Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تصريحات هنية في لبنان أثارت زوبعة أيقظت الانتقادات والمخاوف

"لقاؤه نصر الله وزيارته عين الحلوة توظيف إيراني ضد تطبيع الإمارات مع إسرائيل أم ضد ماكرون؟"

رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" اسماعيل هنية  في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين بمدينة صيدا اللبنانية (رويترز)

اقتحمت زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية المشهد السياسي المعقد والمأزوم نتيجة تداخله مع الصراع الإقليمي، في ظل محاولات فرنسية ودولية من أجل عزل الحلول لمأزقه الاقتصادي عن الاستقطاب الإقليمي.

وفي وقت جاءت الزيارة في سياق المؤتمر عن بعد عبر تقنية الفيديو كونفرنس، الخميس الماضي، في الثالث من سبتمبر (أيلول) الذي عقد في العاصمة اللبنانية، للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) من أجل "التوافق على آليات إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الفلسطينية"، تعرضت الزيارة لردود فعل تراوحت بين الريبة من توقيتها والتحذير من توريط لبنان في سياسة المحاور وتكريسه ساحة للرسائل، وبين انتقادات طاولت "حزب الله" والحركة على السواء، خشية اعتماد لبنان منصة لمواجهة التطبيع مع إسرائيل بعد الاتفاق الإماراتي مع تل أبيب.

وبينما كان أكثر من فريق لبناني قد تعاطى بإيجابية مع جهود إنهاء الانقسام الفلسطيني المستمر منذ أكثر من 13 عاماً، خصوصاً أن رئيس البرلمان نبيه بري وقادة آخرين دأبوا على دعوة الفرقاء الفلسطينيين، ولا سيما حركتي "فتح" و"حماس"، للعودة إلى صيغة الوحدة الوطنية تحت قيادة "منظمة التحرير الفلسطينية"، أثارت زيارة هنية مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين (في مدينة صيدا الجنوبية)، الأحد الماضي، والمواقف التي أطلقها منه ردود فعل مستنكرة من أكثر من فريق لبناني.

تهديد إسرائيل من عين الحلوة بعد لقاء نصر الله

فالبيان الختامي للمؤتمر الذي اعتبرته قيادات فلسطينية "تاريخياً"، انتهى إلى تأكيد التوجه لإنهاء الانقسام، وأعلن عن تشكيل "لجنة وطنية موحدة لقيادة المقاومة الشعبية الشاملة، على أن توفر اللجنة التنفيذية لها الاحتياجات كلها اللازمة لاستمرارها". كما أن البيان شدد على أن "من حقنا ممارسة الأساليب النضالية المشروعة كافة، وفي هذه المرحلة نتوافق على تطوير المقاومة الشعبية وتفعيلها كخيار أنسب للمرحلة، دفاعاً عن حقوقنا المشروعة لمواجهة الاحتلال". وعبر الأمناء العامون للفصائل عن "تضامننا العميق مع الشعب اللبناني الشقيق في محنته الحالية، ونعرب عن شكرنا وتقديرنا لاستضافة لبنان لهذا الاجتماع التاريخي الوطني".

وعلى الرغم من أن البيان تجنب الإشارة الصريحة إلى المقاومة المسلحة، فإن هنية دخل مخيم عين الحلوة وسط عراضة شعبية والسلاح يحيط به، فاعتبر أن "مخيمات الشتات هي قلاع المقاومة، ومنها صنعت الأحداث الكبرى، وخرج منها الأبطال، وفيها ظلت القضية حية"، لكنه أطلق أيضاً في خطابه في المخيم تهديداً لإسرائيل قال فيه إن "المقاومة في قطاع غزة تمتلك صواريخ لتدك بها تل أبيب وما بعد تل أبيب"، ما أثار حفيظة بعض القوى السياسية التي توجست من إطلاق التهديدات من لبنان والمخاوف من أن يتحمل لبنان التبعات مجدداً، خصوصاً أن هذا الموقف جاء غداة لقاء مطول عقده هنية مع الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله. وجاء في البيان الذي صدر عن "حزب الله" حول الاجتماع أن البحث تناول "مشروع السلام ومشاريع التطبيع الرسمي العربي مع إسرائيل ومسؤولية الأمة اتجاه ذلك". وتم تأكيد "ثبات محور المقاومة وصلابته في مواجهة كل الضغوط والتهديدات والآمال الكبيرة المعقودة عليه". كما أشار البيان إلى "متانة العلاقة بين حزب الله وحركة حماس وإلى "تطوير آليات التعاون والتنسيق بين الجانبين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقبل أن تكُر سبحة ردود الفعل الشاجبة لتصريحات هنية، فرض كلامه نفسه على المناخ اللبناني المأزوم. فهو يأتي في ظل تصاعد الدعوة إلى حياد لبنان التي كان أطلقها البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، الذي على الرغم من استثنائه التضامن مع الحق الفلسطيني من مبادرته التي قصد منها إبعاد لبنان عن سياسة المحاور في المنطقة، في وقت صنف فيه أكثر من مراقب ما قام به هنية في إطار محور الممانعة الذي تتزعمه طهران التي تدعم "حماس بالمال والسلاح" من جهة، وفي سياق سعي تيار "الإخوان المسلمين" الذي تنتمي إليه "حماس" إلى التوسع في المنطقة بالاستناد إلى تزعم تركيا رجب طيب أردوغان من جهة ثانية. والدولتان تسعيان إلى التقدم عسكرياً وسياسياً في أكثر من ساحة على امتداد الإقليم. هذا فضلاً عن تزايد القناعة بأن هناك تناغماً وتعاوناً بين الحكم في إيران و"الإخوان" في تركيا لتقاسم النفوذ في المنطقة عبر أذرعهما، على حساب الدول العربية، في أكثر من ساحة وميدان.

زيارة هنية استهداف للتطبيع أم لماكرون أم للحكومة؟

طرحت زيارة هنية تساؤلات حتى في بعض الأوساط السياسية المتضامنة تاريخياً بشدة مع القضية الفلسطينية. وقال مصدر سياسي بارز تحدث لـ"اندبندنت عربية"، إن مشهد هنية محمولاً على الأكتاف في مخيم عين الحلوة "غير مريح في هذه الظروف، ويذكرنا بوجود الرئيس ياسر عرفات في ما كان يسمى جمهورية الفاكهاني (أحد أحياء غرب بيروت حيث كانت المقرات الفلسطينية تسيطر أمنياً بالكامل)". وسأل المصدر نفسه: "هل معنى ذلك أن هناك جهة ما تريد استخدام لبنان ساحة للرد على اتفاق التطبيع بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل؟ وهل يأتي تهديده لإسرائيل من قلب لبنان، ولو كان بصواريخ موجودة في غزة، من ضمن أجندة إيرانية"؟ أما السؤال الثالث الذي طرحه المصدر نفسه فهو: "هل سيتم استخدام وجود هنية من أجل توجيه رسالة إلى مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يعمل من أجل حلول مرحلية يجري تحصينها باتصالات مع اللاعبين الإقليميين، لتحييد البلد عن الصراعات كي يتمكن من الوقوف على رجليه في ظل المأزق الاقتصادي المالي غير المسبوق الذي يعيشه؟ وهل ستستخدم هذه الرسالة أيضاً في سياق السعي القائم حالياً لتشكيل حكومة جديدة في ظل حديث عن عدم تمثيل (حزب الله) بتركيبتها في إطار استبعاد الوزراء الحزبيين؟".

التباين حول تأشيرة دخول هنية بين عون والحزب

ما عزز الأسئلة على اختلافها أنه كان سبق الزيارة تباين بين "حزب الله" ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون حول الموافقة على دخول هنية لحضور مؤتمر الفصائل الفلسطينية في لبنان. ويقول مصدر سياسي لبناني واسع الاطلاع على التضيرات التي سبقت انعقاد مؤتمر الفصائل الفلسطينية لـ"اندبندنت عربية"، إنه بعدما كانت الخارجية اللبنانية التي يتولاها وزير (شربل وهبة) موال لفريق الرئاسة قد وافقت على مجيء هنية، عادت عن هذه الموافقة بناءً على تعليمات رئاسية، في سياق محاولات فريق "التيار الوطني الحر" لتجنب إثارة الجانب الأميركي منذ فترة، خشية من تنفيذ التهديدات التي تتسرب بين الحين والآخر من وضع بعض رموزه على لائحة العقوبات بسبب تعاونه مع "حزب الله"، الموضوع على لائحة الإرهاب أسوة بحركة "حماس". إلا أن الحزب أصر على دخول هنية لبنان ومارس نفوذه حتى يتم ذلك، وجاء المخرج لكسر كلمة الرئاسة بأن من يصدر تأشيرات الدخول إلى البلد هو الأمن العام اللبناني، لا الخارجية.

وفي وقت كان ينتظر فيه أن يلتقي هنية الرئيس عون، فضل الأخير الامتناع عن استقباله والاكتفاء باستقبال عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" عزام الأحمد، الذي انتقل إلى لبنان لحضور مؤتمر الأمناء العامين، وهو أصلاً مكلف من الرئيس الفلسطيني الملف اللبناني. إلا أن المصدر نفسه المتحمس لجهود إنهاء الانقسام الفلسطيني يقر بأن ما حصل ثقيل الوطأة السياسية على السلطات اللبنانية، على الرغم من أن ظروف استخدام الورقة الفلسطينية عسكرياً في لبنان لا تتيح العودة إلى ممارسات الماضي حين كان الفلسطينيون يلعبون دوراً له أبعاد أمنية. وأشار المصدر إلى أن "حزب الله" يهمه الإفادة من العلاقة مع "حماس" وسائر الفصائل لتجنب بروز متطرفين إسلاميين ينتمون إلى "داعش" يستظلون بغطاء فلسطيني.

ردود الفعل: تحذير من "فتح لاند" وانتقاد الرؤساء

تصاعدت ردود الفعل ضد تحرك هنية، فأعلن "لقاء سيدة الجبل" رفضه "عودة الفصائل الفلسطينية إلى ممارسة أي دور عسكري أو أمني وامتشاقها السلاح حتى للاستعراض على الأراضي اللبنانية، على غرار ما ظهر كلامياً وعملياً من زيارة هنية". كما اعتبر أن لقاء الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في لبنان "أعاد إلى الأذهان حقبة (فتح لاند) (حين سيطر الفلسطينيون على مناطق جنوبية في سبعينيات القرن الماضي)، أيام كان لبنان مجرد ساحة".

وانتقد "صمت الرؤساء والمعنيين في السلطتين اللبنانية والفلسطينية والأحزاب كافة حيال هذه الزيارة، وما رافقها من مواقف وظهور مسلح"، واصفاً ذلك بـ"الرعونة السياسية".

ووجه اللواء أشرف ريفي رسالة مفتوحة إلى هنية قال فيها "مواقفك التي استظلت بحزب الله الإيراني، لا تخدم قضية فلسطين، ولا توحد الموقف الفلسطيني الذي ندعم صموده في الأرض المحتلة. إيران حولت القضية الفلسطينية إلى ورقة مساومة ومزايدة وعمقت الخلاف الفلسطيني ودعمت نموذج غزة، وما فعلته بفلسطين كان نسخة عن مشروعها لتفتيت لبنان واليمن والعراق وسوريا". ورأى أن "تمكين طهران من الورقة الفلسطينية هو خطأ جسيم، والخطأ الأفظع تسليمها ورقة المخيمات الفلسطينية في لبنان، لتستعملها بعدما استنفدت أوراقها. لبنان وطن مستقل، وليس مسرحاً لإيران".

استنكار واستغراب

قال النائب المستقيل (من حزب الكتائب) نديم الجميل "لبنان ليس منصة تطلقون منه مواقف تارة لأجل السوري وأخرى الإيراني أو الفلسطيني وعلى حساب سيادة لبنان المنتهكة تحت وطأة السلاح غير الشرعي".

وسأل الوزير السابق ريشار قيومجيان (من حزب القوات اللبنانية): "كيف يسمح هنية لنفسه بإطلاق تهديدات لإسرائيل من بلد ليس بلده، خصوصاً أن الجيش اللبناني منتشر على الحدود الجنوبية؟ من أعطاه الإذن والحق بذلك؟ أين موقف الدولة اللبنانية؟".

ويبدو أن هنية عاد فالتقى قيادات أخرى من أجل إحداث شيء من التوازن مع لقائه نصر الله، فاجتمع إلى كل من النائبة بهية الحريري رئيسة كتلة "المستقبل" النيابية، شاكراً مساعيها في إطار العلاقات اللبنانية - الفلسطينية. كما التقى الأمين العام لـ"الجماعة الإسلامية" (الفرع اللبناني من الإخوان المسلمين)، ثم رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط.

المزيد من تقارير