Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصحافة الورقية في عدن تصارع من أجل البقاء

الحرب المستمرة أثرت كثيرا على انتشارها ونسب توزيعها

صحافة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، شكلت ضربة قاصمة للصحافة الورقية في عدن (غيتي)

على الرغم من الحرب اليمنية التي تعيش عامها السادس، وما أحدثته من تداعيات اقتصادية واجتماعية وثقافية، فإن العاصمة اليمنية البديلة عدن، تتصدر الصحافة الورقية بإصدار أربع صحف يمنية، وعدد من الصحف الأسبوعية.

من جانبهم، يرى مختصون أن هذا يعد تحدياً كبيراً لواقع صعب تعاني منه صحافة الورق في ظل حزمة من الصعوبات المادية والتقنية التي تقف في طريق استمرارها، إضافة إلى منافسة الصحافة الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي وتعدد القنوات الفضائية المحلية.  

رائدة الصحافة

عرف عن مدينة عدن في جنوب اليمن، أنها رائدة الصحافة والإعلام في شبه الجزيرة العربية، خاصة منذ بداية الأربعينيات من القرن الماضي، بصدور صحيفة "فتاة الجزيرة"، وإن كانت هناك صحف ومجلات قبلها، إلا أن الصحافة الورقية بمعناها المتعارف عليه انطلقت مع بداية حقبة الأربعينيات.

وازدهرت الصحافة العدنية في فترة الاستعمار البريطاني لعدن، وخاصة في الخمسينيات والستينيات، بصدور كم كبير من الصحف يزيد عددها على 45 صحيفة، بين صحيفة يومية وأسبوعية ونصف شهرية وشهرية، منها صحف أهلية مستقلة وصحف حزبية ونقابية، فضلاً عن الصحف التابعة للسلطة الاستعمارية البريطانية، ومن أهم هذه الصحف إضافة لـ"فتاة الجزيرة"، صحف "الأيام، والطريق، والقلم العدني، وايدن كرونكل، والرقيب، واليقظة، والنهضة، والصباح، والزمان"، وغيرها.

وغابت تلك الصحف عن الصدور بعد استقلال الجنوب عام 1967 بسبب سياسة النظام الشمولي للجبهة القومية الماركسية التي حكمت جمهورية اليمن الديمقراطية، غير أن بعضاً منها عاود الصدور مجدداً بعد إعلان الوحدة بين شطري اليمن عام 1990، ولا سيما صحيفة الأيام أشهر تلك الصحف التي واصلت مسيرتها بعد الوحدة، ولا تزال حتى اليوم تتصدر الصحف اليومية، رغم تنامي المشكلات والمعوقات التي تواجه صحافة الورق في عدن واليمن إجمالاً.

ضعف المحتوى

في هذا الصدد، يقول رئيس تحرير صحيفة "عدن تايم" الأسبوعية عيدروس باحشوان، إن "واقع الصحافة الورقية في عدن لا يسر، ولم يبق منها سوى عدد محدود من الصحف اليومية والأسبوعية التي تأخذ طريقها إلى مراكز التوزيع، وبعضها اتجه نحو الإصدار الإلكتروني، فيما احتجبت عن الصدور الصحيفة الرسمية اليومية الوحيدة (14 أكتوبر) منذ انتشار جائحة كورونا".

ويضيف باحشوان "أن الحرب اليمنية المستمرة منذ خمس سنوات، أثرت إلى حد كبير على انتشار الصحف الورقية وتوزيعها، بسبب افتقاد الصحافة الورقية إلى الدعم الحكومي".

ويلفت إلى أن صحافة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، شكلت ضربة قاصمة للصحافة الورقية في عدن وعموم اليمن، كما أن ضعف المادة المقدمة للنشر في الصحف الورقية لم تعد بالمستوى الذي يتطلع إليه القارئ، مشيرا إلى أن هناك عدداً من المشكلات والصعوبات التي تواجه الصحافة الورقية، أهمها كلفة الإصدار الورقي، وغياب الإعلان فيه كمورد مهم للحفاظ على الاستمرارية، كما أن عدن تفتقد إلى مطابع تجارية تلبي حاجة طبع الإصدارات الصحافية، إضافة إلى الكلفة الكبيرة في المواد من ورق وأحبار، بسبب عدم استقرار العملة في البلاد التي تشهد تدهوراً كبيراً في الآونة الأخيرة.  

 الاستقطاب السياسي

من ناحيته، يعتبر الصحافي ماجد الداعري، أن الصحافة الورقية بعدن واليمن والمنطقة والعالم أجمع، أصبحت من الماضي وفي مرحلة انقراض واحتضار.

 ويعزو الداعري تراجع وضع الصحافة الورقية، إلى أسباب عدة تتعلق، بعزوف القراء عن شراء الصحف الورقية، وكثرة تكاليف الطباعة وغياب الإعلانات، وعدم تغطية المبيعات حتى تكاليف الطباعة، في ظل استمرار انهيار صرف العملة المحلية وتعامل المطابع بالدولار، إضافة إلى سيطرة شبكات التواصل الاجتماعي على اهتمام الجمهور، وأخذ دور وعمل الصحافة الورقية، إلى جانب أن الصحافة الإلكترونية أصبحت خياراً متاحاً لكثير من المشتغلين بمهنة الصحافة للهروب من التكاليف الكبيرة. مبدياً أسفه من أن العاصمة المؤقتة عدن أصبحت للأسف مدينة طاردة وغير مجدية في سوق الصحافة الورقية، رغم أنها مدينة الصحافة وأكثر المدن اليمنية التي لا تزال تشهد إصدار أكثر من صحيفة يومية حتى الساعة، دون جدوى اقتصادية لأصحابها، مما يضطرهم إلى البحث عن خيارات دعم، ولو بالسقوط في فخ الاستقطابات السياسية على حساب استقلالية الخط الصحافي وسلامة الرسالة الإعلامية المهنية، المفترض أن تقدمها كثير من الصحف والمواقع ووسائل الإعلام بشكل عام بعدن واليمن والمنطقة برمتها.

 ويتابع "الحريات الإعلامية في البلاد مكبلة بحجم عقليات القوى المسيطرة على كل منطقة، والهامش يضيق بنا يوماً بعد يوم، كما أنه لا علاقة للصحافة الورقية بمستوى الحرية الإعلامية الهامشية الممنوحة بكل منطقة باليمن، لأن الأمر لا يختلف من صحافة ورقية إلى إلكترونية إلى شبكات التواصل الاجتماعي، فالكل مرصود هنا أو هناك، ولكن الأجمل أن السلطات المسيطرة اليوم على عدن لم تداهم أو تغلق صحيفة أو تصادرها، ولم تعتقل صحافياً، خلافاً لسلطة الحوثي بصنعاء وما حولها، وسلطات الإخوان بمحافظات مأرب وشبوة وسيئون حضرموت".

ونوه إلى أن انتشار فيروس كورونا، أثر على خروج الناس لشراء الصحف وليس لمقاطعتها، خوفاً من انتقال الفيروس إليهم، لأن الإجراءات الوقائية لم تنفذ على أرض الواقع إلا بشكل نسبي لا يذكر، ولكن كورونا أثر على مناحي الحياة بالتأكيد، ومنها إصدار وطباعة وتوزيع الصحف، حيث توقف إصدار غالبية الصحف بعدن في ذروة انتشار الوباء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المنزلة بين منزلتين

من جانبه، يرى مدير مكتب الإعلام في العاصمة عدن محسن مكيش أن وضع الصحافة الورقية في عدن يعتبر جيداً، حيث تصدر فيها عدد من الصحف اليمنية والأسبوعية، مقارنة مع صنعاء وبقية المدن اليمنية الأخرى التي تراجعت فيها الصحافة الورقية كثيراً، خاصة بعد اندلاع الحرب.

 ويستدرك بالقول "إن ذلك لا يعني أن كل شيء على ما يرام في عدن، فهناك صحف توقفت عن الصدور كصحيفتي الطريق والتحديث مثلاً، نتيجة شح مواردهما المالية وارتفاع تكاليف الطباعة".

الثقة والاختيار

وبحسب أحدث الدراسات الصادرة من جامعة عدن عن الصحافة اليمنية، يضيف مكيش "هناك عدة عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية محلية، تجعل الصحافة الورقية تحافظ على موقعها ومكانتها في المجتمع، وأبرزها عامل الثقة وحرية الاختيار، والتعبير عن مطالب واحتياجات المجتمع ذات الطبيعة الريفية والتقليدية، فالوقت ما زال مبكراً أمام الصحافة الإلكترونية في اليمن لتحتل المكانة التقليدية للصحافة الورقية، لأن الطريق يتطلب تطوراً وتغييراً جذرياً في بنية الدولة والمجتمع اقتصادياً وثقافياً وخدماتياً، وأهمها تحديث شبكة الاتصالات وتحريرها من الاحتكار، وأن تصبح الصحافة الإلكترونية مستقلة سياسياً ومالياً وقانونياً، لأن المجتمع اليمني ذات الأغلبية الريفية تنعدم فيه خدمات الاتصالات والإنترنت، كما يعاني سكان الريف من الفقر، وبالتالي هم غير قادرين على  تحمل التكلفة المادية في استخدام شبكة الإنترنت، بل ويعانون من أمية تكنولوجية ناتجة عن تدني مستوى التعليم".

يوضح مكيش أن الصحف الورقية نفسها هي أول من بدأت في الاعتماد على الوسائط الإلكترونية.

وعرفت اليمن الصحافة الإلكترونية منذ عام 1996 بإشهار النسخة الإلكترونية لصحيفة "سبتمبر" الورقية الصادرة عن وزارة الدفاع في صنعاء، ثم أعقبتها  صحيفتا "الأيام" و"يمن تايمز".

وتابع "شهدت فترة الحرب اليمنية بين عامي 2014 و2020 تكاثر المواقع الإلكترونية ذات التوجه السياسي لقوى صاعدة في المشهد اليمني، واستفادت الصحافة الإلكترونية من وضع الحرب وتفكك البلاد، وكسرت احتكار الدولة وعملت خارج إطار التشريع والقانون، وتميزت بقدر كبير من حرية التعبير ومواكبة الأحداث، كما أن هناك تأثيرات إيجابية وسلبية لثورة تقنية المعلومات التي انعكست على الصحافة، شملت نواحي مختلفة في الحياة الإنسانية وفي مقدمتها الثقافة والإعلام، حيث تلعب الوسائط الإلكترونية دوراً مهماً  في التأثير على الرأي العام".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير