Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما أهمية السيارات وصيد الأسماك في التجارة بعد بريكست؟

تكيف هذان القطاعان وغيرهما مع الخروج من الاتحاد الأوروبي مؤلم بمقدار معاناة الإنضمام إليه في الماضي

يقدم ميناء كاليه وازدحام الشاحنات فيه صورة مكثفة عن متاعب ما بعد بريكست (أ ب)

يتضمّن الجدل حول بريكست الذي دخل عامه الخامس إلى حدٍ كبير مجموعة من النقاشات المكرّرة التي جرت سابقاً وتُوصل إلى تسوية بشأنها منذ عدة عقود.

وهذا ينطبق على المسألتين المُتداولتين حالياً في إطار بريكست- الأسماك والسيارات. بل الأحرى، الأسماك مقابل السيارات، بحسب إحدى قراءات الموضوع. فلنفصح من دون تنميق عن الاعتقاد السائد منذ زمن طويل بأن جماعات صيد الأسماك في بريطانيا  قُدّمت قرباناً لمصلحة منافسيها على القارة [البر الأوروبي] حين أدخل تيد هيث (وهو رئيس وزراء مُحافظ من نوع آخر) بريطانيا في أوروبا في عام 1972.

وتقول بعض الروايات إن إحدى ضحايا هذا التمرين في السياسة الواقعية  مؤسسةً لبيع الأسماك الطازجة بالجملة في أبردين يملكها والد مايكل غوف. وعلى أي حال، لطالما حُمّلت السياسة العامة للاتحاد الأوروبي في مجال المصائد مسؤولية الضرر البالغ الذي طال مناطق مثل هول وغريمزبي،  بعد أن كانت يوماً مجتمعات مزدهرة قائمة على نجاح صيادي الأسماك، رجالاً ونساءً، وعملهم الشاق المحفوف بالمخاطر. 

وتقول الرواية إن هيث اعتبر صيد الأسماك، على الرغم من كونه إرثاً متأصلاً، أقل أهمية بكثير بالنسبة للاقتصاد البريطاني من التصنيع، الذي يشمل قطاع السيارات. لذلك "ضحى" بهذا القطاع. ورأى هيث أن سائقي السيارات الفرنسيين والألمان والإيطاليين ستكون لديهم بعد طول انتظار، قدرة الوصول من دون عراقيل إلى سيارات ترايمف ستاغ وأوستن أليغرو وجاغوار إكس جاي-إس وغيرها من منتجات بطلتنا القومية، مجموعة ليلاند البريطانية لتصنيع السيارات.

فقد اعتمدت ملايين الوظائف وصحة ميزان المدفوعات على توسيع التجارة في هذه القطاعات التصنيعية وليس على سمك القدّ. قد تعتبرون أن هذا القرار القاسي على الرغم من عقلانيته اتخذ بهدف خدمة المصلحة العامة، وقد ترونه خيانة صرف. لكن الأثر العاطفي لـ"حقول" الصيد ما زال موجوداً، كما المرارة التي أبرزتها تلك الحركة الدعائية وقت الاستفتاء حين أطلق بوب غيلدوف مدافع المياه باتجاه نايجل فاراج في نهر التايمز عند ويستمنستر. 

يبدو أن نقاش اليوم يدور، وإن بشكل غير مباشر، حول المقايضة نفسها التي قمنا بها في سبعينيات القرن الماضي بين السيارات والأسماك. وتشير التقارير إلى أن البريطانيين على استعداد أن يعرضوا على الأوروبيين استمرار السياسة العامة في مجال المصائد لمدة ثلاث سنوات إضافية. لكن المفاوضين البريطانيين طالبوا كذلك بمعاملة خاصة لقطاع السيارات البريطاني. وتختلف التحليلات حول فرص إنجاز اتفاق كهذا، لكن العائق الأكبر أمامه هو تعريف "قواعد المنشأ". وتستحق هذه المسألة بعض التفصيل. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

إن مشكلة أي سيارة "بريطانية" مثل نيسان ليف المصنوعة في سندرلاند أو الميني المصنوعة في أكسفورد هي أنها مليئة بقطعٍ انتقلت عبر عدة حدود وطنية مرات كثيرة كي تُجمع ضمن مكوّنات أكبر أو تمر عبر تجميعات فرعية إلى أن تدخل في المنتج النهائي. وهو ما يُنتج وفرة من التنوع في عالم الخيارات التي كأنها فُصّلت على قياس الأفراد حتى ضمن طراز السيارات الواحد. واحتساب نسبة "بريطانية" القطع الفردية وقيمة السيارة الإجمالية مهمة هائلة- إنما أساسية. ولو تدنّت هذه النسبة عن حد معين، فلنعتبر أنه 45 في المئة من سعرها/ تكلفتها/ قيمتها السوقية العادلة، سوف تُفرض عليها تعرفة جمركية أو ضريبة استيراد قبل أن يُسمح ببيعها في الاتحاد الأوروبي.

ويريد البريطانيون من الاتحاد الأوروبي التساهل في هذه النقطة، لا سيما أن الكثير من المكونات تأتي من الاتحاد الأوروبي فضلاً عن الصين واليابان والولايات المتحدة. ويرفض الأوروبيون أن يفعلوا ذلك لأنهم يخشون أن تصبح المملكة المتحدة نوعاً من حصان طروادة صناعي، أو جنة [مثلما يقال جنة ضريبية] معاملات غير قانونية. بالتالي، كما يقولون، إن أحضرت إحدى شركات السيارات الكبرى سيارة شبه كاملة ثم ألصقت عليها ببساطة شعار "صُنع في بريطانيا" وعلم البلاد، لن يجعل ذلك منها "بريطانية" حتى لو صرّحوا أنها كذلك.

وهذا هو الخطر الذي يستشرفونه. تسمى هذه القوانين "قواعد المنشأ" وهي موجودة في كل الاتفاقات التجارية. لو تم إبرام اتفاق تجارة حرة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، يجب أن تكون مختلف المنتجات "بريطانية" بشكل مُثبت كي تستوفي شروط الدخول المُعفى من الرسوم الجمركية. وفي حال لم يُتوصل إلى اتفاق فلا يعود الموضوع مهماً. أما التنازل لمدة ثلاث سنوات في موضوع الأسماك مقابل التساهل في القواعد المطبقة على السيارات فيشير إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق، أو أقله البحث فيه.

لكن الجدل بشأن قواعد المنشأ يسلط الضوء كذلك على بعض أوهام بريكست. إذ بينما صيد الأسماك في هذا القطاع لم يعد يشكل سوى جزء من حجمه السابق (بسبب تقلّب الأرصدة السمكية ومخاوف البريطانيين التي أدت إلى بيعهم حصصهم في الصيد لشركات إسبانية كذلك) فإن قطاع تصنيع منتجات الأسماك البريطاني أفضل حالاً بكثير، حيث تُحوّل الأسماك الأيسلندية وغيرها إلى وجبات جاهزة ومنتجات شبيهة وتُصدّر- "بقيمة مضافة" عالية بسبب الإنتاج البريطاني.

لهذا يمكن القول إن أداء قطاع صيد الأسماك البريطاني الأوسع هو بجودة أداء قطاع صناعة السيارات البريطاني المعاصر. ويضاف إلى ذلك أن الأصناف الجديدة التي يختص بها مثل السلمون الاسكتلندي والأسماك الصدفية من ويلز سهلة التسويق في أوروبا- لكن فقط إن كانت طازجة للغاية ولم تتأخر في عبور القناة الإنجليزية.

كما أن طريق قطاع السيارات البريطاني بعد عام 1973 لم يكن سهلاً في مواجهة المنافسة الأوروبية. بل احتاج للتأقلم مثلما فعل صيد الأسماك. وفي البداية، تلقى قطاع صناعة السيارات البريطاني ضربة قاسية بسبب تدفق سيارات فولكسفاغن وفيات وفوكسهال وفورد الألمانية الصنع التي أغرقت السوق البريطانية بعد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ثم نجح قطاع السيارات البريطاني في تعديل مساره بفضل مساعدة الاستثمار الأجنبي المباشر والتشبيك مع سلاسل التوريد العالمية، لا سيما من أوروبا وإليها.

وخلال نصف قرن تقريباً، مرّ قطاعا السيارات وصيد الأسماك بتغيرات ضخمة مثل كل القطاعات الأخرى، من أجل التكيف مع السوق المشتركة والسوق الموحدة وأثر العولمة الأوسع. وقد ساعدت أوروبا القطاعين من بعض النواحي وألحقت بهما الضرر من نواحٍ أخرى،  كما فعلت بكل القطاعات الأخرى بدءاً بالخدمات المالية ووصولاً إلى صناعة الجعة والاتصالات و[تكنولوجيا] الفضاء.

ولم تتّضح فائدة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي على الاقتصاد في بداية الأمر خلال سبعينيات القرن الماضي، وتطلّب الأمر عقوداً من الزمن كي تطال الاقتصاد البريطاني، يُضاف إليها عوامل أخرى مثل إصلاحات سوق العمل والتحرير والعولمة. قد تنتج بريكست بعد 40 أو 50 عاماً من الآن ميزاناً مماثلاً للخسارة والربح. لكن كل ما نعرفه الآن هو أن التأقلم سيكون مؤلماً عند الخروج مثلما كان عند الدخول، بالنسبة للعاملين في قطاع السيارات وصيد الأسماك وكل من عداهم.

© The Independent

المزيد من آراء