Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا لم تكن المناظرة الرئاسية الأولى نقطة تحول بين ترمب وبايدن؟

السخرية والسباب والاستفزاز جعلت المناظرة معركة متدنية بلا منتصر

في ظل سباق رئاسي مستقر طوال الأشهر الماضية وعام انتخابي مضطرب، اتضح أن أولى المناظرات الرئاسية الأميركية الثلاث، بين الرئيس الجمهوري دونالد ترمب وخصمه الديمقراطي جو بايدن، لم تنجح في إحداث تغيير يذكر على آراء الناخبين، مثلما كانت تفعل المناظرات الرئاسية السابقة، لكنها مع ذلك كانت فرصة مهدَرة بالنسبة إلى ترمب على وجه الخصوص، لأنه لم يقدم رؤية جديدة تدعمه في استطلاعات الرأي، وتظهر أن الانتخابات هي اختيار بين رؤيتين متنافستين وليست استفتاء، على فشله في معالجة وباء فيروس كورونا كما تصوره حملة بايدن على طول الخط.


مباراة في السخرية والسباب

لم تكن المناظرة الرئاسية الأولى بين ترمب وبايدن، نقطة تحول في عام انتخابي لا مثيل له في الذاكرة الأميركية، إذ أنهى ترمب المناظرة من دون أن يخبر الشعب الأميركي بما سيفعله في فترة ولاية ثانية، وبدلاً من ذلك اتسمت المناظرة الأولى بكثير من السخرية والسباب والاستفزاز من الطرفين المتنافسين، فإذا كان ترمب قاطع بحزم كلام بايدن أكثر من مرة، واعتبر أن لا شيء فيه يتسم بالذكاء وبأنه لم يفعل شيئاً على مدى 47 سنة خلال عمله في السياسة، عمد بايدن إلى استفزاز الرئيس مطالباً إياه أن يغلق فمه، كما تفوه بايدن بشتائم أكثر من مرة حين وصف ترمب بأنه كاذب ومهرج وعنصري، ومرة أخرى بأنه جرو (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين الصغير.

ويشير الكاتب تريب غابريال في صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أنه "بخلاف كل التوقعات كان بايدن وليس ترمب، هو الذي وجه معظم الإهانات، بينما ظل ترمب في موقف دفاعي معظم الوقت مقاطعاً خصمه ومدير المناظرة الصحافي الأميركي كريس والاس، لكن ذلك لا يمثل قوة لأي منهما سوى بين أوساط المؤيدين المتشددين.


تحويل الاتجاه

 في حين مارس ترمب دوره الذي يشتهر به باعتباره متنمراً، فقد كان فعالاً في تفكيك أسوأ هجمات بايدن ببساطة من خلال مقاطعته إياه وتحويل الحديث في اتجاه آخر، فعلى سبيل المثال، أراد ترمب أن تكون الانتخابات حول أي شيء آخر بعيداً عن جائحة فيروس كورونا، لكنه لم يستطع تجاوز الواقع في المناظرة بعدما شن منافسه الديمقراطي هجمات متكررة حول هذه المسألة، ورد الرئيس الجمهوري بأن أداءه كان أفضل مما لو كان بايدن رئيساً، لكن بالنسبة إلى الناخبين الذين ما زالوا مترددين بشأن من الأفضل في التعامل مع الوباء، لم يقدم تبادل الاتهامات أي جديد يجعلهم يميلون إلى أي منهما.

وعبر الباحث ناثانيال راكيش في مؤسسة "فايف ثرتي إيت"عن شكوكه في أن تكون المناظرة غيرت رأي الناخبين، فقد انتهت من دون أن يستفيد أحد من أي شيء جديد، ومع ذلك فقد سيطر ترمب على المناظرة لأسباب جيدة وسيئة، إذ أدت مقاطعاته العنيفة إلى إرباك بايدن، ونجحت في منعه من عرض قضيته على الجمهور.


