Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اليوم الدولي لمحو الأمية يسلط الضوء على أثر الوباء وتضاؤل حلم الجودة

العالم يحيي المناسبة وهو مشتت بين الجائحة الشرسة وأنظمة تعليم كانت تعاني الضعف والجمود أضيف إليها الإغلاق

الوباء يفتت جهود العالم في محو الأمية الأبجدية (أ ف ب)

من كان يتصور أن يحل اليوم الدولي لمحو الأمية في العقد الثاني من الألفية الثالثة، والعالم ينظر إلى الأمية الأبجدية بعين ملؤها التخوف والتوجس والتشكك؟ ومن كان يتوقع أن يحتفي العالم بهذا اليوم في 2020 وهو يقدم رجلاً ويؤخر أخرى خجلاً أو خوفاً مما سيصل إلى مسامعه من نسب مئوية تشير إلى أن ما بدا أنه حلم قريب المنال قبل أشهر، أصبح كابوساً يحلق في سماء دول عدة من دول الكوكب؟

الكوكب الذي يحيي أو يحتفي أو يؤبن "اليوم الدولي لمحو الأمية يوم 8 سبتمبر (أيلول) من كل عام، لا يسعه سوى إحياء المناسبة اليوم وهو يضع كلمة "كوفيد -19" جنباً إلى جنب مع عنوان الاحتفال.

وبدلاً من إحياء هذا اليوم بتنويه إلى أن الأمية الجديدة هي الأمية الرقمية أو المعلوماتية أو التقنية، أو التركيز على الهدف رقم أربعة من أهداف التنمية المستدامة، حيث التركيز على الجودة والنظر إلى الإنصاف والالتفات إلى الشمول في التعليم، على أن يكون فرصة يتم تعزيزها مدى الحياة للجميع، يحبس العالم أنفاسه اليوم، ويعتبرها فرصة للتأمل والتفكر، إذ كيف يمكن تقليل خسائر الوباء التي ألقت بظلالها على تفاصيل الحياة الكبيرة والصغيرة والتعليم وفرصه وجودته وعدالته على رأسها؟ وكيف يمكن استخدام طرق التدريس المبتكرة والفعالة ضمن برامج محو الأمية للشباب والبالغين لمواجهة الوباء وما بعده؟

ما بعد الوباء وأثنائه

إذا كان "ما بعد الوباء" مازال في علم الغيب، والتوقعات تشير إلى بقائه معنا لحين إشعار آخر، فإن "أثناء الوباء" يشير إلى أن اليوم الدولي لمحو الأمية هذا العام يرفع شعار "محو الأمية تعليماً وتعلماً في أثناء كوفيد-19 وما بعدها". هذا ما أعلنته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) اليوم لهذه المناسبة التي يتم الاحتفاء بها منذ عام 1967.

احتفاءات الكوكب بهذا اليوم لم تخرج مرة عن إطار التذكير بأهمية محو الأمية، باعتبارها وسيلة لضمان كرامة الإنسانية واحترام حقوق الإنسان، أو لتأكيد الحاجة إلى تكثيف الجهود من أجل الوصول إلى مجتمعات أكثر إلماماً بمهارات الكتابة والقراءة. وفي السنوات القليلة الماضية، تلون اليوم الدولي لمحو الأمية كذلك بألوان تتعلق بسوق العمل ومهاراتها المطلوبة، وهو ما يمكن اعتباره قفزة إيجابية للارتقاء من محاربة عدم التسلح بالقراءة والكتابة، إلى مواجهة عدم التسلح بالمهارات المطلوبة لسوق العمل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مفهوم الأمية التقليدي

لكن ظروف الوباء وما فرضه من قيود وألقاه من ظلال وخيمة، أعاد مفهوم الأمية بمعناها التقليدي إلى الواجهة هذا العام. عربياً، شبح الأمية في يومها الدولي أكثر وطأة وأثقل أثراً، فالدول التي كانت تعاني في زمن ما قبل كورونا من ضعف أنظمة التعليم، تتجرع قدراً أكبر من صعوبات الإبقاء على الطلاب في مدارسهم أو على الأقل في مقاعد الحاصلين على شكل من أشكال التعليم. والدول التي كانت تعاني صراعات مسلحة وتتعرض شعوبها لموجات تهجير ونزوح داخلي وخارجي تجد نفسها قاب قوسين أو أدنى من العودة إلى مربع الصفر في محاربة الأمية.

الشباب العرب

"معدل الأمية صفر"، عبارة لن تعرف طريقها إلى احتفالات هذا العام عربياً. لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا (الإسكوا) أصدرت دراسة قبل أسابيع عن أثر الوباء على الشباب، ووجدت أن الوباء يضرب بشدة فئة الشباب العربي التي هي الأكبر عدداً والأعلى من حيث المعاناة من البطالة، بعد ما وصلت نسبتها نحو 23 في المئة بسبب الوباء. ووجدت الدراسة أن ما يقرب من 100 مليون طالب عربي حالياً أصبحوا خارج المدرسة. وهنا يتم طرح تساؤلات عدة حول توافر وجودة شبكة الإنترنت التي لا تتوفر خدماتها لما يزيد على 52 في المئة من الأسر العربية خارج دول مجلس التعاون الخليجي، ما يهدد بتفاقم مشكلة الأمية وتسرب الصغار من المدارس، سواء المدرسة في شكلها التقليدي أو الجديد القائم على مواقع الإنترنت وتطبيقاته.

المسنّون العرب

دراسة أخرى أجراها "الإسكوا" أيضاً حذرت من أن الوباء سيلقي بظلال وخيمة كذلك عى المسنين العرب، لا سيما الأميين منهم أو غير الملمين بالتكنولوجيا، إذ يجدون أنفسهم غير قادرين على الاطلاع المستمر على تدابير الوقاية من الجائحة، أو الاتصال بالآخرين لطلب المساعدة أو لتخفيف شعور العزلة.

وبين عزلة المسنين لأسباب الأمية الأبجدية أو التقنية أو كلتيهما، وبين معضلة اللاجئين والنازحين الذين تتضاءل فرص صغارهم في الهرب من شبح الأمية، تبذل جهود في كنف كورونا، وتسلط عليها الأضواء في اليوم الدولي للأمية.

ولأن المنطقة العربية صارت تتبوأ مكانة متقدمة في قائمة الدول الأكثر تصديراً واستقبالاً للاجئين، وذلك في ضوء استمرار الأوضاع المتأزمة في سوريا واليمن وبالطبع فلسطين، فإن التقرير الصادر عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين قبل أيام تحت عنوان "معاً من أجل تعليم اللاجئين"، يجد نفسه في القلب من اليوم العالمي للأمية، فإذا كانت كورونا أثرت سلباً في تعليم الأطفال في كل أنحاء العالم، فإن الأطفال اللاجئين والنازحين هم الأكثر تضرراً.

 

 

الأمية واللاجئون

وبحسب بيانات عام 2019، فإن الأرقام الواردة من 12 دولة تستضيف ما يزيد على نصف الأطفال اللاجئين في العالم، أشارت إلى أن نسبة الالتحاق الإجمالية بالمدارس الابتدائية تبلغ 77 في المئة، لكن النسبة تقل إلى 33 في المئة في ما يتعلق بالالتحاق بالتعليم الثانوي.

وعبّر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي عن "قلق خاص حول تأثير البواء على الفتيات اللاجئات"، مشيراً إلى أن التعليم ليس حقاً من حقوق الإنسان فقط، بل هو حماية وضمان لفوائد اقتصادية يمكنها أن تعود على الفتيات اللاجئات وأسرهن ومجتمعاتهن. وتشير التقديرات إلى أن الفتيات اللاجئات عموماً يحظين بفرص أقل من الذكور في الحصول على التعليم. ونتيجة كورونا، يتوقع ألا تتمكن نصف الفتيات اللاجئات في المدارس الثانوية من العودة إلى صفوف المدرسة في حال فتحت المدارس أبوابها، كما أن كل الفتيات اللاجئات معرضات لخطر الانقطاع عن التعليم نهائياً.

قبل الوباء، كان احتمال خروج الطفل اللاجئ من المدرسة ضعف احتمال بقاء الطفل غير اللاجئ في المدرسة، لكن المتوقع مع قرب بداية عام دراسي جديد أن يزداد وضع الأطفال اللاجئين سوءاً في ما يتعلق بحصولهم على التعليم في زمن كورونا، فقد لا تتاح للكثير منهم فرص استئناف الدراسة بسبب إغلاق المدارس، أو صعوبات متعلقة بسداد رسوم التعلم أو الزي المدرسي أو الكتب، أو عدم إمكان الوصول إلى الأدوات التكنولوحية اللازمة للتعلم عن بعد، أو لأنهم مضطرون للعمل ليسهموا في إعالة أسرهم.

القدر العربي

ويشاء القدر العربي في اليوم الدولي للأمية أن يجعل من "إعالة أسرهم" عاملاً قوياً من عوامل انتكاسة جهود مواجهة الأمية ومحاربة تسرب الأطفال من المدارس طوال عقود مضت. الوباء وآثارة الاقتصادية الوخيمة، وفقدان كثيرين لعملهم، واتساع دائرة الفقر في دول عربية عدة، أدت إلى انتعاش ظاهرة عمالة الأطفال، وهي الظاهرة المرتبطة بالضرورة بالتسرب من المدرسة أو عدم الالتحاق بها من الأصل. منظمة العمل الدولية تشير إلى 152 مليون طفل عامل في العالم تتراوح أعمارهم بين خمسة و17 عاماً، وهو عدد يتوقع أن يرتفع بفعل كورونا، لا سيما وأن دولاً عدة خففت من تشريعاتها أو تطبيقها للقوانين المجرمة لعمل الأطفال، في محاولة للحد من اتساع دائرة الفقر بفعل الوباء.

ولا يتوقع أن يرأف الوباء بالفتيات اللاتي جرى العرف العربي على مطالبتهن بسداد القدر الأكبر من فواتير الأزمات، ففرصة واحدة للتعليم في البيت الواحد حيث طفل وطفلة، يتم تخصيصها حتماً للطفل، وحمل إضافي تنوء به موازنة الأسرة بسبب التعليم، فإن الأنظار تتجه فوراً نحو الترشيد عبر حرمان الصغيرة من التعليم وتزويجها.

 

 

أمية متخفية

أما الأميون المتخفون خلف شهادات مدرسية تشير إلى حصولهم على الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية، ويعانون صعوبات واضحة في القراءة والكتابة، فتلك مشكلة أخرى لأنهم مصنفون باعتبارهم "متعلمين".

الأمم المتحدة تذكرنا هذا العام بالفجوة الصارخة بين الخطاب السياسي والواقع. وبالرغم من أن تلك الفجوة كانت قائمة قبل هجمة الوباء الشرسة، إلا أنها غلظت من آثار الوباء على جهود محو الأمية، فقد غابت برامج محو الأمية للبالغين في كثير من الدول من خطط الاستجابة التعليمية الأولية، وأغلقت دول عدة تلك البرامج. 

يحيي العالم هذا العام اليوم الدولي لمحو الأمية وهو مشتت بين وباء شرس، وأنظمة تعليم كانت تعاني الضعف والجمود، فأضيف إليها الوباء والإغلاق، وتفتت جهود محو أمية الكبار، ليتحول اليوم إلى تذكرة بأهمية محو الأمية في أزمنة الاستقرار، حتى لا تتحول إلى نحو الأمية في أوقات الأزمات.

الأمية في أرقام

يفتقر 773 مليون شاب وفتاة إلى المهارات الأساسية في القراءة والكتابة، ويفتقد نحو 617 مليون طفل وطفلة ومراهق ومراهقة للحد الأدنى من مستويات الكفاءة في القراءة والحساب.

في أثناء المرحلة الأولى من انتشار جائحة "كوفيد-19"، أغلقت المدارس ما أدى إلى تعطيل تعليم ما يقرب من 62.3 في المئة من الطلاب والطالبات في العالم، والبالغ عددهم نحو 1،09 بليون طالب.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات