Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

استهداف العيون عقاب عالمي رهيب للتظاهرات السلمية

مع تنامي استخدام الأسلحة "الأقل فتكاً" في كل أنحاء المعمورة، يدفع عدد متزايد من المتظاهرين ثمناً رهيباً لقاء رفع صوتهم

استهداف عيون المتظاهرين صار شائعاً من فرنسا إلى لبنان مروراً بتشيلي وهونغ كونغ (غيتي)

تذكر نيكول كرام تلك الفكرة التي راودتها لحظة ارتطامها بالأرض "ليس عيني". كانت المصوّرة الفوتوغرافية البالغة من العمر 29 متواجدة في وسط مدينة سانتياغو في تشيلي ليلة رأس السنة، كي توثق الأحداث وتحتفل في الآن ذاته مع آخرين في ساحةٍ تحولت إلى قلب احتجاجات استمرت أشهراً طوالاً.

منذ 18 أكتوبر (تشرين الأول)، قمعت الشرطة والقوات العسكرية انتفاضة تشيلي بعنف وقوة. واتهمت جماعات حقوق الإنسان الدولة بإصابة المتظاهرين عمداً عبر استخدام أسلحة للسيطرة على الحشود من قبيل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي.  

ومع قدوم ليلة رأس السنة، أصيب 359 شخصاً- ومن بينهم متظاهرون ومارة وصحافيون- في أعينهم جراء استخدام هذه الأسلحة التي يُزعم أنها "أقل فتكاً" فيما فقد شخصان نظرهما كلياً. وارتفعت إصابات الأعين على مر الأشهر إلى أكثر من 460 إصابة.

وأثناء مقابلتها مع اندبندنت، تتذكّر كرام كيف أضاءت الألعاب النارية السماء وملأت البهجة الأجواء- وهو تغييرٌ رحب به الجميع بعد أشهر من المواجهات العنيفة مع الشرطة في إطار تظاهرات اندلعت احتجاجاً على عدم المساواة المزمنة وسوء الإدارة الحكومي. لكن هذه الأجواء انقلبت في لحظة رأساً على عقب. وفيما قطعت كرام الساحة، لم تنتبه إلى صف الشرطيين الذين بدأوا بإطلاق العيارات (النارية) على الحشد.

فأصيبت كرام بطلقة خردق أفقدتها 90 في المئة من نظرها في عينها اليسرى. وبعد إصابتها، تحسّست وجهها بيدها وبدأت ترتجف لا إرادياً حين رأت يدها مغطاة بالدم. وتستذكر تلك اللحظة قائلةً "ظننت أن رأسي ينفجر وأن دماغي يخرج منه".

وتعتقد كرام أن الشرطة التشيلية تطلق النار مباشرة على العيون في إطار إستراتيجية هدفها وضع حد للتظاهرات. وتقول "هو نوع من القمع الفعال والمنظم. عندما تُصاب في عينك، يشلّون حركتك من دون أن يقتلوك".

وتُواصل كرام حضور جلسات العلاج من الصدمات بسبب الأذى النفسي الذي تعرضت له-  وما زالت تراودها كوابيس عن تلك الليلة. لكنها عازمة في الوقت ذاته على معالجة المسألة. وانضمت، كما المئات الذين تعرضوا لإصابات مشابهة، إلى تجمع ضحايا إصابات الأعين، وهي مجموعة تدفع باتجاه إرساء العدالة وإصلاح جهاز الشرطة.

وانضم سيباستيان زمبرانو البالغ من العمر  19 إلى التجمع كذلك بعد اصطدام عبوة غاز مسيل للدموع أُطلقت خلال التظاهرات في أكتوبر بعينه اليمنى وتسببها بالعمى (في تلك العين). فالإصابة غيّرت حياته كلياً- وهو يعاني من أوجاع في الرأس ومن نوبات فقدان الوعي، التي أجبرته على التخلي عن دراسته. ويقول "لا أستطيع التركيز على الأحرف". كان يدعم قوات الأمن في بلاده في السابق وأصبح لديه الآن إيمان راسخ بأنه "يجب إصلاح الشرطة".  

بالنسبة إلى الناشطين والصحافيين والمتظاهرين والمجموعات الحقوقية، تحولت العين إلى رمز للمقاومة. ومع تعاظم اللجوء إلى الأسلحة "الأقل فتكاً"، قد يصبح فقدان النظر ثمناً لإعلاء الصوت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول الخبراء إنّ استخدام مقذوفات الطاقة الحركية (التي ينضوي تحتها الرصاص المطاطي والبلاستيكي والحبيبات المرنة والحبيبات الإسفنجية وطلقات الخردق) في ازدياد حول العالم، وهو نمط مقلق من الإهمال والعنف الذي ترتكبه الشرطة أدّى إلى إصابة الآلاف بالعمى.

وتقول إريكا غيفارا روساس، مديرة مكتب الأميركيتين في منظمة العفو الدولية Amnesty International "في العديد من الحالات لا سيما في تشيلي، تعمدت السلطات بشكل واضح إلحاق الأذى بضحاياها كأسلوب من العقاب ومن أجل ثنيهم عن التظاهر. هذا تهديد صارخ ومخيف لحرية التعبير والحق في التجمع السلمي".

وتقول ليندا تيرادو الصحافية البالغة من العمر 36  من ناشفيل في الولايات المتحدة من جهتها، "أنا مستاءة إلى حد يعصى التصور لوجود هذا العدد الكبير منا". وهي واحدة من بين 30 شخصاً في البلاد أصيبوا بطلقات في وجههم تسببت لهم بالعمى الجزئي خلال الموجة الأخيرة للتظاهرات المناهضة للعنصرية في ما تدعوه الأكاديمية الأميركية لطب العيون "حالة طوارئ طبية". فصلت طلقة الإسفنج التي أُطلقت على عين تيرادو اليسرى اثنتين من العضلات المسؤولة عن حركتها ثم فجّرت مقلتها. فأثر هذه الطلقات حين تضرب العين أشبه بمطرقة تسحق حبة عنب.

وأجرت الدكتورة روهيني هار، وهي طبيبة متخصصة بالطوارئ وباحثة زميلة في مركز حقوق الإنسان في كلية بيركلي الحقوقية في جامعة كاليفورنيا دراسات على وفيات وإصابات جراء مقذوفات الطاقة الحركية في كل أنحاء العالم.

وتصف استخدام هذه الأسلحة بأنها "شكل من القمع المنظم".

وتقول لـ اندبندنت "إن إخفاق الحكومة الأميركية وغيرها من الحكومات، في تنظيم استخدام هذه الأسلحة قانونياً بالإضافة إلى وتيرة انتشار استخدامها ومداها، هي أمر منهجي".

والتقطت تيرداو صوراً للشرطة قبل لحظات من إصابتها بالعمى جراء ما تعتقد أنها طلقة من الإسفنج المضغوط. وهي "آخر صور (التقطتها) بعينين اثنتين". بعد مرور ثلاثة أشهر على الحادثة، ما زالت تحاول أن تستوعب ما جرى لها.

وتقول "لا أحب أن أقول إن التصرف كان متعمداً لكنني لا أرى أي تفسير آخر فعلياً للدلائل التصويرية الموجودة بين يدي. ولم أكن جزءاً من حشد ولا محاطة بمجموعة من الناس. لا بد أنهم تعمدوا أن يصيبوني- سواء في الوسط أو في الرأس".

واستناداً إلى القوانين الدولية، يجب توجيه مقذوفات الطاقة الحركية إلى القسم السفلي فقط من جسم "شخص عنيف في حال وجود خطر كبير". لكن الأبحاث تُظهر أن هذه المقذوفات "غير دقيقة بطبيعتها عندما توجه من مسافات بعيدة" و"يُرجح أن تكون قاتلة" إن أُطلقت عن قرب.

ويُبيّن نمط إصابات العيون بالفعل إساءة استخدامها بشكل واسع على يد السلطات في كل العالم.

ففي كشمير في الهند، أصيب الآلاف بالعمى خلال اشتباكات بين المتظاهرين والقوى الأمنية. وبين تاريخي 8 يوليو (تموز) و15 سبتمبر (أيلول) 2016 فقط، استقبل مستشفى "إس إم إتش إس" في سريناغار 635 مريضاً تقريباً لديهم إصابات في أعينهم بسبب حبيبات الخردق.

وفي فرنسا، خسر 24 شخصاً في الأقل أعينهم بعد اندلاع حركة السترات الصفر في 2018.

وبحلول ديسمبر (كانون الأول) 2019، أفادت وزارة الصحة في غزة عن إصابة 50 متظاهراً في عيونهم منذ اندلاع التظاهرات في مارس (آذار) 2018 .

ومنذ سنة في هونغ كونغ، تحولت شابة تضع ضمادة ملطخة بالدم إلى رمز غير رسمي للتظاهرات بعدما أصيبت في عينها.

ومؤخراً، خلال ليلة الثامن من أغسطس (آب)، حين نزل عشرات آلاف المتظاهرين إلى شوارع بيروت في أعقاب الانفجار المدوي، عالج المركز الطبي التابع للجامعة الأميركية في بيروت سبعة أشخاص-  في سن دون الثلاثين - بعد إصابتهم في أعينهم. وكان العدد نفسه من إصابات العيون التي عالجوها ليلة الانفجار.

وصُعق الدكتور بهاء نور الدين، رئيس قسم طب العيون في المستشفى، إزاء ما رآه. "ليسوا قادمين من ساحة معركة. هم مجرد شبان وشابات. لا يجب توجيه هذه الأسلحة على المتظاهرين".

وفيما ترتفع أعداد الإصابات المشابهة في هذه الفترة، وقعت في السابق أحداث تشكل أمثلة على الإصابات الرهيبة التي تتسبب بها هذه المقذوفات منذ بدأت بريطانيا الاستعمارية باستخدامها. فمن نصف قرن مضى، حين جلب البريطانيون الطلقات المطاطية معهم إلى إيرلندا الشمالية خلال حقبة الاضطرابات، قُتل ثلاثة أشخاص قبل أن يستبدلوا الطلقات بـ "حبيبات" بلاستيكية- اعتُقد أنها أكثر أماناً، مع أنها قتلت أكثر من 12 شخصاً بين عامي 1975 و1989.

وأصيب كثيرون بالعمى خلال فترة الاضطرابات. لم يتعدَ عمر ريتشارد مور السنوات العشر حين أصابت إحدى الطلقات جسر أنفه. حدث ذلك بعد أن أطلق جندي بريطاني النار على ملعب مدرسة في ديري، ما حطم عين مور اليمنى وتسبب له بالعمى الدائم في عينه اليسرى.

وما زال يشعر بالرعب والحزن إزاء استخدام هذه الأسلحة المستمر ضد المدنيين حتى بعد مرور 48  عاماً على إصابته.

ويقول لـ اندبندنت "هذا ظلم حقيقي. ما يرتكبونه إجرام. يجب أن لا يزعموا أن من يستخدمون هذه الأسلحة يمكن إدارتهم والسيطرة عليهم. فمن يستخدمها ينوي إلحاق الأذى الجدي. لا يمكن لأي أحد نكران ذلك الآن".

"يلازمك أثر ما جرى معك ذلك اليوم باستمرار. لم تفارقني تلك الرصاصة المطاطية يوماً".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير