Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلى أي مدى يحتاج العالم الأمم المتحدة بعد 75 عاماً من تأسيسها؟

ماضي المنظمة الدولية في الميزان ومستقبلها غامض ودعوات للعمل خارجها

الأمم المتحدة توفر ساحة للحوار والنقاش والتفاهم بين حكومات الدول المختلفة (رويترز)

بعد نحو أسبوع من الآن، تحتفل الأمم المتحدة بالذكرى 75 لتأسيسها في اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة 21 سبتمبر (أيلول) الحالي بمشاركة عدد من قادة الدول عبر الإنترنت، إذ من المقرر أن تتبنى إعلاناً دولياً يؤكد الالتزام الجماعي بمبدأ التعددية تحت عنوان "المستقبل الذي نريد والأمم المتحدة التي نحتاجها". وعلى الرغم من إقرار هذا الإعلان مبدئياً بالإجماع في يوليو (تموز) الماضي بعد عدد من الإضافات والتعديلات، فإن كثيرين حول العالم باتوا ينظرون بقلق تجاه مستقبل المنظمة الدولية، فما المستقبل الذي ينتظر الأمم المتحدة في ظل الصعوبات التي تواجه محاولات إصلاحها، وإلى أي مدى يحتاجها العالم وسط الاستقطابات والتوترات الدولية المختلفة وبوادر الحروب التجارية، وهل نجحت المنظمة الدولية في تحقيق الأهداف التي تأسست من أجلها عقب الحرب العالمية الثانية؟

75 عاماً في الميزان

ومع بلوغ الأمم المتحدة عامها 75، نجح وباء كوفيد-19 في منع قادة العالم من التجمع في مدينة نيويورك للاحتفال بهذه المناسبة وحضور الاجتماع السنوي للجمعية العامة لأول مرة في تاريخ المنظمة الدولية، ويرتكز جدول أعمال هذا العام على موضوع التعددية وقضايا أخرى تشمل الاستجابة العالمية لوباء كورونا والتنمية المستدامة وتغير المناخ والتنوع البيولوجي ونزع السلاح النووي.

غير أن الوباء في حد ذاته يدل من وجهة نظر البعض على عدم كفاءة الأمم المتحدة، وضعف قدرتها على تنظيم وإدارة التعاون الدولي الذي يحتاجه العالم بشكل عاجل، فقد أخفقت الأمم المتحدة كثيراً في تحقيق أهدافها التي نص عليها ميثاقها والمتمثلة في "الحفاظ على السلم والأمن الدوليين"، و"تطوير العلاقات الودية بين الدول" و"تحقيق التعاون بين الأقطار في حل المشكلات الدولية".

ولعل وباء كورونا كشف بشكل أكثر وضوحاً ما كان معروفاً على استحياء من قبل، ذلك أن مجلس الأمن، الأكثر أهمية في منظومة الأمم المتحدة، نأى بنفسه إلى حد كبير عن مواجهة الوباء، بعد ما منعت الصين أي دور مهم للهيئة التنفيذية للأمم المتحدة خشية تعرضها لانتقادات بسبب سوء تعاملها الأولي مع تفشي المرض والخشية من تحميلها مسؤولية العواقب.

وهكذا تقاعست منظمة الصحة العالمية عن القيام بدور مُبكر وفاعل لها في الصين، بينما تعرضت منظمة الصحة ذاتها لمزيد من الضعف بسبب قرار الولايات المتحدة الانسحاب منها، ونتيجة لذلك أصبحت القوى العظمى تحصل من الأمم المتحدة على ما تريد، ولم تعُد المنظمة الدولية هي تلك التي يحتاجها العالم.

تقاعس متكرر

ولا يُعد شيء من ذلك التقاعس أمراً جديداً على الساحة العالمية، حسب ما يقول ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية، وهو مركز بحث وتفكير رائد في العاصمة الأميركية، فخلال أربعة عقود من الحرب الباردة، كانت الأمم المتحدة ساحة للصراع والتنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وصحيح أن الحرب الباردة لم تصبح حرباً حقيقية ساخنة، كما حدث خلال صراع القوى العظمى في حربين عالميتين مريرتين خلال النصف الأول من القرن الـ20، إلا أن السبب لم يكن بفضل قوة وحكمة الأمم المتحدة ولكن بسبب الردع النووي وتوازن القوى الذي فرض حذراً شديداً في السلوك الأميركي والسوفياتي.

