Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يغمر فيضان النيل مخاوف مصر والسودان من آثار سد النهضة الإثيوبي؟

مفاوضات السد تتعثر مجدداً في الوصول إلى "نسخة مدمجة" للخلافات الفنية والقانونية لرفعها للوسيط الأفريقي وارتفاع الفيضان يدفع بمزيد من "الأحادية"

ارتفاع منسوب النيل الأزرق في السودان  (وزارة الري السودانية)

أثار الارتفاع التاريخي لمنسوب النيل الأزرق بالتزامن مع قيام سد النهضة الإثيوبي لأول مرة بحجز المياه بغرض تحقيق الملء الأول لخزان السد المقام على هذا الرافد الأساسي للنيل تساؤلات المراقبين حول تأثير زيادة فيضان النيل على الموقف الراهن لمفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا التي تجري هذه المرة برعاية الاتحاد الأفريقي للوصول إلى اتفاق حول ملء وتشغيل السد الإثيوبي المثير للجدل، حيث تخشى مصر والسودان من آثار السد، وخاصة على الحصة المائية السنوية التي تصل إلى كل دولة، ولا سيما اذا انحسر الفيضان خلال سنوات الجفاف، بينما يعزز الإيراد المائي الضخم من موقف إثيوبيا العازمة على الانتهاء من ملء السد خلال أقصر عدد ممكن من السنوات لتحقيق الهدف الوحيد المفترض للمشروع، وهو إنتاج الكهرباء التي تقول حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد إن المشروع سيوفرها لنحو 60 مليون إثيوبي لا تصل إليهم الكهرباء.

وخلال القمة الأفريقية المصغرة الأخيرة حول سد النهضة التي عقدت الشهر الماضي، أعلنت إثيوبيا أنها قامت بالخطوة التي سبق أن وصفتها القاهرة بأنها "خط أحمر"، وتمثل "إعلان حرب" بالنسبة لها، أي بدء الملء الأول، نتيجة ارتفاع الفيضان هذا العام لغزارة الأمطار خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر يوليو (تموز) الماضي مع بدء موسم الأمطار على الهضبة الحبشية، فيما دعا ارتفاع الفيضان عديداً من الكتاب الإثيوبيين إلى تبرير قيام أديس أبابا بخطوات أحادية ما دامت لن تؤثر بصورة كبيرة على دولتي المصب في ظل ارتفاع الفيضان بصورة غير متوقعة، وفي حين يؤكد متخصصون مصريون خطورة ذلك في ضوء عدم اليقين حول حجم الفيضان خلال اجماعي موسمه المستمر 3 أشهر على الأقل، يرى البعض أن ارتفاع الفيضان خلال السنوات القادمة ليس مسألة مضمونة، بل المؤكد أن هناك سنوات جفاف وجفاف ممتد تتكرر كل حقبة، كما أن ارتفاع الفيضان في حد ذاته قد يؤثر على سلامة سد النهضة وسعته وقدرته على تصريف المياه، وكلها أمور ينبغي ضمانها من خلال الاتفاق حول السد الذي لا يزال في مرحلة استكمال الإنشاءات.

وبينما احتلت عناوين التقارير حول غرق مدن العاصمة السودانية الخرطوم نتيجة ارتفاع الفيضان وغزارة الأمطار صدر الصفحات الأولى بالصحف السودانية على مدار الأيام الماضية، أعلنت مصر والسودان نبأ كان متوقعاً حول تعثر جديد للجولة الحالية للمفاوضات بشأن ملء وتشغيل سد النهضة والمشروعات المستقبلية على النيل الأزرق، في ختام اجتماع وزاري مطول انتهى مساء الجمعة دون توافق حول مسودة أولية مدمجة للاتفاق بمشاركة وزراء الري والموارد المائية في الدول الثلاث وبرعاية الاتحاد الأفريقي، وبحضور متخصصين ومراقبين من قبل الاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، حيث كان مقرراً الوصول إلى نسخة أولية مدمجة من مقترحات البلدان الثلاث لبنود الاتفاق وصياغات بديلة للبنود الخلافية لتقديمها إلى جنوب أفريقيا رئيس الاتحاد الأفريقي للعمل على اقتراح نسخة توافقية أمام تمسك كل دولة بمواقفها وشروطها للاستمرار في التفاوض تحت المظلة الأفريقية الراهنة.

أعلى منسوب للنيل منذ 100 عام

تتواصل على مدار شهر أغسطس (آب) الحالي تحذيرات وزارة الري والموارد المائية السودانية للمواطنين من ارتفاع منسوب الفيضان هذا العام، وخاصة بعدما شهدت أوائل الشهر نفسه انهيار سد بوط الذي أدى إلى تدمير نحو 600 منزل، بسبب هطول الأمطار الغزيرة في ولاية النيل الأزرق، جنوب شرقي السودان، وقالت الوزارة في بيان، الخميس، إن مقياس النيل في الخرطوم "يسجل أعلى منسوب في سجلات وزارة الري والموارد المائية خلال المائة عام السابقة، وهنالك زيادة في عديد من الأحباس"، داعية المواطنين والجهات المختصة إلى "أخذ الحيطة والحذر".

وأكدت الوزارة السودانية أن "منسوب النيل الأزرق بالخرطوم سجل أعلى مستوى له منذ أكثر من قرن من الزمان بوصوله إلى 17 متراً و32 سنتيمتراً، وهو أعلى ارتفاع سجل في الخرطوم منذ بدء تسجيل مناسيب النيل قبل أكثر من مئة عام"، فيما عقد محمد عبد العاطي وزير الموارد المائية والري المصري، اجتماعاً مع اللجنة الدائمة لتنظيم إيراد النهر لمتابعة موقف الفيضان لهذا العام ومتابعة حالة الأمطار على النيل الأزرق.

ذكرت اللجنة المصرية المعنية بإيراد النهر أنه من المحتمل أن يكون أعلى من المتوسط، وأن الوارد خلال أغسطس أعلى من نظيره في العام الماضي، بالإضافة إلى أنه سيكون هناك مؤشر جيد عن حالة الفيضان في نهاية سبتمبر (أيلول).

من المبكر تقدير الفيضان

قال محمد السباعي المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري المصرية، إنه من المبكر تقدير حجم الفيضان الراهن مقارنة بمتوسط الفيضان المتعارف عليه، وخاصة فيضان العام الماضي الذي جاء أعلى من المتوسط، مؤكداً أن موسم الفيضان يبدأ في مصر في بداية أغسطس، وينتهي يوم 30 أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام، وتسمى تلك الفترة "السنة المائية"، ومن ثم لا يعني ارتفاع منسوب النيل في أسابيع معينة من الفيضان أن موسم الفيضان سيشهد ارتفاعاً إجمالياً، حيث يمكن حساب ذلك في نهاية الموسم، لكن "أجهزة الوزارة تظل تتابع الموقف المائي في دول المنابع يومياً وترصد مياه النيل منذ أن تكون سحابة في سماء دول المنابع إلى أن تسقط في شكل أمطار، سواء فوق الهضبة الحبشية، أو غيرها، ثم تأتي عبر روافد النيل المختلفة ومنابعه إلى مصر، لتبدأ إدارة الموارد المائية النيلية التي تمثل 97 في المئة من إجمالي الاستخدامات المائية المصرية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

السودان يعاني الفيضان ويخشى الجفاف

تداول كتاب ونشطاء إثيوبيون بمواقع التواصل الاجتماعي آراء تدعو الخرطوم إلى الطلب من أديس أبابا القيام بالتعبئة الثانية المقررة وفقاً لجدول الملء الأول لخزان سد النهضة المقترح من جانب إثيوبيا خلال المفاوضات، من أجل التخفيف من آثار ارتفاع الفيضان على المدن السودانية، فيما يرى نشطاء سودانيون أن إثيوبيا قامت بتصريف كميات أكبر من اللازم من المياه، متهمين أديس أبابا بتعمد ذلك بعد أن قامت بحجز المياه الخاصة بالعام الأول، لإثبات ما تقول إنه فوائد للسد ستعود على السودان الذي تأثرت محطات المياه به خلال الشهر الماضي وخرج معظمها عن الخدمة نتيجة انخفاض منسوب المياه خلال قيام إثيوبيا بالملء الأول.

وبينما ذكرت وزارة المياه المصرية أنه "يتم التنسيق على مدار الساعة مع الجانب السوداني في إطار من التعاون المتبادل وتبادل البيانات والمعلومات وإجراء القياسات المشتركة في بعض محطات القياس"، قال السباعي إن مصر لن تتضرر بارتفاع منسوب النيل خلال الفيضان الحالي نتيجة السد العالي والمنشآت المائية القادرة على استيعاب أي ارتفاع في معدل الفيضان، موضحاً أن الفيضان في السودان له ظروف مختلفة عن مصر، ويرتبط أيضاً بغزارة الأمطار في السودان، ما يجعل السودان خلال تلك الفترة "دولة منبع ومصب" في الوقت نفسه، مشيراً إلى أن السد العالي وبحيرة ناصر جعلا من القرى والمدن بضفتي النيل في مصر بمأمن من الآثار المدمرة للفيضان، كما كان يحدث في الماضي.

ويرى المحلل السياسي السوداني حسين ملاسي أنه ليس هناك دلائل على أن إثيوبيا فتحت البوابات من أجل إحداث فيضان مفتعل يؤثر على الموقف السوداني من ملء السد، من خلال تمرير جزء إضافي من مياه البحيرة المكونة من نحو 5 مليارات متر مكعب، مؤكداً أن الفيضان الحادث في السودان فيضان طبيعي نتيجة الأمطار الغزيرة التي هطلت على الهضبة الإثيوبية بكثافة هذا العام.

وأكد المحلل السياسي السوداني في تصريحات خاصة أن "فيضان هذا العام غير مسبوق ومدمر للغاية ودخل بعض المناطق التي لم يدخلها الفيضان خلال السنوات الماضية، ومعظم السنوات الماضية كانت المشكلات من السيول المرتبطة بالأودية المتجهة نحو النهر، ولكن المشكلة الأساسية هذا العام من الفيضان الذي جاء بالتزامن مع الملء الإثيوبي وتعثر المفاوضات". وأشار ملاسي إلى خشية السودانيين أيضاً على الحصة المائية، وليس فقط من زيادة المياه، في ضوء تأثر الزراعة الفيضية السودانية بحجز إثيوبيا للمياه، فضلاً عن تأثر محطات رفع المياه كما حدث الشهر الماضي.

وأكد عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، أن مصر "تستقبل أول إيراد جديد في نهاية يوليو أو أوائل أغسطس، وهذا العام وصلت المياه الجديدة إلى مصر في منتصف أغسطس، حيث بدأ منسوب المياه في بحيرة ناصر يرتفع، تحديداً يوم 9 أغسطس، والمفترض كان يكون 25 يوليو"، مؤكداً أن "الزيادة الراهنة في الفيضان حصلت عليها إثيوبيا من خلال حجز المياه، لكن هذه الزيادة ليس مؤكداً أن تتكرر في كل عام، أو أن تستفيد مصر منها".

وأوضح أن "الفيضانات والسيول الراهنة في السودان ناتجة عن مياه أمطار داخلية ليس لها علاقة بزيادة فيضان نهر النيل ولا بسد النهضة، وعادة تفقد تلك المياه من دون أن تصل إلى نهر النيل أو تزيد إيراده المائي، حيث يفقد في السودان نحو 10 مليارات متر مكعب سنوياً من المياه".

الفيضان كورقة تفاوضية

لم تتوافق الدول الثلاث في اختتام جولة المفاوضات الحالية إلا على إعلان ختامها من دون التوافق على مسودة الاتفاق المدمجة، بعد أن كان المفترض تقديمها لرئاسة الاتحاد الأفريقي يوم الجمعة، وترك الخيار لكل دولة من الدول الثلاث بمخاطبة رئاسة الاتحاد الأفريقي بشكل منفرد، حسبما أوضحت الخرطوم.

وقالت وزارة الري السودانية، إنه بعد مفاوضات مطولة بين الدول الثلاث لدمج مسودات الاتفاقيات المقترحة من الدول الثلاث "والتي شارك فيها السودان على الرغم من تحفظاته عليها بالنظر إلى أن للدول الثلاث تجارب ما زالت حاضرة في تبني هذه الصيغة في تقريب وجهات النظر"، بالمقابل اقترح السودان دوراً أكبر للمراقبين في التوصل لهذه المسودة المدمجة، ولكن "بعد تقييم دقيق لتطور المفاوضات ومراجعة عمل فرق المتخصصين على مدى الأيام الماضية، بدا واضحاً تعثر مسيرة دمج المسودات الثلاث.

