Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سمير بهزان حكّاء الصورة أضاء كلاسيكيات السينما المصرية  

المصوّر الذي شارك في 84 فيلما كان العين التي ينظر المخرجون من خلالها

سمير بهزان خلال تصورير أحد افلامه (موقع الفنان)

كان سمير بهزان أحد أشهر مديري التصوير في السينما المصرية منذ أربعة عقود. قامة مهمّة في مجال تشكيل المشهد. "حكّاء الصورة" كما نعتته ليلى علوي، بعد انتشار خبر وفاته أول من أمس. أضاء أفلام سينمائيين بارزين مثل يسري نصرالله وداود عبد السيد ويوسف شاهين ورأفت الميهي ورضوان الكاشف وعاطف حتاتة ومجدي أحمد علي وأسماء البكري، واضعاً بصمته عليها. "أرض الخوف" و"أسرار البنات" و"الأبواب المغلقة" و"ليه يا بنفسج" و"شحاتين ونبلاء" و"اسكندرية كمان وكمان"، كلها أفلام صوّرها بهزان وأصبحت في ما بعد من كلاسيكيات السينما المصرية. 

صفحته على "السينما دوت كوم" تشير إلى "تورطه" في ما لا يقل عن 84 فيلماً، سواء كمساعد مصوّر أو مدير تصوير، وذلك منذ العام 1974، تاريخ انطلاقه وعمله في تصوير المعارك الحربية في "الرصاصة لا تزال في جيبي" لحسام الدين مصطفى. بين عامي 1974 و1986 اكتفى بالعمل مساعد مصوّر على نحو 25 فيلماً. بدءاً من "الاختلاط ممنوع" لعبد العليم، تولى عملية التصوير بالكامل. الفيلم عن مشرفة اجتماعية في مدرسة مختلطة تتبع أساليب حديثة في التربية، إلا أنه تستهدفها الوكيلة المحافظة، خصوصاً بعدما يُعجب بها مدير المدرسة. 

كان بهزان من المصوّرين الذين التزموا مبدأ التعاون مع المخرج الذي يعملون تحت إدارته. يقول المصوّر البريطاني الكبير روجر ديكنز: "صاحب أي فيلم هو مخرجه. لذا، من هذه الناحية، لا شيء في الفيلم لي. لكني أستطيع الادعاء أنني تركتُ شيئاً منّي في كلّ فيلم صوّرته، وإلا ما من سبب يدفعني إلى العمل عليه". وهكذا كان بهزان؛ ثمة الكثير من العناصر في الفيلم يعود فيها الفضل إليه، مثل الرؤية البصرية والتكوينات والتأطير وحركات الكاميرا، إلا أنه يضعها بـ"تواطؤ" مع المخرج. 

الفنان المتكتم

كان بهزان رجلاً متكتّماً لا يحب الظهور الإعلامي والشعبي. هذا ما يرويه عنه كلّ من عرفه في حياته. وقد ساهم هذا الأمر في عدم التعريف عن عمله بشكل جيد ومنحه القيمة التي يستحقها. في أي حال، ليس التقدير ما شغله. مَن زار مواقع التصوير حيث وضع بهزان كاميراته، رأى رجلاً صوته خافت يبعث على الهدوء والطمأنينة، فلم يكن يعلو صوته أثناء التحضيرات ولا أثناء التصوير. "كأنك أمام راهب من رهبان هذا الزمان"، يقول في وصفه أحد الذين اشتغل معه. ويُحكى أن بهزان كان يتحدّث مع المخرج بصوت خافت ليقدّم اقتراحاً بديلاً في حال واجهته مشكلة ما، وكان المخرج يوافق على مثل هذه الاقتراحات بصدر رحب لإدراكه أنه حريص على صورة الفيلم كالمخرج تماماً وأحدهما يكمّل الآخر. 

هناك سينمائيون اشتغل لهم مرة واحدة، وآخرون لا يمكن فصله عن مسيرتهم. إلا أن التعاون التاريخي الأبرز والأعظم كان بينه وبين يسري نصرلله، إذ رافق بهزان مسيرته منذ "سرقات صيفية" في العام 1988، وحتى آخر أفلامه "الخضرة والماء والوجه الحسن" في العام 2016. وأتذكّر جيداً وهو يجلس خلف الكاميرا، يوم التقط مشاهد "باب الشمس" مطلع هذا القرن، حينما تسنت لي زيارة موقع التصوير في مخيم عين الحلوة في صيدا. 

يقول مدير التصوير السوري حنّا ورد عنه: "بهزان استمرارية لمدرسة التصوير المصرية التي انطلقت مع نشوء السينما المصرية، أولاً عن طريق مديري التصوير الأجانب وتدريب المهنيين المصريين، ثم عبر تأسيس معهد السينما ومعاهد الفنون التطبيقية. المهم في مسيرة مديري التصوير في مصر منذ الثلاثينيات هو قدرتهم على عكس الحياة بصرياً وضوئياً. عبد العزيز فهمي في "المومياء" ورمسيس مرزوق في "المهاجر" وطارق التلمساني في "عفاريت الاسفلت" وغيرهم. لبهزان نكهة خاصة في إشاعة أجواء الأفلام التي صوّرها مع أهم مخرجي مصر. يمكن القول إنه كان المكمّل البصري لكلّ السينمائيين الذين عمل معهم. عكَس الأجواء والإضاءة الدافئة في البيئة المصرية وأعطاها بعداً درامياً".

استطراداً، يرى ورد أن أفضل تكريم لمديري التصوير في مصر أو في العالم العربي هو عرض نسخ جيدة لأفلامهم على سبيل رد الاعتبار. ففي الإنترنت المليء بالنسخ السيئة لأعمالهم تفريط لحقوقهم المعنوية ويعطي صورة خاطئة عن شغلهم. التذكّر الحقيقي للفنّان يكون عبر عرض عمله بشكل لائق يبرز مستوى فنّه. 

أستاذية خاصة

المنتج والقاص المصري حسام علوان الذي قابل بهزان في مقتبل تجربته السينمائية، يقول إنه ذُكرت صفة النبل في نعي الراحل أكثر ممّا ذُكرت براعته كمصوّر. ويعزو السبب إلى كونه كان يمثّل قيماً كثيرة يلمس غيابها اليوم عن الحياة العامة والإبداعية في مصر. وهذا النبل يمكن توصيفه بالـ"أستاذية"؛ لفظ يُمنح لنوعية خاصة من المعلّمين الذين تركوا أثراً في كلّ مَن تعاملوا معهم مهما قصرت مدة التعامل أو طالت.

يقول علوان: "ما يميّز بهزان عن غيره من المصوّرين هو حضوره الدائم كشريك إبداعي. تعود إلى بالي جلسات التحضير المستمرة لفيلم "المدينة"، وأتذكّر أنه بعد المشاهدة لنسخة العمل وأثناء حديثي مع مخرجه يسري نصرالله عن انطباعاتي الأولى، أخبرته بأنني أحسستُ في بعض الكادرات حضوراً تشكيلياً للوحات بول كلي وطبقات الألوان التي كان يستخدمها، فروى لي أنه مع بهزان عملا على الكثير من المراجع التشكيلية ومنها أعمال كلي. بالنسبة لنصرالله المصوّر هو العين التي ينظر من خلالها. هذا الدور للمصوّر السينمائي أصبح مفقوداً في أيامنا هذه، ما يخلق أحياناً علاقة توتر بين المخرج والمصوّر في محاولة لإثبات الوجود. وأحياناً، يصبح سؤال "عايز الكاميرا فين؟" الموجّه من المصوّر إلى المخرج نوعاً من التحدي للأخير، خصوصاً إذا قرر المصوّر أنه سيفعل ما يريده المخرج حتى وإن نتجت منه صورة غير مرضية. 

بحسب علوان، لم تشهد السينما المصرية، باستثناء العلاقة الممتدة بين نصرالله وبهزان، العديد من هذه الثنائيات الإبداعية التي عرفتها السينما الغربية، كحالات ألفرد هيتشكوك وروبرت بوركس أو إنغمار برغمان وسفين نيكفيست، وقد لخّص هيتشكوك علاقته مع بروكس بأنه على عكس الكثيرين من المخرجين الذين يحرصون على التقاط صور لهم وهم ينظرون من منظار الكاميرا، فإنه لم يكن ينظر من خلال الكاميرا، لا بل أن الشيء الوحيد الذي كان ينظر إليه بكلّ تركيز هو أداء الممثّلين، وهذا ما لا يمكن أن يحدث ما لم تكن هناك ثقة متبادلة. يتابع علوان: "كان بهزان أحد هؤلاء المصوّرين الذين يثق بهم كبار المخرجين، كما يثقون في قدرته على تحقيق تصوّرهم البصري من دون مناقشات طويلة. ساهم بهزان في ولادة أسماء جديدة في مشهد الإخراج السينمائي المصري. وكان يتعامل مع المبتدئ مثلما يتعامل مع المخضرم، أي بالدرجة نفسها من التقدير والاحترام. ودائماً ما ذكرتُ العلاقة ما بين بهزان والمخرجين كنموذج يُحتذى به للعلاقة بين المخرج والمصوّر".

المزيد من سينما