Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ستتدخل موسكو عسكريا في نزاع أرمينيا وأذربيجان؟

لا يرغب الكرملين في تحويل باكو أو يريفان إلى جورجيا أو أوكرانيا ثانية

صورة نشرتها وزارة الدفاع الأرمينية للقتال مع القوات الأذربيجانية في منطقة ناغورنو قره باغ (رويترز)

لم يعد مهماَ اليوم، من أشعل المواجهات القديمة الجديدة بين أذربيجان وأرمينيا، أو من نفخ في النار الخامدة تحت رماد أخطر مناطق النزاع في العالم تعقيداً، حيث لم يتم التوصل لاتفاق سلام إلى اليوم بين باكو ويريفان، منذ اتفاق وقف إطلاق النار عام 1994، الذي أنهى حرباً بدأت عام 1988 على أقليم ناغورنو قره باغ، وخلّفت أكثر من 30 ألف قتيل من الجانبين، وتهجير نحو 300 ألف أرميني، و600 ألف أذري من المنطقة، بعد انتصار الطرف الأرمني و سيطرته على الجيب الأذربيجاني الذي تقطنه ـغلبية أرمنية، بالإضافة إلى 20 بالمئة آخرى من عموم مساحة أراضي أذربيجان.

كان واضحاً منذ البداية، أياً كان من بدأ المواجهات، فهو يستهدف روسيا قبل غيرها، ويوجه ضربة ضد مصالح ودور موسكو في منطقة غاية بالأهمية الجيوسياسية لروسيا، حيث تتداخل وتتشابك علاقات الأطراف المعنية بالنزاع مع أكثر من جهة دولية وأقليمية، روسيا، تركيا، إيران، إسرائيل، الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي.

تدرك أنقرة أن أي تدخل مباشر منها في نزاع القوقاز إلى جانب "شقيقتها في العرق التركي" أذربيجان، يعني ذلك بالتأكيد دفع روسيا أيضاً للتدخل، وربما تدخل أطراف أخرى كذلك مثل إيران، و غير مستبعد أيضاً تدخل فرنسا التي تقطنها جالية أرمنية ذات تأثير كبير في سياسات باريس المتعلقة بتركيا، وليس سراً اليوم أن بوصلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تتجه نحول كل بقعة تتحرك تركيا فيها.

اتساع نطاق النزاع

المؤكد أن اتساع نطاق النزاع، وخروجه عن الإطار المحلي بتحوله من نزاع داخل فضاء الاتحاد السوفياتي السابق إلى نزاع أقليمي أو دولي، يعقد مهمة موسكو، ويضيق الخيارات أمامها، ولن تتدخل روسيا بشكل معلن، طالما بقيت المواجهات في إطارها الحالي، فحتى الآن تحركات أذربيجان العسكرية ضمن أراضيها المحتلة من جانب أرمينيا، والمعترف بها رسمياً من الأمم المتحدة، و هناك أربعة قرارات لمجلس الأمن منذ عام 1993 تطالب أرمينيا بالانسحاب من الأراضي الأذرية التي سيطرت عليها بعد حرب أواخر الثمانينات.

أي تدخل روسي عسكري إلى جانب أرمينيا، ينسف دورها كوسيط مقبول من الجانبين، وينهي عمل لجنة مينسك، ما يعني خسارة أذربيجان، وقدوم أميركا إلى المنطقة، أو دولة ما تكلفها واشنطن بالمهمة، وتغطيها سياسياً، وهنا ليس بالضرورة تركيا، قد تكون إسرائيل، التي تبحث عن موطئ قدم وعلاقات مميزة مع دول المنطقة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، مع وجود عامل تاريخي للمنطقة وماله من دلالات لا يمكن إغفالها يرتبط بيهود الخزر، حيث عرف بحر قزوين أيضاً في القرون الوسطى باسم بحر الخزر نسبة لمملكة الخزر اليهودية.

ومع أن تل أبيب نجحت في نسج علاقات مع أكثر من دولة سوفياتية سابقة مثل جورجيا وأوزبكستان وكازاخستان، إلا أن ذلك لا يكفي، فهي تريد حضوراً فاعلاً في المنطقة، لعدة أهداف، لعل من أبرزها التخلص من أي قيود فرضتها عليها حالة الأمر الواقع الجديدة، وتواجد روسيا وإيران على حدودها السورية، ولإقامة توازن مع أكثر من طرف اقليمي (طهران - يريفان)، بالإضافة أنها منطقة مهمة لامدادتها في الطاقة، وكان لها دور كبير في تسليح جورجيا خلال حرب القوقاز عام 2008، وكانت أذربيجان في عام 2016 ثاني أكبر مستورد للأسلحة الإسرائيلية، والثالثة في 2017، واستدعت أرمينيا، يوم الخميس، سفيرها لدى إسرائيل، للتشاور بسبب إمدادات السلاح لأذربيجان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويجب عدم تجاهل، أن منظمة اتفاق الأمن الجماعي التي تضم إلى جانب روسيا وأرمينيا، دول سوفياتية سابقة أعضاء في المجلس التركي، كازاخستان وقيرغيزستان (أشقاء في العرق مع أذربيجان)، بالإضافة إلى طاجيكستان وبيلاروس التي زودت باكو بأنظمة دفاع جوي مضادة لسلاح الجو الروسي قبل فترة، وقاطعت تلك الدول قمة لقادة الدول الاعضاء في هذه المنظمة الدفاعية كان مفترض انعقادها في يريفان عاصمة أرمينيا قبل أربع أعوام، تزامنت مع مواجهات حصلت بين أذربيجان وأرمينيا عام 2016، لإظهار تعاطفهم مع أذربيجان، تجدر الإشارة هنا إلى عدم توفر أي أرضية قانونية تتدخل بموجبها موسكو إلى جانب يريفان، بسبب أن أذربيجان لا تهاجم الأراضي الأرمنية، وأي تحرك غير مدروس قد يهدد بانهيار هذه المنظمة، ومنظمات أقليمية أخرى اقتصادية تضم نفس الدول برعاية روسية.

تجربة أوكرانيا

لا يمكن إنكار حقيقة أن تجربة أوكرانيا كانت سلبية بالنسبة للكرملين، وأفسدت علاقات روسيا مع العالم كله تقريباً، ومن المستبعد أن يتم السماح بتكرار ذلك من البداية، ولاسيما أن موسكو ما تزال مشغولة ببيلاروس ومدى استمرار الغرب بالضغط في هذه الجبهة المؤجلة، وتداعيات ذلك على علاقاتها مع الغرب حول قضية المعارض ألكسي نافالني، ويضاف إلى كل ما سبق، أن نيكول باشينيان، الذي يرأس الحكومة في أرمينيا، وصل إلى السلطة بعد تزعمه حركة احتجاجات شعبية قبل عامين، على طريقة السيناريوهات الملونة، والكرملين لديه حساسية من أي تغيير للأنظمة عبر تحركات الشارع، بدأت يريفان بعدها محاولات لإقامة توازن في العلاقات بين الغرب وروسيا، وهذا عامل إضافي أن موسكو، لن تظهر نشاطاً كبيراً نحو نزاع القوقاز، طالما أنه لم يخرج عن السيطرة.

ويمكن فهم عدم التجاوب المباشر من الطرفين الأرمني والأذري على دعوة روسيا لهم للحوار في موسكو، لأن أذربيجان وجدت المحادثات غير مجدية ولم تعيد لها أراضيها المحتلة بعد أكثر من 25 عام تفاوض، بينما ترى يريفان أن الوضع الميداني اليوم بعد اندلاع المعارك غير مساعد، وقد يدفعها إلى تقديم تنازلات سياسية لم تقدمها طوال سنوات التفاوض الطويلة، لكن من غير المستبعد بعد فترة من المواجهات، جلوس الطرفين للحوار إذا كان هناك ثمن سياسي لتوقف المعارك.

وعدم تدخل موسكو عسكرياً إلى جانب يريفان، سيدفع الأرمن إلى إثارة جدوى وجودهم في منظمة الأمن الجماعي، وكذلك تحالفها العسكري مع روسيا، ووجود القاعدة العسكرية الروسية على أراضيها.

روسيا بحاجة إلى أرمينيا حليفاً تقليديّاً، إضافة إلى أنها تدخل مع موسكو في منظمة الأمن الجماعي، وتحالفات اقتصادية إقليمية أخرى، ويملك الكرملين نفوذاً كبيراً في أرمينيا يختلف عن باقي الجمهوريات السوفياتية السابقة، بسبب وجوده العسكري الكبير فيها وسيطرته على أبرز مرافق الطاقة والبنى التحتية الأخرى هناك، وفي ظل النزاع الجورجي - الروسي، موسكو تحتاج أيضاً إلى أذربيجان بلداً يحتل موقعاً جغرافيّاً سياسيّاً مهمّاً.

ترتبط موسكو وباكو في عديد من مجالات التعاون المشتركة، من الأمن والطاقة عبر الحدود إلى استغلال موارد بحر قزوين ومشروعات النقل، ولا يرغب الكرملين في تحويل أذربيجان أو أرمينيا إلى جورجيا أو أوكرانيا ثانية، بالتالي لن تقوم موسكو بدفع باكو إلى المواجهة، وبذلك تعطي الفرصة للقوى الخارجية من أجل إخراج روسيا من المنطقة.

الواضح أن التحرك نحو صوغ حل يرضي الطرفين الأذري والأرمني، يمكن أن يصب في مصلحة روسيا أيضاً، فهي بحاجة إلى أرمينيا كحليف تقليدي، وكذلك إلى أذربيجان كبلد يحتل موقعاً جغرافياً سياسياً مهماً، وفي الواقع نجد، روسيا تتحالف مع أرمينيا، وتوجد حالة شراكة مع أذربيجان، وتلعب دور وسيط (مقبول من الجانبين) في تسوية النزاع الأرمني الأذربيجاني.

يبقى القول، أن أية دولة سوفياتية سابقة حاولت خلال السنوات القليلة الماضية تغيير بوصلتها السياسية أو الاقتصادية، خسرت أراض وتعرضت للتقسيم، فجورجيا خسرت أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية حين سعت للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي عام 2008، وبعد محاولة أوكرانيا الانضمام لشراكة اقتصادية مع الغرب على حساب موسكو، استحوذت روسيا على شبه جزيرة القرم، و تعاني إلى اليوم أجزاء في شرق أوكرانيا من عدم الاستقرار.

المزيد من دوليات