معركة بلا منتصر

يتفق الكاتب بيتر بيكر في أن المناظرة الأولى لم تسجل منتصراً، لكنه أضاف أن بايدن لم يكن مضطراً إلى تغيير السباق، طالما ما زال متقدماً في استطلاعات الرأي بنسبة تتراوح بين 8 و10 نقاط، فيما خسر ترمب إحدى فرصه الثلاث لتغيير مسار السباق الانتخابي.
ويتوقع مراقبون في العاصمة الأميركية أن يرضي أداء ترمب قاعدته الانتخابية، التي تعتبره مقاتلاً صلباً بصوت مرتفع وسط معركة انتخابية مريرة، لكن من الواضح أن أداء كل من ترمب وبايدن لم يغير مسار السباق، أو يقدم أي نوع من الجاذبية للناخبين المترددين، حيث تشير تفاعلات الأميركيين على تويتر إلى ردود فعل سلبية للغاية تجاه المتنافسَين، ما يعني أن المناظرة وصلت إلى مستوى منخفض جديد، ولن تغير مسار السباق بأي شكل.


هجوم ترمب

مع بقاء خمسة أسابيع فقط على موعد الانتخابات في الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، كان ترمب (72 سنة) في حاجة إلى أداء جيد في المناظرة يصرف الانتباه عن أدائه في المنصب الرئاسي، ويحيله إلى نقاط ضعف بايدن (77 سنة)، سواء كانت، سجله الطويل في مجلس الشيوخ أو لحظاته غير المستقرة أحياناً في الحملة الانتخابية، فسعى الرئيس الأميركي إلى تحويل الانتخابات إلى استفتاء على رد فعل منافسه حول الاحتجاجات، وأعمال العنف المتفرقة في الشوارع التي أعقبت مقتل جورج فلويد على يد الشرطة، متهماً إياه بالتحالف مع اليسار المتشدد والسكوت عن أعمال العنف، وهو ما جعل نائب الرئيس السابق يسارع إلى رفض العنف، وإن كان امتنع عن إبداء رأيه في حركة "حياة السود مهمة".

ومثلت المناظرة نقطة توتر جديدة في أمة تعاني صيفاً من الاضطرابات العرقية وقروناً من عدم المساواة، حيث اعتبر ترمب أن بايدن هو السياسي الذي ساعد في الزج بملايين الأميركيين السود في السجن بموجب قانون الجرائم الذي صوت لصالحه عام 1994، فيما وصف بايدن ترمب بأنه "الرئيس العنصري" في المكتب البيضاوي.

وبينما رفض ترمب التنديد بشكل قاطع بالعنصريين البيض، حوّل اتجاه سؤال طرحه كريس والاس مذيع شبكة "فوكس نيوز" الذي أدار المناظرة، حول عنف اليمين المتطرف، إلى هجوم على حركة أنتيفا (يسار متطرف) واليسار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


هجوم بايدن

حاول بايدن شن هجوم قوي ضد ترمب، مشيراً إلى اتهامات صدرت قبل أسابيع ونفاها الأخير، بأنه وصف الجنود الأميركيين الذين قُتِلوا في المعارك على أنهم فاشلون ومغفلون، مشيراً بقدر من الانفعال إلى نجله "بو" الذي خدم في العراق وكرمته القيادة العسكرية بنجمة برونزية، مؤكداً أنه لم يكن فاشلاً أو مغفلاً، لكن ترمب سارع بقلب الطاولة متهماً هانتر نجل بايدن الأصغر بأن الجيش لفظه بسبب تعاطيه الكوكايين، ولم يحصل على وظيفة إلا عندما أصبح بايدن نائباً للرئيس، وهو ما نفاه بايدن.

وعندما حاول ترمب إثارة قضية هانتر نجل بايدن وأفعاله حين كان عضواً في مجلس إدارة شركة نفط أوكرانية من دون خبرة في مجال النفط، سعى جو بايدن إلى مهاجمة عائلة ترمب.


