Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صدور أحكام نهائية بحق المتورطين في "حادثة خاشقجي" بعد تنازل ذويه

النيابة السعودية تعلن إغلاق القضية بشقيها العام والخاص

شهدت حادثة مقتل جمال خاشقجي جدلاً دولياً واسعاً على مدار السنتين الماضيتين (أ.ف.ب)

بعد قرابة العامين من حادثة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول، أعلنت النيابة العامة السعودية صدور الأحكام النهائية بحق المتورطين في الجريمة.

إذ وجهت المحكمة الجزائية بالرياض التهمة بشكل قطعي غير قابل للاستئناف إلى المدانين الذين ثبتت عليهم التهم بالسجن مدداً بلغ مجموعها 124 عاماً، إذ قضت الأحكام بسجن 5 خمسة أشخاص لـ 20 عاماً، في حين قضت بالسجن على ثلاثة مدانين لعشر سنوات لكل منهم، وسبع سنوات لاثنين آخرين، في أحكام نهائية واجبة النفاذ، معلنة بذلك إغلاق القضية بشكل نهائي بوجهيها العام والخاص.

وكانت التحقيقات بدأت بعد أسابيع من ثبوت مقتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول أواخر عام 2018، وخلصت إلى أن الفريق الذي أرسل إلى تركيا لإقناع الصحافي السعودي بالعودة لبلاده أو خطفه إذا رفض ذلك، قرّر من تلقاء نفسه قتله إذا فشلت عملية التفاوض، والتخلص من جثته عن طريق متعهد محلي، وذلك لصعوبة تهريبه حياً بعد درس موقع القنصلية، وهو ما تم بعد أن انتهت عملية التفاوض بشجار تم قتله على إثره بحقنة مخدر كبيرة، بحسب الرواية السعودية الرسمية.

عائلة خاشقجي: الأحكام عادلة ورادعة

من جانبها، وصفت عائلة خاشقجي، الأحكام التي أصدرتها المحكمة الجزائية بـ"الأحكام العادلة"، معتبرة أنها "تمثل رادعاً لكل مجرم ومسيء مهما كان".

وقال محامي العائلة المستشار معتصم خاشقجي لصحيفة "الشرق الأوسط"، إن "الجرائم المرتكبة من هؤلاء المحكوم عليهم جرائم كبيرة والأحكام في الحق العام المتضمنة عقوبات السجن المختلفة هي أحكام عادلة ارتضتها المحكمة التي تحكم بشرع الله والنظام العام".

ورأى أن الأحكام "تعتبر رادعاً لكل مجرم مسيء مهما كان. ولقد ارتضينا كعائلة منذ البداية تطبيق شرع الله وحكمه، ولا توجد في العالم اليوم محكمة أو جهة تطبق شرع الله وحكمه كمحاكم المملكة العربية السعودية".

وأضاف: "لقد فوضنا أمرنا لله ثم لولاة أمرنا الذين أدوا الأمانة ونفذوا الوعد فلهم منا كأسرة خاشقجي كل الشكر والتقدير والعرفان والولاء".

الحق الخاص

وقال متحدث النيابة "بصدور هذه الأحكام تنقضي معها الدعوى الجزائية بشقيها العام والخاص وفق نظام الإجراءات الجزائية".

وكانت المحكمة تناولت في حكمها سقوط الحق الخاص في القضية، بعد أن قدم أبناء جمال خاشقجي التنازل عن حقهم في مايو (أيار) هذا العام.

 

وغرّد في حينها صلاح خاشقجي، الابن الأكبر لجمال عبر حسابه الرسمي في "تويتر" ببيان مقتضب جاء فيه "في هذه الليلة الفضيلة من هذا الشهر الفضيل، نسترجع قول الله تعالى في كتابه الكريم وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله، إنه لا يحب الظالمين"، مضيفاً "لذلك نعلن نحن أبناء الشهيد جمال خاشقجي أننا عفونا عمن قتل والدنا رحمه الله لوجه الله تعالى، وكلنا رجاء واحتساب للأجر عند الله عزّ وجلّ".

الحكم الابتدائي

وكانت المحكمة الجزائية بالرياض أصدرت حكماً ابتدائياً في ديسمبر (كانون الأول) 2019، وجهت فيه التهم لـ 11 شخصاً متورطاً في القضية.

وقالت النيابة العامة حينها، بأنها استكملت تحقيقاتها وإجراءاتها في القضية التي شملت (31) شخصاً، وتم توقيف 21 منهم، في حين تم استجواب عشرة أشخاص من دون توقيف، لعدم وجود ما يستوجب ذلك.

وخلصت التحقيقات والإجراءات إلى توجيه الاتهام إلى 11 شخصاً منهم، وإقامة دعوى جزائية بحقهم أمام المحكمة الجزائية بالرياض، لتنتقل القضية بذلك إلى المحكمة الجزائية التي أصدرت أحكاماً مختلفة بحقهم، تراوحت بين الإعدام لخمسة من المدعى عليهم قصاصاً، وهم المباشرون والمشتركون في قتل المجني عليه، في حين أصدرت حكماً بسجن ثلاثة من المدعى عليهم لتستّرهم على هذه الجريمة ومخالفة الأنظمة، بأحكام سجن متفاوتة بلغت في مجملها 24 عاماً.

وردّت المحكمة التي أقامت جلستها بحضور أبناء جمال خاشقجي، وممثلين عن تركيا وسفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ووسائل الإعلام، طلب المدعي العام الحكم بعقوبة تعزيرية على ثلاثة من المدعى عليهم لعدم ثبوت إدانتهم في القضية، سواء في الحق العام أم الخاص، قبل أن تنطق اليوم بحكمها النهائي آخذة في حسابات الحكم التغييرات التي طرأت على الحق الخاص خلال الفترة الماضية.

"الجريمة البشعة"

وكانت الجريمة التي وقعت في أكتوبر (تشرين الأول) في اسطنبول أثارت موقفاً دولياً تجاه الحادثة التي وصفها الأمير محمد بن سلمان بـ "الجريمة البشعة".

وأعلن ولي العهد السعودي في لقاء له بعد الحادثة، مسؤوليته الأخلاقية نحو الجريمة، بوصف مقترفيها أشخاص يعملون في الحكومة، واعداً بتحقيق عدالة ناجزة لخاشقجي وأبنائه.

وقال الأمير السعودي في حوار مع برنامج 60 دقيقة على شبكة "سي بي أس" الأميركية في سبتمبر (أيلول) 2019، "عندما تحدث جريمة بحق مواطن سعودي من قبل مسؤولين في الحكومة السعودية، فأنا كقائد أتحمل هذه المسؤولية، ونحن حريصون على ألا يتكرر هذا الأمر في المستقبل، والعدالة ستأخذ مجراها في جريمة قتل جمال خاشقجي"، متحملاً المسؤولية تجاهها بالرغم من نفيه كل الاتهامات التي ربطته بالحادثة بشكل مباشر.

وحذّر وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودية عادل الجبير في وقت سابق، من أية محاولة لربط جريمة مقتل خاشقجي بالقيادة السعودية، مؤكداً أن بلاده لن تقبل بأن تملي عليها أية دولة ما يجب القيام به.

ووصف العملية بأنها "عملية مارقة نفذها أفراد من دون إذن أو علم من السلطات السعودية، ولم يصدر أمر للقيام بهذه العملية“.

وكانت السلطات السعودية اتخذت خطوات عدة منذ الحادثة، على رأسها إعادة هيكلة رئاسة الاستخبارات العامة وتحديث نظامها ولوائحها وتحديد صلاحياتها بشكل دقيق، وتقويم الإجراءات والأساليب والصلاحيات المنظمة لعملها، والتسلسل الإداري والهرمي بما يكفل حسن سير العمل وتحديد المسؤوليات، بالتوازي مع مهمات التحقيق والمحاكمة لمرتكبي الجريمة، لضمان عدم تكرار أخطاء مماثلة.

تركيا لم تتعاون

وكانت النيابة السعودية قالت في مؤتمر صحافي سابق إن الجانب التركي لم يبد تعاوناً كافياً، إذ أرسلت إلى الجانب التركي 12 إنابة قضائية لتزويدها بمعلومات عن الجريمة ومرتكبيها، إلا أنها لم تتلق سوى إنابة واحدة عن القنصل السعودي في اسطنبول، وتضمنت حضور القنصل للجريمة، وتمّ الإفراج عنه لثبوت وجوده خارج القنصلية أثناء ارتكاب الجريمة، بحسب متحدث النيابة.

وكان وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير ساق انتقادات مشابهة بعد أن طالب الحكومة التركية بالتعاون مع التحقيقات التي تجريها السعودية، وتقديم المعلومات التي طلبتها النيابة العامة لدعم تحقيقاتها، مؤكداً أن الرياض منفتحة على الأدلة التي يمكن أن تقدمها أي دولة، وتخدم مسار تحقيق العدالة.

وطالبت الحكومة السعودية نظيرتها التركية بالتعاون للحصول على إفادات الشهود التي قالت إنها بحوزة المحققين الأتراك، ونسخة من الرسائل الإلكترونية في جوال خاشقجي التي ادعى الأتراك امتلاكها، إضافة إلى التسجيلات في محيط مبنى القنصلية السعودية في اسطنبول، وكذلك إرسال السعودية صورة تقريبية للمتعاون المحلي إلى السلطات التركية، وهي الرسالة التي رد عليها الأتراك بالرفض، واقتراح نقل الفريق المشارك بالقتل إلى تركيا، وهو ما رفضته السعودية، مؤكدة سيادتها على القضية ونجاز العدالة فيها.

انتقادات حقوقية

وكانت منظمات حقوقية دولية طالبت الرياض بتوفير "الشفافية" في محاكمة المتورطين في العملية، بعد إعلان السعودية البدء في محاكمتهم.

وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في بيان إن "السلطات السعودية أعاقت حصول محاسبة ذات مغزى لجريمة قتل خاشقجي، برفضها إجراء تحقيق دولي في القضية".

أما المعهد الدولي للصحافة في فيينا فطالب بـ "محاكمة شفافة تصدر فيها أحكام عادلة بحق القتلة".

في حين أكدت منظمة العفو الدولية أنه على الرياض "السماح بالدخول الفوري وغير المشروط لمراقبي حقوق الإنسان المستقلين إلى البلاد، ومراقبة المحاكمة الجارية في قضية مقتل جمال خاشقجي"، في حين وُصفت أحكام الإعدام الصادرة في الجلسة الأولى بأنها "حكم يستخدم للتبييض، ولا يحقق العدالة لجمال خاشقجي وأقاربه"، واصفة إياها بأنها "محاكمة غير عادلة".

وأصدرت منظمات أخرى انتقادات مشابهة لأحكام الإعدام التي سبقت تنازل أبناء المجني عليه عن الحق الخاص، كما في تعليق الأمين العام لمنظمة "مراسلون بلا حدود" كريستوف دولوار، الي اعتبر أن "العدالة لم تحترم"، وأن الحكم قد يكون "وسيلة لإسكات الشهود على الاغتيال إلى الأبد".

وذكرت آنييس كالامار، وهي حقوقية أخرى، أنه "بموجب القانون الإنساني الدولي يعتبر مقتل السيد خاشقجي إعداماً خارج نطاق القضاء، تتحمل السعودية مسؤوليته".

المزيد من العالم العربي