وحتى عندما تدخلت الأمم المتحدة لأول مرة في تاريخها للحفاظ على السلام الدولي من خلال تشكيل قوة دولية لرد الهجوم الكوري الشمالي ضد كوريا الجنوبية، فإنها في حقيقة الأمر، لم تستطع ذلك سوى لأن الاتحاد السوفياتي قاطع التصويت في مجلس الأمن بسبب رغبة الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين في توريط الأميركيين في الحرب حسب ما تشير وثائق دبلوماسية كُشف عنها عام 2005.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الاستثناء الوحيد

وتعلقت آمال كبيرة في أن تلعب الأمم المتحدة دوراً أكبر في أعقاب الحرب الباردة، حين بدأ المتفائلون في حالة دفاع عن النظام الدولي عام 1990 عندما اجتمعت دول العالم عبر الأمم المتحدة لمواجهة وهزيمة غزو الرئيس العراقي صدام حسين واحتلاله الكويت ولكن مع الأسف، أثبتت حرب الخليج أنها الاستثناء الوحيد لأسباب تتعلق بالنظام الدولي آنذاك، فقد كانت العلاقات جيدة نسبياً بين الولايات المتحدة وكل من الصين والاتحاد السوفياتي الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة وقتذاك، ولم يكن صدام حسين محبوباً بعد ما انتهك عدوانه، قاعدة دولية أساسية هي عدم شرعية تغيير الحدود بالقوة.

ومنذ ذلك الوقت، لم تتكرر هذه الظروف، فقد تدهورت علاقات القوى الكبرى بشكل كبير، وأصبحت الأمم المتحدة منقطعة الصلة بما يجري بشكل متزايد، ففي حرب البلقان منعت روسيا التي ورثت مقعد الاتحاد السوفياتي في مجلس الأمن، أي عمل موحد تحت مظلة الأمم المتحدة لوقف إراقة الدماء في البلقان، كما أدى الفيتو الروسي إلى منع أي تحرك للأمم المتحدة عندما ضمت موسكو شبه جزيرة القرم إلى روسيا بشكل غير قانوني عام 2014.

جوانب أخرى من الفشل

وبعيداً عن الحروب، فشلت الأمم المتحدة أيضاً في منع الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، وبعد نحو عقد من الزمن، تعهدت الجمعية العامة بعدم السماح بحدوث ذلك مرة أخرى، وبأن العالم يتحمل مسؤولية الحماية والتدخل، عندما تكون الحكومة غير قادرة أو غير راغبة في حماية مواطنيها من العنف واسع النطاق.

وفي السنوات الأخيرة، عجز النظام الدولي عن تفعيل آلياته الجماعية لوقف صراعات داخلية وحروب دموية أزهقت أرواح مئات الآلاف في سوريا وليبيا وغيرهما من المناطق الملتهبة حول العالم.

مزايا الأمم المتحدة

غير أن ذلك لا يعني أن الأمم المتحدة عديمة الفائدة، فهي توفر ساحة للحوار والنقاش والتفاهم بين حكومات الدول المختلفة، سواء كان ذلك لتجنب الأزمات المشتعلة أو بهدف تهدئتها، كما أن الوكالات التابعة للأمم المتحدة، أسهمت إلى حد بعيد في دفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أرجاء مختلفة من العالم، ونسقت المنظمة الدولية كثيراً من الترتيبات المتعلقة بالاتصالات السلكية واللاسلكية وعملت على مراقبة المنشآت النووية للدول، فضلاً عن إرسال بعثات تابعة لها من أجل حفظ السلام والحفاظ على النظام في العديد من البلدان.

لكن الأمم المتحدة خيبت الآمال بشكل عام، بسبب التنافس والصراع المتواصل بين القوى العظمى وإحجام الدول الأعضاء عن التنازل عن بعض جوانب حريتها في التصرف والعمل داخل نطاق جماعي تعددي، كما لم تساعد أوجه القصور داخل المنظمة الدولية في إصلاح نظام يدلل كثيراً من الأشخاص ويضعهم في مناصب مهمة لأسباب أخرى غير الكفاءة، فضلاً عن انعدام المساءلة والنفاق المتفشي في المنظمة.

كورونا كشف الكثير

ولعل أزمة وباء كوفيد-19 هي ما أظهرت التناقض الهائل بين حجم التحديات التي يواجهها العالم في ملفات مثل الصحة العامة وتغير المناخ والأمن والاستقرار المالي والفقر والتنمية والإرهاب، وضعف الحوكمة العالمية.

فقد كانت الفجوة واضحة حتى قبل انتشار الوباء، لكنها أصبحت أكثر وضوحاً أوائل عام 2020، حيث لم يعد ممكناً الدفاع ببساطة عن الإرث المتعدد الأطراف الذي لم يعد خياراً جيداً لعلاج مشكلات المستقبل، ولهذا يرى ماريو تيلو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بروكسل أن هناك أهمية بالغة كي توفر هذه الأزمة غير المسبوقة فرصة لتعبئة الجهود الدولية من أجل تعددية جديدة، وأن الشرط المسبق لهذه "التعددية الجديدة" هو الإصلاح الواقعي للإطار المؤسسي للمنظمة الدولية.

هل من إصلاح؟

لكن التحالف الجديد متعدد الأطراف الذي تدعمه دول الاتحاد الأوروبي، ويحمله برنامج إصلاح الأمم المتحدة لأنطونيو غوتيريش، يتعرض للخطر بسبب عودة التنافس بين القوى العظمى، فمن حيث الواقع، تتصارع جهات فاعلة تدافع عن الوضع الراهن ومنطق القوة، ولا تقبل سوى بالحد الأدنى من التعديلات المقترحة، بينما على الجانب الآخر تقف مشاريع حالمة عدة ترغب في إعادة تشكيل الأمم المتحدة بشكل جذري على أساس ميثاق جديد للمنظمة الدولية.

ووفقاً للمادة 108 من ميثاق الأمم المتحدة، فإن إجراء تعديلات على معاهدة المنظمة الدولية تعد مسألة صعبة للغاية، لأنها تتطلب موافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتصديق ثلثي أعضاء المنظمة بما في ذلك جميع الدول الخمس الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن، والتي يختلف بعضها البعض في كل شيء، ولكنها تتفق في استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي إصلاح للمعاهدة.

مجلس الأمن والجمعية العامة

ويرى مراقبون أن الإصلاح الجوهري للأمم المتحدة ليس خياراً واقعياً، إذ إن تغيير تشكيل مجلس الأمن كي يعكس توزيع القوة في العصر الحالي، سوف يصب إن تحقق في صالح بعض البلدان ولكنه سيضر بدول أخرى، وليس من المستغرب أن أولئك الذين سيخسرون موقعاً لهم في مجلس الأمن الجديد يمكنهم عملياً منع أي تغيير يُذكر.

أما الجمعية العامة التي تعد الأكثر ديمقراطية وتمثيلاً لهياكل الأمم المتحدة، فإنها بلا أنياب ولهذا هي غير فعالة إلى حد ما، إلا في المنازلات المعنوية إذ يكون التسابق على جمع الأصوات حينما يكون لكل دولة صوت واحد بالتساوي مع أي دولة أخرى، بغض النظر عن حجمها أو عدد سكانها أو ثروتها أو قوتها العسكرية.

ويقول العديد من الخبراء في الأمم المتحدة والدول المانحة الرئيسة، إن الجمعية العامة تحتاج أيضاً للإصلاح، وتركز الجهود المبذولة لتنشيط عمل الجمعية على زيادة سلطتها في مواجهة مجلس الأمن، بما يجعل عملية تعيين المديرين التنفيذيين للأمم المتحدة أكثر شفافية، وتحسين جودة النقاش داخل الهيئة، لكن الجمعية استمرت في مقاومة الإصلاحات العميقة، مما يعكس الخلاف بين العديد من أعضائها من العالم النامي، الذين يريدون الاحتفاظ بصوت قوي في المداولات، والدول الغنية التي تمثل الدول الداعمة الرئيسة للأمم المتحدة من الناحية المادية.

تعاون خارج المنظمة

وما يجعل الأزمة الحالية التي يمر بها العالم كبيرة، هو أن الحاجة إلى التعاون الدولي أصبحت ملحة أكثر من ذي قبل، حسب ما يقول ريتشارد هاس مدير إدارة التخطيط السياسي السابق في وزارة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، وهو يحذر من أن العالم لا يواجه فقط إحياء التنافس والصراع بين القوى العظمى، وإنما يواجه أيضاً تحديات عالمية متعددة، من الأوبئة وتغير المناخ إلى الانتشار النووي والإرهاب، وهي جميعاً تحديات لا تستطيع دولة واحدة مواجهتها.

ويضيف أنه على الرغم مما تواجهه الأمم المتحدة من صعوبات، فإن هناك بدائل أخرى متاحة مثل مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى أو مجموعة دول الـ20 التي تضم أكبر 20 اقتصاداً في العالم، حيث يمكن لها أن تجتمع معاً لمواجهة تحديات إقليمية وعالمية محددة، خصوصاً وأن ملامح هذا التعاون تظهر عملياً الآن في تحديد السياسات التجارية وجهود الحد من التسلح، وقد يمتد إلى التعاون في العمل المناخي وفي وضع معايير للسلوك في الفضاء الإلكتروني.

وبينما تثار قضية التعددية والحوكمة العالمية بشكل أقوى من أي وقت مضى، إلا أن معالجتها يجب أن تتم إلى حد كبير خارج إطار الأمم المتحدة وفقاً لرأي هاس.

المزيد من تحلیل