تجنب خطأ هيلاري

وحاول بايدن طوال الوقت تجنب الخطأ الذي وقعت فيه مرشحة الحزب الديمقراطي السابقة للرئاسة هيلاري كلينتون بالدخول في نقاشات حول الشخصية، بعدما خضع لاختبارات وتدريبات من قبل مستشاريه لعدم الرد على استفزازات ترمب. كما لم يُظهِر بايدن انزعاجاً مفرطاً من انتقادات خصمه، واغتنم الفرص للإشارة إلى أن البلاد أصبحت أكثر ضعفاً ومرضاً وانقساماً تحت قيادة ترمب. كما انتهز بايدن فرصاً عدة للتحدث مباشرة إلى الشعب الأميركي عبر النظر مباشرةً إلى الكاميرا، وتوجيه إيماءات وإشارات إلى المشاهدين في المنازل وناشدهم بالإدلاء بأصواتهم.

ويقول المحلل السياسي نات سيلفر "لم يكن أداء بايدن قوياً، لا سيما في بداية المناظرة، لكنه كان مقبولاً، لأنه لم يكن الطرف الذي رفض الالتزام باحترام نتائج الانتخابات، أو الذي رفض إدانة العنصريين البيض".


أخطار ما بعد الانتخابات

وفيما أنهى كريس والاس المناظرة بسؤال كل مرشح، عما إذا كان سيحضّ مؤيديه على الهدوء ويتعهد عدم إعلان الفوز بشكل استباقي قبل استكمال فرز الأصوات، وافق بايدن على ذلك، بينما رفض ترمب بشدة، قائلاً إنه يعول على المحكمة العليا النظر في بطاقات الاقتراع في الانتخابات الرئاسية، وهو طلب استثنائي يأتي قبل إجراء الانتخابات واستكمال عمليات التصويت، التي بدأت في بعض الولايات عبر البريد، ما يتماشى مع مخاوفه التي يكررها دوماً من حدوث احتيال غير مسبوق خلال التصويت عبر البريد، الأمر الذي اعتبر بايدن أنه دليل على خشيته من فرز الأصوات. في ختام المناظرة ، وبعد أن وجه بايدن نداءً إلى الشعب الأميركي للتصويت، رد ترمب على الانتقادات التي وجهتها إليه إدارة الرئيس السابق باراك أوباما خلال حملته الانتخابية لعام 2016، مؤكداً أنه سيطلب من المحكمة العليا النظر في الأصوات المدلى بها في هذه الانتخابات.


سباق عنيد

 بصرف النظر عن تأثير هذه المناظرة، فإن الرهان الذي يطمح إليه ترمب هو أن يتمكن من إحداث تغيير مهم في سباق البيت الأبيض، الذي ظل دون تغيير بشكل عنيد، على الرغم من الاضطرابات التي شهدتها الولايات المتحدة وقت الوباء في ظل اقتصاد منهك واحتجاجات مستمرة ضد العنصرية.

ومع تصلب مواقف الناخبين الحزبيين بشأن ترمب وبايدن في ظل مناخ هو الأكثر استقطاباً في التاريخ الحديث للولايات المتحدة، يبقى هناك عدد قليل نسبياً من الناخبين المترددين، ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت المناظرتان المقبلتان ستحدثان التغيير المطلوب في السباق المرير، الذي ظل ثابتاً من دون تغيير طوال العام الحالي تقريباً. 

الفرص الأخيرة

بالنسبة إلى ترمب، فإن المناظرة شكلت إحدى فرصه الأخيرة لإعادة تشكيل انطباعات الناخبين غير البيض عن نائب الرئيس السابق، فكانت هجماته ضد منافسه وصولاً إلى ليلة المناظرة الأولى في كليفلاند بولاية أوهايو غير متسقة حسبما يقول خبراء إستراتيجيون جمهوريون، الذين أبدوا قلقهم من أن الرئيس لم يفعل ما يكفي لتغيير انطباعات الناخبين عن خصمه في وقت يجري فيه التصويت بالفعل في بعض الولايات التي تمثل ساحة المعركة الرئيسة.

