Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تضيف مزارع "البن الخولاني" فيفاء السعودية لـ"اليونسكو"؟

تحضن مليوني مدرج وتحمل غطاءً نباتياً كثيفاً ومتنوعاً، وجداول تتخللها عشرات من الأودية والغابات المحيطة بسلسلة جبالها

أشجار البن الخولاني تمثل هوية مدينة فيفاء الثقافية (واس)

الصيف هذا العام غير عادي في مدينة فيفاء، التي تقع جنوب غربي المملكة العربية السعودية، وتتوسط جبال السروات بين نجران شرقاً وجازان غرباً وعسير شمالاً والحدود اليمنية جنوباً، فهو يشبه حال معظم مناطق السعودية بعد إطلاق  وزارة السياحة السعودية موسم صيف السعودية "تنفس".

توجهت العائلات والأفراد لاكتشاف  كنوز البلاد التي تتنوع فيها السياحة من شمالها حتى جنوبها وغربها وصولاً لشرقها، ومع الازدحام في فيفاء هذا العام وامتلاء الفنادق  فتح عدد من العوائل مزارعهم لزوار المدينة لتعريفهم على منتجاتها المتنوعة وتذوق خيرات مزارعها.

منطقة جبلية

 تتميز منطقة فيفاء جنوب السعودية بجغرافيا خاصة ومختلفة عن الطبيعة الجغرافية للمناطق المجاورة لها، التي تبهر السياح الجدد، ويصف حسن المدري انطباع سياح جبال فيفاء من أهل المناطق الجبلية الشبيهة لحد ما بها، بـ"المدهش"، ويضيف "غالباً ما يندهش زوار المحافظة من طبيعة وجغرافية جبال فيفاء، لاسيما أولئك الذين كانوا يتصورون أنها مثل جبال عسير والنماص وسلسلة جبال السروات، منطقة ذات شفا يتجه إلى الساحل، ومنطقة خلف الشفا منبسطة مثل ما هو الشأن في عسير.

واستدرك بالقول "لكن اكتشفوا أنها مختلفة، لها شفا لكن شفاها من جميع الجهات وكأنها جزيرة في بحر، الوديان تحيط بها من جميع الجهات فهي جبل قائم بذاته وجبال مجتمعة في الرأس لذلك تسمى جبال فيفاء".

 

 مدرجات زراعية

  أبهرت المنطقة الزوار بموقعها بين أحضان السحاب وعلى قمم الجبال بكل جمالها وروعتها وخضرتها الدائمة وسحرها الخاص في جبالها التي لا تعرف الجفاف فصنع أهلها في الجبال منذ قديم الزمن مدرجات زراعية في كافة أنحائها بشكل مبهر حتى أصبح في فيفاء أكبر تجمع للمدرجات الزراعية في السعودية، حيث يقدر عددها بمليوني مدرج زراعي، تحمل غطاء نباتياً كثيفاً ومتنوعاً، وجداول تتخللها عشرات من الأودية والغابات وتحيط بسلسلة جبالها ومدرجاتها الخضراء، وتعد مدينة فيفاء من أكثر المواقع هطولاً للأمطار في السعودية مما جعل خضرتها دائمة والأودية المجاورة لها تجري غالب العام.

عادات أهلها

 عن عادات أهل فيفاء، يقول محمد الفيفي (صاحب حساب الدعم السياحي بمحافظة فيفاء)، "لدينا تقاليد منذ قديم الزمن جعلت من طِباع أهل فيفاء إكرام الضيف وحسن وفادته، وتكثر في لهجة فيفاء المحلية كلمات الترحيب والضيافة، وقديماً عندما يحضر الضيف للمنزل ولا يكون رب البيت موجوداً، تقوم المرأة بالترحيب به وإكرامه وإعداد مأدبة الطعام له إلى أن يحضر رب المنزل، فتقدم له أكلة تسمى "المشاريع" عبارة عن كور من عجين الدخن يوضع عليها السمن والعسل البلدي، وكذلك "إيدام وغيره" وهو عبارة عن ثمر لأحد الأشجار التي يندر وجودها في غير مدينة فيفاء والمواقع المجاورة لها. وتشترك فيفاء مع غيرها من مناطق جنوب المملكة في وجبة عصيدة البر وتسمى محلياً "العيشة" مع مرق اللحم، وكذلك أكلة العريكة المعروفة، وخبز الميفا الذي لا تخلو منه مائدة الأسرة الفيفية والجنوبية كل يوم.

وذكر محمد الفيفي بأن تسلق الجبال من أهم الأنشطة التي جذبت السياح للمنطقة وذلك عبر رحلات منظمة ينظمها فريق هايكنج السعودية عبر مسارات جبلية للتسلق والمشي عبر الأودية والغابات وبين الجبال.

 

البن الخولاني

  أضاف الفيفي بأن أشجار البن الخولاني أهم محصول زراعي، وهو يمثل هوية مدينة فيفاء الثقافية، ويستزرع  فيها من مئات السنين ويملأ كثيراً من مدرجات فيفاء الزراعية، وقد انتهت وزارة الثقافة من تقديم ملف توثيق البن الخولاني السعودي في "اليونسكو" كتراث ثقافي عالمي.

وتعد تربة فيفاء أرضاً خصبة جداً وتنجح فيها زراعة كافة أنواع الحبوب زراعة بعلية (أي دون الحاجة لريها بالماء) وتكتفي بماء المطر، كالبر والذرة والدخن، كما يُزرع في فيفاء عديد من الفواكه كالمانجو والسفرجل والجوافة والبابايا والموز والجاك فروت وكثير من الفواكه الاستوائية، وقد نجحت في فيفاء زراعة الكاكاو وأشجار جوز الهند.

وعن التنوع النباتي فيها، يقول حسن المدري "يوجد في فيفاء ما يزيد على 70 في المئة من محاصيل البلاد".

أضاف المدري "أكثر ما شد انتباه السياح الطراز العمراني الأسطواني الذي بني من صخور من طبيعة المنطقة، بشكل هندسي دقيق جداً، حيث قديماً يتم اختيار مواقع هذه المنازل بحيث لا تكون في مجرى السيل، أو بالقرب من صخور كبيرة، وتبنى في بروزات المدرجات الزراعية، أو في إحدى القمم لأنها أكثر المواقع أماناً، ويقال إن سبب تصميمها بشكل دائري هو كثرة الزلازل قديماً، فهي أكثر تحملاً من التصاميم الأخرى، علماً أن بعض هذه البيوت التراثية لا يزال يسكنها أهلها إلى يومنا الحاضر مع شيء من التحديث، ومن الثقافة المحلية لهذه المباني (ولا تزال حاضرة ليومنا) أن لكل بيت في مدينة فيفاء اسماً خاصاً به ويدعى سكان هذا البيت باسم منزلهم".

وأكثر ما أدهش السياح أن عشرات الآلاف من أهل فيفاء يسكنون الجبال، وكذلك وجود البيوت الحديثة فوق الجبال، ودائماً ما يتساءلون كيف استطعتم بناء بيوتكم فوق الجبال؟ كيف وصلت مواد البناء للجبال؟. وجود عربات التلفريك المحلية تنقل مواد البناء إلى المنازل التي لا تصلها الطرقات، وهذه العربات تصنع من قبل أهالي المنطقة. كان في تصور أي سائح عندما صعد إلى جبال فيفاء، أن الخدمات نادرة لكنهم تفاجأوا بوجود مطاعم ومقاهٍ وبنوك وخدمات حكومية ومدارس ومعاهد، فهي تشكل مجتمعاً متكاملاً في السماء.

 

ثقافة خاصة

 تتميز محافظة فيفاء بتراث وثقافة متنوعة، لاسيما في ما يخص الموروث الثقافي من الغناء والرقص الشعبي، وعن أشهر الرقصات لدى أهل فيفاء أشار المدري أن هناك نوعين، نوع رسمي، وآخر شعبي للرقصات التي تقام في المناسبات والأعياد منها:  

الدورية، وهي عبارة عن أغنية تؤدى من قبل جماعة يتحلقون في شكل دائرة.

الهصعة (الخطوة)، وهي عادة في الجبال وهي رقصة حماسية، وفيها عديد من اللعبات الفرعية ولها ألحان عديدة، وهي تتكون من مجموعتين في صفين متقابلين متشابكي الأيادي ويرددون شعراً، مع القيام بحركات معينة للقدمين راقصة أثناء تلك الهصعة وهم يتحركون إلى الأمام ثم يعودون إلى الخلف بتناسق تام وعدم خلل في الصف مع استمرارهم بالشدو والغناء.

كل الفنون في فيفاء لا تستخدم فيها الإيقاعات، سوى نوعين يستخدم فيهما الإيقاع وهما المثلوث، ويستخدم فيه المزمار وقدر نحاس يضرب عليه بالسكين، والشارقي وهو رقصة صامتة من شخصين أو أكثر يقومون بحركات رشيقة في كل الاتجاهات على دقات الطبل وصوت المزمار مع التلويح بالجنابي والتصفيق.

النوع الرسمي (الطرح ) وهو حضور مجموعة متراصين متصافين متماسكي الأيدي، يسيرون بحركات موحدة، يتقدمهم أكبرهم فهماً بـ"سوالف" القبائل. وهم "يشلون" الطرح بإنشاد الشعر. ومن هذه الأبيات قصيدة للشاعر محمد أحمد السنحاني يقول فيها:

واطرح سلام الله تسليمة موثقة تسليمة أهل الدين والإيمان والتقى.

التكثيرة، وهي شعر تصحبه عرضة، تقال بعد انتهاء عشاء الضيوف لدى مضيفهم، يمدح فيها الضيف أو الضيوف عبر شاعرهم، المضيفين كرد جميل لحسن ضيافتهم.

لهجة خاصة

 التميز الذي تحتضنه تلك الجبال الشاهقة يشمل لهجة خاصة بهم تختلف عن لهجات المناطق الأخرى في السعودية، ومن أبرز السمات والظواهر في لهجة أهل فيفاء قلب (ال) التعريف إلى (ام) وهي التي أسماها اللغويون "الطمطمائية" وهي من بقايا اللغة الحميرية. فيقولون امثور وامسما وامدخن. وذلك إذا كان المسمى معروفاً لدى السامع ولا يقولون (اميحي) و(امسعيد) و(امعلي).

وتعد لهجة  قبائل فيفاء لهجة قديمة جداً، ويقال إن أصولها ترجع للغة الحميرية، وكثير من مفرداتها عربية فصحى، إلا أن التغيير في بعض الحروف لهذه الكلمات العربية كقواعد لهذه اللهجة جعلتها صعبة الفهم عند غير سكان فيفاء والمناطق المجاورة لها.

وحافظت قبائل فيفاء على لهجتها قديماً بسبب اجتماع أهلها في جبال منزوية عن غيرهم، ما ساعد على عدم التأثير عليها أو اندثارها، وقد بدأ شيء من الاندثار يحصل في عصرنا الحاضر لهذه اللهجة بسبب هجرة الأهالي من ديارهم للبحث عن العمل مما جعل اللهجة تبدأ مرحلة الاندثار عند الأجيال الجديدة.

ويطالب أهالي المنطقة وزارة الثقافة بدراسة هذه اللهجة وحفظ أصولها وقواعدها وأمثالها حتى نحافظ على شيء من روحها.

المزيد من ثقافة