Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قراءة مبكرة لمسار التأهل للانتخابات العراقية المقبلة

البحث عن أسماء جديدة للأحزاب الشيعية وتنافس القوى السنية على الزعامة

أكراد يتظاهرون في وسط السليمانية بإقليم كردستان العراق للمطالبة بمحاسبة الفاسدين وتنظيم انتخابات مبكرة (أ ف ب)

بدأت عجلتان تسرّعان العدو نحو الانتخابات العراقية المبكرة التي حددها رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في السادس من يونيو (حزيران) المقبل.

تنامي عجلة الاقتصاص من الفاسدين

الأولى، عجلة الشروع بالتصفيات للخط الثاني من الفاسدين والمتجاوزين على القانون والمتورطين بقضايا مالية فاقعة، مثل مدير مشروع الـ"كي كارد" الذي يصرف للعراقيين رواتبهم بعد التلاعب بها ورهنها بطريقة غير قانونية. وقد تمت مداهمة مقر مدير الهيئة العامة بعد عزله والتحفظ على مليارات الدنانير العراقية في بيته، وهو نافذ في حزب المالكي، كذلك جرت مداهمة مقارّ عشرات المتورطين في ملفات فساد تحميهم أحزاب السلطة ويمثلون حبال الدولة العميقة، وهي مجسّات للوصول إلى الطبقة السياسية، يدّخر الكاظمي ملفاتها كونه لا يزال يشرف على جهاز الاستخبارات العراقية، ويقف عند أسرارها المذهلة.

صدى انتفاضة تشرين على مزاج الشارع

أما العجلة الثانية فهي الأهم، وتتمثل في التحالفات السياسية المتسارعة لعقد ائتلافات حزبية وسياسية جديدة للمكونات الثلاثة - شيعة وسنة وأكراد- وقوى مدنية لا تضع ما هو أثمن معياراً لوجودها، وجلّها ترتكز على الحراك الشعبي الذي أوجدته انتفاضة تشرين العارمة العام الماضي، وبلورت مجتمعاً آخر يمثل الخط الرابع في العملية السياسية لتصحيح المثل العراقي الشهير القائل إن "القدر لا يجلس إلا على ثلاثة أرجل".

فوجود المرتكز الرابع المتمثل في حركة الاحتجاجات، جعل قوى عدة تعمل على مصادرتها وجذبها لصالحها عبثاً، لأنها أوعى من أن تنصاع لتيار أو حزب كانت له يد في اختراقها والتصويب عليها والتسبب بمقتل وجرح عشرات الآلاف في سابقة أطاحت بحكومة عادل عبد المهدي، كما جعلت العشرات من منتسبي مكافحة الشغب والميليشيات أهدافاً للمطالبات الشعبية بمحاكمتهم ومحاولة عدد منهم الهرب خارج البلاد. ويؤكد النائب السابق عادل العصاد أن الحراك  تطوّر خارج المؤسسة الحاكمة نتيجة وعي شعبي.

"حزب الشعب" نواة مرحلة الكاظمي

في هذا الجو المحموم عراقياً، يسعى رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إلى تأسيس حزبه الجديد باسم "الشعب"، مستثمراً تنامي حضوره وشعبيته في الأوساط العامة، التي تعوّل عليه كشخصية مدنية من خارج دائرة الأحزاب والتيارات الشيعية المؤدلجة والتقليدية، التي حكمت البلاد 17 سنة عجافاً، أنتجت إنجازاً واحداً يكبر كل يوم، هو الفساد الذي يطوّق الحياة العامة ويتحكم بمفاصل المجتمع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والمعلن أن رئيس الجمهورية برهم صالح هو أول من يدعم هذا التشكيل السياسي الجديد، عندها يتخطى هذا التكوين الوليد ثالوث المكوّن الذي أسقطته تظاهرات واحتجاجات تشرين، رصيده الشباب المتطلع لبناء تجربة تخالف تيارات سائدة امتُحنت بالتظاهرات والاحتجاجات، التي بدورها تعوّل على كشف قتلة زملائهم وتغييب آخرين، وترفض واقع سطوة الميليشيات التي تعيق تطوّر وعي الجمهور لمحاربة الفساد وترسخ هيمنتها على القرار في البلاد.

ويدعم رؤية الكاظمي جهازان نافذان في الدولة، هما مكافحة الإرهاب بزعامة الفريق عبد الوهاب الساعدي الذي أعاده الكاظمي إلى الخدمة ودعمه بقوة، وجهاز الاستخبارات الذي يتولاه الكاظمي بنفسه. وهناك إشكاليات كثيرة ترافق هذا التكوين السياسي الجديد في ظل الشح المالي الحالي وإفلاس خزينة الدولة من جهة، وجائحة كورونا المتفشية بمعدل عشرة آلاف إصابة يومياً من جهة ثانية  .

القوى الشيعية تعيد حساباتها

هذه النوايا التي تحوّلت إلى إجراءات متسارعة، دفعت الائتلاف الشيعي التقليدي الموالي لإيران بغالبيته بدرجات متباينة، إلى البدء بانتهاج أساليب جديدة تحاكي إرهاصات الشارع ومتطلباته، من خلال دفع أسماء جديدة تتماشى مع مطلب التغيير الذي ينشده الشارع، وطرح أسماء من الخط الثاني للأحزاب التقليدية، كـ"الدعوة" و"المجلس الأعلى" و"منظمة بدر" و"التيار الصدري"، التي أضحت أحزاباً وتيارات تقليدية غارقة بالأزمات، واعتادت تغيير مسمّياتها وتحالفاتها معاً بنوع من "تفريخ" أحزاب وتشكيلات جديدة لاستيعاب حركات الشارع العراقي الساعي للتغيير من جهة، ومن جهة أخرى اعتماد أسلوب الإزاحة الجيلية بالبحث عن أسماء جديدة لها قبول لافت، لتتولّى الإدارة الجديدة للأحزاب مع تدعيم وبناء خط ما يُسمّى بـ"المقاومة"، وترشيح أسماء من "الحشد الشعبي" للواجهة السياسية، بحسب الباحث السياسي مازن صاحب في حديث لـ"اندبندنت عربية". وهناك أسماء يجري تكليفها وتلميعها مثل سعد المطلبي عن "دولة القانون" وصلاح العرباوي، مدير مكتب عمار الحكيم السابق، الذي أعلن عن حركة اسمها "وعي"، في وقت تهيّئ "منظمة بدر" النائب علي عرب، لينشئ واجهة سياسية لها.

واللافت أن مستشار رئيس الحكومة السابق السيد ليث شبر، المنشق عن ابن عمه عادل عبد المهدي، أعلن تأسيس كيان سياسي باسم "الحراك الوطني"، يتألف من شخصيات جلّهم من المنشقين عن الأحزاب الشيعية، بدعوى أنهم غير ممثلين لمكوّن بعينه بل حركة عابرة للطائفية، وهو يحظى بدعم إعلامي وسياسي من جيل شاب.

أحزاب المكون السني لا تزال منقسمة

المجموعة السياسية السنية منقسمة في سباق تأسيس الأحزاب والتكتلات التي ستدخل الانتخابات المقبلة، موزّعة على وعي مناطقي في الغالب، أكثرها فاعلية "تيار الأنبار" بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي يتخطى دائرة الأنبار ليضم موالين من باقي المحافظات مثل تكريت والموصل وديالى، يتنافس معه الحزب الإسلامي النافذ في بعض مناطق الأنبار كالفلوجة، مع وجود تيار لا يقبل بانفراد الحلبوسي وحزبه في المحافظة الغنية والواعدة، حيث يتنافس مع تيار الشيخ خميس الخنجر المدعوم من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقطر، بحسب توصيف سياسي عراقي تحفّظ على ذكر اسمه.

أزمة الموصل لا تزال تلقي بظلالها

وفي وقت يسعى النائب عن الموصل خالد العبيدي ومجموعة من قائمته البيارق إلى استمالة عدد من نواب نينوى لتشكيل سياسي جديد، ضارباً على وتر فشل المكوّن السني في إعادة بناء المحافظة التي دمّرت بعد سيطرة "داعش" (2014-2018)، ينافسهم تيار رئيس البرلمان الأسبق أسامه النجيفي وشقيقه أثيل اللذين يملكان ثروة طائلة تمكّنهما من الإنفاق، لتمويل حملة تأسيس حركة سياسية وإدارة الانتخابات، وسط صراع معلن بين جمهور نينوى الذي يشعر بالأسى على تدمير مدنه وعدم الإسراع في إعادة بنائها وبقاء ظاهرة المخيمات حولها وعدم القصاص من المتسببين باحتلالها من عصابات "داعش".

أما ديالى المحافظة التي تعيش أزمة مستمرة لوجود سطوة إيرانية عليها، وهي الخاصرة الأقرب بين إيران وبغداد، فيسعى تيار رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري المنشق عن الحزب الإسلامي، إلى بناء كتلة سياسية موالية يخوض من خلالها الانتخابات المقبلة.

أحزاب كردستان وجني المكاسب

وفي شمال البلاد، حيث تعيش المنطقة نوعاً من الاسترخاء النشيط، هناك 11 حزباً وحركة كردية، جلّها تأسس أيام المعارضة للنظام العراقي السابق، لكنها في العموم تعيد أوراقها في فلك الحزبين الرئيسين الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني، وحزب الاتحاد الوطني بزعامة جلال الطالباني، إلا أنهما يشهدان صراعاً على الزعامة مع تداخل الفصائل الكردية من إيران وتركيا، ويسعيان إلى مدّ نفوذهما بين قطبي أربيل عاصمة الإقليم والسليمانية القريبة من إيران، في محاولة لإعلان حلبجة محافظة مؤيدة للسليمانية كونها تابعة لها، تؤمن التوازن بين أربيل وظلّها السياسي محافظة دهوك.

ولا تزال عين الكرد على مناطق أخرى تطالب بها، وفي مقدمتها كركوك التي يطالب النائب الشيعي القاضي وائل عبد اللطيف ضمّها إلى مركزية الدولة و"استعادة الأموال التي نهبت منها من موارد النفط"، بحسب تعبيره.

وعلى الرغم من كل هذا الحراك المحموم والمبكر في إعادة ترتيب الأوراق العراقية، والتهيئة المبكرة للانتخابات المقبلة التي لا تزال غير مؤكدة لعدم الانتهاء من قانون الانتخابات والجدل حول، لا سيما تمثيل الدوائر على المناطق والمحافظات، فهناك تحديان يعرقلان مسار الذهاب إلى انتخابات ميسّرة يتمثلان في استشراء جائحة كورونا والخزينة العراقية الخاوية، نتيجة انخفاض أسعار النفط إلى حدود محرجة تعرقل حتى انسيابية دفع الرواتب.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل