Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الموسيقى الكلاسيكية... محاولة لترويض "الوحش" (2)

أعلام وعلامات تركوا بصماتهم في عالم السحر والجمال

لوحة من العام 1870 تظهر سيباستيان باخ وهو يعزف لأمير بروسيا فريدريك الكبير (غيتي)

في هذه الحلقة الثانية والأخيرة من طوافنا في عالم الموسيقى الكلاسيكية نلقي نظرات سريعة إلى أولئك الذين يعتبرون أعمدة هذا الإبداع ونقتطف شيئاً من أعمالهم. والقصد هو أن نزيل الرهبة إزاء هذا العالم الذي يبدو لنا بعبعاً مخيفاً مع أن فيه جمالاً وسحراً لا يتطلّبان منا غير أن نفتح لهما باب الدخول.

يوهان سيباستيان باخ (1685 – 1750)

أنتج هذا الموسيقي الألماني قرابة ألف عمل في سائر ضروب الموسيقى الكلاسيكية (عدا الأوبرا) تعتبر اليوم زبدة الموسيقى في عصره، ووصل بمؤلفات عصر الباروك إلى قمتها الأعلى على الإطلاق. ويقدر أنه لو كُلف موسيقي اليوم بتدوين أعماله يدوياً على النوطة، لاحتاج الأمر منه ما لا يقل عن أربعين سنة لإنجاز المهمة كاملة. ولكن، من المفارقات المدهشة أنه لم يُعرف في عصره إلا كعازف ماهر للأورغن.

من أشهر أعماله كونشيرتوهات براندبيرغ الستة. استمع إلى الثالث منها هنا:

فولفغانغ أماديياس موزارت (1756 – 1791)

في سن الثامنة حرمت والدته عليه لمس البيانو كي لا يزعج والده المريض. فألّف سيمفونية بأكملها على الورق. ولدى وفاته المبكرة في سن الخامسة والثلاثين، كانت مؤلفاته قد وصلت إلى أكثر من 630 من أوبرا إلى سيمفونية إلى كونشيرتو إلى سوناتا إلى قداس موسيقي إلى أغنية كنسية إلى سائر أشكال الموسيقى الكلاسيكية الأخرى. وعلى رغم أن غزارة الانتاج هذه مذهلة في حد ذاتها، فإن مكمن عبقرية موزارت هو عذوبة موسيقاه ورشاقتها والآفاق الجديدة التي وصلت إليها على تنوعها الواسع. وقد بلغ شأوه أن موسيقياً في مقام بيتهوفن سعى إلى لقائه للإفادة من علمه وموهبته واعترف بتأثيره في مؤلفاته.

شاهد جزءاً من عمله الأوبرالي "المزمار السحري" هنا:

لودفيغ فان بيتهوفن (1770 – 1827)

ما إن تذكر عبارة الموسيقى الكلاسيكية حتى يقفز اسمه وسيمفونيته الخامسة النارية إلى الذهن... فكأنه المؤلف الكلاسيكي الوحيد، وكأنه لم يؤلف غير السيمفونية الخامسة. كان من أوائل المؤلفين الذين ابتدعوا تطوير البناء الموسيقي "طوبة طوبة" أو الجملة الموسيقية الخارجة من سابقتها. واشتهر أيضاً بتجديده سائر الأشكال الموسيقية التي مستها يداه. ويعتبر جسراً بين الموسيقى الكلاسيكية والموسيقى الرومانسية التي تمردت على القوالب الحسابية الصارمة التي تميزت بها تلك الأولى. ومن غرائب القدر أن يحرم هذا العبقري حاسة السمع. لكنه كان مقتنعاً بأن خلاصه من أشجانه إنما يكمن في التأليف الموسيقي بغض النظر عن العوائق. فألحق بالبيانو رقاقة كان يعض عليها حتى ينقل ذبذباته الصوتية إلى فكه. ولدى وفاته سار في جنازته أكثر من عشرة آلاف شخص، في حدث لا سابقة له مع أي شخصية عامة أخرى مهما علا شأنها.

استمع لسيمفونيته الخامسة تؤديها أوركسترا الديوان الغربي الشرقي التي أسسها الأميركي الفلسطيني إدوارد سعيد والإسرائيلي الأرجنتيني دانيال بارنبويم وتجمع موسيقيين عرباً وإسرائيليين:

فرانتس ليست (1811 – 1886)

يعتبر هذا المجري على نطاق واسع أعظم عازف للبيانو في التاريخ (بموازاة ندّه شوبان الذي يعتبر أعظم مؤلف لهذه الآلة). إنجازه الحقيقي يكمن في الثورة التي أحدثها في العزف على البيانو باستحداثه أشكالاً جديدة من الهارموني الثري المعقد وأيضاً في أجزائه اللحنية الصعبة التنفيذ والمعبرة عن أفكار درامية معينة فكأنها شخصيات في مسرحية. وهو مفهوم صار يعرف باسم لايتموتيف وتبناه فاغنر في رباعيته الأوبرالية "الخاتم". وليست هو أحد أكبر موسيقيي القرن التاسع عشر الذين أسدلوا الستار على حقبتها الرئيسية ومهدوا أرضية صلدة قامت عليها الاتجاهات الموسيقية الجديدة في القرن العشرين.

