Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قلعة "تاروت" السعودية ... أقدم ثغور البرتغاليين في الجزيرة العربية

اسمها له دلالات تاريخية ويعود إلى الحضارات الإنسانية الأولى في بلاد الرافدين

قلعة  جزيرة تاروت السعودية (اندبندنت عربية -عبدالخالق الجنبي)

الوقوف على تل قلعة تاروت الأثري لا يعني الإطلال من مكان مرتفع فحسب، بل فرصة لتأمل أحد مراكز الحضارات الأولى في جزيرة تاروت، التي وصفها وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود، عبر حسابه على موقع "تويتر" بكنز من أرض الكنوز الثقافية.

وتعتبر من أهم المعالم التي تشتهر بها المنطقة الشرقية شرق القطيف داخل خور واسع من البحر، يحيط به غرباً ساحل القطيف، وجنوباً ساحل الدمام، وشمالاً رأس تنورة الممتد إلى محاذاة الجزيرة من الشرق. وتعتبر جزيرة تاروت أوسع الجزر الواقعة على شاطئ الخليج داخل السعودية، بل أكبر جزيرة فيه بعد جزيرة البحرين، وترتبط حالياً بالقطيف بطريق عبر الخليج أنشئ عام 1965.

يقول الباحث عبد الخالق الجنبي لـ"اندبندنت عربية"، "إن الجزيرة حظيت باهتمام علماء الآثار الأوروبيين فعندما جاءت البعثات الدنماركية الاستكشافية إلى دول الخليج مستكشفة ما في بطون أراضيها من آثار، فوجئوا بالمستوى الأثري الكبير الذي ينطوي عليه باطن جزيرة تاروت، مما جعل رئيس البعثة جيوفري بيبي يقرر أن هذه الجزيرة "ليست مجرد أقدم منطقة في السعودية، بل أقدم موقع لمدينة الخليج"، ولم يخفِ هذا الباحث حسرته لعدم تمكنه من التنقيب كما يشتهي في التل الشهير الذي تقوم عليه قلعة تاروت.

التسمية

وأضاف الباحث التاريخي جلال الهارون، أن علماء التاريخ والآثار يرون أن اسم الجزيرة "تاروت" له دلالات تاريخية وحضارية كبيرة، فقد ورد أيضاً في خرائط قدماء الإغريق واليونان على النحو الآتي "تارو"، ويعود بجذوره إلى الحضارات الأولى التي نشأت في العراق مثل الحضارة السومرية والآشورية والأكادية والكنعانية والفينيقية، وهذا المسمى تاروت أو "تارو" أو "اش تار"، كلها أسماء للآلهة التي كانت تعبد وتقدس عند هذه الشعوب، وبذلك يقدر العلماء عمر إطلاق هذه التسمية على الجزيره بنحو 3 آلاف سنة قبل الميلاد على أقل تقدير.

وأوضح، "أن ما يعزز هذه الاستنتاجات وجود مسميات أخرى قديمة لهذه الجزيرة في النصوص الإغريقية واليونانية المبكرة والسريانية، التي تطلق على الجزيرة ذاتها مسمى مرادف لجزيرة تاروت، وهي جزيرة تيرين أو دارين، وهذا المسمى لا يزال من أسماء هذه الجزيرة أيضاً".

 

جزيرة تاروت

تضم جزيرة تاروت خمس قرى منفصلة عن بعضها، وهي تاروت منطقة سنابس الزور الربيعة دارين، وتعتبر الجزيرة من أهم الثغور البحرية لبلاد القطيف فكانت في العهود القديمة ذات ميناء ترسو فيه السفن القادمة من موانئ الخليج ومن بحر العرب ومن موانئ الهند.

وتاروت هي المدينة الأم التي سميت الجزيرة بها، ويحيط بها القرى الصغيرة التي تتبعها، وتعرف اليوم بالديرة، حيث إنها المركز الأساس للقرى التي استحدثت في فترات متفاوتة، وقد كان للديرة سور يحيط بها يصد هجمات المعتدين عنها، ويحد من الغرب حصن تاروت، الذي يعتبر الحصن الحصين في هذه الجزيرة وكان به أربعة أبراج، ويقع على ربوة عالية تعتبر أرفع مكان في الجزيرة، وللشمال منه يوجد عين تاروت الذي يعرف بالحمام وينبوع العين، وتسمى عين العودة، إذ كانت المورد المائي الوحيد سابقاً لجهة الجنوب.

ولم تُذكر جزيرة تاروت كثيراً في التاريخين العربي والإسلامي، على عكس ملحقاتها شبه جزيرة دارين المتصلة بها من الجنوب، التي ذُكرت كثيراً فيهما، فضلاً عن الذكر الجم لها في الشعر العربي القديم والحديث. أما الجزيرة الأم تاروت فمن المرجح أنها اشتهرت بكونها حصناً أو قلعة حتى ما قبل  هذا القرن.

ويذكر الباحث فتحي بن علي، أن جزيرة تاروت وتحديداً في منطقة دارين كانت أول مطار بالسعودية، حيث تم نزول الطائرات في الحرب العالمية بالمطار قبل انتقاله إلى جدة.

حقبة بناء قلعة تاروت

وقال الباحث جلال الهارون، "إنها برتغالية، بنيت إبان الغزو والاحتلال البرتغالي لمنطقة الخليج العربي، فقد وردت نسبة هذه القلعة إلى البرتغاليين في عدد من المصادر الأوروبية القديمة، منها على سبيل المثال تقرير شركة الهند الشرقية الهولندية (فوك) عام 1752". ويرى أن تأسيس القلعة يعود لفترة أقدم من الغزو البرتغالي، ولكن الدلائل التي تقدم ما زالت لا ترتقي للأخذ بها.

أضاف، "بعد زوال حكم البرتغاليين، سيطر على هذه القلعة الأمير راشد بن مانع بن مغامس، أحد أمراء قبائل المنتفق العربية، ثم انتقلت ملكية هذه القلعة إلى بقية الحكام الذين حكموا هذه المنطقة، وأشهرهم بني خالد وآل سعود أسلاف الأسرة الحاكمة الآن وآل خليفة والعثمانيون".

وتتكون القلعة من أربعة أبراج. بقي منها ثلاثة، وانهار واحد أثناء إحدى المعارك التاريخية بشكلها البيضاوي بحيث تحاكي التضاريس الطبيعية التي بنيت عليها، وهذا الأسلوب في البناء المتفاعل مع طبيعة التضاريس يشبه أسلوب البناء البرتغالي المتبع في القلاع العمانية غير منضبطة الشكل، كما أنها تقع وسط غابة من النخيل وعلى مرتفع صخري يعد الأعلى من بين المرتفعات في منطقة القطيف.

 

الآثار في جزيرة تاروت

وعن الاكتشافات التاريخية في جزيرة تاروت، قال الباحث عبد الخالق الجنبي، "إن أحد أهم الاكتشافات المثيرة للإعجاب، التي عثر عليها في جزيرة تاروت هو ذلك التمثال الكبير ذو خصائص النحت السومري المتقن، العائد إلى النصف الأول من الألفية الثالثة قبل الميلاد، وهو منحوت من الحجر الجيري القاسي القشطي اللون من الحجارة المتوفرة محليا بالمنطقة، وارتفاعه 94 سم، وهو على شكل رجل في الأربعينيات أو الخمسينيات من عمره منتصب حليق الرأس والوجه، عاري الجسد ويشد حول خصره حزاماً بارزاً من ثلاث صفوف أو لفات، ويداه على صدره، الكف الأيمن فوق الكف الأيسر مع وضوح الأصابع والأظافر، كما أن عظام القفص الصدري أسفل الرقبة تشكل الرقم 7 الهندية، ومرافق اليدين مدببة وبارزة للخارج وتكوين الفراغ بين الذراعين والصدر وتحت الإبط، والوجه بملامح حسنة التنفيذ لا ينقصها التعبير، وأذنان بارزتان للخارج عليهما تجاويف الأذن وعينان غائرتان يحيطهما بروز نافر، الفم كبير بعض الشيء مما يوحي بأنه يتلو تراتيل دينية، لكن عليه بعض التلف مع الأنف، الذي تحصل على أكبر نسبة من التلف، وينفصل الساقان عن بعضهما عند الركبة، ولسوء الحظ فإن القدمين مفقودتان".

ونُحت هذا التمثال بعناية ليمثل الخادم العابد، وهو في وضعية الصلاة والخشوع التام والتضرع للآلهة، وجمع بين أسلوب التجريد ومحاكاة الطبيعة، وهو أسلوب وفن ذو أبعاد ثلاث شبيه بتماثيل المتعبدين السومرية، التي وجدت في بلاد الرافدين بمواقع مختلفة مثل تل الحريري وتل خفاجة وتل أسمر، التي تعود إلى النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد من عصر ميسلم أو قريب منه (مورتكات 1969: 120)، لكن بملامح قد تكون أقرب إلى السامية.

 

وأضاف، "لقد برع التاروتي في فن النحت المجسم بالحجر للأشكال البشرية، وقد تكون مدرسته في بلاد الرافدين، وقد يكون النحات من بلاد الرافدين، عاش في تاروت، لسبب ما، لكن لا يمكن أن نعتقد أن هذا التمثال قد جلب من بلاد الرافدين، وأنه قد نحت هناك ذلك أن هذا الحجر من الحجارة المحلية بالمنطقة".

واستطرد، "هذا التمثال لا يحتوي على أي كتابة مثل معظم التماثيل في بلاد الرافدين، التي تعود إلى الفترة ذاتها، وهو ليس التمثال الوحيد المكتشف في الجزيرة أو بالمنطقة الشرقية، لكن قد يكون من أقدمها".

واكتشفت البعثة الدنماركية صواني عليها آثار الكشط منها شفرة سكين قدّر تاريخها بالعصر الحجري الحديث (7500-5500 قبل الميلاد)، بالإضافة إلى آثار من الحقب التاريخية المتعاقبة والتالية له بدءا من فترة انتشار فخار العبيد (5000-3500 قبل الميلاد) إلى عصور دلون.

وظل جيوفري بيبي متألماً لعدم استطاعته التنقيب في تل تاروت بحرية مطلقة حتى تمنى لو أن لديه مال يجعله قادراً على شراء الجزيرة للتنقيب في أرضها كما يشاء.

أهالي تاروت

وطالب الباحث فتحي بن علي "صيانة واسعة تستهدف تقوية المبنى التاريخي الذي يعود لنحو 500 عام قبل الميلاد، منوهاً أن القلعة تعاني لحد كبير التشققات بسبب عوامل الزمن. ليست في صالحنا تأخير الترميم". موكداً أن رؤية السعودية 2030 تدعم بقوة المواقع الأثرية والتراثية لخدمة الجوانب السياحية".

المزيد من تحقيقات ومطولات