Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التغير المناخي يؤثر في محصول النبيذ الفرنسي ومذاقه

تسارع وتيرة الاحترار العالمي خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، جعل طعمه أكثر حدّةً، استناداً إلى تقرير أنتوني كاثبرتسون من منطقة برغوندي الفرنسية

دراسة ربطت بين تفاقم الاحتباس الحراري العالمي منذ منتصف ثمانينيات ومواسم الحصاد المبكر (غيتي)

بسبب موجات الحر المتعاقبة والظروف المناخية القاسية، اضطر منتجو النبيذ الفرنسيون إلى القيام بأبكر عملية قطاف عنب منذ 500 عام.

وبحسب السجلات المحلية، تهافتت حقول عنب النبيذ في برغوندي على تنظيم فعاليات قطاف لعام 2020، في أعقاب الظروف المناخية الجافة والحارة بشكل غير طبيعي والتي سرعت نضوج العنب قبل موعده بأكثر من شهر، مقارنةً بالمتوسط السنوي.

وكان الحدث أول قطاف مشترك ومبكر منذ بدء الاحتفاظ بسجلات عام 1371؛ وقد تساوى محصول 2020 بمحصول 16 أغسطس (آب) 1556. وليس جني الكروم المبكر غريباً عن منطقة برغوندي، فقد سبقته أحداث مماثلة في السنوات الأخيرة، وهذا يؤثر بشكلٍ جذري في مذاق نبيذها وقوته.

وعلى حد تعبير جيروم نويل - بوتون، مزارع العنب المتقاعد الذي لا تزال أسرته تدير مصنع "دومين دو لا فولي" (Domaine De La Folie) في منطقة رولي، فإن محصول هذا العام هو الأحدث في سلسلة مواسم غير مسبوقة.

"عندما كنتُ أصغر سناً، كنا نترك جزءاً من محصول العنب حتى نوفمبر (تشرين الثاني). أما الآن، فالوضع مختلف، حيث يكاد بدء الجني في سبتمبر (أيلول) أن يكون متأخراً جداً"، بحسب ما صرح به نويل - بوتون لـ"اندبندنت".

وهذا العام، بدأ قطاف العنب في "دومان دو لا فولي" في 24 أغسطس، ويتوقّع نويل-بوتون أن يكون محصوله ممتازاً، مستذكراً عامي 1976 و2003 اللذين شهدا موجات حرّ شديدة وأنتجا أفضل نبيذ على الإطلاق. فمحصول هذه السنة سيكون ممتازاً على الرغم من الحرارة القائظة التي جعلت من الصعب التعرف على مذاق منتجات "دومان دو لا فولي" مقارنة بالسنوات الماضية.

"نبيذنا صار أكثر حدة وأصبح مذاقه مختلفاً"، برأي نويل-بوتون، "فالأعوام الثلاثة الأخيرة كانت استثنائية وما عرفته من جفاف وحرّ مزعجين لا شك عادا بفوائد جمّة على النبيذ".

من جهة أخرى، فإن علماء المناخ يقولون إن هذا النوع من المحصول المبكر يشكل دليلاً قاطعاً على الاتجاه الاحتراري الذي زاد طقس المنطقة سخونةً وجفافاً على مدى العقود الثلاثة الماضية.

"خلال السنوات ما بين 1354 و1719، كانت المنطقة تتعرّض لموجة حر ربيعية أو صيفية كل 17 عاماً. ومع الوقت، أضحت هذه الموجات نادرة، تضرب المنطقة مرة كل 67 عاماً"، بحسب كريستيان فيستر، الأستاذ في مركز "أوشغير" لأبحاث التغير المناخي، التابع لجامعة بيرن السويسرية. 

"في القرن العشرين وحتى العام 1987، لم تعرف المنطقة موجات حرّ شديدة إلا مرتين أي في عامي 1947 و1976. لكن بعد دخول العالم مرحلة الاحترار السريع، باتت مثل هذه الظواهر الطبيعية القوية أمراً عادياً وواردة الحدوث مرّة كلّ 5 سنوات".

وكان فيستر قد أعد دراسة عام 2019 ربط فيها بين تسارع وتيرة الاحتباس الحراري العالمي منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي ومواسم الحصاد المبكر. وقد طور أبحاثه مستنداً إلى البيانات التي جمعها الأكاديمي توما لابي من "جامعة بورغندي" (Burgundy University) من خلال إعادة ترتيب مواعيد الحصاد التي تقصاها بتفاصيلها من أرشيفات الصحف وسجلات المجالس المحلية ومدفوعات أجور العمال العائدة لعام 1371. فالمعروف عن مواعيد جني العنب أنها من أقدم البيانات المناخية المعتمدة وأطولها (بحيث تتعلّق بتوقيت الأحداث البيولوجية للحيوانات والنباتات) في أوروبا وهي بالتالي مصدر نفيس لدراسة التغير المناخي.

