ تابعت "التصعيد ضيع يوم فرحي، وسلب حلمي إني أكون أحلى عروسة".

لم أستطع تحقيق أي من أحلامي

شيماء عمرها 20 عاماً، انتهت من دراسة الثانوية العامة السنة المنصرمة، وتعلّقت في استكمال تعليمها الجامعي، في تخصّص الصحافة والإعلام، وفق موهبتها وهوايتها القديمة التي اكتشفتها احدى معلماتها، أثناء قراءتها للدروس في قاعة الفصل، إلا أنّ وضعهم المادي المنهك حال دون تحقيق الحلم، على لسان شيماء "ما قدرت أدرس جامعة، ولا راح أتزوج".

فعليًا، قرّرت أسرتها تأجيل موعد فرحها، الذي كان مقرّرًا يوم الجمعة المقبل، حتى إشعار آخر، نظراً للأوضاع الأمنية الصعبة التي يعيشها القطاع، ولكن بحسب والدتها فإنّ فقدان بيتهم هو السبب الرئيسي في تأجيل موعد الزفاف "كلّ البنات بتخرج على بيت زوجها من منزلها، إلا بنتي، من وين بدي أطلعها، من الشارع" تتساءل والدة شيماء.

وفق العادات في غزّة، فإنّ الزوج يأتي لبيت زوجته في يوم زفافها، وتخرج من بيتها. وكانت شيماء تسكن برفقة اخوتها الخمسة في شقة سكنية تبلغ مساحتها 130 متراً، مكونة من غرفتين وحمّام ومطبخ، اشترتها أمها لهم، بحوالي 40 ألف دولارٍ أميركي، وجهزته بالأثاث الذي بلغت تكلفته بحوالي 10 آلاف دولار.

ليلة القصف

وعقب قصف البيت، اتخذت أسرة الحويطي من ركام المنزل بيتاً لهم، يقضون فيه النهار، وينامون ليلهم في الشارع ذاته، وفق ما تقول الأسرة إذ لا أحد من المسؤولين ولا الوزارات وفّر لهم منزلاً بديلاً، وهم لا يملكون المال الكافي لاستئجار شقة. فالأسرة تعيش مما يصرف لها من مساعدات الشؤون الاجتماعية، والتي تقدر بحوالي 200 دولار كلّ أربعة أشهر، وبعض المساعدات الأخرى من الجمعيات الخيرية التي تقدم التبرعات، لأنّ والدتهم أرملة، توفي زوجها قبل حوالي 15 عاماً وتولّت هي تربية أولادها.

تروي الأم تفاصيل ليلة قصف منزلهم "سمعنا صوت الجيران، يقولون لنا اخرجوا من المنزل، لم أستطع إلا لبس الخمار، وعلى الدرج عزمت شيماء على العودة لجلب الذهب الخاص بها، لكن الطائرات قصفت صاروخاً تحذيرياً، فأسرعنا إلى النزول، وعلى الدرج سقطتُ، وهذا ما سبب جروحاً في قدمي، وقصف البيت ونحن في السيارة، وشاهدنا ألسنة اللهب فيه من بعد 50 متراً، ومن قوّة القصف ارتفعت السيارة عن الأرض مسافة متر".

هذه الأسرة تعيلها الأم المريضة بالضغط في الدم وتعاني مرضاً في الكبد، ولا تقتصر الأوجاع على ذلك، فقد تعرضت الأسرة في السابق للموت المحقّق إلا أنّ لطف الله حال دون ذلك في حرب عام 2014، فضلاً عن هذا فقد أصيب الأبن الأكبر والأخت الكبرى، بنيران الاحتلال.

المزيد من