Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شبام اليمنية في مواجهة كوارث الأمطار والفيضانات

الحكومة المحلية توجه نداء استغاثة بعد تضرر أكثر من 200 منزل في المدينة التاريخية

شبام واحدة من المدن اليمنية المسجلة في قائمة التراث العالمي منذ عام 1982 (غيتي)

شهدت مناطق عدة في وادي حضرموت خلال الآونة الأخيرة هطول أمطار غزيرة وتدفق سيول وفيضانات، خلفت أضراراً في مبانيها الطينية.

وتصدرت مدينة شبام التاريخية قائمة المناطق الحضرمية الأكثر تضرراً من موجة الأمطار خلال العام الحالي، لاسيما في شهري أبريل (نيسان) ويوليو (تموز).

كوارث عبر التاريخ 

هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها شبام حضرموت، "منهاتن الصحراء" كما تلقب، لمثل هذه الكوارث الطبيعية، فقد أدت الأمطار والفيضانات عبر التاريخ إلى تدمير أجزاء منها، وأشهرها سيل "الهيم" الذي دهم المدينة عام 1299، وسيول القرن الـ 20 التي دمرت دفاعات المدينة و"سدّ الموزع"، وتعاقبت السيول على شبام في سنوات عدة، أبرزها أعوام 1983 و1988 و1996 و2008، مدمرة عدداً من البيوت الطينية والمساجد.

وشبام واحدة من المدن اليمنية المسجلة في قائمة التراث العالمي منذ عام 1982، وهي نموذج للمدن الطينية في وادي حضرموت التي أُسست قبل الإسلام، أما مبانيها الحالية فشيدت قبل أكثر من 500 سنة، وأصبحت عاصمة لمملكة حضرموت القديمة عقب خراب الحاضرة شبوة، ولطالما كانت مركزاً تجارياً عبر التاريخ، إذ شكلت محطة تصدير لأهم منتجات حضرموت من اللبان منذ ما قبل الميلاد وحتى القرن الرابع الميلادي، عبر مينائي الشحر وقنا، وعبر الطرق البرية الصحراوية. وبقيت المدينة سوقاً تجارية شهيرة على مستوى المنطقة حتى ثلاثينيات القرن الماضي، إذ كانت تستقبل أكثر من ألف جمل لنقل البضائع المتنوعة شهرياً، وتحمل منها قوافل الحبوب والمنسوجات إلى مناطق وأسواق يمنية أخرى، كنجران والبيضاء وصنعاء وزبيد.

 

معاناة مواطن

يقول عبدالله بن سميط وهو شاب من أبناء شبام تضرر منزله الطيني من موجة الأمطار الأخيرة، "تعرضت المدينة لأمطار غزيرة جداً استمرت في أحد الأيام لأكثر من خمس ساعات، وبقوة لم تشهدها شبام من قبل، فتضرر أكثر من ٢٠٠ منزل بدرجات متفاوتة، بعضها أضرار بالغة أدت إلى نزوح ساكني المنازل بعد أن أصبحت آيلة للسقوط أو تهدمت أجزاء من أسقفها، وأخرى تشققت جدرانها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالرغم من مرور ثلاثة أشهر على موجات الأمطار، والأضرار الجسيمة التي ألحقتها بأول ناطحات سحاب طينية في العالم، أسف ابن سميط لعدم تدخل السلطات الحكومية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قائلاً إن أحداً لم يلتفت لمناشدات أهالي المدينة الذين لا يستطيعون ترميم منازلهم جراء ظروفهم الاقتصادية والمعيشية الصعبة.

ورأى أن شبام تعتبر رمزاً حضارياً وهندسياً بديعاً للعمارة الطينية، إلا أنها لم تلق الاهتمام المطلوب لحمايتها من المخاطر التي تهددها منذ سنوات. وأشار في هذا السياق إلى تأخر الصندوق الاجتماعي للتنمية في تنفيذ مشاريع لحماية المدينة التي خصصت لها حزمة بمليوني دولار منذ عام 2019، بفضل منحة من الاتحاد الأوروبي عبر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، ولم تبدأ أعمال ترميم 40 منزلاً سوى أخيراً.

وأوضح ابن سميط أنه "عند هطول الأمطار تصبح شبام محاصرة بالسيول من كل الجهات، مما يستدعي إيجاد حل يجعل المدينة بعيدة عن السيول، ويسهل الدخول والخروج منها وإليها خلال فترة الأمطار"، مناشداً وضع "منافذ آمنة ومشروع جسر يحل مشكلة حصار السيول للمدينة القديمة، على أن تتفق عليه الحكومة مع أهالي شبام، بما يتلاءم مع وضع المدينة ولا يخالف معايير "يونسكو" ولا يشكل خطراً على المعالم التاريخية".

تداعيات الحرب

الحكومة المحلية في مديرية شبام قالت إنها تعمل مع المنظمات الدولية على الاهتمام بالمدينة، لكنها أقرت بوجود عدد من المعوقات التي أدت إلى تأخير إنجاز أعمال الحماية والترميم فيها.

وأرجع المدير العام للمديرية، هشام غالب، التأخير إلى تداعيات الحرب المستمرة منذ سنوات عدة، وتدهور الخدمات في البلاد، وضعف التنسيق بين الجهات المحلية والدولية.

وأضاف أن شبام هي الواجهة الحضارية والإرث التاريخي الذي تعتمد عليها حضرموت واليمن، وتعرضت لأضرار وكوارث بسبب الأمطار والفيضانات، مما أدى إلى انهيار منازل المواطنين كلياً وجزئياً، إضافة إلى تضرر سور المدينة ومنظومة الصرف الصحي.

ودعا حاكم شبام "يونسكو" وجميع المنظمات والمؤسسات المحلية والدولية الأخرى المهتمة بالتاريخ والثقافة والتراث الإنساني، إلى تكثيف عملها في مشاريع الحفاظ على المدينة التاريخية، قبل أن تأتي موجة جوية جديدة توقع مزيداً من الخسائر.

 

نداء استغاثة

وأطلق مكتب الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية بالمديرية نداء إلى كل المنظمات العاملة في التراث الثقافي، وخصوصاً "يونسكو"، للتدخل العاجل لإنقاذ العمارة الطينية في شبام.

وأوضح مدير فرع الهيئة في شبام، حسن عيديد، أن الفرع سارع منذ اليوم الأول لكارثة الأمطار إلى التواصل مع أكثر من جهة محلية ودولية، للتدخل لإنقاذ العمارة الطينية في المدينة من الانهيار.

وأضاف في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أن الهيئة تنفذ حالياً مشروعاً طارئاً ممولاً من الاتحاد الأوروبي عبر "يونسكو" والصندوق الاجتماعي للتنمية، لترميم 40 مبنى مع سور شبام، وإزالة أشجار السيسبان من على مجرى السائلة، لكن المشروع لا يلحظ كثيراً من المباني التي تضررت إثر الأمطار الأخيرة، ما يستوجب تمويلاً إضافياً وعاجلاً لإنقاذها.

خطة طموحة

كشف عيديد عن خطة طموحة للهيئة للفترة المقبلة، تتمثل في إيجاد تمويل دائم ومستمر لمشاريع حماية المدينة التاريخية، ما يتيح التدخل أثناء وقوع الضرر قبل أن يتفاقم ويصبح كبيراً، إضافة إلى سعي فرع الهيئة لإدراج مواقع جديدة على قائمة التراث العالمي، مثل مدينة الهجرين ووادي دوعن وقصر الكثيري في سيئون، ومدينة تريم بقصورها ومساجدها.

ولفت إلى تنفيذ عدد من الأنشطة ومشاريع الترميم الصغيرة بهدف الحفاظ على النمط المعماري لشبام، والاستمرار في توجيه الأهالي بالمشاركة في الحفاظ على مدينتهم باعتبارهم مُلاك هذا الإرث، وتوجيه منظمات المجتمع المدني والسلطة المحلية بضرورة الإسهام في الحفاظ على شبام في حدها الأدنى، ومنع أية مخالفات وتشوهات معمارية، وكذا حصر وتقييم الأضرار في مبانيها بسبب التفجيرات والفيضانات في استمارة "يونسكو" المعتمدة، وتشكيل ثلاث فرق عمل ميدانية، تضم كل منها ثلاثة أفراد لحصر الأضرار في المباني، مثل الأضرار الهيكلية في الأساسات والأسقف والتشققات والأضرار في الأبواب والنوافذ والعناصر المعمارية.

وأكد عيديد أنه "بالرغم من استمرار الحرب في اليمن، فإن مكتب الهيئة يعمل بهمة ونشاط من أجل الحفاظ على شبام ومنع أية تشوهات أو مخالفات معمارية قد تضر بالمدينة، وبالرغم من الصعوبات المالية فإن المدينة حافظت على نمطها المعماري، وهذا النجاح جاء نتيجة العلاقة الوطيدة بين مكتب الهيئة ومختلف منظمات المجتمع المدني والعلاقة الوثيقة بالسلطات المحلية".

وختم مشيراً إلى تهديد آخر تعرضت له شبام، يتمثل في أحداث العنف والاشتباكات المسلحة التي شهدتها عام 2015 بين الجيش الحكومي و"جماعة أنصار الشريعة"، النسخة اليمنية من تنظيم "قاعدة جزيرة العرب"، والذي شكل تهديداً كبيراً لمكانة المدينة التاريخية وعمارتها الطينية الأصيلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير