بعد إعلان لجنة التعديلات الدستورية في رئاسة الجمهورية العراقية اكتمال مقترحاتها في ما يتعلق بتعديل فقرات الدستور، يتسع الجدل بشأن جدية القوى السياسية السماح بإجراء تعديلات عليه، خصوصاً مع تضمنها مقترحات تقلل من هيمنة القوى التقليدية على المشهد السياسي في البلاد.
ومع انطلاق انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) العراقية، شرعت الرئاسات الثلاث للحديث عن تعديل الدستور، وتم تشكيل لجنة برلمانية معنية بالتعديلات نهاية أكتوبر الماضي، إلا أنها لم تكمل إجراءاتها حتى الآن.
وفي الأثناء، تتكون لجنة رئاسة الجمهورية من أكاديميين وممثلين عن المحتجين وتخلو من أي سياسي، بحسب رئيس هيئة المستشارين في الرئاسة علي الشكري.
وتعديلات اللجنة الرئاسية، وفق متخصصين في القانون، لن تكون ملزمة إلا بعد إكمال تعديلات اللجنة البرلمانية وطرحها للتصويت ثم الاستفتاء الشعبي العام.
مقترحات اللجنة
تتضمن مقترحات اللجنة الرئاسية إعطاء صلاحيات إضافية لرئيس الجمهورية وتقليص عدد النواب في البرلمان، فضلاً عن تعديل الفقرة المتعلقة بالكتلة البرلمانية الأكبر التي تتشكل وفقها الحكومة العراقية.
ويقول عضو لجنة التعديلات الدستورية في رئاسة الجمهورية عادل اللامي، إن "اللجنة أكملت الشكل العام لمقترحات التعديلات الدستورية، وستقوم بمراجعة ثانية حتى تتبلور التعديلات بشكل محكم".
ويضيف اللامي لـ"اندبندنت عربية": "الآراء المقدمة متناغمة مع الأعراف الدستورية العالمية من نواحي مراعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان"، مشيراً إلى أن اللجنة "لم تتطرق إلى المسائل ذات الطابع السياسي المرتبط بتنظيم العلاقة بين المركز والأقاليم وقضايا توزيع الصلاحيات".
وفي شأن أبرز التعديلات المقترحة، يبين اللامي أن مقترحات التعديلات الدستورية تتضمن المادة المتعلقة بـ"الكتلة البرلمانية الأكبر التي تتكفل بتشكيل الحكومة واستبدالها بالكتلة الفائزة بالانتخابات"، مبيناً أن هذا "قد يحفز صوغ تحالفات وطنية تنهي مبدأ المحاصصة وتشكيل الحكومة بناءً على التوافقات السياسية، فضلاً عن كونه من ضمن المطالبات الشعبية في الاحتجاجات الأخيرة".
ويكشف اللامي عن منح اللجنة بعض الصلاحيات الإضافية للسلطة التنفيذية من بينها، "صلاحية حل البرلمان من دون الحاجة إلى تصويت أعضائه، في مقابل قدرة البرلمان على سحب الثقة من الرئاستين"، مشيراً إلى أن هذا التعديل جاء لـ"خلق نوع من التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية".
ويلفت إلى أن تلك التعديلات جاءت "نتيجة مطالبة المتظاهرين العراقيين"، مؤكداً اشتمال التعديلات على "مراعاة حقوق الانسان وضمان حرية التعبير عن الرأي". ويكشف عن استبدال عبارة "مع مراعاة المكونات" الواردة في أكثر من مادة بـ"عبارات ترسخ مبدأ المواطنة".
ويتابع "مقترح تعديل عدد أعضاء البرلمان تضمن آراء عدة، من بينها أن يكون لكل مئة ألف ناخب معقد واحد، أو لكل 250 ألف نسمة مقعد". ويسلط الضوء على رأي آخر مفاده أن "يكون عدد أعضاء البرلمان ثابتاً وغير خاضع لتلك النسب".
ويختم بأنه "لا يمكن إرسال تلك التعديلات إلى البرلمان إذا لم تنتهِ اللجنة البرلمانية من إجراء تعديلاتها وعرضها للاستفتاء وفق المادة 142 من الدستور"، مبيناً أن "الحكومة تستطيع عرض مقترحات اللجنة على البرلمان للاستئناس بها والاستفادة".
القوى الشيعية و"الكتلة الأكبر"
تُعد فقرة "الكتلة الأكبر" إحدى أبرز نقاط الخلاف، التي أدت إلى أزمات عدة في سياق تشكيل الحكومات المتعاقبة، فيما تتخوف الكتل الشيعية من إجراء تعديلات دستورية تمس تلك الفقرة، التي تتشكل وفقها الحكومة العراقية، إذ أتاحت لقوى "البيت الشيعي" السيطرة على منصب رئاسة الوزراء طيلة السنوات الماضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، أن تلك القوى "ستُمانع تعديل الفقرة المتعلقة بالكتلة الأكبر، التي قد تؤدي إلى احتمال نشوء تكتل سياسي جديد على حساب المكون الشيعي المسؤول عرفاً عن رئاسة الوزراء"، مبيناً أن تعديل تلك الفقرة سيصطدم بـ"رغبة تلك القوى التي لا تريد مغادرة هذا العرف".
ويضيف الشمري لـ"اندبندنت عربية"، أن "الثغرات في الدستور العراقي كانت سبباً رئيساً في العديد من أزمات البلاد، وكان من المفترض تعديلها في سنوات سابقة".
وفي شأن إعطاء صلاحيات للسلطة التنفيذية تمكنها من حل البرلمان، يشير الشمري إلى أن ما يعرقل إمرار هذا التعديل هو "انعدام الثقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية".
ويتوقع الشمري أن "تعرقل القوى السياسية إمرار التعديلات المقترحة لأنها ستطيح مراكز قوتها ونفوذها وتصدرها مشهد المكونات"، مبيناً أن "البرلمان المقبل قد يكون هو المعني بتلك التعديلات وسيضطر إلى تشكيل لجنة جديدة".
"دستور جامد"
تمنح المادة (126) من الدستور العراقي حق طلب التعديل لخمسة أعضاء في البرلمان ورئيس الجمهورية والبرلمان وباستفتاء شعبي، إلا أن قرار المحكمة الاتحادية رقم 54 لسنة 2017 فرض أن تسبق آلية التعديل وفق المادة 142 أي مادة أخرى، إذ تحدد تلك المادة خطوات عدة لإجراء أي تعديلات دستورية، ابتداءً من التصويت على التعديل في البرلمان، ثم عرضه للاستفتاء الشعبي العام، ويكون باطلاً إذا اعترض عليه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات.
في السياق ذاته، يستبعد النائب في البرلمان العراقي أحمد الجبوري، إمرار التعديلات الدستورية في البرلمان، مبيناً أن "الدستور العراقي أسس على أن يبقى جامداً بلا تعديلات"، فيما أشار إلى أن البرلمان الحالي "لن يستطيع البت في التعديلات الدستورية وبانتظار الدورة البرلمانية المقبلة لإجرائها".
ويضيف الجبوري لـ"اندبندنت عربية"، أن "جهل الطبقة السياسية في وقت كتابة الدستور عام 2005 هو الذي أسس لتلك الإشكالية"، لافتاً إلى أن التعديلات المقترحة "لا تمس الإشكالات الحقيقية، ولن تذهب لتعديل قضايا جوهرية في الدستور"، مستدركاً بالقول إن إمكانية تعديل الدستور مرهونة بـ"الإرادة الشعبية وضغط الشارع الذي يفترض أن يكون منتظماً".
وكانت لجنة التعديلات الدستورية في البرلمان العراقي، قد أكدت في 3 سبتمبر (أيلول)، مناقشة 115 مادة دستورية، فيما أشارت إلى عدم حسم النقاط الخلافية حتى الآن.
وتوقع عضو اللجنة يونادم كنا، في تصريحات للوكالة الرسمية، أن يكون "الخلاف حول طبيعة النظام هل يبقى برلمانياً أو رئاسياً أو مختلطاً، بالإضافة إلى اختصاصات السلطات الاتحادية الحصرية والاختصاصات المشتركة بين الاتحادية والأقاليم، وألا تكون الصياغات في الدستور حمَّالة أوجه، ومن ثم أسلوب ومنهجية التصويت على الدستور، وبالتالي قبوله أو رفضه".
حسم ملف الانتخابات أكثر جدوى!
في المقابل، يقول الناشط مهتدى أبو الجود إن "حسم ملف الانتخابات المبكرة أجدى وأهم من الحديث المكرر عن تعديلات دستورية، والحسم يشتمل على حصر السلاح المتفلت في الشارع وإعادته إلى يد الدولة"، مبيناً أن "إجراء انتخابات نزيهة سيكون وسيلة لإجراء تعديلات دستورية وفق رغبة الشارع العراقي لا القوى السياسية".
ويضيف أبو الجود لـ"اندبندنت عربية"، أن "الإشكالية مع السلطة تتعلق بآلية التوافق والمحاصصة التي تتحكم بالبلاد، وهذا لا نتوقع حسمه في كل لجان التعديلات الدستورية".
ويكشف أبو الجود عن أن "المحتجين بشكل عام لم يعودوا مؤمنين بإمكانية أن تقود القوى السياسية الحالية أي تغييرات فعلية في إطار الدستور أو قضايا إشكالية أخرى".