تأثرت منطقة دول الساحل الأفريقية سلباً بموقعها الجغرافي المعزول عن العالم، وزاد من هذا التأثر الواقع الاقتصادي الهش لدول المجموعة وانتشار الأمية والفقر. ثم ظهر تحدي الإرهاب ليفاقم محنة هذه البلدان. هذه مسائل جعلت قادتها يفكرون في مخرج استراتيجي يضمن قيام تنمية تُؤسس لنهضة سكان هذه الدول، التي يتجاوز عددهم 100 مليون نسمة، وهم يعيشون في مساحة تقدر بـ 10 ملايين كيلومتر مربع تتقاسمها خمس دول هي: موريتانيا والنيجر وتشاد ومالي وبوركينافاسو.
قمة نواكشوط
في ديسمبر (كانون الأول) 2014، اجتمع في العاصمة الموريتانية نواكشوط، زعماء خمس دول أفريقية، وأعلنوا تأسيس تجمع إقليمي للتنسيق ومتابعة التعاون، لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، والعمل على حشد التمويلات واستقطاب الاستثمار الأجنبي لتحقيق التنمية وخلق فرص العمل وإقامة البنى التحتية اللازمة للنهوض ببلدانهم.
إلا أن الطريق التي تجمع دول المجموعة لم تكن مفروشة بالورود، فالتحديات الأمنية تُجابه أحلام زعماء دول الساحل ببسط الأمن في منطقة ينشط فيها مئات المقاتلين الأجانب، الذين فروا من ساحة المعارك الطاحنة في سوريا والعراق خلال السنوات الماضية، وفق تقرير صدر مطلع مارس (آذار) الحالي عن مركز التفكير الأميركي حول الأمن (ستراتفور). وتشير تقارير أمنية إلى أن القارة الأفريقية هي "الساحة الجديدة للحرب على الإرهاب".
ويضاف إلى التحديات الأمنية، الواقع الاقتصادي الصعب الذي تئن تحت وطأته شعوب هذه المنطقة، في الوقت الذي يشهد التهريب بيئة خصبة للانتشار، بدءاً من تهريب المخدرات والأسلحة في بحار من الرمال تنعدم فيها أي سلطة مركزية للدولة.
برنامج استثماري
هذا الواقع دفع واضعي الإستراتيجية، التي تقوم عليها فكرة دول الساحل، إلى إنشاء رافعة تنموية لتوطين السكان في أماكنهم الأصلية، وخلق بيئة إنتاج تُبعد السكان عن الانخراط في أي نشاط غير قانوني.
وضعت دول مجموعة الخمس برنامج استثمار بقيمة 15 مليار دولار أميركي، لتطوير المجموعة وتطبيق الإستراتيجية التي اتُفق عليها والتي تجمع بين الأمن والتنمية.
وفي اجتماع المانحين الأخير في ديسمبر الماضي، الذي احتضنته نواكشوط، أعلنت دول المجموعة إطلاق 40 برنامجاً تنموياً من المقرر لها أن تنفذ خلال ثلاث سنوات.
ويتضمن البرنامج التنموي العاجل، الذي أعلن عنه في قمة نواكشوط مشاريع تستهدف المناطق الحدودية الأكثر هشاشة في دول الساحل الخمس، ويقوم على أربعة محاور رئيسة هي: الأمن والحوكمة والبنية التحتية والصمود والتنمية البشرية. وهو جزء من "برنامج الاستثمارات ذات الأولوية".
ويتطلب تنفيذ هذه المشاريع 2.4 مليار يورو، لا تزال تعهدات من المموّلين والشركاء، ما يثير إشكالاً كبيراً يتعلق بمصادر التمويل.
تمويل عربي
على الرغم من أن هذه الدول تتوجه عادة إلى الاتحاد الأوروبي للبحث عن التمويل، إلا أن ذلك لم يمنع دولاً عربية من تقديم يد العون للقضاء على الإرهاب والفقر والجهل.
تفاوتت إسهامات الدول العربية في تمويل دول المجموعة، بين من قدم المال ومن استثمر في البنية التحتية ومن شارك في الدعم اللوجستي.
تمثل الدعم السعودي في تقديم هبات مالية على مرحلتين. ويؤكد الباحث في قضايا الجماعات المسلحة الشيخ محمد أن "السعودية كانت من ضمن الحاضرين لمؤتمر بروكسل العام الماضي المخصص لدعم جهود دول الساحل في الحرب على الإرهاب، وهو حضور تجسد في دعم بقيمة مئة مليون يورو، موجهة بالكامل إلى القوة العسكرية المشتركة".
كما كانت حاضرة في مؤتمر المانحين بنواكشوط قبل أشهر، وأسهمت بمبلغ مئة مليون يورو أخرى، نصفها موجه إلى القوة العسكرية المشتركة، والنصف الآخر إلى المشاريع التنموية.
ويضيف محمد "كانت هنالك دولة الإمارات التي خصصت 30 مليون يورو لدعم القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل الأفريقي، ومن المعروف أن الإمارات تلعب دوراً مهماً في مساندة دول الساحل وتطوير جيوشها، خصوصاً موريتانيا التي افتتحت فيها الإمارات كلية عسكرية متطورة يتم فيها تكوين الضباط الآتين من دول الساحل".
أما المغرب فقدمت دعماً وإسناداً استخباراتياً وتنموياً لمصلحة دول الساحل الخمس.
أهم المحطات
على الرغم من الإعلان عن تأسيسها في فبراير (شباط) 2014، إلا أن مجموعة دول الساحل الأفريقي لم ترَ النور فعلياً إلا بعد التوقيع على اتفاقية تشكيلها في شكل رسمي في 19 ديسمبر من العام نفسه في نواكشوط.
وأطلقت مجموعة دول الساحل الخمس قوة عسكرية مشتركة في يوليو (تموز) 2017. وجرى تشكيلها من أجل ثلاثة أهداف، هي: محاربة الإرهاب ومكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود ومكافحة تهريب البشر.
وتضم القوة العسكرية المشتركة 5 آلاف جندي، يتوزعون على سبع فرق عسكرية. وهي تنتشر في ثلاث مناطق رئيسة: الشرق والوسط والغرب.
ونفذت القوة العسكرية المشتركة عمليتها الأمنية الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، بالتنسيق مع جيوش مالي والنيجر وبوركينا فاسو، على الحدود بين الدول الثلاث.