Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شارلي كوفمان يفضح في روايته الأولى وعد السينما الزائف

"جنس النمل" بين السخرية الهادفة وعلم النفس والظواهر والفيزياء

شارلي كوفمان ... السينمائي الأميركي روائياً (غيتي)

عندما كان الكاتب والمخرج السينمائي الأميركي شارلي كوفمان في السابعة من عمره، استطاع أن يحدد بدقة ما يريد أن يكونه حين يكبر، "ممثل أو طبيب أو رجل إطفاء"، وانتهى به الأمر، على حد تعبيره الضاحك، إلى أن يكون واحداً من بين هؤلاء، وهو الذي اشتهر بكتابة سيناريو وإخراج بعض أكثر الأفلام رواجاً وإثارة منها، "أن تكون جون مالكوفيتش"، "التكيف"، "الإشراقة الأبدية للعقل الناصع"، "سينكدوكي، نيويورك"، وأخيراً "أفكر في إنهاء الأمور".

"هل لدي أفكار أصلية في رأسي؟ رأسي الأصلع. ربما لو كنت أسعد لم يكن شعري ليقع... أنا كليشيه يمشي... أحتاج أن أقع في الحب. أحتاج إلى حبيبة. أحتاج إلى قراءة المزيد وتطوير نفسي... كن فقط حقيقياً وواثقاً من نفسك. أليس هذا ما تنجذب إليه النساء؟".

هذا هو الصوت الذي يرحب بنا في بداية فيلم "التكيف"، ثالث فيلم كتبه كوفمان عام 2002. حين يتبدد سواد الشاشة، نكتشف أن الشخص الذي يحتاج إلى تطوير نفسه هو كوفمان نفسه، على الرغم من أنه من أفضل كتاب السيناريو في عصره، ودائماً ما كانت أفكاره مدهشة وأصيلة ولا تشبه أحداً.

رحلته مع الكتابة بدأت في وقت مبكر، بعد أن لعب دور الديك في مسرحية مدرسية في سن العاشرة، إذ كان حس الفكاهة الدائم في أعماله مدعاة لاستحواذها على إعجاب زملائه: "كنت طفلاً خجولاً جداً، ولكني بطريقة ما تمكنت من شق طريقي في هذا المجال، لعبت دور شخصية كوميدية وأضحكت الجمهور، كوني دفعت الناس للضحك يجعلني أشعر بأنني أصلح لأن أكون إنساناً. إذا كتبت مشهداً وضحك الناس، فقد نجح الأمر".

في عام 2008، خرج أول فيلم قام بإخراجه، "سينكدوكي، نيويورك"، ولم يحقق أرباحاً. في ذلك الوقت، انهارت صناعة السينما، من قبيل المصادفة، بسبب الأزمة الاقتصادية وتوقفت الاستوديوهات عن صناعة الأفلام وبدأت في صنع أفلام ذات طابع خارق. هذا النوع من الأفلام المتوسطة الميزانية التي كان يبدع فيها، لم يعد له منفذ بعد الآن، إنه فحسب لم يعد موجوداً. يعترف: أفلامي لا تحقق أرباحاً، فكرت في الأمر، لكنني لم أتجاوز التفكير. لا أعتقد أنه يمكنني القيام بهذا النوع من العمل، عقلي لا يعمل بهذه الطريقة".

عالم الدمى 

روايته الأولى، "جنس النمل"، كتبها كوفمان الحائز جائزة بافتا والأوسكار، الرجل الذي وصف روجر إيبرت بدايته الإخراجية بأنها أفضل تجربة في صناعة السينما في هذا العقد، كما يصرح، لأنه لم يتمكن من الحصول على عمل في الأفلام: "حصلت على عقد لكتابتها في عام 2012... لم تكن صناعة السينما والتلفزيون تعمل بشكل جيد بالنسبة لي في ذلك الوقت".

 

بطل قصته "بي روزنبرغر روزنبرغ"، ناقد ومخرج سينمائي فاشل مثير للشفقة في أواخر الخمسينيات من عمره، معروف بشكل مؤلم بالتصعيد في مواقفه، بخاصة في استخدامه المهووس للضمير غير الثنائي "thon"، ينجح في أن يسيء للجميع. لا أحد يهتم بما يفكر فيه والمنفذ الوحيد لآرائه هو مدونته التي لا تقابل بتقدير تام. يلتقي برجل منعزل في فلوريدا يُدعى إنجو كوتبيرث، أمضى عمره في صنع فيلم متحرك عن الدمى مدته ثلاثة أشهر. وبصرف النظر عن مبدع الفيلم، فإن "بي" هو الشخص الوحيد الذي شاهده على الإطلاق. اكتشاف كهذا لتحفة بدائية يمكن أن يصنع اسمه أخيراً، ومثل ماكس برود مع كافكا يعصي رغبة كوتبيرث المحتضر في تدمير الفيلم. ويقوم بلا مبالاة بتحميل الآلاف من البكرات والصناديق التي لا حصر لها من الدمى المصنوعة بدقة في شاحنة وينطلق إلى بيته، عازماً على عرض الفيلم، والكتابة عنه، والانغمار في مجد كونه المالك الوحيد لعمل ثمين وفريد يتسم بالعبقرية.

