واصل سعر صرف الجنيه الإسترليني الهبوط مع تصاعد الفوضى بشأن اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) ومحاولة الحكومة تجاوز اتفاق الانسحاب الموقع العام الماضي في بروكسيل.
وهبط سعر الإسترليني مقابل الدولار أمس بنسبة 0.2 في المئة ليدور حول 1.31 دولار للجنيه، بعدما فقد نصف نقطة مئوية في تعاملات أول أيام الأسبوع. وتراجع المؤشر الرئيس في بورصة لندن لدى بدء التعاملات مع انطلاق المفاوضات بنحو نقطة مئوية.
واحتدم الجدل السياسي في بريطانيا الثلاثاء حول بريكست وترتيبات العلاقة مع أوروبا بعد نهاية الفترة الانتقالية آخر هذا العام. وبينما بدأت جولة ثامنة من محادثات الاتفاق النهائي في لندن مساء الثلاثاء بين فريق التفاوض البريطاني برئاسة ديفيد فروست والأوروبي برئاسة ميشيل بارنييه، واجهت حكومة حزب المحافظين برئاسة بوريس جونسون عاصفة في البرلمان والإعلام، زادت من سخونتها استقالة رئيس الدائرة القانونية للحكومة سير جوناثان جونز.
وشهد البرلمان البريطاني نقاشاً حاداً بعدما اعترف وزير شؤون أيرلندا الشمالية في الحكومة براندون لويس بأن القانون الذي كشف عنه أمس بشأن "السوق الداخلية" واعتبر في بعض بنوده تجاوزاً لاتفاق الانسحاب مع الاتحاد الأوروبي يعني انتهاكاً للقانون الدولي.
وأضاف الوزير أن بريطانيا تنتهك تعهداتها الدولية "بشكل محدود وبطريقة معينة".
اتفاق اليابان
بالتزامن مع بدء مفاوضات الاتفاق النهائي مع أوروبا في جولتها الثامنة والحاسمة،كانت بدأت أيضاً جولة مفاوضات رابعة بين البريطانيين والأميركيين في محاولة لتسريع المحادثات والتوصل إلى اتفاقية تجارية بريطانية-أميركية قبل نهاية العام، تحديداً قبل أن تؤدي نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل إلى دخول رئيس ديمقراطي للبيت الأبيض، ما قد يعرقل الاتفاق.
وحظيت الحكومة البريطانية بخبر إيجابي وسط الأخبار السلبية والانتقادات الواسعة من المحللين والمعلقين في الإعلام ومن النواب في البرلمان، حتى نواب حزب المحافظين الحاكم. فقد نقلت وسائل الإعلام عن مسؤول في الحكومة اليابانية قوله إن بلاده "تريد أن تتوصل إلى اتفاق واسع النطاق بشأن محادثات التجارة مع بريطانيا هذا الأسبوع مع وجود وزير الخارجية توشيميتسو موتيجي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتوقع أن ينتخب الحزب الحاكم في اليابان زعيماً له الأسبوع المقبل، خلفاً لزعيمه رئيس الوزراء شينزو آبي الذي استقال لأسباب صحية. وسيشكل زعيم الحزب الحاكم حكومة جديدة ربما لا تضم بعض الوزراء الحاليين في حكومة آبي.
لذا قال مسؤول حكومي ياباني آخر إنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق التجارة هذا الأسبوع، فإن "الاتفاقية التجارية بين اليابان وبريطانيا قد لا تدخل حيز التنفيز في الأول من يناير (كانون الثاني) المقبل آخذاً في الاعتبار الوضع السياسي في اليابان".
لكن خبر الاتفاق مع اليابان، الذي يظل إنجازه هذا الأسبوع مجرد احتمال، لم يغطِّ على سيل الأخبار السلبية حول موضوع بريكست وسياسة الحكومة البريطانية تجاهه. ونشرت وسائل الإعلام تسريبات لبرقيات متبادلة بين المسؤولين الأوروبيين تكشف عن مدى فقدانهم الثقة بالحكومة البريطانية وإمكانية التزامها بتعهداتها.
عاصفة برلمانية
فقد شهدت جلسة مجلس العموم (البرلمان البريطاني) انتقادات لاذعة للحكومة بسبب القانون الذي ستعرضه على البرلمان الأربعاء ويتضمن انتهاكاً للاتفاق مع أوروبا بشأن السلع والخدمات ما بين أيرلندا الشمالية وبقية بريطانيا.
ويتعلق القانون بمعايير السوق بين أقاليم بريطانيا الأربعة (إنجلترا واسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية) ويتجاهل بنود "بروتوكول أيرلندا الشمالية" ضمن اتفاق الانسحاب مع أوروبا. وهو البروتوكول الذي تم التوصل إليه كحل وسط لتفادي وجود حدود عملية صارمة في الجزيرة الأيرلندية بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا (التي تظل عضواً في الاتحاد الأوروبي).
بالتالي يتعين على الأعمال والشركات ملء شهادات رسوم وضرائب على التعاملات التجارية بين أيرلندا الشمالية وبقية بريطانيا، كما يتعين إبلاغ السلطات الأوروبية بأي دعم حكومي بريطاني للأعمال والشركات في أيرلندا الشمالية.
وقبل الأوروبيون العام الماضي بهذا البروتوكول كحل وسط لتسهيل موقف حكومة بوريس جونسون كي لا تتضرر اتفاقيات داخلية بريطانية، مثل اتفاقية "الجمعة الطيبة" التي تحكم علاقة أيرلندا الشمالية ضمن المملكة المتحدة. لكن مشروع القانون الجديد يتجاوز تماماً ما تم الاتفاق عليه مع الأوروبيين ويجعل القانون البريطاني هو الملزم في أي نزاع ويتجاوز مسألة الإبلاغ عن الدعم الحكومي لبروكسيل، كما يجعل ملء استمارات الجمارك والرسوم غير ملزم.
وثار عضو مجلس العموم عن حزب المحافظين سير بوب نيل، نائب بروملي، احتجاجاً قائلاً إن "أي انتهاك، أو احتمال انتهاك للالتزامات القانونية الدولية التي وقعت عليها بريطانيا غير مقبول". وانتقدت رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي، وهي من كبار نواب حزب المحافظين في البرلمان، انتهاك اتفاق الانسحاب مع أوروبا، مشيرةً إلى أن ذلك يجعل العالم يفقد الثقة ببريطانيا ومدى التزام حكومتها بتعهداتها الدولية.
وكرر أكثر من نائب برلماني عن حزب المحافظين الانتقادات ذاتها، لافتين إلى أن سلوك الحكومة بهذا الشأن يفقد بريطانيا المصداقية دولياً، بل ويعقد أي اتفاقات محتملة مع دول أخرى سترى كيف أن الحكومة تنتهك التزاماتها القانونية دولياً.
وبالطبع انتقدت قيادات حزب العمال المعارض وحزب الأحرار الديمقراطيين والحزب القومي الاسكتلندي وغيرهم موقف الحكومة، لكن الأخطر كانت الانتقادات التي جاءت من نواب الحزب الحاكم.
وبدا برأي كثير من المحللين والمراقبين أن المفاوضات في لندن بشأن اتفاق بريكست قد انحرفت بالفعل عن هدفها الرئيس وهو التوصل إلى تفاهم بشأن أكبر مشكلتين: حقوق الصيد وتساوي المعايير. والأرجح أن يكون انتهاك بريطانيا لاتفاق الانسحاب وبروتوكول أيرلندا الشمالية البند الطاغي على المفاوضات.
وتتشدد الحكومة في موقفها، مدعومة بمجموعة أساسية من كبار نواب حزب المحافظين المتحمسين لبريكست. وترى الحكومة أن اتفاق الانسحاب بما فيه بروتوكول أيرلندا الشمالية ليس مقبولاً (على الرغم من أنها وافقت عليه ووقعه بوريس جونسون في بروكسيل في أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي) وأنه بحاجة إلى تعديل لضمان سيادة بريطانيا على شؤونها الداخلية.