وقد كشفت هذه البيانات عن إتمام عملية قطاف العنب قبل 13 يوماً تقريباً من موعدها الطبيعي اعتباراً من 1988. وأكّد البروفسور فيستر لصحيفة "اندبندنت" أن موجة الاحتباس الحراري الحالية ستؤدي مستقبلاً إلى ظروف مناخية متطرفة في المنطقة لن يتمكن سكان اليوم من استيعابها".

"فالظروف القاسية التي سنواجهها خلال العقود المقبلة تعصى الخيال والتجربة".

وأضاف: "علينا أن نرجع إلى أكثر عامين متطرفين في الألفية الماضية – أي 1473 و1540 - لتكوين فكرة من نوعٍ ما عن مدى خطورة هذه الظروف".

"ففي عام 1540 على سبيل المثال، عانت بعض مناطق أوروبا من عدم تساقط الأمطار طيلة فترة الشتاء، ما تسبب في جفاف نهري الراين الألماني والسين الفرنسي. وفي ظل هذه الظروف القاسية وندرة المياه، أصبح النبيذ في بعض المناطق أبخس ثمناً من المياه"، على حدّ قول فيستر.

وفي ذلك العام، بدأ جني العنب في بورغندي في 20 آب، على الرغم من ذبول الكثير من عناقيد العنب وتحولها إلى زبيب. 

وكانت دائرة الإحصاء في وزارة الزراعة الفرنسية قد أشارت في بداية آب إلى أن ربيع هذه السنة كان الأكثر دفئاً منذ 100 عام وقد ساهم في النمو السريع للعنب ونضجه. 

وذكرت الدائرة في تقريرها أن "كروماً عديدة أزهرت في هذه الظّروف المناخية الملائمة"، في الوقت الذي عانت بعض المناطق من درجات حرارة مرتفعة وجفاف على سطح التربة. وأشارت إلى أن "الأحداث المناخية التي تسببت في مشاكل صحية يمكن أن تؤثر سلباً في الكروم".

هذه التهديدات لم تبلغ بعد مستوى عالياً من الخطورة في بورغندي، لكن استمرار موجة الاحترار في التسارع قد يجعل هذه المنطقة في خطر حقيقي خلال العقود القليلة المقبلة. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فالأحداث المناخية للسنوات الأخيرة أثبتت أن الدراسة التي أُجريت عام 2007، والتي توقعت ارتفاعاً متوسطاً لدرجات الحرارة في المنطقة بنسبة درجتين مئويتين بحلول 2050، قد تكون معتدلة، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار التحذيرات التالية:

"في كثير من مناطق إنتاج النبيذ، وصلت الحرارة أو كادت إلى الدرجة المثالية لموسم النمو... وإذا واصلت ارتفاعها، فإنه من المتوقع أن تسخن أجزاء مختلفة من أوروبا الجنوبية إلى حد يمنعها من صناعة نبيذٍ فاخر".

وحتى هذه اللحظة، يستمر البروفسور غريغور جونز، الكاتب الرئيسي لهذه الورقة العلمية، في دراسة تقلّب المناخ وتأثيره في نمو كروم العنب وإنتاج النبيذ وجودته؛ وقد أبلغ "اندبندنت" أنّ مزارعي الكروم في بورغندي سيُجبرون، عاجلاً أم آجلاً، على التّحول إلى أنواع مختلفة من العنب نتيجة الارتفاع الهائل في الحرارة، إذ قال: "لو زُرع صنف معيّن من العنب في منطقة دافئة جداً أو تعرّض محصوله لسخونة زائدة، ستكون النتيجة نبيذاً قليل الحموضة غير متوازن بنكهات دبّ فيها الاهتراء".

ويختم غريغور جونز قائلاً: "في الوقت الحاضر، لا تزال بورغندي منطقة مثالية لزراعة البينو الأسود (Pinot Noir) الفريد وإنتاجه. لكن لو زادت حرارتها عن المعدل المناسب لنمو هذا النوع من العنب، سيكون عليها أن تُغيّر أسلوبها في صناعة النبيذ لأنّها ما عادت تلائمه".

© The Independent

المزيد من بيئة