Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جهود حثيثة لاحتواء حميات مجهولة تنتشر في شمال السودان

تصيب الحيوان وتنتقل منه إلى الإنسان عن طريق لسعات البعوض

عيّنات يومية تُرسل للفحص المخبري للتثبت من هوية تلك الحميات (حسن حامد)

جهود حثيثة تسابق الزمن تبذلها السلطات السودانية على المستويين الاتحادي والولائي عبر وزارتي الصحة والثروة الحيوانية مع حكومة الولاية الشمالية، لاحتواء حميات مجهولة ظهرت نتيجة كارثة الفيضانات.

الحميات التي وصفت بأنها "مجهولة"، تفشت سريعاً في محلتي مروي والدبة شمال السودان، ولم تحسم هويتها مخبرياً بعد، لكن من المؤكد أنها خطيرة وقاتلة وقد أودت حتى الآن بحياة أكثر من 32 شخصاً، ويرجح أنها نجمت عن تدهور الوضع البيئي الذي تسببت فيه السيول والفيضانات، التي ضربت البلاد منذ الأول من سبتمبر (أيلول) الماضي.

ومن أجل احتواء الموقف، بعثت وزارة الصحة المركزية فريقاً متخصصاً من إدراة الطوارئ والتدخلات الصحية إلى المنطقة، للتحقق والتقصي حول الحميات والوصول إلى أسباب المرض. وما زال الفريق يجري الرصد والتقصي، ويرسل عينات يومية للفحص المخبري داخل المعمل المركزي في الخرطوم، للتثبت من هوية تلك الحميات بتأكيد التشخيص العلمي المجهري، وتعزيز التدخلات الوقائية والعلاجية للسيطرة على الحميات.

وفي الوقت ذاته، بعثت وزارة الثروة الحيوانية فريقاً مماثلاً لإجراء المسوحات والتقصي الحيواني لمعرفة أصل الحميات، لجهة أنها تصيب الحيوان وتنتقل منه إلى الإنسان عن طريق لسعات البعوض.

إعلان الطوارئ الصحية

ومع تفاقم الأوضاع الصحية وتدهورها، شكلت وزارة الصحة في الولاية الشمالية غرفة للطوارئ برئاسة وزير الصحة الولائي المكلف، وأعلنت حالة الطوارئ الصحية في محلتي مروى والدبة، بعد ظهور حالات عدة من الحميات بمناطق متفرقة بالمحلتين، تسببت في عدد من الوفيات، بينما ظلت المستشفيات والمراكز الطبية في المدن وبعض قرى محلية مروي وكريمة، تستقبل حالات متكررة من الحميات بصورة يومية متواترة.

وفي مسعى لتعزيز الوقاية، أطلقت السلطات الصحية بالتنسيق مع جهات رسمية وشعبية عدة، حملات واسعة ومتكاملة لإصحاح البيئة، تهدف إلى القضاء على نواقل الأمراض في المناطق التي تنتشر فيها هذا الظاهرة، من خلال رش البرك وتجمعات المياه الراكدة بسبب الفيضانات، بمبيدات الحشرات لمكافحة البعوض في أطواره المختلفة.

وأصدرت السلطات حزمة إرشادات بخصوص كيفية التخلص من الحيوانات النافقة، ومعالجة المريضة منها بواسطة فرق الثروة الحيوانية في الولاية، حذرت فيها المواطنين من الاختلاط بالحيوانات، وإخراجها من المنازل، وعدم تناول اللحوم غير المطهوة جيداً، ودعتهم إلى التبليغ الفوري عن أي حالات حمى بشرية أو لدى الحيوانات، والشروع فوراً في تجفيف ومعالجة أي تجمعات للمياه، واستخدام الناموسيات للحماية من البعوض.

مئات حالات الاشتباه وعشرات الوفيات

في الوقت الذي وصل فيه عدد حالات الوفاة إلى 32 و782 حالة اشتباه، منها 500 حالة في مروي، و282 حالة في الدبة حتى أمس السبت 3 سبتمبر (أيلول)، وفق السجلات الرسمية، مع وجود حالات أخرى ثبت مخبرياً أنها حمى الملاريا، كشف أبو ذر عبد الرحمن، وزير الصحة في الولاية الشمالية لـ"اندبندنت عربية"، عن أن وزارته تكافح لمحاصرة الحميات في ظل نقص كبير في كوادر الأطباء، ما أدى إلى تركز العمل وشكل ضغطاً كبيراً على مستشفى مدينة كريمة، التي كانت تعاني أصلاً نقصاً في كوادر الحوادث، إذ لا يوجد سوى طبيب واحد بكل مستشفى في مروي ونوري، مشيراً إلى أن الوزارة أجرت إعادة توزيع للكوادر الطبية داخل الولاية، لتغطية العجز في بعض المستشفيات والمراكز الطبية، لتعمل على مدار 24 ساعة، لمجابهة الحالات العلاجية والمشتبه بها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف "منذ اليوم الأول وظهور الحميات، انتقلت وزارة الصحة في الولاية بكامل طاقمها وأقسامها إلى بلدتي مروي والدبة، لإدارة هذه المرحلة ومجابهة الحميات ميدانياً، برفقة فريق من الوزارة الاتحادية يضم علماء ومتخصصين في مجال الحميات، وتم وضع خطة عمل وإنشاء غرف للطوارئ في المكان، تحت إشراف الوزارة، وتقوم الفرق بتقييم دوري للوضع كل 24 ساعة، عبر اجتماعات صباحية ومسائية منتظمة".

نقص الكوادر وشح المحاليل الوريدية

وشدد عبد الرحمن على ضرورة الحل السريع لمشكلة الكوادر الطبية بتحسين شروط خدمتها، إذ تعتبر الولاية غير جاذبة أو محفزة للأطباء للعمل بها، منوهاً بأنه وعلى الرغم من توفر الإمداد الدوائي في الوقت الحالي، فإن هناك ضغطاً وتسارعاً في السحب منها بصورة ملحوظة، بينما توقع حدوث بعض الشح في المخزون من المحاليل الوريدية التعويضية التي ربما تكفي لأسبوع واحد، إلا إذا وصلت دفعات إضافية ينتظر وصولها من الخرطوم في طريقها إلى الولاية.

وأفصح الوزير المكلف عن عدم امتلاك الولاية للقدرات المعملية المتطورة التي تمكنها من التشخيص الدقيق لتلك الحميات، ما دفع بهم إلى أخذ عينات عشوائية من مستشفيات عدة ومناطق مختلفة، وإرسالها إلى المعمل المركزي في الخرطوم، والتي لم تظهر نتائج تشخيصها النهائي حتى اليوم.

تشابه الأعراض لعدد من الحميات

بخصوص طبيعة الحميات وأعراضها وكيفية انتقالها، يوضح عبد الرحمن أن "أعراضها تتشابه مع بعض الحميات الأخرى، كحمى الملاريا والوادي المتصدع والحمى النزفية، وتتمثل في ارتفاع درجة حرارة الجسم مع صداع مستمر والشعور بفتور عام، ومع أنها تنتقل من الحيوان إلى الإنسان عبر البعوض، لكنها تنتقل بين البشر عبر السوائل، ما جعل السلطات تكثف من حملات الرش بالمبيدات لمكافحة البعوض والحشرات الأخرى منذ أكثر من أسبوع، لتغطي كل محليات الولاية، وتكرار الرش أسبوعياً حتى تنتهي الحميات".

وعلى الصعيد نفسه، شكك مدير الوبائيات السابق في وزارة الصحة الاتحادية، بابكر المقبول، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، في قدرة الولاية المخبرية على التشخيص الدقيق في مراحله المختلفة للوصول إلى أسباب تلك الحميات، ودعا إلى "ضرورة التريث في انتظار نتائج تحليل العينات من المعمل المركزي، وعدم التعجل بإصدار أي إعلانات في هذا الصدد، إلا بواسطة وزارة الصحة الاتحادية في الخرطوم".

في هذا السياق أوضح الأمين العام لحكومة الولاية الشمالية، عبد المنعم شيخ الدين، أن الولاية تتعامل مع حميات مجهولة تصيب مختلف الأعمار، وتقع مسؤولية تشخيصها وإعلان هويتها على الحكومة الاتحادية.

مزيد من إجراءات المجابهة والتحوطات

كشف شيخ الدين لـ"اندبندنت عربية" عن أن إعلان حالة الطوارئ الصحية في بلدتي مروي والدبة، جاء لأجل تعزيز الإجراءات التحوطية التي اتخذتها السلطات الصحية، ووقف توسع دائرة الحميات وانتشارها، لكنه ليس حجراً صحياً أو إغلاقاً، مشيراً إلى أن ضمن تلك التحوطات ربما تأجيل بداية العام الدراسي إلى حين انجلاء الموقف بصورة نهائية.

وفي إطار جهود التصدي للحميات، زار وزير الثروة الحيوانية الولاية للتفقد وللاطلاع على الموقف، بينما يزورها الأحد الرابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وزير الصحة الاتحادي للوقوف على آخر تطورات ونتائج الإجراءات التي بذلتها السلطات الصحية في الولاية الشمالية، والنظر في أي إجراءات إضافية يمكن اتخاذها على ضوء تقييم الموقف ميدانياً، في حين تفقدت آمال محمد عز الدين، والي الولاية الشمالية، مستشفيات مروي وكريمة والتضامن، وعقدت اجتماعات عاجلة مع الكوادر الطبية، أصدرت خلالها عدداً من التوجيهات العاجلة بحل بعض المشكلات الطارئة التي كانت تعترض جهود مكافحة الحميات وتطويقها.

كذلك وصلت اللجنة الصحية إلى المناطق المتأثرة بالفيضان إلى مروي، للمشاركة في تقييم الوضع وتقديم المساعدات اللازمة، بالتعاون مع تنسيقية قوى "الحرية والتغيير" ولجان المقاومة والخدمات والتغيير في المنطقة.

وأطلق عديد من المواطنين مناشدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية، تدعو الجهات الرسمية والمنظمات الطوعية العالمية والمحلية للتدخل العاجل، وتقديم الدعم اللازم من المبيدات والناموسيات والأدوية الطبية لإنقاذ المنطقة.

وشهد السودان كارثة مفجعة بسبب السيول والفيضانات الطبيعية، مطلع سبتمبر الماضي، أعلن إثرها حالة الطوارئ الصحية لمدة ثلاثة أشهرفي عموم أرجاء البلاد لمواجهة الكارثة، التي نجم عنها تدهور كبير في صحة البيئة نتيجة انتشار برك المياه الراكدة واختلاطها مع مياه الصرف الصحي في مناطق عدة، كما خلفت أزمات إنسانية في عدد من ولايات البلاد، وخسائر وأضراراً فادحة في الأرواح والممتلكات، تضرر منها أكثر من 800 ألف مواطن، إذ أسفرت عن وفاة أكثر من 125 شخصاً، ودمرت عشرات مئات المنازل كلياً وجزئياً، ومئات الأفدنة والمحصولات الزراعية، ونفقت 5541 من الحيوانات الأليفة والدواجن.

المزيد من العالم العربي