Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تغيرات الموقف الأميركي والأوروبي وراء رضوخ تركيا بسحب "عروج ريس"

يأتي قرار أنقرة بإعادة السفينة إلى سواحلها بعد تحذيرات صارمة بفرض عقوبات وتحركات لدعم اليونان وقبرص

تركيا تسحب سفينة المسح الزازالي عروج ريس رضوخا للضغوط الدولية (رويترز)

بعد جولات من التهديدات اليونانية سحبت الحكومة التركية سفينة التنقيب "عروج ريس" من منطقة متنازع عليها في شرق البحر المتوسط، وهي منطقة غنية بمصادر الطاقة، في تحرك لا ينفصل عن تطور الموقف الأوروبي والأميركي من الأزمة التي تصاعدت حدتها خلال الأسابيع الأخيرة الماضية. 

وعقب إعلانه سحب السفينة التي أرسلت في أغسطس (آب) الماضي، لتحديد مواقع التنقيب عن الغاز والنفط المحتملة، استخدم وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، لهجة الكبرياء في تعليقات بُثَّت عبر القنوات الإخبارية التركية، قائلاً "إن عودة السفينة لا تعني أن تركيا رضخت، أو أنها ستتنازل عن حقوقها في البحر المتوسط"، لكن في الوقت نفسه أتى قرار أنقرة بإعادة السفينة إلى سواحلها، حيث أظهر موقعان يتبعان السفن "مارين ترافيك.كوم"، و"فيسيل فايندر.كوم" السفينة "عروج ريس" تبحر بالقرب من ميناء أنطاليا، بعد تحذيرات أوروبية صارمة بفرض عقوبات وتحركات أميركية لدعم قبرص واليونان. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحذير أوروبي 

بدأ تصاعد الأحداث منذ 10 أغسطس عندما أرسلت تركيا سفينة المسح الزلزالي "عروج ريس" إلى منطقة داخل الجرف القاري لليونان، تمهيداً لبدء عمليات التنقيب في المنطقة الغنية بالغاز الطبيعي، وأصدرت إشعاراً بالمعلومات البحرية (نافتكس) يشير إلى القيام بعمليات بحث في المنطقة الواقعة جنوب جزيرة كاستيلوريزو اليونانية، وهو التحرك الذي جاء في أعقاب توقيع مصر واليونان اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية بينهما في السادس من الشهر نفسه، مما يقضي بعدم قانونية الاتفاق المثير للجدل الذي عقده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع حليفه في ليبيا، فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لترسيم الحدود المزعومة بين تركيا وليبيا.

تكثفت من ذلك الحين التحذيرات الأوروبية لتركيا بفرض عقوبات بسبب انتهاكها المياه التي تقع في الجرف القاري لليونان، وتحركات مماثلة سابقة بحق المياه القبرصية؛ فبين يناير (كانون الثاني)، وسبتمبر (أيلول) 2020، تكررت تحذيرات الاتحاد الأوروبي نحو خمس مرات بفرض عقوبات ضد تركيا، لكن الأمر اتخذ منحنى حاداً في 28 أغسطس عندما حذر مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، من احتمال فرض عقوبات جديدة تشمل تدابير اقتصادية واسعة النطاق، ما لم يتم تحقيق تقدم باتجاه خفض التوتر مع اليونان وقبرص في شرق المتوسط. وحذر مجدداً قائلاً "نحن واضحون ومصممون في الدفاع عن مصالح الاتحاد الأوروبي والتضامن مع اليونان وقبرص".

تحركات فرنسية

أثار السلوك التركي أيضاً رد فعل فرنسي صارم، حيث صرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، منتصف أغسطس الماضي، علناً، بدعمه موقف اليونان في التوتر المتزايد مع تركيا، ومنذ يناير الماضي تنشر فرنسا مقاتلات من طراز رافال وفرقاطة في قبرص لإظهار دعمها في مواجهة انتهاكات النظام التركي، وبحلول منتصف أغسطس أرسلت مقاتلتين رافال وسفينتين تابعين للبحرية الفرنسية. 

ووسط لغط عن انتشار عسكري تركي على حدود اليونان مطلع الشهر الحالي، أفادت به وسائل إعلام تركية متحدثة عن انتقال 40 دبابة من الحدود السورية إلى أدرنة في شمال غربي تركيا، بدأ الحديث يتكشف عن صفقة أسلحة فرنسية كبرى لليونان، وهو ما أعلنت الحكومة اليونانية تفاصيله، مطلع الأسبوع الحالي، لتعزيز قدرات الردع العسكرية اليونانية. وكشف رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس عن شراء بلاده 18 طائرة رافال فرنسية وأربع فرقاطات متعددة المهام وأربع طائرات مروحية، إضافة إلى تجنيد 15 ألف جندي وضخ مزيد من التمويل في قطاع صناعتها الدفاعية.

جاء الإعلان عن صفقة الأسلحة بين باريس وأثينا بعد يوم من انتهاء قمة قادة جنوب أوروبا "ميد7" في جزيرة كورسيكا الفرنسية، التي التقى فيها الرئيس الفرنسي وقادة اليونان وإيطاليا وإسبانيا وقبرص والبرتغال ومالطا لبحث سبل الرد على أنشطة التنقيب التركية "غير القانونية" قبالة سواحل اثنتين من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. 

وخلال القمة، الخميس الماضي، وجه ماكرون رسالة صارمة لأردوغان، قائلاً إن تركيا "لم تعد شريكة" للاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط بعد قيامها بعمليات تنقيب "غير مقبولة" في المنطقة القبرصية، وطالب أوروبا بأن تتحدث بصوت "أكثر وحدة ووضوحاً"، وأن تكون أكثر "حزماً" تجاه حكومة الرئيس التركي. وذهب الرئيس الفرنسي إلى تحديد خطوط حمراء للرئيس التركي في تجاوزاته تجاه جيرانه الأوروبيين، أبرزها احترام السيادة الأوروبية.

تغير موقف برلين

التصدي الفرنسي القوي لأردوغان تبعه تضامن أوروبي بعد أشهر من الانقسام في الموقف، حيث كانت ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا قد اتبعت لهجة أكثر ليونة تجاه أنقرة؛ فبحسب الصحافة اليونانية فإن قرار تركيا بعدم تمديد مهمة السفينة لإجراء أنشطة في نطاق 6-12 ميلاً بحرياً من جزيرة كاستيلوريزو ​​اليونانية جاء بعد أن قالت برلين إنه سيكون من الصعب على المجلس الأوروبي عدم إصدار رد صارم تجاه تركيا. ومن المقرر أن ينعقد المجلس الأوروبي الخاص، يومي 24 و25 سبتمبر (أيلول) الحاللي. وبحسب مراقبين أوروبيين لن يكون أمام رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي خيار آخر سوى إعادة تأكيد تضامنهم مع اليونان وقبرص (التضامن الداخلي مبدأ أساسي من مبادئ الاتحاد الأوروبي)، وستعرض مرة أخرى استعدادها الكامل للدخول في حوار صريح مع تركيا، بشرط ألا يتم إجراء هذا الحوار في ظل تهديدات دائمة.

تحركات أميركية ضاغطة

الموقف التركي لا يرتبط بالموقف الأوروبي فحسب؛ إذ يتعلق الانسحاب بتطور الموقف الأميركي، فجزء من الضغط على أنقرة جاء من خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى نيقوسيا، السبت، وهو اليوم الذي كان من المقرر أن يتم فيه تمديد مهمة السفينة التركية، حيث وجه الوزير الأميركي رسالة واضحة لأنقرة منتقداً سياساتها في شرق المتوسط، وأعرب عن القلق العميق لبلاده من عمليات التنقيب التي تقوم بها تركيا في المناطق التي تخضع لسلطة كل من قبرص واليونان. 

وسرعان ما ردت أنقرة على بومبيو، معتبرة أن الولايات المتحدة لا تتخذ موقفاً محايداً بشأن قبرص؛ إذ وقع الوزير الأميركي خلال زيارته لنيقوسيا مذكرة تفاهم لإقامة مركز تدريب. ولم تكن تلك التحركات الأميركية وحدها التي أثارت القلق لدى تركيا؛ إذ أعلنت واشنطن مطلع الشهر، أنها سترفع حظراً فرضته قبل 33 عاماً على تزويد قبرص بالسلاح، وستعزز تعاونها الأمني مع نيقوسيا.

