Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشكيك أميركي بنجاح مبادرة ماكرون إذا شارك "حزب الله" في الحكومة اللبنانية

شينكر رجح عدم تغيير سياسة بلاده حيال إيران وحلفائها إذا فاز بايدن

لحظة وصول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على متن طوافة فرنسية إلى مرفأ بيروت (أ ف ب)

بات واضحاً أن المؤتمر الدولي الذي قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء الماضي في الأول من سبتمبر (أيلول) في ختام زيارته لبيروت، إنه سيدعو إليه في النصف الثاني من شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل في باريس، يطمح إلى الانتقال بمعالجة المأزق اللبناني الاقتصادي والسياسي إلى مرتبة جديدة من التدويل للأزمة اللبنانية، وأنه مرتبط بنجاح تنفيذ الروزنامة التي وضعها والتزم اللبنانيون تنفيذها. وتوقيت المؤتمر الذي يأمله يتناغم مع مراحل تنفيذ "اللاعبين اللبنانيين" لتلك الخريطة.

وتقول الروزنامة إن الحكومة يجب أن تكون قد تشكلت في 15 سبتمبر، والإصلاحات العاجلة في خريطة الطريق التي التزمها الفرقاء، يفترض أن تُنفذ خلال شهر بعد تأليف الحكومة فيكون حل منتصف أكتوبر، بينما تكون الإصلاحات التي يتطلب تحقيقها ثلاثة أشهر حسب الروزنامة، قد انطلقت في البرلمان وفي الحكومة، بعد مضي نصف المدة المطلوبة كي يتم تنفيذها.

وما قاله ماكرون عن هذا المؤتمر إنه سيدعو إليه بموازاة الجهود التي سيبذلها مع مجموعة الدعم الدولية على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك لجمع مزيد من المساعدات المالية للإعمار. وذكر حرفياً أنه دعا إلى هذا المؤتمر "الرؤساء الثلاثة في لبنان، وسنقوم بتجييش المجتمع الدولي ومجموعة لدعم على مستوى عالٍ، ورؤساء آخرين دوليين وإقليميين لتأمين الدعم لمرافقة البرنامج الإصلاحي ولحمايته من اللاعبين الإقليميين، وتأمين الدعم المالي وفق ما جاء في مؤتمر (سيدر)، الذي يمكن توسيعه"... يدعو ماكرون اللاعبين المحليين إلى أخذ المواعيد التي حددها في الاعتبار، ومواكبة ذلك بالوفاء بوعدهم تنفيذ البرنامج الإصلاحي، "وإذا لم يحصل ذلك علينا أن نستخلص النتائج (المقصود بها النتائج السلبية) بأنه حصل سوء تفاهم وأنا لا أريد أن أصدق أن ذلك سيحصل. وهذا يعني أنه ليس هناك "شيك" على بياض".

المؤتمر الدولي اختبار سياسي

تكمن أهمية هذا المؤتمر أنه بالإضافة إلى تمهيده لجمع مزيد من الأموال من أجل إعادة إعمار ما تهدم نتيجة انفجار الرابع من أغسطس (آب) الزلزالي في بيروت، يشكل مناسبة لاختبار الاهتمام السياسي للدول المعنية بلبنان. وتنفيذ الجزء الأكبر من نقاط الجدول الزمني لخريطة الطريق، سيكون اختباراً إلى أي مدى يمكن لماكرون أن يتسلح بحجج تساعده على إقناع الدول التي تتردد في المساعدة بإنقاذ لبنان من وضع هو أبعد من تداعيات الانفجار الكارثي الذي ضرب عاصمته، أي من أزمته الاقتصادية السياسية التي تتطلب دعماً مالياً عاجلاً للحؤول دون انهياره الكامل في حال استنفاذ الاحتياطي المالي الباقي لدى مصرف لبنان لاستيراد المواد الأساسية التي يحتاجها الشعب اللبناني. فبعض هذه الدول وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية والدول العربية الخليجية، تربط دعماً من هذا النوع بشرط عدم استفادة "حزب الله" منه كي يحكم سيطرته أكثر على القرار السياسي اللبناني، بفائض قوة السلاح والدعم الإيراني له، بالإضافة إلى شرط الإصلاحات الواردة في خريطة الطريق الفرنسية (التي يفترض أن تصبح البيان الوزاري للحكومة)، الذي ستطلب ثقة البرلمان على أساسه.

هل ستحضر الدول العربية والخليجية؟

بهذا المعنى تصبح خلفية هذا المؤتمر سياسية لا مالية واقتصادية فقط. فماكرون تحدث عن "تحالف دولي" لمساعدة لبنان في ما أسماه "المرحلة الثانية" من إعادة الإعمار، لاسيما لمرفأ بيروت الذي هو مهمة ضخمة بعدما أصابه من دمار، وخطوة لها بعد استراتيجي لدور لبنان الاقتصادي في المحيط الإقليمي.

في هذا السياق، يسأل أحد السياسيين اللبنانيين العارفين بالصعوبات التي تواجه لبنان منذ أكثر من عقد من الزمن، هل ستحضر الدول العربية لا سيما الخليجية التي تقاطع السلطات اللبنانية بسبب هيمنة "حزب الله"، هذا المؤتمر؟ فتمويل إعادة الإعمار يصعب حصوله من دون الشراكة الخليجية. وهل ستكون الولايات المتحدة الأميركية متحمسة لعقد مثل هذا المؤتمر على الرغم من أن وزير خارجيتها مايك بومبيو قال إننا نتشارك وفرنسا الأفكار التي طرحها ماكرون في زيارته، باستثناء الموقف من "حزب الله"، الذي لا تفرق إدارة الرئيس دونالد ترمب بين جناحيه العسكري والسياسي كما يفعل ماكرون، معتبرة أن هذين الجناحين يتلقيان الأوامر من طهران.

"حزب الله" ومدى الليونة في تأليف الحكومة

هذه الأسئلة تُطرح بسبب وقائع عدة يترقبها المجتمع الدولي وفق روزنامة خريطة ماكرون، هل سيبدي "حزب الله" ليونة في تأليف الحكومة الجديدة ويسهل مهمة الرئيس المكلف مصطفى أديب بالقبول بعدم تمثيله في الحكومة، كي تقتصر على الاختصاصيين الأكفاء والمتجانسين كما قال الرئيس المكلف؟ وهل برنامج الحكومة وبيانها الوزاري سيكرر التسويات كما في الحكومات السابقة عبر النص على ما يعتبره "حزب الله" ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة"، وبعبارة "حق اللبنانيين بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي بشتى الأشكال"، لتبرير احتفاظه بسلاحه خارج إطار الشرعية اللبنانية، أم أن البيان الوزاري سيقتصر على البنود الإصلاحية التي هي المسألة الملحّة لإنقاذ لبنان من الانهيار؟ وهل سيلعب الحزب دوره في الضغط على حليفه الرئيس ميشال عون ومن خلفه صهره رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل لتسهيل تأليف الحكومة، خصوصاً أنه ما أن أدار ماكرون ظهره وغادر حتى بدأ عون وباسيل يضعان العصي في دواليب الرئيس مصطفى أديب ويطالبان بحكومة موسعة بدل تصوره لحكومة مصغرة، بهدف زيادة حصص المقاعد الوزارية التي يخططان للحصول عليها. هذا بالإضافة إلى عودتهما للمطالبة بالاحتفاظ بحق تعيين وزراء الخارجية والدفاع والطاقة. والأخيرة من غير الوارد لا داخلياً ولا خارجياً القبول بأن تعود إلى "التيار الحر" نظراً إلى فضيحة الفشل في تنفيذ خطة تأهيل الكهرباء على مدى عقد من الزمن خسرت خلاله الخزينة اللبنانية بين 36 و40 مليار دولار، أي ما يوازي 46 في المئة من الدين العام.

