Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السعودية في عيدها التسعين انفصال عن الماضي أم تطلع للمستقبل؟

تحديثات اجتماعية لتمكين المرأة ودبلوماسية تميل إلى الثبات

تدخل السعودية في الثالث والعشرين من سبتمبر (أيلول) 2020 عقدها التاسع، بهيكل اجتماعي وثقافي مختلف، صقلته التوجهات السياسية والاقتصادية المصاحبة لخطة مستقبل ما بعد النفط، التي دشنتها الحكومة قبل أربع سنوات، لتنويع مصادر الدخل وتفادي تقلبات أسواق الطاقة، التي قد تهدد ثقلها العربي والدولي المستمد من كونها واحدة من القوى الاقتصادية العشرين، التي تشكل اقتصادات دولها مجتمعة 80 في المئة من الناتج العالمي.

هل حققت المرأة كل ما تصبو إليه؟

وفي حين تبدو المنفعة المادية طاغية على مستهدفات الحكومة السعودية ومشاريعها، فإن استراتيجيتها التي عُرفت بـ"رؤية 2030" لم تقتصر على الإصلاحات الاقتصادية، وإن كانت هي حجر الأساس، بل أدخلت إضافة إلى ذلك تحديثات جذرية لامست مفاصل الحياة الاجتماعية، وحررت المرأة من القيود النظامية التي واجهتها. بدأ ذلك بتبني تعديلات تشريعية لرفع معدلات عمل الإناث في القطاعين العام والخاص، والسماح بقيادة السيارة، وإلغاء قانون الوصاية عليهن في السفر.

وبعد سنوات من التردد والمناقشات المؤجلة، استطاعت السعوديات حجز مكانهن في قطاعات مختلفة، واستحققن المساواة مع الرجل في الأجور، كما استطاعت محاميات الترافع أمام المنظومة العدلية القائمة على التشريع الديني وجهاً لوجه، ودخلت جنديات السلك العسكري والأمني، فضلاً عن إيلاء مناصب سياسية إلى سيدات، وإصلاحات بيئة العمل الأخيرة التي تحظر التمييز على أساس الجنس، وبذلك تشكل لدى المجتمع تعاط جديد مع عمل المرأة ودورها الذي زاد تأثيره بعد تأكيد وزارات وهيئة حقوق الإنسان "المساواة بين الجنسين".

لكن، هذه التغييرات الحاسمة لم تأتِ بين ليلة وضحاها، بل تتالت بالتدريج، وسبقتها تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي أبدى دعمه لمشاريع تمكين المرأة، وذكر في حوار سابق مع جيفري غولدبرغ، بمجلة أتلانتيك الأميركية، أن بلاده قبل عام 1979 شهدت عادات اجتماعية "أكثر مرونة"، ولم تكن هناك قوانين للولاية، مؤكداً أنه لا يتحدث عن حقبة بعيدة، بل عن الستينيات، حين لم تكن النساء ملزمات بالسفر مع أوليائهن الذكور ما دامت في صحبة آمنة، كما تعهد قبل سنتين تدمير الأفكار الدينية المتطرفة، حتى لا تعكر صفو ثلاثة عقود مقبلة.

على الرغم من ذلك، تواجه السعودية انتقادات من بعض المنظمات الحقوقية الدولية، مثل منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، بسبب أوضاع المرأة، وتعتبر هذه المنظمات أن الحقوق الممنوحة للنساء "ليست كافية".

 

هل التحولات الجديدة قطيعة مع الماضي؟

في عام 1902، استعاد مؤسس الدولة السعودية الحديثة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن العاصمة الرياض، وبعدها بثلاثين عاماً استطاع توحيد كل أطرافها تحت مسمى المملكة العربية السعودية، وفي حين اعتبر البعض المتغيرات الحالية التي تشهدها البلاد قطيعة مع الماضي، فإن المؤشرات أظهرت أن السعودية رأت في تاريخها فرصاً استثمارية لا يمكن التفريط بها.

ورغم مخاوف انصهار الهوية الثقافية، كيّفت السعودية تراثها لخدمة مصالحها، فبلدة الدرعية التاريخية، التي كانت قاعدة الحكم بالدولة السعودية الأولى، احتضنت لعامين متتاليين 2018 و2019 بطولة "فورمولا إي" التي تعتبر أول سلسلة عالمية لسباقات الشوارع للسيارات الكهربائية، ومن العلا شمال غربي البلاد، وضعت الحكومة حداً للفتاوى الدينية التي همّشت آثار مدائن صالح، بتدشين مبادرات لاستكشاف التشكيلات الصخرية، وحفلات غنائية اجتذبت الآلاف، كما بادرت بإطلاق محمية طبيعية للحفاظ على النمر العربي وتطوير الغطاء النباتي.

