أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الاثنين الماضي رسمياً اعتراف بلاده بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، بتوقيعه الإعلان خلال مؤتمر صحفي عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض. الخطوة الأميركية جاءت لتثير ردود فعل دولية وعربية منددة بالقرار وعدم الاعتراف بالسيادة أو منح الشرعية على أرض أخذت بالقوة العسكرية. أي أن القرار جاء مخالفاً للإجماع الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ومنها قراري مجلس الأمن الدولي رقم 242 لعام 1967 الذي يدعو لانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967، ومنها هضبة الجولان، والقرار 479 لعام 1981 الذي أكد عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة.
جزء من مبررات قرار الرئيس ترمب، حسبما ذكر، أنه لم يأتِ بجديد وأنه إقرار واعتراف بأمر واقع منذ نحو خمسين عاما، وأن الهدف هو محاصرة إيران وحزب الله، بخاصة في ظل انخراطهما العسكري المباشر في الحرب السورية، ومن ثم أصبح الوجود الإيراني بسوريا يمثل تهديداً للأمن الإسرائيلي.
صحيح أن الوضع العسكري في الجولان لم يتغير، لكن المؤكد أن قرار ترمب سيغير بشكل أساسي السياق السياسي في سوريا، ويحمل العديد من التداعيات، ليس على عملية السلام في الشرق الأوسط فحسب، بل سيمتد إلى عموم الوضع الأمني والاستقرار به، والتي حتما ستكون أخطر من الحسابات الضيقة لقرار ترمب، تلك المتعلقة بالانتخابات الإسرائيلية التي سيخوضها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الشهر المقبل، أو الأميركية الرئاسية لعام 2020.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، ما هي تأثيرات القرار الأميركي بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان؟
أول هذه التداعيات عودة الصراع مع إسرائيل إلى واجهة التفاعلات في الشرق الأوسط، فمنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية العربية عام 2011، توارى الاهتمام بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ولم تعد القضية الفلسطينية تحتل مكانة مركزية لدى معظم الدول العربية التي انشغلت بترتيب أوضاعها الداخلية في مواجهة محاولات تفكيك الدولة القومية ومؤسساتها لصالح حسابات إثنية وطائفية وعرقية. الأمر الذي دفع نتنياهو حينها إلى التباهي بأن إسرائيل هي واحة الاستقرار بالمنطقة وأن الصراع مع فلسطين ليس سببا لاضطرابات المنطقة.
من هنا كان قرارا ترمب بشأن نقل السفارة الأميركية للقدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، ثم هضبة الجولان، كفيلين بإعادة العلاقة مع إسرائيل إلى بؤرة الاهتمام، فضلا عن تشجيع التنظيمات الإرهابية كداعش والقاعدة على إذكاء العنف في الشرق الأوسط مدعيّة نصرتها القضايا العربية ومحاربة إسرائيل، وليس أن الأصل هو أن عمل تلك التنظيمات يستهدف تفكيك الدول العربية إلى كيانات أقل.
وبالنسبة إلى إيران، فتمثل هنا السبب والنتيجة لهذا القرار، فالتدخل الإيراني العسكري المباشر في سوريا، سواء عبر قوات "فيلق القدس" أو مقاتلين من حزب الله، وبعض الميليشيات الشيعية العراقية، فضلاً عن تشكيلها ميليشيات شيعية من الأفغان والباكستانيين على غرار فيلقي "زينبون" و"فاطميون" للمحاربة في سوريا، كما لا يخفى محاولات إيران ترسيخ وجودها العسكري في سوريا وبناء قواعد وتمركزات عسكرية، وتوقيع اتفاق أمني مع سوريا لوضع المؤسسات العسكرية المسلحة السورية تحت نفوذها، ودمج الميليشيات التي شكلتها إيران وتمولها وتدربها في تلك الأجهزة.
لذا منذ بدء الحرب السورية أعلنت إسرائيل أن أهم خطوطها الحمراء هو الوجود الإيراني في سوريا وعلى مقربة من الجولان، التي تحولت لنقطة اشتعال للتوترات الإقليمية على مدار سنوات الحرب، واتهمت إسرائيل الحرس الثوري بإطلاق صاروخ موجه إلى أراضيها من الجانب السوري من خط الهدنة، وطالبت إسرائيل التي شنت غارات جوية عديدة، على ما وصفته بالأهداف المدعومة من إيران في سوريا، روسيا بإبقاء القوات المتحالفة مع طهران بعيدا عن الحدود. من هنا كان الوجود الإيراني في سوريا أهم مبررات وذرائع الخطوة الأميركية.
من جهة أخرى، يؤثر القرار على عملية السلام، فحينما سعت إسرائيل للسلام مع الدول العربية استحدثت مبدأ الأرض مقابل السلام، ولطالما أصرت سوريا على عدم الموافقة على اتفاق سلام مع إسرائيل إلا إذا انسحبت من كل مرتفعات الجولان، وكانت هناك محادثات سلام مباشرة برعاية الولايات المتحدة، قد انهارت، وأخرى توسطت فيها تركيا في محادثات غير مباشرة في عام 2008.
ومن ثم فإن الخطوة الأميركية أنهت أي فرص للسلام المحتمل بين سوريا وإسرائيل، أمر آخر هو أن تلك الخطوة تعزز أسباب التحالف بين سوريا وإيران وليس إضعافه. فسوريا حينما شعرت بأنها معرضة لتهديد الجيش الإسرائيلي رأت في التحالف مع إيران وحزب الله وسيلة لتقوية موقفها وأحيانا للتهديد والضغط على إسرائيل والولايات المتحدة. فالعلاقات بين سوريا وايران، رغم وصفها بأنها استراتيجية، لكنها ارتكزت على أساس حسابات التكلفة والمنفعة، فكان يمكن فكّ هذا التحالف بالتفاهم بين سوريا والغرب. أما القرار الأميركي فيحفز عودة محور (سوريا إيران حزب الله)، ورفع شعارات المقاومة بعد أن ساءت صورة هؤلاء الأطراف في ظل الحرب المدمرة في سوريا وإبراز الوجه الطائفي لسياساتهم.
خطوة الرئيس الأميركي بشأن الجولان إنما تعكس تناقضاً واضحا فيما يخص استراتيجيته بالشرق الأوسط، وبخاصة تلك المرتبطة بإيران، ففي الوقت الذي يُحشد فيه دوليا وإقليميا لمواجهة السلوك الإيراني في التدخل في شؤون المنطقة، على غرار إعادة فرض العقوبات وعقد مؤتمر وارسو في فبراير (شباط) الماضي، إلا أن الاعتراف الأميركي له تداعيات سياسية، من الممكن أن تقوّض أي جهود للضغط على إيران التي قد تسعى لإعادة تقديم ذاتها باعتبارها مناصرة للقضايا العربية وتقوي تحالفاتها مع التنظيمات الجهادية في المنطقة بحجة محاربة إسرائيل وليس حماية النظام السوري. أما بالنسبة إلى الفلسطينيين فربما يكون من الصعب عليهم التعامل مع المشاريع الأميركية للسلام إذا كانت كلها أصبحت تنطلق من المنطق الأميركي، وهو التسليم بالأمر الواقع.