عدم الارتياح الخليجي؟

أما من جهة الدول العربية والخليجية، فإن المعطيات أفادت بأنها لم تكن مرتاحة إلى مقاربة ماكرون "الواقعية" لمسألة "حزب الله"، وسط تسريبات تشير إلى أن بعض هذه الدول ذهب إلى حد لوم زعيم "المستقبل" رئيس الحكومة السابق سعد الحريري لأنه قبل باقتراح رئيس الحكومة العتيد، على الرغم من أنه كان رفض إصرار "حزب الله" ورئيس البرلمان نبيه بري على أن يسمي هو رئيس الحكومة طالما عزف عن تولي المهمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فهذه الدول تعتبر أن "الحزب" يريد تغطية سنية، ومن الحريري تحديداً لمواصلة سياسته السابقة، وفي ظل استمرار التصعيد الإيراني العسكري ضد دول الخليج والسعودية عبر الحوثيين في اليمن.

ويراهن ماكرون على أن تتيح قوة الدفع الفرنسية لتنفيذ روزنامة الخطوات التي تتضمنها خريطة الطريق الإصلاحية، تأمين توافق دولي إقليمي على لبنان ودور باريس فيه.

واشنطن تؤيد وتترقب وتشكك

 مع شبه التفويض الأميركي لماكرون في تحركه، تترقب واشنطن ما إذا كان سينجح، بأسلوب يميل إلى التأييد لمبادرته أحياناً وإلى التشكيك بإمكان نجاحها بسبب اعتقادها أن "حزب الله" سيفشلها أحياناً أخرى، حسبما فهم من التقوا مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر خلال زيارته بيروت غداة مغادرة الرئيس الفرنسي، سواء من الناشطين في المجتمع المدني أو من النواب المستقيلين من البرلمان الذين التقى بهم.

ويقول من اجتمعوا مع شينكر لـ"اندبندت عربية"، إنه تجنب لقاء المسؤولين الرسميين واقتصرت اجتماعاته على المجتمع المدني والنواب المستقيلين لأن الحكومة قيد التأليف ويريد تجنب الإيحاء بأي موقف بينما الجميع منغمس بهذا الاستحقاق، وأنه يترك لتفاعلات جهود فرنسا أن تأخذ مجراها خصوصاً أنها تتم بتنسيق كامل بين ماكرون وترمب، على الرغم من الاختلاف "البسيط" المتعلق بمقاربة الموقف من "حزب الله". كما أنه لم يبحث في الوساطة الأميركية بين لبنان وإسرائيل في شأن ترسيم الحدود البرية والبحرية بسبب عدم حصوله على جواب لبناني حيال رد إسرائيلي على أحد المقترحات المتعلقة بآلية التفاوض. وهو اجتمع إلى مستشار رئيس البرلمان نبيه بري الذي يتولى التفاوض حول ذلك لمناقشة استئناف البحث. وقال لمحدثيه إنه سيعود إلى بيروت قبل نهاية الشهر الحالي من أجل هذا البند، خصوصاً أنه يفترض أن تكون الحكومة قد تشكلت.

شينكر: الإصلاح الاقتصادي مفتاح الإصلاح السياسي

 يقول أحد النواب السابقين الذين التقاهم شينكر في منزل رئيس حزب "الكتائب" النائب المستقيل سامي الجميل، إن شينكر أوضح أن الجانب الأميركي على توافق مع الجانب الفرنسي "إلى حين"، وتأييده الإصلاحات الاقتصادية يتم على قاعدة أنه مفتاح للإصلاح السياسي المطلوب، وإن هناك فرصة متاحة لفرنسا أن تحاول إحداث تقدم على هذا الصعيد. وواشنطن تؤيد مبادرة ماكرون وتدعمها مع جرعة من العقوبات التي ستصدر قريباً على بعض من يدورون في فلك "حزب الله" تأكيداً لموقفهم السلبي حياله. ويتحدث شينكر عن الرئيس المكلف تأليف الحكومة بإيجابية، ويعود عدم لقائه بأي من القادة السياسيين إلى حذر كبير من رموزها على الرغم من تمييزه لبعضهم مثل رئيسي حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع و"الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط. كما أنه يقر باستبعاد إمكانية إجراء انتخابات نيابية مبكرة وإسقاطها من خريطة الطريق الفرنسية، نظراً إلى رفض "حزب الله" و"التيار الحر" ذلك خوفاً من فقدان الأكثرية بفعل انخفاض شعبية "التيار" وعون.

أحد ناشطي المجتمع المدني أبلغ "اندبندنت عربية" نقلاً عن شينكر، أن العقوبات الآتية التي رجح أن تُعلن الأسبوع المقبل من قبل وزارة الخزانة الأميركية، ستستند إلى قانون "قيصر" لحظر التعامل مع النظام السوري، مستبعداً فرض عقوبات وفقاً لقانون "ماغنتسكي" حول معاقبة شخصيات متهمة بالفساد، لأن هذا يأخذ وقتاً لتتبع الأموال المحولة من شخصيات سياسية استطاعت أن تغسل ثروات جنتها من المال العام.

لا مال لأن "حزب الله" سيفشل الإصلاحات

في وقت تشدد واشنطن على رفضها لأن يكون "حزب الله" جزءاً من الحكومة الجديدة، فإن مصدر تشكيك شينكر بإمكان نجاح مبادرة ماكرون في شأن الإصلاحات يعود حسب ناشط آخر تحدث لـ"اندبندنت عربية"، إلى اعتقاد المسؤول الأميركي أن "حزب الله" بمشاركته في الحكومة يستفيد من الفساد، ويمول نشاطاته من المال العام والتهريب والتهرب من دفع الضرائب والرسوم، وبالتالي فإن ممارساته هذه ستحول دون تطبيق الحكومة الإصلاحات التي يعول ماكرون على إنجازها". ويستطرد شينكر قائلاً، "إذا نجح الفرنسيون وهم يتحركون نظراً إلى العلاقة العاطفية التي تربطهم بلبنان، سنكون مسرورين،  لكننا لن نغير موقفنا في المرحلة الراهنة، فوقوف الحزب داخل الحكومة، بوجه الإصلاحات سيحول دون الدعم المالي للبنان، ويجب عدم التوهم بإمكان دفع أي أموال من دون الإصلاحات".

وحين قيل لشينكر إن إيران و"حزب الله" ينتظران نتائج الانتخابات الرئاسية في أميركا ليقررا على ضوئها توجهاتهما، أوضح أنه يرجح أن تكون سياسة الدولة الأميركية هي نفسها حيال إيران والحزب، إذ إن نجاح جو بايدن لن يغير في هذا التوجه، لأن الجمهوريين والديمقراطيين يتفقون على وجوب وقف طهران عند حدها في زعزعة استقرار دول المنطقة والحلفاء العرب. ويرى شينكر أن نهج الضغوط على إيران لا يشهد خلافات بين الحزبين المتنافسين في واشنطن، لأنها تركز على العقوبات وتؤتي ثمارها من دون أي تورط عسكري يحرج السياسيين الأميركيين أمام الجمهور الواسع الرافض لإرسال جنود أميركيين إلى الشرق الأوسط. وفهم محدثو شينكر أن طهران تعاني بشدة من العقوبات، ولكن قادتها يحصرون الإنفاق المالي بالحرس الثوري والميليشيات التابعة لهم ولا يكترثون لحال العوز عند الشعب الإيراني، وهم على استعداد لقمع أي احتجاجات شعبية على تردي الأوضاع المعيشية الناجمة عن الحصار.

وفي وقت تركزت أسئلة شينكر على أفق الحراك الشعبي ضد الطبقة السياسية السائدة وأسباب انكفائه في الآونة الأخيرة، شرح بعض الناشطين ما يعانونه وتوالي الحوادث المأساوية والقمع الذي يتعرض له المتظاهرون، كان انطباع بعضهم أن الدبلوماسية الأميركية ستستمر في التعاطي مع رموز الطبقة الحاكمة لأن لا بدائل لها حتى الآن، في غياب قيادة موحدة للحراك الشعبي.

المزيد من تحلیل