الابتسامة التي ترافق وجوه الأهالي مع بدء كل عام جديد، غابت عن محيّا المواطن اللبناني. فهو عاجز عن تأمين متطلبات معيشته من طعام وشراب ولباس، فكيف له أن يؤمن تجهيزات التعليم المدمج الذي يفترض وجود مسارين: مسار التعليم الحضوري في الصفوف والفصول المدرسية، ومسار التعليم عن بعد. يجد هذا التوجه التربوي الجديد تفسيراً مختلفاً من زاوية اقتصاديات الأسرة ولدى الأهل.
لقد ارتفعت صرخة الأهل مع قرب بدء العام الدراسي في لبنان، لأن الأسعار غير مقدور عليها، ولامست حدود الخيال.
في المقابل، فإن إجابة أصحاب المكتبات حاضرة وباستمرار "ارتفاع الدولار هو السبب في الغلاء"، و"لبنان ليس دولة منتجة، إننا نستورد القرطاسية من الخارج، التي لم يرتفع سعرها في المصدر، إنما بسبب التغيير الطارئ في سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار وسيادة السوق السوداء".
لذلك، فإن الخلاصة التي يخرج بها زائر المكتبات، ارتفاع في الأسعار غير منطقي وإقلاع الأهل عن شراء القرطاسية. فبعض الأمهات فضّلن إعادة النبش في المنزل على ما تبقّى من قرطاسية الأعوام الماضية، "نبدأ بما لدينا ونشتري في حدود الحاجة"، و"في الأعوام الماضية، كان الشراء بالدزينة، أما اليوم فإن الوحدة الواحدة تثقل الظهر".
الأسعار والحد الأدنى
من هنا، يقف اللبناني الذي يتقاضى الحد الأدنى للأجور موقف العاجز، فهو يقبض 675 ألف ليرة لبنانية، وفي طبيعة الحال المبلغ لا يساوي حالياً 90 دولاراً أميركياً، وبالتأكيد لا يمكّنه من شراء قرطاسية كاملة لطفل واحد. ومن خلال إلقاء نظرة على الأسعار، يمكن فهم الموقف المحرج للأهل حتى عند شراء النوعيات التجارية. ثمن الآلة الحاسبة المدرسية 130 ألف ليرة، أضف إليها علبة الهندسة 18 ألف ليرة. علبة الألوان الخشب 16 ألف ليرة. قلم الحبر الناشف بـ 1500 ليرة، والسائل يبدأ بـ 15 ألف، قلم المحدّد يبدأ بستة آلاف ليرة.
زد على ذلك أسعار الدفاتر، فإن الدزينة، 50 ورقة، باتت بـ 25 ألف ليرة لبنانية للنوعيات التجارية، قارورة الماء الستانلس تبدأ بـ 35 ألف ليرة. ملزمة أوراق A4 بـ 35 ألف ليرة. أما إصبع اللاصق، فيبدأ بـ 10 آلاف ليرة. وكذلك دزينة الأقلام الرصاص. ناهيك عن أسعار دفاتر الـ "رسور" والحقائب المدرسية، فتلك مسألة أخرى، إذ يراوح سعر الدفتر الواحد بين 15 ألف و50 ألف ليرة لبنانية. عليه، فإن ثمن النصف دزينة يراوح بين 90 و300 ألف ليرة. كما هناك مواد التعقيم والوقاية التي فرضتها أزمة فيروس كورونا، إذ يبلغ ثمن عبوة الجل المعقم 35 ألف ليرة، وعلبة الكمامات الشهرية 50 ألف ليرة لبنانية بسعر الجملة.
أما بالنسبة إلى أسعار الحقائب، فالرخيصة منها يبلغ سعرها 120 ألف ليرة، ليصل إلى 550 ألفاً. من هنا، يتضح أن الحد الأدنى للأجور لا يكفي لشراء قرطاسية طفل واحد، فما بالك بأسرة مؤلفة من ثلاثة أو أربعة أطفال، لذلك، يتجه كثيرون لاستعادة الحقائب القديمة، وصولاً إلى إصلاح الحقائب التي أصابها عطب.
مساهمات مجتمعية
وتشكل أسعار القرطاسية عبئاً على كاهل الأهل. لذلك، ظهرت مبادرات عدة في هذا المجال، فبعض المدارس بدأت بتقديم القرطاسية لتشجيع طلابها على الالتحاق بصفوفهم، بينما تسعى جهات دولية إلى توسيع شبكة أمانها لتشمل المواطن اللبناني. في هذا السياق، تؤكد فايزة سعد مهنا، متخصصة تربوية في اليونيسف"، لـ "اندبندنت عربية"، أن "المنظمة الدولية تستعد لتقديم مساعدات لتلامذة المدارس الرسمية في لبنان، على غرار ما تقوم به مع الطلاب اللاجئين في دوامات بعد الظهر. وتوضح أن الأوضاع في لبنان تسوء بسرعة، ونسبة المحتاجين إلى المساعدة في ازدياد. لذلك قررت اليونيسيف شملهم بمساعداتها لهذا العام. وتخطّط المنظمة لتوسيع نطاق هباتها لتشمل التجهيزات التكنولوجية للمدارس عن بعد، وكذلك وضع خطة لتأمين التجهيزات الرقمية المساعدة للطلاب".
الكتب المدرسية إلى القديم دُر
وما ينطبق على القرطاسية، ينسحب على الكتب المدرسية. ففي لبنان، تشكل كتب المدارس الخاصة عبئاً كبيراً على الأهل، لأنها تخضع لآليات السوق وغير مدعومة. واستشعر أصحاب المكتبات تراجعاً في حركة الإقبال على شراء الكتاب الجديد، وكأن العام الدراسي ما زال بعيداً. ويحدّد ماهر رصاص، مدير مكتبة في طرابلس، لـ "اندبندنت عربية"، أسباباً عدة تقف وراء الأزمة، من بينها سعر صرف الدولار وأزمة كورونا وعدم تأكد الأهالي أن العام الدراسي سينطلق وبانتظام.
أمام هذا الواقع، اتجهت الأسر إلى تبادل الكتب المستعملة في ما بينها، ونظمت مدارس أخرى هذه العملية ضمن المؤسسة وللكتب الغالية الصادرة في الخارج، على أن يتم تأمين النواقص. وتستمر بعض المدارس بدراسة أوضاعها الداخلية ولم توزع قوائم الكتب على طلابها لتفادي الوقوع في فخ الكتب الباهظة الثمن والمتعبة للأهالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويلاحظ رصاص توجّهاً لدى المدارس إلى اختصار الكتب غير الأساسية والمواد الإجرائية. فعلى سبيل المثال، يتم اعتماد كتاب قراءة عربية، بينما يستند موضوع إعداد ملفات مادة القواعد العربية إلى مهارة المدرّس. ويعتقد رصاص أن هذه سنة استثنائية، يجب أن يشعر الناس ببعضهم بعضاً، خصوصاً لجهة تجنّب تحقيق أرباح على حساب الضعفاء.
وحاولت دور النشر المساهمة في الحد من ارتفاع ثمن الكتاب المدرسي من خلال تحديد ثلاثة آلاف ليرة سقف سعر الدولار الكتابي عبر اتفاق اتحاد الناشرين. ويلفت حسين عبيد، ناشر وتربوي عبر "اندبندنت عربية" إلى أن ارتفاع الأسعار يبدأ مع المواد الأولية من أوراق وحبر مستوردة بالعملة الصعبة، ما ينعكس على كلفة الكتاب، خصوصاً أن أي دعم لم يقدم إلى هذا القطاع أسوة بباقي القطاعات.
ويشير عبيد إلى أنه عند تأمين الدولار من السوق السوداء تتضاعف الكلفة، أما إذا تم تحويل الأموال إلى الخارج من خلال الصرافين، فإن كلفة الدولار تتحدد بـ 3900 ليرة لبنانية. لذلك، يطالب عبيد بوضع خطة طارئة تؤمن مصالح الأطراف كافة. وقد حاولت وزارة التربية تخفيف الأعباء من خلال تأمين النسخ الرقمية من المناهج الرسمية للجميع عبر الموقع الرسمي للمركز التربوي للبحوث والإنماء.
أما الطامة الكبرى، فتبقى بمقاربة الكتاب الأجنبي الصادر في الخارج والمعتمد من المدارس الخاصة. ويخضع هذا الكتاب من حيث المبدأ لسعر السوق السوداء، وثمنه مضاعف عما كان عليه في الأعوام الماضية. وهناك محاولات تجريها مؤسسات التوزيع المحلية مع دور النشر الأجنبية لاعتماد 4500 كسعر لدولار الكتاب ومنح لبنان تخفيضات نظراً إلى وضعه الاستثنائي، بحسب رصاص.
عبء التجهيزات الرقمية
إلى جانب أعباء عملية التدريس التقليدية، فرض التعليم عن بعد (أونلاين) أدبياته وشروطه على أطراف العملية التربوية. ويؤكد التربوي ربيع بعلبكي لـ "اندبندنت عربية" أن نجاح التعليم عن بعد يرتبط بتأمين شروطه الأساسية وتجاوز تحديات الضغوط النفسية وتأمين بيئة منزلية مناسبة، وبالتأكيد تأمين الأدوات والتطبيقات والبرامج الرقمية. ويشترط تأمين تجهيزات متكافئة لدى ثلاثة أطراف، في الصف وعند المعلم وعند المتعلم. وإذا تجاوزنا تجهيزات الصف والمعلم التي لا تقع على عاتق الأهل، فإن على هؤلاء تأمين تسعة أشياء لأبنائهم. ويفضل أن يكون هناك كمبيوتر محمول، ويراوح سعر المنتج الرخيص المقبول للجهاز اللوحي بين 80 و160 دولاراً أي بين 640 ألف ليرة إلى مليون و280 ألف ليرة لبنانية في الحد الأدنى للأجهزة. أما إذا أردنا أجهزة متقدمة مثل "آيباد" الذي يراوح سعره بين 800 و1200 دولار، فإن المبالغ ستكون مضاعفة على الأهل.
ويجب تأمين كاميرا يفضل أن تكون متحركة وميكروفون مع قاعدة أو ملقط ومكبرات صوت. أضف إلى ذلك، إنترنت سريع وجهاز خلوي ذكي خاص بالمتعلم للتفاعل مع المعلم، وبرنامج تقييم لاسلكي يعمل على الأجهزة الذكية وحساب متعلم على المنصة التعليمية الخاصة بالمدرسة وجهاز طاقة دائمة.
ويقرّ بعلبكي بالكلفة العالية على الأهل، ويوجه النظر إلى كلفة إضافية ناجمة عن الاستهلاك، وتبلغ الكلفة الاستهلاكية للإنترنت والأجهزة الإلكترونية بين 100 و150 ألف ليرة شهرياً، ليصل المبلغ المقدّر للطالب الفرد إلى ما بين مليون ومليون و200 ليرة لبنانية.