Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كارتي ويليامز تجعل من "كويني" السوداء قصة العصر

حصدت الرواية جوائز عدة منها "كتاب العام" في بريطانيا وتنافس حولها الناشرون

الروائية البريطانية السوداء كاندي كارتي ويليامز (يوتويب)

"في البحث عن الزمن المفقود"، لم يترك مارسيل بروست شيئاً إلا وعراه، منقباً خلفه بمنتهى الأمانة عما انفلت من بين أصابعه، فهل تمكن بعد كتابة سبعة مجلدات، تزيد على مليون كلمة، من العثور عليه؟ في صيغة أخرى، هل بوسع السيرة الذاتية أن تصبح مادة صالحة للاستشفاء؟ حتى لو كانت الإجابة: لا، فمما لا شك فيه أن التجربة الحقيقية هي لحم الكتابة ودمها، وأن الخيال مهما استقى مادته بمنتهى البراعة، لا يضاهي ما يخطه الواقع بيدٍ من فولاذ. هكذا تبرهن كانديس كارتي ويليامز في روايتها "كويني"، البارعة والمضحكة والصادقة على نحو لا يتسم بالجدية.

كانديس كارتي ويليامز كاتبة بريطانية، من مواليد 1989. روايتها الأكثر مبيعاً "كويني"، كانت موضع مزاد بين أربعة ناشرين، وفي النهاية حصلت عليها أوريون مقابل مبلغ من ستة أرقام ونشرتها عام 2019. دخلت "كويني" قائمة الأكثر مبيعاً لصنداي تايمز، والقائمة المختصرة لفئة كتاب العام لووترستون، وفويلز وغودريدز، وفازت بجائزة بلاكويل للكتاب الأول عام 2019، والمركز الثاني في جائزة كوستا للرواية الأولى. في يونيو (حزيران) 2020، توجت أيضاً في جوائز الكتاب البريطاني Nibbies، بفئة "كتاب العام"، التي فازت فيها برناردين إيفاريستو بجائزة "مؤلف العام"، مما جعلهما أول كاتبتين من السود تفوزان بالجوائز الكبرى.

سيرة ذاتية ولكن...

كويني فتاة سوداء، في الخامسة والعشرين من عمرها، لديها تجارب في التفاوض على الحب والعمل والصداقة في لندن، بينما تكافح لتحتفظ ببيتها ووظيفتها. تفتتح  كارتي ويليامز روايتها بمشهد صادم لها على طاولة الكشف يفحصها طبيب ليتعرف على سبب آلام بطنها، ويستنتج أنها تعاني من إجهاض. تسير الأمور من سيء إلى أسوأ؛ صديقها يطلب قطع العلاقة والانتقال من شقته. تتردى هي في هوة عميقة، تتعرض خلالها لسلسلة من اللقاءات الجنسية المؤلمة، مع رجال يسيل لعابهم على منحنيات جسدها الأبنوسي، يطلقون عليها اسم "الفتاة الشوكولاتة"، أو يخبرونها أن لديهم "شيئاً" للنساء السود.

"الرواية ليست سيرة ذاتية بالضبط، إنها بالأحرى، نسخة مني إذا ما تركت الأمور تخرج عن نطاق السيطرة. أردت أن أكتشف كيف، في حالتي ومع الكثير من النساء مثلي، ما يزال يحدد نشاطنا الجنسي شخص آخر يريد شيئاً منا...".

ذات مرة، كانت كارتي ويليامز تتحدث إلى رجل تعرفت عليه من تطبيق مواعدة، وفي أثناء المكالمة، صرح لها: "أحب الأبنوسيات القويات حقاً وأريدهن أن يسيطرن علي". تعلق كارتي ويليامز بمرحها الزائد: "لقد حدث هذا لي، على سبيل المثال، 100 مرة". "الآن فقط بعد أن نضجت بما يكفي لأن أدرك قيمتي، لمَ أمضِ في هذا قدماً. الأصغر مني - الفتاة التي نشأت معتقدة أن الفتيات السود لسن مرغوبات إلا في الجنس - كانت ستستمتع بذلك لفترة طويلة"، "عندما يتعلق الأمر بالرجال: لا أضفي رومانسية على الأشياء، ولا أخوض في الأمور بشكل أعمى".

كويني كذلك، امرأة نابضة بالحياة، صادقة، جريئة، ولديها مشاكل مماثلة مع احترام الذات.

السبب في وجود "كويني"

قبل كتابة "كويني"، لم يكن لدى كارتي ويليامز فكرة مسبقة عن الموضوع المناسب لروايتها، أو عمن ستروي، بل لم تستطع أن تتخيل أن يكون بوسعها كتابة رواية، بسبب الديون والعمل بدوام كامل. في خريف عام 2016، علمت أن الروائية غوغو مويز توفر إقامة مجانية لمدة أسبوع للكتابة في منزلها في الريف. تتذكر قائلة: "كنت أعيش في منزل مشترك سيء حقاً... أتذكر أنني كنت أشعر بالبرد الشديد وفي الفراش. فكرت: حسناً، ليس لدي ما أخسره". في نهاية اليوم الأول، كانت كارتي ويليامز قد كتبت 8000 كلمة، ومع نهاية الأسبوع وصلت إلى 40 ألف كلمة. "لقد شعرت ببعض التدفق. أعتقد أن "كويني" كانت تختمر داخلي لفترة طويلة جداً".

عندما عادت إلى لندن، انتقلت للسكن في استوديو صغير "كان فيه كل شيء: الفئران، والعفن، والرخويات، والرطوبة". وما دفعها إلى الاستمرار هو إحباطها الدائم من عدم وجود نساء مثل "كويني" في الأدب المعاصر، والذي ما زالت تجده محيراً. إنها، كما تقول، جزء من مشكلة أوسع في صناعة النشر التي يديرها إلى حد كبير أفراد الطبقة الوسطى من البيض، الذين لديهم اهتمام محدود بمن هم خارج مجتمعهم وخبراتهم. أفضل أصدقاء كويني في روايتها من الأوغنديين السود، ويهودية من شمال لندن وامرأة بيضاء من الطبقة الوسطى، وهي مجموعة تعكس بدقة دائرة صداقتها الخاصة.

"لم أقرأ بعد كتاباً من تأليف امرأة بيضاء عن مجموعة متنوعة من الأصدقاء، التمثيل مهم، لأنني بحاجة إلى قراءة شيء أعرفه وأطفالي إن وجدوا، سيحتاجون إلى ذلك أيضاً... خطتي في البداية تمثلت في رغبتي أن أفعل شيئاً يمثل ذلك. هذا، في النهاية، هو سبب وجود كويني".

إثارة الفضول

لا تستطيع كارتي ويليامز أن تتذكر وقتاً في حياتها لم تكون فيه عرضة لأشكال خفية من العنصرية، بدءاً من الأولاد في المدرسة الذين كانوا يخبرونها بأنهم يحبون الخروج معها، ولكنّ والديهم لن يسمحوا لهم أبداً بمواعدة فتاة سوداء، إلى نساء لم تلتق بهم من قبل، يقدمن عليها ويلمسن شعرها. تقول: "أرتدي إيشارباً طوال الوقت الآن لأن هذا كثير جداً". "لم أذهب إلى كرنفال نوتينغ هيل لمدة عامين لأن آخر مرة ذهبت فيها كان على أصدقائي تشكيل دائرة حولي. استمر هؤلاء الأشخاص في الاقتراب ولمس شعري وهم يقولون "واو، يعجبني جداً".

يأتي عدم ثقة كارتي ويليامز من سنوات طفولتها البائسة جداً. فهي كانت تشعر بالوحدة طوال الوقت وبعدم قدرتها على  تحقيق أي شيء: "لدي ابنة عم أكبر مني بقليل وجميلة جداً، دائماً ما أجد نفسي في مقارنة بها،  كل فرد في العائلة كان يردد: "أنتِ ذكية ولكن ابنة عمك جميلة"، فشعرت بأنني منافسة قليلة الحظ بسبب ذلك، أعلم أنني لست جميلة، ولكن ماذا لو لم أكن ذكية"! لقد تعودت على قول الرجال، "أنت جميلة بالنسبة لفتاة سوداء" أو "لست من النوع الذي يناسبني عادةً". وفي الواقع، حين تبلغك أن هذه هي قيمتك، من الصعب أن ترفض لأنك تبدأ في الشعور بالامتنان لهذا الاهتمام".

ضحك أم بكاء؟

توظف كارتي ويليامز ببراعة في روايتها الأولى، الكوميدية والتراجيدية، لفحص الآراء الاجتماعية والعرقية، بأسلوب ناعم متسلل لا أثر فيه لضربات المطارق الثقيلة. وبخفة الظل نفسها تقدم لمحة عن أزمة السكن التي يواجهها جيل الألفية مع سلسلة من الشقق، كل واحدة منها محبطة ومبالغ فيها أكثر من سابقتها.  "من الحتمية المروعة أن يعرض أحد وكلاء العقارات تخفيض السعر مقابل الجنس".

قالت عنها ديانا إيفانز: "كويني رواية سياسية مهمة عن النسوية السوداء والحياة البريطانية السوداء، بمنظور نادر عن المهمشين"، وكتبت أفوا هيرش في صحيفة التايمز: "أخذت كارتي ويليامز قصة امرأة سوداء وجعلتها قصة العصر". وحين قرأتها كيت سوندرز وقعت في نوبة من الضحك أعقبتها رغبة في البكاء، فوصفتها بالرواية الصاعقة، وقالت عنها المحكمة باندورا سايكس: "إن القضايا الجسيمة المتعلقة بالهوية والعرق والأسرة والمغايرة والصحة العقلية يتم تقطيرها في نثر يسهل هضمه ولكنه مؤثر للغاية". أما محكمو جائزة الكتاب البريطاني فقد ذهبوا إلى أن كويني قادرة على تغيير تصورات الصناعة حول الروايات التي يمكن أن تكون ناجحة تجارياً ونقدياً".

المزيد من ثقافة