وخلال السنوات السبع إلى العشر المقبلة ستفتتح السعودية مدينة نيوم، التي ستصبح أول منطقة سعودية  ذات إدارة وقوانين خاصة بها، حسب موقعها الرسمي، وستكون المدينة الرأسمالية التي اُستثمر فيها نصف تريليون دولار القبلة المطلة على المستقبل من ساحل البحر الأحمر شمال غربي البلاد، وبينما اختيرت هذه المنطقة لأهمية موقعها الاستراتيجي على مفترق طرق العالم، فإنها تحمل أيضاً رهاناً على الطبيعة بشواطئ خلابة ممتدة لأكثر من 450 كيلومتراً، ورمزية مستمدة من الصحراء، والجبال المطلة على خليج العقبة التي تكتسي بعض قممها بالثلوج شتاءً.

الثبات في عالم مضطرب

على الصعيد السياسي، اعتبر مراقبون أن الرياض لم تعد تعول على التحالفات الإقليمية لمعالجة قضايا المنطقة، وباتت تقيّم مواقفها على أساس التحالفات النافعة، وهو ما يبرر تأسيس السعودية تحالفاً عسكرياً في اليمن، استمد شرعيته الدولية من أمام مجلس الأمن، وتضمن دولاً محددة من دون التنسيق الرسمي تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي أو جامعة الدول العربية، كما أنشأت عام 2015 تحالفاً إسلامياً بعضوية 41 دولة، لتوحيد جهود محاربة الإرهاب.

وعرّفت السعودية أعداءها بـ"مثلث الشر"، وهم حسب وصف ولي العهد السعودي في حواره مع "أتلانتيك"، إيران والإخوان المسلمون والجماعات الإرهابية، مشيراً إلى أن طهران تسعى لتأسيس إمبراطورية تحكم جميع بلدان العالم، تحت ما يُعرف بـ"ولاية الفقيه" على حد وصفه، أما الإخوان فيرغبون في استخدام النظام الديمقراطي من أجل حكم الدول، ونشر الخلافة في الظل تحت زعامتهم المتطرفة في شتى أنحاء المعمورة، وأخيراً الإرهابيون، تنظيما القاعدة وداعش، الذين يرغبون في القيام بكل شيء بالقوة، وإجبار المسلمين والعالم على أن يكونوا تحت حكمهم وأيديولوجيتهم المتطرفة بالقوة.

الانتصارات النفطية ودبلوماسية الغاز الغائبة

وأدت التقلبات الناتجة عن وباء كورونا إلى هبوط تاريخي في أسعار النفط، ما دفع السعودية إلى دعوة مواطنيها على لسان وزير ماليتها إلى "شد الحزام"، في إشارة إلى توجه حكومي لتقليص النفقات العامة، قبل أن تتنفس الحركة التجارية بعد فك القيود وعودة الحياة إلى طبيعتها على إثر نزول منحنى الإصابات. لكن، هذه المؤشرات الإيجابية لم توقف التكهنات بحدوث انكماش اقتصادي، على غرار الدول الأخرى التي تعاني تبعات الوباء.

وفي يونيو (حزيران) الماضي، وسط الضربات التي تعرضت لها أسواق النفط العالمية بسبب عدم التزام بعض الدول تخفيضات الإنتاج المتفق عليها، استطاعت الرياض وموسكو انتزاع التزام كامل من العراق ونيجيريا وأنغولا لخفض الإنتاج. وعن كواليس الاجتماع التاريخي وغيره من اجتماعات أوبك وأوبك بلس الحاسمة في الفترة الماضية، كشف تقرير اقتصادي عن أنه جرى محاسبة أربعة بلدان، على وجه الخصوص العراق ونيجيريا وأنغولا وكازاخستان، بعد غضب صاحبة ثاني أكبر احتياطي للنفط في بالعالم من عدم الوفاء بالالتزامات المحددة.

وعندما رفضت روسيا قبول تخفيضات أعمق في الإنتاج تدعمها السعودية، مهددة بإسقاط تحالف أوبك بلس، ردت الرياض وفقاً لـ"بلومبيرغ" بالتهديد بـ "القيام بنفس الشيء مرة أخرى إذا لم تحدث استجابة، غير أن العراق ونيجيريا تعلما من خطأ موسكو بما يكفي لقول الأشياء الصحيحة لإرضاء الرياض"، والوصول إلى التوافق المطلوب.

وعلى الرغم من أن الدبلوماسية السعودية النفطية بدت حازمة في إرساء قيم الانضباط داخل أوبك، فإن ذلك لم يمنع محللين من دعوة الرياض إلى تنشيط دبلوماسيتها في مجال الغاز، في وقت أزاحت وزارة الطاقة الستار عن حقلين جديدين للغاز، وهما "هضبة الحجرة" في منطقة الجوف، و"أبرق التلول" للزيت والغاز في منطقة الحدود الشمالية.

وحسب تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية "واس"، عن وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، فإن الغاز الغني بالمكثفات تدفق من مكمن الصارة في حقل هضبة الحجرة شرقي مدينة سكاكا بمعدل 16 مليون قدم مكعبة قياسية في اليوم، مصحوباً بنحو 1944 ألف برميل من المكثفات.

وتدفق النفط العربي الخفيف الممتاز غير التقليدي من مكمن الشرورا في حقل أبرق التلول جنوب شرقي مدينة عرعر، بمعدل 3189، مصحوباً بنحو 1.1 مليون قدم مكعبة قياسية من الغاز في اليوم، بينما تدفق الغاز من مكمن القوارة في الحقل نفسه، بمعدل 2.4 مليون قدم مكعبة قياسية في اليوم، مصحوباً بـ49 برميلاً يومياً من المكثفات.

وكانت السعودية قد أعلنت في فبراير (شباط) الماضي، أن إنتاج حقل الجافورة من الغاز الطبيعي، وهو من الحقول العملاقة شرقي البلاد، قد يصل في حال اكتمال تطويره إلى 2.2 تريليون قدم مكعب بحلول عام 2036، كما سيحقق دخلاً صافياً بنحو 8.6 مليار دولار سنوياً.

ويصل إجمالي استثمارات تطوير الحقل وطوله 170 كيلومتراً وعرضه 100 كيلومتر، إلى 110 مليارات دولار، ويقدر حجم موارد الغاز في مكمنه بنحو 200 تريليون مكعب من الغاز الرطب. ومن المتوقع أن تؤدي مراحل تطويره إلى تزايد إنتاج الحقل من الغاز تدريجياً، ليصل في حال اكتمال تطويره إلى 2.2 تريليون قدم مكعب عام 2036، وهو ما يمثل نحو 25 في المئة من الإنتاج الحالي.

نهوض الصندوق السيادي وجدل حضوره الدولي

واجه الصندوق السيادي السعودي انتقادات سابقة، بسبب دوره المحدود محلياً، قبل أن يشهد تغييرات عاصفة عام 2015، طالت أعضاء المجلس، والتسلسل الإداري، وسياسات الصندوق، التي تحولت من التركيز على الاستثمار التنموي داخل البلاد إلى السعي لاقتناص الفرص الاستثمارية على المدى القريب والبعيد عالمياً.

غير أن نشاط صندوق الثروة السيادية في السوق العالمية، لم يوقف عواصف الجدل الدائرة حوله، فعندما حرص على الاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي، تحول الأمر من صفقة يجري تداولها بين المستثمرين ومالك الفريق والبريميرليغ بصفته المظلة الرسمية إلى ساحة للمناوشات الإعلامية التي انطلق بعضها من أرضية سياسية، قبل أن يعلن الصندوق تراجعه عن الاستثمار، بسبب المماطلة وسوء التوقيت.

وبعدما طالبت جماهير النادي الإنجليزي البريميرليغ في عريضة وقعها أكثر من مئة ألف شخص، إيضاح أسباب فشل الاستحواذ السعودي، أيد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون هذه المطالب، ليخرج حينها اتحاد القدم عن صمته، مؤكداً أن باب الاستثمار "ما زال مفتوحاً"، غير أن الصفقة بالنسبة إلى الرياض وشركائها "لم تعد مرغوبة".

وفي حين طلّق الصندوق ذو الأصول المقدرة بـ360 مليار دولار صفقة نيوكاسل، رصد مراقبون حركات شرائية خاطفة نفذها الصندوق في أسواق الولايات المتحدة والصين وفرنسا وإيطاليا، وبينما اعتبر البعض المضاربة بالأسهم في ظل تقلبات الوباء مجازفة لا تخلو من احتمالات الخسارة، برر محافظ صندوق الاستثمارات ياسر الرميان هذه الخطوة بانخفاض الأسواق إلى مستويات قياسية منذ فترة طويلة، مؤكداً في مقابلة صحافية حديثة مع مجلة بارونز الأميركية، أن فيروس كورونا منحهم فرصاً لجني أرباح ضخمة.

واستحوذت الذراع الاستثمارية للسعودية في الفترة الماضية على حصص كبيرة في شركات "بي بي" و"بوينغ" و"سيتي غروب" و"فيسبوك" و"ديزني"، وتتوزع استثمارات الصندوق حالياً في قطاعات النفط والطاقة والبنوك والاتصالات، والتكنولوجيا، إضافة إلى صناعة الطيران، والنقل، والسياحة، والإعلام والترفيه، والأدوية، والأغذية والمشروبات.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات