Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يغامر جونسون بالتخلي عن الشريك التجاري الأوروبي الأكبر لبلاده؟

394 مليار دولار إجمالي الصادرات البريطانية للاتحاد وسط مخاوف من تعثر بريكست

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون  (أ ف ب)

بالنظر إلى أرقام التصدير البريطانية مع شركائها التجاريين، سنجد أن إجمالي الصادرات البريطانية للاتحاد الأوروبي سجلت ما قيمته 300 مليار جنيه إسترليني (394 مليار دولار أميركي)، أي ما يمثل 43 في المئة من إجمالي صادرات البلاد، في حين بلغت واردات المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي 372 مليار جنيه إسترليني (488.6 مليار دولار)، أي حوالى 51 في المئة من جميع واردات المملكة بحسب إحصاءات الموقع الرسمي لمجلس العموم البريطاني، مقارنة بإجمالي الصادرات البريطانية للولايات المتحدة في العام نفسه، التي سجلت ما قيمته 161.5 مليار دولار، مما يثير الدهشة حيال الاهتمام الكبير الذي يوليه رئيس الوزراء البريطاني  بوريس جونسون، لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة مع واشنطن، في وقت تتعثر فيه مباحثاته مع الشريك الأوروبي الأكبر والأهم للبلاد.

وحذر جونسون منذ أيام من أن لندن سوف تنسحب من المباحثات مع بروكسل ما لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول منتصف أكتوبر (تشرين الأول)، بينما اتخذت المفوضية الأوروبية موقفاً متشدداً تجاه التهديد البريطاني على لسان رئيستها أورزولا فون دير لاين، التي دعت الحكومة البريطانية إلى ضرورة الالتزام باتفاق الانسحاب من الاتحاد.

جونسون صرح أخيراً بأن حكومته تستهدف تاريخ الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني) للتوصل لتوقيع اتفاقية التجارة مع الولايات المتحدة، وهو الشهر الذي يشهد أيضاً انطلاقة الانتخابات الأميركية، التي يطمح خلالها ترمب للفوز بولاية رئاسية ثانية، ويعول في سياسته الخارجية على شركائه في العالم من أجل عقد اتفاقيات تنشط الشركات الأميركية واقتصاد البلاد التي ركعها وباء كورونا مما يعزز حظوظ الرئيس بالفوز، على الرغم من أن أولويات الناخب الأميركي تنحصر في مطالب داخلية وقد لا تكون الإنجازات الخارجية محط اهتمام كبير بالنسبة إليهم.

ولا يمكن التنبؤ إن كان ترمب سيفوز بولاية رئاسية ثانية وهو الحليف المقرب لبريطانيا والصديق لجونسون الذي تخلى عن هواوي ومشاركتها في بناء الجيل الخامس بالبلاد إرضاء للرئيس الأميركي في حربه الشعواء ضد الصين. ولكن ماذا لو فاز جو بايدن بالانتخابات الأميركية المقبلة وهو من قال في 2016 إن المملكة المتحدة ستكون "بمؤخرة قائمة الانتظار" لصفقة تجارية مع الولايات المتحدة.

وستعود المملكة المتحدة والولايات المتحدة لطاولة المفاوضات قريباً بعد جولة مفاوضات ثالثة لاتفاقية التجارة الحرة انعقدت في الفترة 27 يوليو (تموز) إلى السابع من أغسطس (آب) 2020، كان التركيز فيها يتمحور حول قواعد المنشأ.

ربما يسعى رئيس الوزراء البريطاني للضغط على الاتحاد الأوروبي عبر البوابة الأميركية من خلال توقيع اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة والضغط على الأوروبيين للإذعان للمطالب البريطانية. ولكن العدد الأكبر من المحللين يجمعون على أن جونسون يغامر بالتضحية بأكبر شريك تجاري للبلاد وهو الاتحاد الأوروبي لصالح الولايات المتحدة في غياب ضمانات واعدة من بايدن المنافس الشرس لترمب في الانتخابات المقبلة. إلى جانب أن هناك الكثير من الملفات التجارية العالقة بين البلدين، التي قد تحتاج لسنوات طويلة من المفاوضات.

المعايير الزراعية وتصدير الأدوية جوهر الخلاف

وبدأت المفاوضات التجارية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة رسمياً في الخامس من مايو (أيار) 2020 قبل المفاوضات، وحدد الطرفان أهدافهما التفاوضية. ولطالما تم الجدل حول اتفاقية التجارة الحرة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة باعتبارها واحدة من الفوائد الرئيسة لانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.

في مارس (آذار) 2020، نشرت وزارة التجارة الدولية بالمملكة المتحدة ورقة سياسات تحدد نهج المملكة المتحدة في المفاوضات التجارية مع الولايات المتحدة "أهداف المملكة المتحدة"، وعلى الرغم من وجود أرضية مشتركة مهمة بين مواقف البلدين، ولكن يبقى هناك احتمال حدوث توتر كبير، لا سيما حول قضايا مثل المعايير الزراعية وتصدير الأدوية. بالإضافة إلى ذلك ستحتاج المملكة المتحدة إلى الموازنة بين مطالب الولايات المتحدة لتقليل الحواجز التنظيمية والحاجة إلى الحفاظ على درجة من التوافق مع قانون الاتحاد الأوروبي من أجل تأمين الوصول المستمر إلى أسواق الاتحاد الأوروبي.

الانتخابات الأميركية ومفاوضات التجارة الحرة

وبحسب تقرير لـ "نورتن روز فولبرايت"، الشركة العالمية للاستشارات القانونية، قد يكون للانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة تأثير كبير في مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة. بينما أظهرت إدارة دونالد ترمب حرصها على التفاوض بشأن اتفاقية تجارة حرة بين البلدين، وقد يكون للإدارة بقيادة المرشح الديمقراطي جو بايدن أولويات أخرى. ويجب أن نتذكر أن الرئيس باراك أوباما، الذي كان بايدن نائبه، قد حذر قبل استفتاء عام 2016 من أن المملكة المتحدة ستكون "في مؤخرة قائمة الانتظار" لصفقة تجارية مع الولايات المتحدة.

ومن المحتمل أن يرى بايدن الحاجة إلى رعاية العلاقة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد يقرر عدم إعطاء الأولوية للتفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة مع المملكة المتحدة ويقرر إحياء المناقشات مع الاتحاد الأوروبي بشأن شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلس. وقد يؤثر تكوين مجلس النواب ومجلس الشيوخ بعد انتخابات 2020 أيضاً على المفاوضات بين البلدين من خلال دورها في الموافقة على اتفاقية التجارة الحرة الناتجة أو رفضها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ساحة المعركة الحقيقية في حل الاختلافات بالمعايير التنظيمية

وتهدف الحكومة البريطانية إلى تأمين تحرير واسع النطاق للتعريفات على أساس المنفعة المتبادلة، مع مراعاة حساسيات المنتجات بالمملكة المتحدة، وتأمين الوصول الشامل للسلع الصناعية والزراعية في المملكة المتحدة إلى السوق الأميركية من خلال خفض التعريفات الجمركية أو إلغائها. في المقابل، تسعى حكومة الولايات المتحدة إلى تأمين وصول شامل للأسواق المعفاة من الرسوم الجمركية للسلع الصناعية الأميركية وتعزيز الضوابط لمعالجة الحواجز غير الجمركية التي تقيّد صادراتها، والوصول الشامل إلى الأسواق للسلع الزراعية الأميركية بالمملكة المتحدة عن طريق خفض التعريفات الجمركية أو إلغائها.

ويبدو أن تحرير التعريفات هو مجال لن يجد فيه المفاوضون البريطانيون والأميركيون صعوبة كبيرة في التوصل إلى اتفاق. في الواقع، يخضع العديد من السلع المتداولة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة بالفعل لمعدلات تعريفة منخفضة نسبياً، على الرغم من تطبيق معدلات تعريفة عالية على سلع معينة (مثل الأطعمة والمشروبات). وساحة المعركة الحقيقية في حل الاختلافات بالمعايير التنظيمية من أجل تمكين الوصول إلى الأسواق.

تصدير خدمات المملكة المتحدة والمنافسة العادلة

ومن المرجح أن تركز حكومة جونسون في مفاوضات التجارة الحرة مع الجانب الأميركي وبشكل كبير على تأمين ظروف تجارية مواتية لتصدير خدمات المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة نظراً للأهمية الاستراتيجية لقطاع الخدمات في اقتصاد المملكة المتحدة. وتتمثل أهداف بريطانيا في تأمين التزامات طموحة من الولايات المتحدة بشأن الوصول إلى الأسواق والمنافسة العادلة لمصدري الخدمات في المملكة المتحدة، والاتفاق على القواعد الأفضل في فئتها لجميع قطاعات الخدمات، بالإضافة إلى القواعد الخاصة بكل قطاع لدعم صناعة الخدمات بالمملكة المتحدة.

وحددت حكومة الولايات المتحدة هدفاً مشابهاً لتأمين الالتزامات من المملكة المتحدة لتوفير شروط عادلة ومفتوحة لتجارة الخدمات، بما في ذلك القواعد التي تنطبق على جميع قطاعات الخدمات. وتذهب أهداف الولايات المتحدة إلى أبعد من ذلك من خلال تحديد أنواع القواعد التي يجب إزالتها، مثل تلك التي تحظر التمييز ضد موردي الخدمات الأجانب، والقيود المفروضة على عدد موردي الخدمات في السوق، والمتطلبات التي يضعها موردو الخدمات عبر الحدود الوجود المحلي.

وفي ما يتعلق بالشفافية التنظيمية، تهدف الحكومة البريطانية إلى ضمان اليقين لمصدري الخدمات بالبلاد في استمرار وصولهم إلى السوق الأميركية والشفافية في تنظيم الخدمات الأميركية، وهو ما ينعكس في هدف حكومة الولايات المتحدة لتحسين الشفافية وإمكانية التنبؤ بالإجراءات التنظيمية في المملكة المتحدة.

أميركا تصرّ على تطوير قواعد المنشأ

وتسعى حكومة جونسون، أيضاً إلى تطوير قواعد منشأ بسيطة وحديثة تعكس متطلبات الصناعة بالمملكة المتحدة، وتضع في الاعتبار سلاسل التوريد الحالية والمستقبلية المدعومة بترتيبات إدارية منخفضة التكلفة ويمكن التنبؤ بها. وتعتبر حكومة الولايات المتحدة أنه يجب تطوير قواعد المنشأ التي تضمن أن فوائد اتفاقية التجارة الحرة تذهب إلى المنتجات المصنوعة بالفعل في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إلى جانب إجراءات المنشأ التي تبسط عملية التصديق والتحقق من القواعد.

وهذه منطقة من المرجح أن تؤسس فيها المملكة المتحدة والولايات المتحدة أرضية مشتركة حيث كان من الصعب في مفاوضات شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي، وتعتبر حكومة الولايات المتحدة أن قواعد الاتحاد الأوروبي الخاصة بتوسيم المنشأ للمنتجات ستضع مطالب غير واقعية على السلع الأميركية، وبالتالي كانت عقبة في المفاوضات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومن المرجح أن تتخذ المملكة المتحدة نهجاً أكثر مرونة من شأنه أن يساعد في تمهيد الطريق لاتفاق بشأن السلع.

أميركا وانتزاع ضمانات بشأن تدابير الخدمات المالية

وتسعى حكومة ترمب، أيضاً إلى الحصول على التزامات لضمان امتناع المملكة المتحدة عن فرض تدابير في قطاع الخدمات المالية تقيد تدفقات البيانات عبر الحدود أو التي تتطلب استخدام أو تركيب مرافق الحوسبة المحلية. ويتمثل طموح الحكومة البريطانية في تضمين أحكام تسهل التدفق الحر للبيانات، مع ضمان الحفاظ على المعايير العالية لحماية البيانات الشخصية في المملكة المتحدة.

في الواقع، سيكون هذا مهماً بشكل خاص للمملكة المتحدة للحفاظ على وصولها إلى الأسواق المالية للاتحاد الأوروبي، الأمر الذي قد يتطلب التزامات حول التطبيق المستمر للأحكام المتعلقة بنقل البيانات عبر الحدود بموجب اللائحة العامة لحماية البيانات. وتمتلك الولايات المتحدة حالياً درع خصوصية يمكن استخدامه كنموذج لتسهيل نقل البيانات الشخصية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة. ومن غير المحتمل أن تكون حماية البيانات حجر عثرة أمام المفاوضات بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة على الرغم من أنها ستكون بالتأكيد مشكلة فنية مهمة يجب إيجاد حل لها.

وخلص تقرير شركة "نورتون روس"، إلى القول إنه وعلى الرغم من أنه من غير الواضح كيف ستتقدم المفاوضات وما قد تبدو عليه اتفاقية التجارة الحرة المحتملة، فمن المحتمل أن تكون هناك فرص كبيرة للشركات على جانبي المحيط الأطلسي لتعميق عملياتها في المملكة المتحدة والولايات المتحدة على التوالي. وقد تأتي ترتيبات الوصول إلى الأسواق للسلع والخدمات بالإضافة إلى الاستثمار بتكاليف وعقبات إدارية أقل، مما يجعل ممارسة الأعمال التجارية بين البلدين أسهل. لذلك من المهم أن تفهم الشركات التأثير الذي ستحدثه العلاقة التجارية المستقبلية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة في عملياتها من أجل الاستفادة من فرص السوق المحتملة.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد