Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وفاة القاضية غينسبورغ تمنح ترمب فرصته الرهيبة

ما سيحدث قريبا سيكون له تأثير في أجيال عدة مستقبلا وهذا أمر مخيف للغاية

صورة القاضية في المحكمة العليا الأميركية الراحلة روث بادر غينسبورغ معروضة على واجهة المحكمة العليا في نيويورك (رويترز)

بدت روث بادر غينسبورغ أحياناً وكأنها أمل أميركا الأخير. فقد حققت هذه القاضية في المحكمة العليا منذ 1993، مكانة لا يبلغها سوى النجوم خلال أربع سنوات من ولاية ترمب. أطلق عليها عدد كبير من المتابعين عبر الإنترنت، تحبباً لقب "رهيبة السمعة آر.بي.جي" R.B.G (الاحرف الأولى من أسمها Ruth Bader Ginsburg)، إذ كانت موضوعاً لكثير من ميمات (صور تنتشر عبر الإنترنت وتحمل كتابات) لأبطال خارقين، ومصدر إلهام للعديد من البضائع (لدى مجموعة أوربان أوْتفيترز Urban Outfitters قمصان "تي شيرت" تحمل صورة وجهها، وبعض أقوالها الجريئة، الشهيرة، وقد أهديتُ لصديقة لي في بروكلين دمية لطيفة تمثل غينسبورغ، بمناسبة وصول وليدها الجديد العام الماضي).

لكن بغض النظر عن النكات والاقتباسات وحقائب توتي جيدة التصميم، هناك إحساس مضمر بالخوف والقلق. وحقيقة الأمر هو أن إشكالية تعيين قضاة المحكمة العليا لهذا المنصب مدى الحياة، جعل الكثيرين مهووسين بصورة مرضية ببقاء غينسبورغ على قيد الحياة حتى موعد الانتخابات المقبلة، وهي التي قاومت السرطان في مناسبات عدة إلى أن هزمها يوم الجمعة الماضي. ومن الواضح أنها شخصياً شاطرتهم هذا الشعور، هذا إذا صدقت تقارير الإذاعة الوطنية العامة عن أمنيات أعربت عنها وهي تحتضر، وجاء فيها؛ "أمنيتي الأقوى هي ألا يُعين أحد في مكاني قبل تنصيب رئيس جديد". ويبدو أنها قالت هذه الكلمات قبل وقت غير طويل من لفظ أنفاسها الأخيرة عن عمر ناهز 87 عاماً. وكانت غينسبورغ المرأة الثانية فقط التي تُعين عضوة في المحكمة العليا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والحق ألا مجال للتخفيف من جدية الأمر، فرحيل غينسبورغ يتيح فرصة رهيبة لدونالد ترمب.

فمع شغور مقعد في المحكمة العليا على قاب قوسين أو أدنى من الانتخابات، يستطيع الرئيس أن يقيم الدنيا ولا يقعدها بغرض تضخيم إرثه ووعوده المستقبلية من خلال تعيين قاضٍ محافظ متطرف. وكان الرئيس قد أفرد قبل أسابيع ليلة كاملة في المؤتمر الانتخابي الجمهوري لقضية "نصرة الحياة"(وفكرة منع الإجهاض الجدلية في الولايات المتحدة الأميركية) ، حيث تم إحضار خطباء تفننوا في الحديث بفصاحة حول "قلقه بشأن الجنين الذي لم يولد بعد"، وتخللت كلماته تلميحات إلى نيته قلب القرار الصادر عن المحكمة العليا الأميركية (بعدم دستورية القوانين التي تحرم النساء من الإجهاض) في  قضية "رو ضد ويد" [Roe v Wade] الشهيرة التي منحت فيها المحكمة العليا عام 1973 المرأة حق الإجهاض.

وبرحيل غينسبورغ، باتت حقوق النساء عرضة لخطر جسيم  يحدق بها، ناهيك عن حقوق آخرين كثيرين ممن تعرضوا للتجاهل تاريخياً أو للاستهداف من قبل اليمين المتطرف.

ويعود السبب في ذلك إلى أن أنصار ترمب، ولنكن صريحين للغاية، محافظون هامشيون يطيب لهم التخلص من التفسير القانوني الراسخ في الولايات المتحدة. وتحدث كثيرون عن "إعادة تفسير" التعديل الرابع عشر للدستور أو "إلغائه"، علماً بأنه يقضي بمنح كل من يولد على تراب أميركا الجنسية الأميركية بشكل تلقائي.

صحيح أن السياسيين الجمهوريين ممن اعتنقوا مبادئ هذا الحزب طيلة حياتهم، قد أخذوا ينأون بأنفسهم عن رئاسة ترمب، فيما تفيد استطلاعات الرأي باحتمال فوز بايدن في الانتخابات الوشيكة، ولعل "مشروع لينكولن" (مجموعة من الجمهوريين تستهدف زعيم مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، الموالي لترمب، من خلال محاولة منع فوزه في الانتخابات)، والكثير من الموظفين السابقين الساخطين يمثل دليلاً كافياً على ذلك.

لكن الصحيح أيضاً أن الرئيس استجاب بالتشبث بموقعه ومحاولة استمالة ما يكفي من المحافظين المتطرفين إلى صفّه للتعويض عن الأعداد التي ابتعدت عنه. فتعويض غينسبورغ، في الوقت الذي يواصل فيه ترمب السعي لاستقطاب المتطرفين، سيلحق الأذى بأميركا على المدى البعيد، ولمدة أطول بكثير من أي ولاية يمكنه أن يحكم خلالها بصفة قانونية؛ وسيعني أن الرئيس الـ45 يخلّف وراءه إرثاً مؤذياً لأجيال مقبلة.

سُئل المحافظون في أغسطس (آب) الماضي ما الذي سيفعلونه "في حال شغور" أحد مقاعد المحكمة العليا هذا العام، قبل (إعادة) انتخاب ترمب. وأتى الجواب من ميتش ماكونيل الذي قال مبتسماً، كما تردد،" أوه، سنملأهُ".  وللإشارة فإن ماكونيل زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ والمقرب من ترمب، حظي بثناء وافر على وفائه خلال محاولة عزل الرئيس، لكن هناك بين أعضاء حزبه من لا يشاطرونه شعوره هذا.

واللافت أن ليزا موركوفسكي، وهي عضو في مجلس الشيوخ عن ولاية آلاباما، قالت علناً إن على حزبها أن "يدع الناس يقررون" يوم الانتخاب ما ينبغي فعله في حال شغور مقعد في المحكمة العليا قبل نوفمبر (تشرين الثاني) بأشهر. ويُشار إلى أن محاولة أوباما تعيين قاضٍ في تلك المحكمة محل أنتونين سكاليا بعد وفاته، قد أُحبطت على يد الجمهوريين تحديداً لأنهم جادلوا بأن تعيين أحد في وظيفة يؤديها مدى الحياة، في وقت قريب للغاية من موعد الانتخابات هو إجراء غير ديمقراطي.

ورأت موركوفسكي أنه "إذا قلنا الآن إن التعيين قبل أشهر من الانتخابات مقبول مع أن تسعة أشهر لم تكن (في حالة أوباما) مقبولة، ففي ذلك ازدواجية معايير، ولا أعتقد أننا يجب أن نفعل ذلك. ولذا فلن أؤيد ذلك". وإذ لم تعلق موركوفسكي بعد على الأمر في أعقاب وفاة غينسبورغ، فإن ماكونيل أصدر بياناً أشار فيه إلى أنه عازم على الوفاء بوعده. ففي خطاب ألقاه ليلة الجمعة، أثنى فيه بشكل مختصر على مساهمات القاضية الراحلة، قال ماكونيل بالخصوص إن "التصويت على مرشح الرئيس ترمب سيجري في قاعة مجلس الشيوخ الأميركي".

إن منصب الرئاسة لم يجعل ترمب أكثر تواضعاً وإحساساً بضآلته كإنسان، كما لم يذعن أبداً أمام فكرة الموت كأمر حتمي. فقد قال عن جون لويس، الناشط الحقوقي الشهير(عندما سُئل عن الميراث الذي خلفه هذا الأخير)، "لم يأت إلى حفل تنصيبي". كما وصف السيناتور الجمهوري جون ماكين، المحارب المخضرم الذي خاض حرب فيتنام وكان صديق الديمقراطي جو بايدن، "لم أكن قط معجباً به، ولن أكون قط كذلك". إلا أنه كان لطيفاً بصورة إيجابية حيال غينسبورغ، بالمقارنة معهما، فحين أبلغه مراسل على الهواء بوفاتها بعد لحظات من مشاركته بتجمع انتخابي دام ساعتين، قال بطريقة تنم عن الاطلاع "هل توفيت للتو؟ واو. لم أكن على علم بذلك. لقد عاشت حياة مدهشة. ماذا يمكنك كإنسان أن تقول غير ذلك؟".

أما وقد جاءتهم وفاة غينسبورغ، ولنضع جانباً عبارة ترمب حول "الحياة المدهشة" التي عاشتها، فإن قلة منا تعتقد بأن عتاة أنصاره في مجلس النواب، سيتصرفون على نحو لائق، وبروح رياضية، أو طبقاً لسابقة حصلت في الماضي. فهذه فرصة ملائمة أتت لذلك الحزب على طبق من ذهب، قبل أسابيع من توجه الأميركيين إلى صناديق الاقتراع. لكن هل سيحذو جميع الجمهوريين حذو ماكونيل؟ وهل ثمة مجال لتمرد محفوف بالمخاطر داخل صفوف الجمهوريين، مع العلم أن تصويت أربعة جمهوريين مع الديمقراطيين كفيل بمنع الترشيح أو تأخيره؟ لا شك بأننا سنعرف الجواب قريباً بما فيه الكفاية. وأيا كانت النتيجة، فإنها لن تكون نظيفة.

© The Independent

المزيد من آراء