استمع هنا إلى أحد أشهر أعماله، "الرابسودي المجري" رقم 2 يؤديه الصيني لانغ لا نغ:

يوهانس برامز (1833 – 1897)

كان برامز محافظاً في أسلوب تأليفه. فقد تمسك بالسير على خطى سابقيه مثل هاندل وموزارت وبيتهوفن وهايدن، ورفض التيار المستقبلي الذي كانت تتصدره طليعة أهم أعمدتها رتشارد فاغنر وفرانتس ليست. ولهذا تصنّف أعماله باعتبارها نهاية المد الكلاسيكي الرومانسي. وقد قال عن سبب نصرته للمدرسة القديمة: "إذا عجزنا عن التأليف في عذوبة باخ وهاندل وموزارت وهايدن وبيتهوفن، فلنؤلف، على الأقل، بالنقاء نفسه". ولما اتهمه النقاد بأن سيمفونيته الأولى مستوحاة من بيتهوفن وتحديداً سيمفونيته التاسعة، أجاب قائلاً: بالطبع. حتى بسطاء العقول يستطيعون رؤية ذلك. بل أنه مضى ليكتب أعمالاً بناها على مؤلفات معروفة لهاندل وهايدن. استمع إلى سيمفونيته رقم 1 هنا:

نيكولاي ريمسكي – كورساكوف (1844 – 1908)

مؤلف المتتابعة السيمفونية "شهرزاد"، إحدى أعذب المؤلفات في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية. والواقع أن إنجاز هذا الروسي عملاً مستوحى من أغلى كنوز التراث الأدبي الشرقي - ألف ليلة وليلة - لم يكن مجرد افتتان بسحر الشرق، وإنما كان أيضاً قراراً أيديولوجياً متعمداً. فقد كان غرضه هو تأليف موسيقى روسية تتصل عضوياً بجذورها الشرقية بدلاً من تقليد الموسيقى الأوروبية والتقيّد بتعاليم الكونسرفتوار الغربي. ولما ألف ريمسكي – كورساكوف سيمفونيته الأولى اعتبرت "أول سيمفونية روسية نقية"، وكتب ناقد عنها: "هذه موسيقى روسية حتى النخاع. فلا رائحة فيها لأي أثر ألماني أو غربي راكد. لقد أنجزت يا ريمسكي – كورساكوف السيمفونية الروسية الأولى".

استمع هنا إلى حركتها الأولى تؤديها أوركسترا موسكو السيمفونية:

رتشارد شتراوس (1864 – 1949)

اشتهر بشكل خاص بأعماله الدرامية وقصائده السيمفونية (الموسيقى السيمفونية التي تتولى شرح العمل الدرامي)، وأكمل بذلك نمو هذا التيار الموسيقي الذي ابتدعه فرانتس ليست ووظفه بكثافة رتشارد فاغنر. وقد شكل شتراوس مع هذين الأخيرين أعمدة التيار الطليعي المعروف باسم المدرسة الألمانية الجديدة. وهو التيار الذي نجد طرفه المعاكس في أعمال المحافظين وأبرزهم برامز. وشتراوس هو صاحب القول: الصوت البشري هو أفضل الآلات الموسيقية... وأكثرها استعصاء على العزف".

استمع هنا إلى تأويله السيمفوني لدرة الأدب الإسباني "دون كيخوته":

أعمال شهيرة

في ما يلي نظرة على أعمال شهيرة في الموسيقى الكلاسيكية، استمع ويستمع إليها الملايين في الغرب والشرق:

الفصول الأربعة

الفصول الأربعة عبارة عن أربعة كونشيرتوهات للكمان (من مجموع 12 كونشيرتو سماها مؤلفها أنتونيو فيفالدي مجتمعة "التنافس بين التناغم والاختراع"). ويتألف كل منها من ثلاث حركات في معظمها سريعة في أولاها وآخرها، وبطيئة نوعاً ما في وسطها وهي كما يلي تبعاً لترتيبها: الربيع: الكونشيرتو 1 في سلم مي الكبير، الصيف: الكونشيرتو 2 في سلم صول الصغير، الخريف: الكونشيرتو 3 في سلم فا الكبير، وأخيراً الشتاء: الكونشيرتو 4 في سلم فا الصغير.

وقد أحدث بها فيفالدي ثورة في الموسيقى. فباستضافته أصوات تلك الفصول – مثل نباح كلاب الرعاة وصدح الطيور وتكثر الثلوج تحت الزلاجات إلى آخره - استحدث المؤلف ثورة سميت لدى اشتداد عودها القصيدة السيمفونية. ذلك ان الفصول الأربعة هي تأويل موسيقي لأربع قصائد كتبها فيفالدي بنفسه.

استمع هنا لنايجل كنيدي مع أوركسترا الصالونات البولندية يؤديان الحركة الثالثة من "الصيف":

أوبرا المزمار السحري

أحد أكثر الأعمال الأوبرالية شعبية منذ عرضها أول مرة بفيينا في 30 سبتمبر (أيلول) 1791 وإلى يومنا هذا. وهي آخر أوبرا لموزارت الذي ألّف موسيقاها لسيناريو كتبه إيمانويل شيكاندر ويجمع بين الغناء والحوار العادي في ما يسمى سينغشبيل، وتدور حوادثها في مصر رمسيس الأول. وفي عرضها الافتتاحي ذاك كان موزارت هو مايسترو الأوركسترا، وأدى اثنين من أدوار البطولة شيكاندر (كاتبها) وجوزيفا هوفر شقيقة زوجة موزارت. وعلى رغم أن هذا الأخير وجد بلسماً من مرضه في نجاحها الفوري، فلم يحضر الاحتفال بعرضها للمرة المئة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1792 إذ وافته المنية قبل ذلك التاريخ بعام.

شاهدها هنا كاملة:

أوبرا عايدة

ربما كان كافياً للتعريف بجيوزيبي فورتونينو فيردي أن يقال إنه مؤلف أوبرا "عايدة". وعلى رغم أنه ألّف بين العامين 1836 و1893 ثمانية وثلاثين عملاً أوبرالياً، تبقى هذه الأوبرا، التي أنجزها في 1871، أهم هذه الأعمال على الإطلاق. وتقوم قصتها على التصادم بين الحب والولاء للوطن وتتخذ من مصر الفرعونية مسرحاً لأحداثها.

ألّف فيردي هذه الأوبرا بتكليف من خديوي مصر، إسماعيل باشا، الذي تمنى عليه عندما التقيا في باريس أن تكون جاهزة للعرض في يناير (كانون الثاني) 1871، ومنحه مقابل كتابتها 150 ألف فرنك. لكن العرض تأجل بسبب الحرب الفرنسية– البروسية. ويذكر أن فيردي نفسه لم يحضر عرض أوبراه هذه في القاهرة. شاهدها مع البطولة الرجالية لأحد أعظم مغني الأوبرا، لوتشيانو بافاروتي:

كارمين

في العام 1845 نشر الكاتب الفرنسي بروسبير ميريميه رواية قصيرة تدور أحداثها في إسبانيا حوالى العام 1820 بعنوان "كارمين". وهي رواية عن غجرية – بالاسم نفسه - بالغة الجمال نارية المزاج ومصيرها في دروب العشق والغيرة. وبناء على طلب مدير دار أوبرا كوميك (الأوبرا الفكاهية) الباريسية، حول الموسيقي المرموق جورج بيزيه الرواية إلى أوبرا كتب سيناريو أحداثها أونري ميياك ولودفيك أليفي. ولكن بعد عرضها الأول في 3 مارس (آذار) 1875 هاجمها السواد الأعظم من النقاد والجمهور على حد سواء، رئيسياً بسبب نهايتها الدامية. وقد مات بيزيه نفسه بسكتة قلبية بعد ثلاثة أشهر بالضبط على عرضها الأول عن 37 عاماً. لكنها، أوروبياً، أصابت نجاحها الذي يضعها اليوم في مصاف الأعمال الأوبرالية الأكثر شهرة في العالم. شاهدها هنا:

رباعية الخاتم

دورة خاتم النيبلونغ (أو الخاتم اختصاراً) هي أكبر عمل أوبرالي منفرد في تاريخ الموسيقى الكلاسيكية. وهو دراما موسيقية، كما يسميها صاحبها رتشارد فاغنر، تتألف من أربعة أعمال أوبرالية - أشهرها الأخير شفق الآلهة - ويستغرق عرضها كاملة حوالى 15 ساعة.

ورباعية الخاتم هي أكبر ثمار فكرة الدراما الموسيقية (أو الموسيقى السيمفونية التي تتولى شرح العمل الدرامي) و"اللايتموتيف" أو الجمل الموسيقية المخصصة لكل شخصية في العمل الدرامي فترتبط بها وتصبح للمستمع دليلاً إلى ظهورها. وانطلاقاً من كل هذا توصل فاغنر إلى مفهومه لما أسماه العمل الفني الشامل الذي يجتمع فيه الشعر والموسيقى والجماليات البصرية الدرامية في جسد واحد. ومع عرضها الافتتاحي العام 1876 في دار خاصة شيدت لها في بايرويت، بافاريا، كان فاغنر قد أمضي أكثر من 25 عاماً لإنجازها بالشكل الذي يريد.

وهي وليمة للعين يمكنك مشاهدة جزء منها يسمى "مسيرة الفالكري" هنا:

المزيد من ثقافة