لكن يبدو أن "بي" لم يكن يعرف، على الرغم من كل خبرته السينمائية، ما يمكن أن يحدث لمخزون أفلام النيترات القديم عندما يتعرض للهواء الطلق. تسوقه الكارثة الناتجة إلى تكريس حياته لإعادة هذا العمل الفني الذي لا يتبقى منه سوى مشهد واحد إلى الوجود، خلال رحلة مرعبة في جحر الأرانب في عقله، حيث يندمج الخيال والواقع، ليواجه أخيراً نملة أسطورية عملاقة.

"لذلك بعد هذه الأشهر الثلاثة من قطع مسافات في شقتي الشديدة الصغر الحالكة السواد، بدأت أعتقد أنني قد أصبت بحالة هلوسة. تبدو الشقة وكأنها مكسوة لسقفها بصوف أسود. أربض في الزوايا، محاولاً تجنب الإبر والقردة المختبئة فيها. قررت أن هذا يكفي. أجبرت نفسي على المغادرة. الرواق مبطن بالصوف الأسود. خرجت من المبنى وركبت سيارة أجرة مبطنة بالصوف الأسود إلى نيويورك لزيارة معالج جديد".

الركض إلى قمة درج مستحيل

النطاق الفكري لرواية "جنس النمل" الممتد من علم الظواهر إلى علم النفس اليونغي إلى فيزياء الكم إلى بيكيت وبيرانديلو، جاء شديد البراعة. لكن كوفمان الذي قرأ مجموعة من كتب الفيزياء المشهورة عندما كان صغيراً، يعترف بأنه شعر بالإحباط لأنه لم يكن يمتلك الخلفية الرياضية للقيام بالقراءة الفعلية: "الكتاب مليء بالحيل والأفكار المتناثرة، وحدسي القوي أن القراء سيجدونه صعباً. ولكن إذا كان هناك أي شيء، فإن حساسيته الكوميدية هي ما ستجذبهم. أحب الأشياء التي تجعلني أفكر في الكون بطريقة تختلف عن تصوري له. إنه مفيد جداً في عملي وفي حياتي، يخرجني من نفسي. إنه يجعل إطاري المرجعي أكبر وأكثر تعقيداً من اهتماماتي بقضاياي". هذا الاستعداد لجذب التركيز يسبب لكوفمان متعة فكرية، ولكن ينبغي أن يقال إنه محبط بعض الشيء.

الرواية مضحكة وطويلة جداً، عدد صفحاتها يزيد على 700 صفحة بعد أن قام بتقليصها بناء على اقتراح الناشر. وقراءتها تشبه متابعة شخص يحاول الركض إلى قمة درج مستحيل. ومن خلال جمالية الوسواس القهري التي لا لبس فيها، ثمة احتمالية لأن تكون قد نشأت في رأس كوفمان فحسب، الأمر الذي أثاره فيلمه الأخير "أفكر في إنهاء الأمور". 

يبدو سرده المحتفي بالنكتة والفكاهة في مواجهة أزمة الإيمان المستمرة، بمثابة دليل على أن الحس الكوميدي هنا مخادع تماماً. هناك سرد ميتاحكائي وتسجيل تلقائي متواصل لمشاهير كتاب الأفلام الحقيقيين، بما في ذلك بالطبع "كوفمان" المحتقر. يوجد أيضاً إغواء كوفمان بالوعد الزائف للسينما - لكل الفنون - بأن الوجود البشري يمكن تمثيله؛ قابضاً على نفسه وهو يفكر في وجوده، ثم في فعل التفكير في التفكير في وجوده. ولعل الأهم من ذلك كله هو انشغال كوفمان بفن الدمى: الشكل الفني البريء الذي هو على خطأ للغاية، لأن الدمى المتشنجة السخيفة لا يمكن أن تمثل الكائنات البشرية على نحو لائق، وإن كان أيضاً على صواب، فجميعنا دمى صغيرة سخيفة لا يمكن تمييزها، والكل مقتنع على نحو غريب بشخصه المقيد.

كوفمان يعيش الآن وحيداً في الحجر على الجانب الغربي من مانهاتن (زوجته وطفله، لأسباب لن يتطرق إليها، عادا إلى الساحل الغربي)، في حوار له نشرته الغارديان البريطانية يقول: "أنا عالق في شقة مؤجرة من الباطن في نيويورك. لا أعرف أين ستنتهي الأمور، لكن هذا ليس مكاني، ليست أشيائي ليست كتبي، وليس سريري. أقضي كل وقتي تقريباً في هذا المكان لأنه، لا يوجد مكان أذهب إليه وأنا قلق جداً بشأن المرض".

المزيد من ثقافة