Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أردوغان وجد عدوه الثاني ... أرمينيا

دائماً ما يبحث الرئيس التركي عن أزمات خارجية يضيّق بها المجال على المعارضة داخل بلاده

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (أ ف ب)

هذا هو مقالي الثالث حول الموضوع، فقبل أسبوع كتبت مقالاً بعنوان "أردوغان يبحث عن عدو بعد هدوء الأزمة مع اليونان"، وذكرت أنه يتحتم على الرئيس التركي أن يجد لنفسه في الداخل والخارج عدواً "ذا قوة متوسطة"، يرفع من خلاله مستوى التوتر، ليستغل ذلك في التستر على إخفاقاته السياسية المتعددة.

ولم يكن في أثناء كتابتي ذلك المقال تطور بخصوص الأكراد، ولا إشارة تدل على تصعيد الأزمة مع أرمينيا إلى حد الاشتباك الفعلي. وكم كنت أتمنى لو لم يتحقق ما توقعته. لكن لسوء الحظ، بعد أقل من أسبوع، وجد الرئيس التركي عدوين، الأكراد في الداخل، والأرمينيين في الخارج.

وبالنسبة إلى الأكراد فقد حللت الموضوع في مقال بعنوان، "حزب العدالة والتنمية يعود ليعلن الأكراد الأعداء الجدد". هنا في الزاوية نفسها، وها نحن بصدد العدو الثاني: أرمينيا. والسبب المعلن في الأزمة هو النزاع القائم بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم "ناغورنو قره باغ". وقبل الانتقال إلى حيثيات النزاع الذي تسبب في اندلاع الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، أود أن ألفت النظر إلى الفوائد التي يتوخاها أردوغان من وراء الأزمة، وماذا يحاول أن يفعل.

بادئ ذي بدء، إنني لم أتفاجأ بمبادرة تركيا القيام بدور جاد في هذه الأزمة أوصلت البلدين إلى حد الاشتباك. فبعد أن اصطدمت سياسات أردوغان المتشددة تجاه جيرانها بحائط أثينا، كان بأمس الحاجة إلى اختلاق أزمة أخرى يضيق بها المجال على المعارضة في السياسة الداخلية. فالمعارضة لن تستطيع أن تتخذ موقفاً معارضاً له في مثل هذه الأزمات، خصوصاً أن الشعب التركي ينظر إلى أذربيجان من منظور "شعب واحد في بلدين".

الطائرات التركية المسيرة

 أما من الناحية الاقتصادية فإن هذه الحرب فتحت أمامه سوقاً رابحة ليبيع الأسلحة، على رأسها الطائرات من دون طيار، التي تصنعها شركة صهره سلجوق بيرقدار، تماماً كما هي الحال في ليبيا. إضافة إلى أن هناك بُعداً آخر للقضية، وهو إرسال عدد لا بأس به من المرتزقة السوريين إلى منطقة الحرب. وهذا ما جعل المسؤولين الأرمينيين، يناشدون روسيا التدخل في الأزمة، ويشيرون إلى دور تركيا الفاعل والمباشر من خلال تزويد أذربيجان بالسلاح والذخيرة.

كما أن تصريحات المسؤولين في حزب العدالة والتنمية المعلنة بالدعم الصارخ لأذربيجان، تدل على مدى فاعلية تركيا في تشجيع أذربيجان على مواصلة الهجوم على أرمينيا. ولا ننسى أن وجود وحدات المخابرات التركية في منطقة الصراع، وتحليق الطائرات الحربية التركية على الحدود الأرمينية، وتحمس أردوغان لفتح جبهة جديدة، هذه كلها من شأنها أن تجلب في المستقبل مصاعب لكل من الشعبين، الأذربيجاني والأرميني.

نعم، لعبت حكومة حزب العدالة والتنمية دوراً فاعلاً في بدء هذه الصراعات، لكن هناك احتمالاً قوياً، بأن يكون الآذريون هم أنفسهم الذين يدفعون مقابل هذا ثمناً باهظاً. لأنه حتى الآن فشل أردوغان في كثير من خطواته المتسرعة، في سوريا وليبيا وأخيراً عندما تحدى فرنسا واليونان، ثم تراجع عن ذلك كشأنه في جميع السجالات التي خاضها.

وفي حال انحازت روسيا علناً إلى أرمينيا في الحرب الأذربيجانية - الأرمينية، فأعتقد أنه لن يكون أمام كل من أذربيجان وأردوغان خيار سوى التراجع هذه المرة أيضاً. ولا أرى سبباً لتوقيت هذه المغامرة التي خاضها الرئيس التركي، وتحويل الأزمة إلى صراع مسلح، سوى أنه اضطر إلى ذلك، لأن مساحة المناورة في الجبهة الداخلية أصبحت أمامه ضيقة للغاية، وهو في أمس الحاجة إلى ذلك، حتى ولو أدى إلى خسارة في علاقاته الدولية، إذ إن هذه الحرب ستجبر المجتمع التركي على الانحياز إليه، مما يطيل حياته السياسية.