وفي العاشر من يوليو (تموز) الماضي، أعلنت الولايات المتحدة أنها تعتزم إجراء تدريبات عسكرية مع قبرص. وقال بومبيو، آنذاك، إن وزارته ستقوم للمرة الأولى بتمويل تدريبات عسكرية لقبرص كجزء من "علاقتنا الأمنية الآخذة في التوسع". وأفاد في تعليقات للصحافيين بأن "هذا جزء من جهودنا لتعزيز العلاقات مع الشركاء الإقليميين الرئيسين لتعزيز الاستقرار في شرق البحر المتوسط"، وهو ما لاقى انتقادات في أنقرة، التي سارعت إلى الاحتجاج على القرار الأميركي، قائلة عبر وزارة الخارجية "نريد أن نذكر حليفنا الأميركي بأن معاملة شطري الجزيرة على قدم المساواة هو مبدأ من مبادئ الأمم المتحدة"، علماً بأن مشروع التعاون الأميركي لا يتضمن الشطر الشمالي من الجزيرة. 

وتركيا هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعترف بالشطر الشمالي من قبرص كدولة مستقلة، وذلك منذ أن احتلتها عام 1974؛ إذ تنقسم جزيرة قبرص الواقعة في البحر المتوسط بين جمهورية قبرص المعترف بها دولياً، والعضو في الاتحاد الأوروبي في الجنوب، والشمال الذي تعرض للغزو التركي قبل خمسة عقود. 

التخلي عن قاعدة إنجرليك

فضلاً عن موقف الإدارة الأميركية يتردد في دوائر الكونغرس الحديث عن التخلي عن قاعدة إنجرليك الجوية في تركيا، التي تخزن فيها الولايات المتحدة خمسين رأساً نووياً، وتخضع القاعدة لسيطرة من البلدين منذ عام 1955، وهي من أهم الأصول الاستراتيجية لحلف الناتو في المنطقة، وكانت موقعاً مناسباً لتخزين القنابل النووية الأميركية الموجهة ضد الاتحاد السوفياتي، لكن السياسة الخارجية "المقلقة" للرئيس التركي، دفعت المسؤولين الأميركيين إلى تكثيف الاستعداد للانسحاب من قاعدة إنجرليك الجوية، وربما استبدال جزيرة كريت اليونانية بها، والتي تضم بالفعل قاعدة تابعة للبحرية الأميركية، وذلك بحسب سيناتور جمهوري رفيع ومحللين أميركيين تحدثوا قبل يومين لصحيفة "واشنطن إكسماينر" الأميركية. 

وقال السيناتور، رون جونسون، رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية الأوروبية في مجلس الشيوخ بالكونغرس، إن واشنطن عليها أن تستعد للأسوأ في حال اضطرت إلى الخروج من قاعدة إنجرليك في تركيا؛ بسبب السياسة الخارجية للرئيس أردوغان. وأضاف جونسون "نريد الحفاظ على وجودنا كاملاً في تركيا، لكن من موقف دفاعي، فأعتقد أنه يتعين علينا النظر إلى حقيقة أن المسار الذي يسلكه أردوغان ليس جيداً". وأشار إلى أن اليونان قد تكون خيار واشنطن المناسب في حال انسحاب الجيش الأميركي من قاعدة إنجرليك التركية. 

تراجع أنقرة

يبدو أن أنقرة تعلم خطورة موقفها في المنطقة؛ ما دفعها للرضوخ مجدداً للانسحاب والتوقف عن نبرة التهديد؛ إذ إن هذه ليست المرة الأولى التي تتراجع فيها عن التصعيد وتقوم بسحب سفنها؛ ففي نهاية يوليو الماضي، وبعد أشهر من التحذيرات الأوروبية والأميركية لأنقرة من استفزاز أثينا والتهديد الأوروبي بفرض عقوبات، أعلن أردوغان وقف عمليات التنقيب مؤقتاً حتى يتم التفاوض على تلك القضية. وحتى عندما أرسلت السفينة "عروج ريس" أبدت أنقرة نبرة أكثر تهدئة؛ إذ أكدت وزارة خارجيتها أن الوجود العسكري التركي في المنطقة لم يكن مصمماً لتصعيد التوترات، وكان لأغراض دفاعية فقط إذا لزم الأمر. وفي خطاب تلفزيوني، في اليوم نفسه لإرسال السفينة، دعا الرئيس التركي إلى الحوار قائلاً "دعونا نجتمع جميعاً كدول متوسطية، نجد صيغة تحمي جميع حقوقنا"، مضيفاً "لا يمكننا السماح (للدول) بتجاهل دولة كبيرة مثل تركيا ومحاولة حبسنا وراء شواطئنا".

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة