Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

آفة المخدرات وسط الجامعات التركية في رواية بوليسية

"جثة عارية" عن عالم التحري والتهريب والجرائم في أسلوب تشويقي

مشهد عام لإسطنبول (رويترز)

رواية "جثّة عارية" (ثقافة للنشر والتوزيع) للكاتب البوليسي التركي جليل أوقار هي الحلقة الأولى في سلسلة من عشر روايات تتمحور بمعظمها حول شخصية المحقّق رمزي أونال. وفي هذه الحلقة، يتناول موضوعاً على قدرٍ كبير من الخطورة، يتعلّق بظاهرة ترويج المخدّرات في الأوساط الجامعية. ويتّخذ من الرواية البوليسية إطاراً لمعالجة هذه الظاهرة، وتفكيك آليات اشتغالها، ومسارات المتورّطين فيها ترويجاً واستهلاكاً، والمآلات التي تؤول إليها. وهو يفعل ذلك من خلال رصدها في جامعة البوسفور الاسطنبولية.

يشكّل الاتصال الهاتفي الذي يتلقّاه الطيار السابق في شركة الخطوط التركية، والمحقّق الخاص رمزي أونال المقيم في اسطنبول، ذات مساء، من السيد يوسف ساري، التاجرالمقيم في تَرسوس، طالباً إليه أن يجد له ابن شقيقه ابراهيم، الطالب المختفي الذي يدرس علم الاجتماع في جامعة البوسفور، البداية الفعلية لأحداث الرواية. وتشكّل مغادرة رمزي أونال طاولة العشاء في نادي متخرّجي الجامعة، وقد وضع الأمور في نصابها، وأنجز المهمّة على أفضل وجه، نهاية الرواية. وبين البداية والنهاية سلسلة من الوقائع الروائية المتمحورة حول قيام المحقّق بمهمّته، والأماكن التي زار، والشخوص الذين التقى، والأدوات التي استخدم، والصعوبات التي واجه، والنتائج التي بلغ. وهي وقائع تنتظم في مسار خطّي، يمضي إلى الأمام، حتى بلوغ النتائج المرجوّة، ما يجعلنا إزاء بنية روائية بسيطة، تقليدية، تُجانب بنية المدينة المعقّدة. وهنا، تكمن المفارقة الأولى بين البنية الروائية والعالم المرجعي الذي تُحيل إليه.

في إطار القيام بمهمّته، يقوم رمزي أونال بزيارة العمّ يوسف في تَرسوس، ويحصل منه على صُوَرٍ ومعلومات عن المختفي، تشكّل نقطة انطلاق في تنفيذ المهمّة. وفي الوقت نفسه، يكلّفة الأخير نقل طردٍ صغير إلى شريكه في اسطنبول أورهان يلماظ. غير أنّ العمّ يُخفي عن التحرّي طبيعة عمله ودور ابن أخيه والشريك الآخر فيه. وانطلاقاً من هذه النقطة، يقوم أونال بزيارة عدد من الأماكن، ويبرمج زياراته في ضوء المعطيات التي يحصل عليها تباعاً، ويقابل مجموعة من الشخوص، ويعثر على عددٍ من الأدلّة التي تساعده في جلاء الحقيقة. ويتعرّض خلال ذلك لضغوط نفسية وجسدية لا تفلح في ثنيه عمّا يقوم به. وتأتي مجموعة من الحوافز المالية والشخصية والوطنية لتزيده إصراراً على متابعة المهمّة.

وقائع المهمّة

في تَتَبُّعٍ لمسار تنفيذه المهمّة، تطالعنا، على التوالي، الوقائع الآتية: زيارتُه الجامعة، ومقابلةُ بعض الطلاّب وعميد الأنشطة الطلاّبية أناكورتار توبراك، وعودتُه خاوي الوفاض. إطّلاعُه من سينَم، الطالبة الجامعية وعارضة الأزياء، على وجود ابراهيم في منزل في منطقة أتاكوي. تلقّيه تهديداً هاتفياًّ يُحذّره من مغبّة العودة إلى الجامعة والاستمرار في البحث عن ضالّته. توجّهُه إلى بيت المختفي في منطقة حصار، وعثورُه على صُوَرٍ خادشة للحياء تُظهره مع سينَم وامرأة أخرى في أوضاعٍ فاضحة. اتصالُه بالعمّ، ووضعُه في أجواء ما توصّل إليه من معلومات، وتشديدُ الأخير عليه أن يُوصل الطرد إلى صاحبه، ما يثير فضوله حول محتواه. ذهابُه إلى شركة أورهان يلماز لتسليمه الطرد، وعثورُه عليه جثّة هامدة وسط بحيرة من الدماء.

ذهابُه إلى منزل أتاكوي، ولقاؤُه بزوهال، البنت الأخرى التي تظهر في الصُّوَر الفوتوغرافية، في حالة من الطيران جرّاء تعاطي المخدّرات، ومهاجمتُه من قبل رجلين دبّين وتكبيلُه واختطافُه إلى مكانٍ مجهول خارج المدينة، وتمكّنُه من الهرب. لقاؤُه العمّ يوسف في المجمّع الرياضي في حي آكات لار، واتفاقُهما على أن يجد أونال الصبي قبل وصول "الخال"، زعيم العصابة، إليه، على أن يقوم هو بتسليمه الطرد بنفسه، بعد مقتل يلماز. زيارةُ الجامعة مجدّداً ولقاؤه عميد الأنشطة الطلابية توبراك، ووضعُه في أجواء ما توصّل إليه، واتفاقُهما على عدم نشر الأخبار المتعلّقة بالجامعة، وتعرّضُه للاعتداء خلال مغادرته الجامعة، وتمكّنُه من صدّ المعتدين والحصول منهم على معلومات مفيدة، وعلى مفتاح الغرفة المظلمة الذي يحتفظ به ابراهيم، وقيامُه بتفتيش الغرفة والعثور فيها على أدلّة جديدة. تناولُه الغداء مع الطالبة زوهال في المطعم الصيني الكائن في المجمّع التجاري، واستدراجُها إلى البوح بما لديها من معلومات، والاطّلاعُ منها على مكان وجود ابراهيم. زيارتُه منزل عمّة سينَم في ليفَنت حيث تقيم الأخيرة مع ابراهيم، والوقوفُ منهما على دور كلٍّ منهما في العمليّة. تناولُه العشاء في نادي متخرّجي الجامعة مع عميد الأنشطة الطلابية توبراك والطالبة زوهال، وقيامُه بكشف دور الأخيرة في التخلّص من أورهان يلماز وابتزازه الدائم لها، وكشف دور توبراك في ترويج المخدّرات داخل الجامعة، والمغادرة.

التقنيات والضغوط والنتائج

  خلال قيامه بهذه الوقائع، يستخدم أونال تقنيات عدة: الزيارة الميدانية، الاستجواب، المقابلة، الاستدراج، اللقاء المباشر، التفتيش، الضرب، الترغيب والترهيب، الاتصال الهاتفي، اللقاء حول مائدة طعام، وغيرها. ويتعرّض خلال استخدامها إلى: التهديد الهاتفي، الاعتداء الجسدي، التكبيل، الاختطاف، تكسير زجاج سيّارته، وغيرها. ويستنتج أنّ العمّ يوسف الذي هاتفه مستنجداً به للعثورعلى ابن أخيه المتواري عن الأنظار، يتعاطى الاتجار بالمخدّرات تحت ستار تجارة الأقمشة، ويعهد إلى ابن أخيه توصيلها إلى اسطنبول، وإيجاد السوق المناسبة لها.  فيقوم الأخير بنسج علاقات حميمة مع سينَم وزوهال، وتصويرهما في أوضاع فاضحة، وتسريب الأفلام إلى أورهان يلماز الذي ينخرط في هذه التجارة تحت ستار "شركة إنتاج وصوت وتسجيل" ليقوم بابتزاز الطالبتين المذكورتين، وإلزامهما الإتيان بزبائن للبضاعة، تحت طائلة الفضيحة، فيما يقوم الطالبان فرات وعدنان بتسلّم البضاعة من ابراهيم وتسليمها لأصحاب العلاقة. ويلعب عميد الأنشطة الطلابية دور الشريك لابراهيم في هذه العملية، تحت وطأة التهديد، فيما يقوم "الخال"، الشخصية الغامضة التي لا تظهر كثيراً على مسرح الأحداث، ويخشاها الجميع، بدور الرأس المدبّر في هذه التجارة الممنوعة.

أمّا مقتل أورهان يلماز فيتمّ على يد زوهال التي تذهب إليه لتحصل على الفيلم الذي يبتزّها به، وإذ يحاول الاعتداء عليها جنسياًّ ملوّحاً بمسدّسه، تقوم بانتزاع المسدّس منه وقتله دفاعاً عن النفس. وبهذه النتائج، يكون المحقّق قد أنجز مهمّته على أفضل وجه. ومن خلال هذه الوقائع، يقوم الكاتب بمقاربة تجارة المخدّرات في الوسط الجامعي التركي مُعَرِّياًّ القائمين بها، وأدواتهم، وأهدافهم، وآليات عملهم. ويُضيء، بهذه المقاربة، الفساد الإداري، والازدواجية الاجتماعية، والابتزاز الجنسي، والجشع التجاري، وانعدام الحسّ الوطني، وموت الضمير الإنساني، وسواها من الأعطاب التي تعتور العالم المرجعي للرواية.

  يضع جليل أوقار روايته في ثماني عشرة وحدة سردية، متوسّطة الطول، يتراوح طول الواحدة منها بين أربع صفحات، في الحدّ الأدنى، كما في الوحدة السابعة، وخمس عشرة صفحة، في الحدّ الأقصى، كما في الوحدة الثانية. وهي وحدات تنخرط في علاقة خطّية فيما بينها، على المستوى الخارجي، تتعاقب فيها الأحداث، وتتسلسل غالباً، وتمضي قُدُماً حتى النهاية. وقد تنقطع أحياناً في إحدى الوحدات لتعود إلى الاتصال بعد عدّة وحدات، فيضع الراوي شريط تسجيل في إحدى القنوات التلفزيونية، في الوحدة الثامنة، على سبيل المثال، ولا يعود لمشاهدة محتوياته التي تفيده في مهمّته إلاّ في الوحدة السابعة عشرة.

على المستوى الداخلي، تتعاقب الأحداث، وتتسلسل غالباً داخل الوحدة الواحدة، وقد يترجّح السرد في بعضها بين موضوعين اثنين بالتناوب، بحيث ترد جزئية من أحدهما لتليها جزئية أخرى من الآخر ثم يعود إلى الأوّل مجدّداً، وهكذا، دواليك. وهنا أعترف أنّني للمرّة الأولى أقع على مثل هذا الترجّح الجزئي داخل الوحدة السردية نفسها، رغم قراءتي مئات الروايات. هذا الترجّح بين موضوعين اثنين في جزئيات صغيرة لكلٍّ منهما نراه في ترجّح الراوي / المحقّق بين حواره مع يوسف في المجمّع الرياضي ومتابعته مباراة كرة القدم، في الوحدة التاسعة. ونراه في الترجّح بين تحليله دور كلٍّ من زوهال وكورتار في الجريمة المرتكبة وممارسته لعبة إلكترونية، في الوحدة السابعة عشرة.

إلى ذلك، يستخدم الكاتب لغة سردية رشيقة، تؤثر الجمل القصيرة والمتوسّطة الطول، وتبتعد عن تلك الطويلة التي تثقل النص وتصيبه بالترهّل النصّي. ويأتي الحوار، بجمله القصيرة، ليعزّز رشاقة السرد، ويدخل معه في علاقة تناغم وتكامل، يتمخّض عنها نصٌّ روائيٌّ رشيق، جميل. وتأتي الأمثال الشعبية التي تتخلّل النص، على قلّتها، لتوهم بواقعية الرواية، وتشي بالعالم المرجعي الذي تمتح منه وتحيل إليه. وجميع ما تقدّم يجعل من "جثّة عارية" رواية جديرة بالقراءة وقابلة للحياة. ولعلّ الموضوعية، في هذا السياق، تقتضي ألاّ نُغفل دور كلٍّ من المترجم مجد الدين صالح، والمراجع سامر السرّاج في الوصول إلى هذه النتيجة، بمعزل عن حجم دور كلٍّ منهما. 

المزيد من ثقافة