فخلال الأسابيع الماضية كانت هجمات ترمب ضد بايدن مبعثرة، ما أحبط بعض الجمهوريين الذين يعتقدون أنه أهدر فرصاً متكررة لتصنيف منافسه والتركيز على نقطة واحدة واضحة للنيل منه، لكن ترمب وجد نفسه طوال الأشهر الماضية في موقف الدفاع، لتبرير جهوده في محاولة تجاوز جائحة فيروس كورونا، أو في إقناع عديد من الناخبين بأن طريقة إدارته للأزمة الصحية كانت فعالة، بل إن القضايا التي يرى أنها أكثر ملاءمة لتحفيز الناخبين على إعادة انتخابه، لم يسوقها على نحو مناسب بما في ذلك التشديد على أهمية إنفاذ القانون ومعالجة تراجع النشاط الاقتصادي. وحتى اختيار ترمب للقاضية إيمي كوني باريت كمرشحة للمحكمة العليا يوم السبت الماضي بهدف تنشيط الناخبين المحافظين، طغت عليه في اليوم التالي تسريبات صحيفة "نيويورك تايمز" حول ملفه الضريبي وأمواله الشخصية.


نقاط الضعف

لكن ترمب كان قد بدأ بالفعل هجومه عشية إجراء المناظرة الأولى، فقد استعرض سجل بايدن وشخصيته ومدى كفاءة حالته العقلية في سن 77 عاماً، في إشارة إلى أنه غير مؤهل لتولي المنصب الرئاسي، فيما يقول بعض مؤيدي الرئيس إنهم على ثقة بأن ترمب لديه الوقت والمهارة السياسية، للتغلب على بايدن في هذه المرحلة النهائية من المناظرات.

لكن عديداً من الجمهوريين كانوا في حيرة من أمرهم من أن ترمب، الذي حدد بمهارة نقاط ضعف منافسيه واستغلها بكفاءة عام 2016، بدا أنه لا يزال يبحث عن أكثر الطرق فعالية لتحديد نقاط ضعف بايدن في هذه المرحلة المتأخرة من الحملة، بينما كان بوسعه أن يستثمر وقته خلال الربيع والصيف بشكل فعال في حسم هذا الأمر.

في المقابل، استغل الرؤساء السابقون عام الانتخابات بشكل فعال لتحديد نقاط ضعف خصومهم، ووسمهم بهذه السمة خلال خوضهم منافسات الرئاسة للفوز بفترة ثانية، حيث استغل الرئيس جورج دبليو بوش الوقت، لترسيخ الانطباع بأن منافسه الديمقراطي جون كيري كان متقلباً، كما أطلق الرئيس باراك أوباما حملة دعائية واسعة كي يصف خصمه الجمهوري ميت رومني باعتباره ثرياً لا يعرف شيئاً عن الطبقة الوسطى.
 

الصدى الغائب

 يبدو أن ترمب اكتفى بتغريداته على تويتر وهجماته ضد بايدن، مستهدفاً حياته المهنية الطويلة في واشنطن، وطرح ادعاءات حول علاقات تجارية يقول إنها مشبوهة لابنه هانتر مع أوكرانيا، ومع نفاد الوقت، أصبحت بعض هجمات ترمب تثير شكوك ناخبيه، بما في ذلك مطالبته بالكشف عن مدى تعاطي بايدن منشطات قبيل المناظرة.

وحتى الآن لم يلمس خبراء الحملات الانتخابية صدى مؤثراً مما قاله ترمب عن بايدن مقارنةً بالنجاح الذي حققه ضد خصومه طوال عام 2016 الانتخابي وتحديداً ضد هيلاري كلينتون، التي وصفها بأنها سياسية خبيثة وملتوية، ونجح في جعل السباق يركز على كلينتون وليس عليه، أما الآن فقد كافح لأن يجعل السباق عن بايدن، ولم يتبق على الانتخابات سوى 5 أسابيع ومناظرتين أخريين.

المزيد من تقارير