 أما بالنسبة إلى حيثيات الأزمة الأذربيجانية - الأرمينية، فإن منطقة القوقاز كانت منذ فترة تعاني توترات لا تبشر بخير. وبالفعل بدأنا في وقت مبكر من صباح الأحد نسمع من وكالات الأنباء استئناف البلدين المتجاورين، أذربيجان وأرمينيا، الاشتباك، بسبب إقليم "ناغورنو قره باغ"، الذي كانا يتنازعان عليه، ويبدو أن التوتر بين البلدين هذه المرة أعلى بكثير مما حدث في يوليو (تموز) الماضي.

وبينما يلوم كل من الطرفين الآخر على بدء الهجوم، بدأ كل واحد منهما يدلي بتصريحات يبين أنه الأفضل حالاً بالنسبة إلى قلة الخسائر والضحايا. وبدلاً من موقف البلدين الصغيرين المتصارعين في القوقاز أصبحت أنظار المراقبين تركز على موقف كل من تركيا وروسيا. وبينما أعلنت تركيا أنها ستقف إلى جانب أذربيجان، ما زال موقف روسيا غير واضح تماماً.

ومن الجدير بالذكر أن روسيا هي بالفعل الحامي العسكري لأرمينيا، التي هي عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تضم روسيا وبيلاروس وكازاخستان وقيرغيزستان وأرمينيا وطاجكستان، بالتالي فإنه ليس من المستبعد أن تقف روسيا إلى جانب أرمينيا ضد أذربيجان (تركيا)، بموجب الاتفاقية العسكرية بين أعضاء هذه المنظمة. من ناحية أخرى، بينما تعلن أنقرة أمام الرأي العام أنها تدعم باكو، فإنها من ناحية أخرى، تبذل جهداً لمنع موسكو من التدخل الفعلي في النزاع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الدور الروسي في الصراع

إن مشكلة إقليم "ناغورنو قره باغ"، الذي تتصارع عليه البلدان تعود إلى زمن بعيد. ففي بداية القرن العشرين مع الثورة البلشفية في روسيا، بدأت التوترات بين الأرمينيين والأذربيجانيين في الازدياد، وأحياناً كانت تتجلى في شكل اشتباكات في نطاق ضيق.

وعلى الرغم من توقف هذه الاشتباكات خلال فترة الاتحاد السوفياتي، فإنه بعدما تفكك في 1991، وانفصلت 15 دولة عن الاتحاد، وحصلت على الاستقلال، عادت الحرب الأذربيجانية الأرمينية مرة أخرى، لتنتهي باستيلاء الأرمينيين على الإقليم بدعم من روسيا، ورغم الوقت الطويل لم تتمكن مجموعة مينسك، التي تأسست في إطار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من الحيلولة دون الاشتباكات وإيجاد حل للمشكلة.

يذكر أن الأمم المتحدة اتخذت قراراً بشأن هذا الموضوع، مؤكدة فيه أن "ناغورنو قره باغ" "أرض أذربيجانية".

ويوجد كثير من الدول والأسباب، التي تدفع بالمشكلة إلى طريق مسدود، على رأس هؤلاء روسيا، التي تعتبر نفسها الأخ الأكبر لأرمينيا، ولها قوات عسكرية فيها، وكأنها تتحدى تركيا وأذربيجان. لكنها مع ذلك لا تتخلى عن سياستها الازدواجية في أرمينيا كعادتها في سائر علاقاتها الدولية، إذ إنها في الوقت الذي تقف إلى جانب أرمينيا في ما يتعلق بـ"ناغورنو قره باغ"، فإنها لا تتخلى عن توطيد علاقاتها مع أذربيجان أيضاً، بل ربما توحي وكأنها على قدم المساواة في علاقاتها مع أرمينيا وأذربيجان.

الأرمينيون في فرنسا وتركيا

 من الدول التي تلعب دوراً فاعلاً في تأزيم المشكلة فرنسا، ومع أنها واحدة من الأعضاء الدائمين في مجموعة مينسك، التي يُتوقع منها حل المشكلة بشكل حيادي، فإنها على العكس تنحاز إلى جانب أرمينيا، بتأثير من أريمنيي الشتات الذين يبلغ عددهم أكثر من 500 ألف أرميني يعيشون في فرنسا، ويشكلون ورقة سياسية قوية.

ومن الأطراف التي ستتأثر سلباً من هذه الأزمة، هم مواطنونا الأرمينيون الذين يعيشون في تركيا، وربما يتضررون من الخطاب القومي (العنصري) الذي بدأ يروج له في تركيا. وإذا لم تتم العودة إلى أجواء الحوار الذي بادر به الرئيس السابق عبد الله غول في 2009، فسيكون من الصعب حل القضية الأذربيجانية - الأرمينية بشكل سلمي. وإذا استمر الأمر على هذا النحو، فإن كلاً من موسكو وأنقرة وباريس ستواصل استغلال هذه القضية لصالحها، وعلى حساب الشعبين، الآذري والأرميني.

المزيد من سياسة