Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريكست وهم منذ البداية وحقائقه شرعت في التكشف

خلال فترة كالحة امتدت أكثر من أربع سنوات، سرت تكهنات واقتراحات شبه مستمرة بأن "الشعب لم يعرف على ماذا كان يصوّت"

الآن بات غياب الاتفاق اتفاقاً...اتفاق غياب الاتفاق (رويترز)

إن الحقيقة بقعة عنيدة. ويمكنكم وضع سجادة من الأكاذيب فوقها، لكنها لا تختفي أبداً. ويمكنكم ملء غرفة بدخان الخيال، لكن الحقيقة تظل في الغرفة حيث يحصل كل شيء. ومنذ اليوم الأول، شكل بريكست أكذوبة، وربما نصل الآن إلى مرحلة ينقشع فيها الدخان، أخيراً.

في أبريل (نيسان) 2016، وقف مايكل غوف فعلاً وراء منبر في مكاتب حملة "التصويت بالخروج" وقال الكلمات التالية، "ثمة منطقة للتجارة الحرة تمتد من أيسلندا إلى تركيا تملك الدول الأوروبية كلها وصولاً إليها، بغض النظر عما إذا كانت دولاً أعضاء في منطقة اليورو أو الاتحاد الأوروبي. وبعد أن نصوت بالخروج، سنبقى في هذه المنطقة. وليس الاقتراح القائل بأن البوسنة وصربيا وألبانيا وأوكرانيا ستبقى جزءاً من منطقة التجارة الحرة هذه، وتكون خارجها بريطانيا وبيلاروسيا وحدهما، بقابلٍ للتصديق على غرار القول بأن جون كلود يونكر [رئيس المفوضية الأوروبية آنذاك] سينضم إلى "حزب استقلال المملكة المتحدة [المناهض للاتحاد الأوروبي]".

من الصعب بالطبع أن نعرف مدى حقيقة التهديدات التي تصدر حالياً عن مكتب رئيس الوزراء، بنسف اتفاقية الخروج، والسعي إلى خروج من دون اتفاق، والتراجع عن التزاماتنا في الاتفاقيات الدولية. فقد شهدنا الأمر سابقاً، ولم يكن تعليق عمل البرلمان سوى أحد الأمثلة عنه. فهذه اللحظات المرهقة، المفترض أنها حامية، هي النتيجة المأساوية لحكومة يديرها رجل غير ناضج (الرجل غير الناضج المقصود هنا هو دومينيك كامينغز، على الرغم من وجود عدد كبير ممن ينطبق عليهم الوصف).

وربما لا يزال ممكناً التوصل إلى اتفاقية للتجارة الحرة ضمن المهلة، فتُبرر، أخيراً، هذه الفقرة الصغيرة من كلام مايكل غوف. لكن كلماته التالية لا يمكن تبريرها.

إذ أضاف، "بوصفنا جزءاً من منطقة التجارة الحرة تلك، سنملك وصولاً كاملاً إلى السوق الأوروبية، لكننا سنكون متحررين من التشريعات الأوروبية".

ولا تلزم قوة الإدراك المتأخر للإشارة إلى أن هذا الكلام عبارة عن نفايات خالصة. فقد أشار إلى ذلك وقتئذ خبراء التدقيق في الوقائع لدى "هيئة الإذاعة البريطانية" وغيرهم. وهذا كلام مضحك تماماً، لكن وفق هذه الأكاذيب جرى قبول بريكست وتسويقه.

في المقابل، يتطلب الحفاظ على هذه الأكاذيب إضافة مزيد من الأكاذيب إليها. ففي سبتمبر (أيلول) الماضي، ذهب بوريس جونسون إلى دبلن، ووقف إلى جانب ليو فارادكار، ووصف إمكانية الوصول إلى بريكست من دون اتفاق بأنها "فشل للعمل السياسي".

والآن، مع تزايد تهديداته بعدم التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي صخباً (أي تهديده بإطلاق النار على رأسه وترك الأوروبيين ملطخين بالنتائج)، تبرز نغمة جديدة.

إذ يُوصَف بريكست من دون اتفاق بأنه اتفاق على الطريقة الأسترالية، على الرغم من أن ذلك يصف الغياب الكامل لأي نوع من الاتفاقات على الإطلاق. ونال ذلك دعماً من رئيس الوزراء عبر الكلمات التالية، "أريد أن أكون واضحاً في شكل مطلق، كما قلنا منذ البداية تماماً، سيكون ذلك نتيجة جيدة للمملكة المتحدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

والواضح في شكل مطلق أن هذا، من دون شك، عبارة عن دليل بـمئة في المئة وأكذوبة من عيار 24 قيراطاً. فما كان يوماً "فشلاً للعمل السياسي" كان دائماً في الواقع "نتيجة جيدة". وهذه أكذوبة كبيرة إلى درجة أنها تأتي مع الإضافات الخاصة بها. وهذه أكذوبة بحجم حوت أحدب ضخم يجب أن تسبح حوله أكاذيب أخرى أصغر حجماً كي تبقيه نظيفاً. واستطراداً، توجب على مات هانكوك أن يظهر على الراديو ويقول، "سنغادر مع اتفاق، لكن السؤال هو أي اتفاق".

والآن بات غياب الاتفاق اتفاقاً. اتفاق غياب الاتفاق. لكن الأمر ليس كذلك. وهو يعرف ذلك، ويعرف أيضاً أن الجميع سيعرفونه في نهاية المطاف.

وتذكيراً، خلال فترة طويلة وكالحة امتدت أربع سنوات ونصف السنة، سرت تكهنات ومقترحات شبه مستمرة بأن "الشعب لم يعرف على ماذا كان يصوت". ولم يكن ذلك الموقف الأكثر إقناعاً بين المواقف. إذ تشكل المناسبات الانتخابية أدوات جافة. وعشرات الملايين من الناس الذين يصوتون فيها قد لا يكونون مواكبين تماماً للتفاصيل الخاصة بالمناسبة نفسها. وهذا ليس أساساً للسعي إلى زعزعة النتيجة أو إبطالها.

ولا يستطيع أي منا أن يعرف الدوافع الفردية وراء عشرات الملايين من الأصوات. وكون ذلك النوع من بريكست الذي يبدو أنه يقترب على الأرجح، لا علاقة له على الإطلاق بأي شيء جرى الوعد به يوماً؛ لا يهم كثيراً على ما يبدو أغلبية الذين صوتوا لصالحه وقد يكررون تصويتهم.

وذلك النوع من بريكست الذي يبدو أننا نقترب بسرعة من الحصول عليه، نوع يطلق يد دومينيك كامينغز في استثمار كميات ضخمة من المال العام في شركات تكنولوجية ناشئة محفوفة بالخطر؛ ويشكل ذلك كل الهدف من بريكست كل الوقت. وهذا، للإنصاف، كان معروفاً جيداً آنذاك. وفي المقابل، إذا شكل ذلك الهدف النهائي كل الوقت، فقد زعزعته إلى حد غير قليل الجهود الاستثنائية التي بذلها كامينغز للتأكد من أن خوض المعركة وفق هذه الشروط، بل وفق أكاذيب مثيرة عمداً حول هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" والهجرة التركية.

ويتمثل الهدف من كل ذلك في خدمة الموقف العُصابي الخاص للسيد كامينغز، المستقى من سنوات طويلة أمضاها على الإنترنت؛ والقائل بأن البلدان المتقدمة في الثورة الصناعية الرابعة ستتمكن وحدها في المستقبل من تشكيل المستقبل.

لا أدعي خبرة في حكمته، باستثناء الإشارة إلى أن فرنسا وألمانيا مثلاً، لم تتوصلا إلى استنتاج مفاده بأن أملهما الوحيد للاستمرار في عالم الغد يتمثل في مغادرة الاتحاد الأوروبي وإعادة تأسيس نفسيهما في مجال الشركات التكنولوجية الناشئة.

وقد تكون جائحة فيروس كورونا والنجاح الذي حققته حكومات مختلفة حول العالم في تخفيف آثاره، جرعة من كافيين القهوة للنظر على الأقل في مدى صلاحية بريكست لأن يشكل دليلاً على كون المملكة المتحدة أكثر دهاء من البلدان الأخرى كلها.

ولم يظهر الأمر على هذا النحو دائماً. ولو صح ذلك، لما تطلب هذا الكم الكبير من الأكاذيب لتمكينه.

© The Independent

المزيد من آراء