"الفيضان الحالي من المفترض أنه ليس له علاقة بالتفاوض، لأن التفاوض والاتفاق يضع قواعد للمستقبل وطرق للملء والتشغيل، وفي حالة ارتفاع الفيضان هناك قواعد معينة، وقواعد أخرى في حالة الجفاف أو الفيضان المنخفض، لكي يتم الملء وفق الظروف الهيدرولوجية"، هكذا علق شراقي، موضحاً في تصريحات خاصة أن "الفيضان الحالي يمكن أن يكون أعلى قليلاً من العام الماضي، وليس مبرراً لما حدث من تخزين في بداية الموسم، حيث تم حجز كل كمية المياه في الأسابيع الأولى من يوليو على الرغم من أن معدل الفيضان لم يتضح حتى الآن".

وأكد شراقي أن من "المفروض ألا نسمح بأن سعة السد الإثيوبي تكون 74 ملياراً لأن ذلك إذا حدثت مشكلة خلال موسم فيضان مرتفع سيؤدي إلى كارثة أو تهديد خطير لمصر والسودان، كما حدث في الصين خلال الشهرين الماضيين في أكبر سد على مستوى العالم يخزن كمية مياه نحو 40 مليار فقط، ورغم فتح معظم بوابات السد هناك مخاطر من غرق المدن التالية للسد، وكذلك هناك خوف من انهياره إذا لم يقم بتصريف كمية مناسبة من المياه"، واعتبر أن الدعوات الإثيوبية لحجز مزيد من المياه باستغلال ارتفاع الفيضان غير واقعية، لأنه "مستحيل حجز مزيد من المياه لأن الجزء الأوسط من السد لم يكتمل، ولا يمكن استكمال بنائه إلا بعد انتهاء موسم الفيضان وانخفاض المياه عن الجزء الأوسط من السد الذي تمر منه المياه حالياً".

وقال المحلل السياسي الإثيوبي عبد القادر عثمان في تصريحات خاصة لـ"اندبندنت عربية"، إن "إرهاصات الملء الثاني بدأت من الآن، ويمكن أن تقوم إثيوبيا بحجز كمية المياه المقررة للعام الثاني دون أن تتأثر السودان ومصر في ظل ارتفاع الفيضان خلال آخر عامين، ووجود مزيد من المياه التي يمكن أن تعدل جدول الملء المقترح للاستفادة منها، وتجنب حجز المياه خلال انحسار الفيضان والأمطار لتجنب الأضرار على دولتي المصب، كما أن ذلك سيفيد السودان الذي يُعاني غرق المحاصيل والمنازل والتدمير الكبير نتيجة ارتفاع منسوب النيل والفيضان الحالي".

لكن المحلل السياسي السوداني يرى أن "المواقف التفاوضية لمصر والسودان تجاوزت مرحلة قيام السد وتجاوزت مرحلة الكلام في الأساسيات والمرتبطة بانتظام سريان النهر طوال السنة وتوازن التدفقات المائية، فالخلاف ليس في وجود السد في حد ذاته أو بدء ملئه كما رأينا أن الخطوة تمت خلال المفاوضات، ولكن الخلاف في التفاصيل الفنية والقانونية، ولذلك الفيضان الراهن ليس له تأثير في إضعاف المواقف التفاوضية لمصر والسودان، وقطاع من الرأي العام السوداني غير المتابع للتفاصيل يتمنون لو أن إثيوبيا تغلق البوابات في الوقت الحالي لحجز كميات أكثر من المياه لحماية السودان من الفيضان، ومن يطالب بذلك لا يعلم أن إنشاءات السد الموجودة في الوقت الحالي لا تسمح بحجز كمية أكبر مما تم احتجازه بالفعل، وهو لن يحدث إلا بعد استكمال الإنشاءات وتعلية الجزء الأوسط من السد".

 

 

هل تبالغ دولتا المصب في القلق بشأن المياه؟

خلال توقف المفاوضات على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، قال ياسر عباس وزير الري والموارد المائية السوداني، إن السد الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق على بعد نحو 20 كيلو متراً من حدود السودان، سيكون وبالاً على 20 مليون سوداني من القاطنين على ضفاف النيل في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق ملزم ينظم ملء وتشغيل السد، مجدداً تأكيد رفض بلاده الإجراء الأحادي ببدء ملء السد. وبينما تؤكد إثيوبيا التزامها بتقليل الأضرار المتوقعة على مصر والسودان نتيجة ملء وتشغيل السد فإن متخصصين إثيوبيين طالبوا حكومة بلادهم بسرعة ملء خزان السد خلال مدة لا تزيد على 4 سنوات للتمكن من توليد الطاقة وتشغيل المشروع بطاقته القصوى، وخاصة في ظل إمكانية استغلال ارتفاع الفيضان.

وأضاف السباعي أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة "لا يعني ارتفاع الفيضان منح إثيوبيا الحق للملء والتشغيل وتصريف المياه بطريقة أحادية لأن سد النهضة لو خرج منه كمية كبيرة لأي سبب، سواء كان خللاً في السد، أو نتيجة ارتفاع الفيضان، فإن السدود السودانية لا تتحمل التصريف لكميات كبيرة، لأنه إذا ارتفع الفيضان سيمرر المياه من الممر الأوسط وبوابات التوربينات، وخلال اليوم الواحد يمكن تمرير أكثر من مليار متر مكعب من سد النهضة، وهو يؤثر على سد الروصيرص، الذي لا يحتمل تخزين مياه أكثر، وهو يبعد 15 كيلو متراً فقط عن سد النهضة، ولذلك فإن السودان حريص على تناول الاتفاق لعمليتي الملء والتشغيل، ويرفض اتفاقاً جزئياً"، مشدداً على أن مخاوف مصر والسودان من السد حقيقية، وتعني على أقل تقدير تأثرها بكمية المياه التي ستحجزها إثيوبيا طوال سنوات الملء، فضلاً عن الأضرار المحتملة حال حدوث جفاف مستقبلاً.

وأوضح أن زيادة الفيضان تعتبر منحة ربانية نقوم بإدارتها بكفاءة عالية واستغلالها على الوجه الأمثل في مصر وتستفيد منها البلدان الأخرى "لكنها لا تعني تعويضنا عن أضرار السد، أو حتى سد العجز المائي، فاحتياجات مصر المائية في زيادة مستمرة نتيجة زيادة السكان والاستخدامات الزراعية والتنموية، ولكن حصة مصر المائية ثابتة، فبعد أن أصبحت 55.5 مليار متر مكعب بإضافة نسبة المياه التي وفرها بناء السد العالي بدلاً من فقدانها في البحر المتوسط، تضاعف عدد السكان منذ أواخر الخمسينيات، وحتى الأن، ولكن مصر تقوم بمشروعات قومية لتوفير وترشيد استخدامات المياه وإدارة الموارد المائية المتاحة بكفاءة، وآخرها مشروع تبطين الترع الصغيرة الذي دشنته مصر مؤخراً، ويشمل 618 كيلو متراً طولياً سيتم الانتهاء منها في 2022 لتقليل الفقد المائي والقضاء على الحشائش الضارة، ومشروع الري الحديث الذي يهدف إلى الاستغناء نهائياً عن طريقة ري الأراضي الزراعية بالغمر، طبقاً لاستراتيجية ترشيد المياه 2037، وتقوم مصر بتنقية ومعالجة وإعادة استخدام المياه، فضلاً عن التوسع في استغلال المياه الجوفية وتحلية مياه البحر، لكن كل ذلك لا يمنع أن مصر تعاني عجزاً مائياً يتمثل في الفجوة بين الإيراد المائي السنوي الثابت والاحتياجات الفعلية المتزايدة على مدار كل عام".

شبح الجفاف يؤزم مفاوضات سد النهضة

ترقبت الأطراف المشاركة في مفاوضات سد النهضة وصول الدول الثلاث، الجمعة، إلى مسودة مشتركة لرفعها كتقرير لرئيس الاتحاد الأفريقي رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، وذلك بعد أسبوع جرى خلاله استئناف المفاوضات بين الفرق الفنية والقانونية بالإضافة إلى تخصيص الأربعاء الماضي للقاء ثنائي للمتخصصين والمراقبين مع كل دولة على حدة، من دون مساهمة من المراقبين في إعداد الوثيقة المدمجة التي تركت للدول الثلاث وسط استمرار خلافات فنية تتعلق بظروف الفيضان والجفاف على أقل تقدير، في ظل إعلان إثيوبيا مراراً أنها لن تلزم نفسها بتمرير حصص معينة من المياه، وخاصة في ظروف انحسار الفيضان.

وعلى الرغم من أن الخلافات تطورت مؤخراً لتشمل موضوع التفاوض نفسه بعد تبادل الاتهامات بين الدول الثلاث حول إقحام موضوعات خارج أجندة التفاوض واشتراط السودان التزام إثيوبيا بأجندة المفاوضات المتعلقة حصرياً بمسألة الملء والتشغيل، وليس تقاسم مياه النيل الأزرق، وكذا اتفاقها مع مصر في التمسك بإلزامية الاتفاق المأمول في مقابل مقترحات إثيوبية باتفاق جزئي أو استرشادي غير ملزم، أشار متحدث وزارة الموارد المائية المصرية إلى أن مسألة التعامل مع فترات الجفاف والجفاف الممتد تمثل نقطة أساسية في الخلاف على المستوى الفني لمفاوضات سد النهضة، وأكد أنه إذا تم حسمها سيعني ذلك حسم أغلبية الخلافات الفنية، معتبراً أن حدوث فيضان مرتفع أو متوسط لا يمثل دليلاً على اتجاه منحنى متوسط الفيضان في المستقبل، وأن تجنب حدوث ضرر جسيم في فترات الجفاف والجفاف الممتد نتيجة حجز المياه في بحيرة السد الإثيوبي في موسم الفيضان، يمثل التزاماً أساسياً في أي اتفاق يجب التوصل إليه حول ملء وتشغيل السد على المدى البعيد.

وقال شراقي إن كمية المياه التي سيخزنها السد، والبالغة 74 مليار متر مكعب، ستكون خصماً من حصة مصر والسودان "هذه حقيقة مؤكدة، أما الفيضان فهو أمر لا يمكن التأكد منه".

وخلال الجولة الراهنة التي شهدت محطات توقف ومشاورات داخلية وثنائية بين مختلف أطرافها، استأنفت البلدان الثلاثة يوم الاثنين عمل اللجان الفنية والقانونية في التفاوض حول النسخة الأولية المجمعة المعدة من مقترحات الدول الثلاثة بعد توقف المفاوضات لمدة أسبوعين، وطلب السودان تمديد التأجيل رغبة في إفساح الفرصة أمام المتخصصين والمراقبين التابعين للاتحاد الأفريقي والمشاركين بالمفاوضات، لكن الاتحاد الأفريقي ألقى بالكرة في ملعب الدول الثلاث لاقتراح مجرد نسخة "مدمجة" من مواقفهم المتباينة، وليس مسودة "توافقية"، وجاء استئناف المفاوضات بما في ذلك اجتماع وزراء المياه المتعثر يوم الجمعة "في إطار محاولة التوصل لتوافق حول النقاط الخلافية وتقريب وجهات النظر، سعياً للتوصل لاتفاق متكامل لملء وتشغيل سد النهضة، وإعداد تقرير لعرضه على رئيس جنوب أفريقيا بوصفه الرئيس الحالى للاتحاد الأفريقي"، حسبما أعلنت وزارة الري المصرية في بيان الأسبوع الماضي.

وأعرب وزير الري المصري قبيل استئناف الاجتماعات التي انتهت إلى التوقف لإعادة النظر والتقييم، عن أمله في "أن تسفر المفاوضات الحالية إلى الوصول لصيغة توافقية تحقق مصالح الدول الثلاث في ملء وتشغيل السد"، مؤكداً أن الملف يُدار من خلال أجهزة الدولة المختلفة كل فيما يخصه، حيث تتولى وزارة الري الشق الفني، بينما تتولى وزارة الخارجية الشق السياسي والقانوني، كما أكد أهمية وجود اتفاق يؤدي إلى التكامل الإقليمي بين الدول الثلاث بما يؤدي إلى تحقيق رفاهية شعوبها.

وبينما ذكرت وزارة المياه الإثيوبية في بيان، السبت، أنه تم الاتفاق على إرسال كل دولة موقفها من المفاوضات إلى وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، وأوضحت أنه من المتوقع أن يلتئم الاجتماع القادم يوم 14 سبتمبر (أيلول) المقبل بشرط تأكيد السودان هذا الموعد لاستئناف الاجتماعات المتعثرة، فقد شدد ياسر عباس، وزير الري والموارد المائية السوداني، في ختام اجتماع الجمعة على أن "التوصل لاتفاق يحتاج إلى إرادة سياسية، وأن استمرار المفاوضات بصيغتها الحالية لن يقود إلى تحقيق نتائج عملية". وأكد الوفد السوداني أن المفاوضات الطريق الوحيد للتوصل لاتفاق، وأنه سيكون مستعداً لاستئناف المفاوضات في أي وقت بعد التواصل مع رئاسة الاتحاد الأفريقي.

وأكدت القاهرة في بيان صدر عن وزارة الري، مساء الجمعة، استمرار عدم التوافق بين الدول الثلاث حول عديد من النقاط القانونية والفنية بشأن "النسخة الأولية المجمعة والمعدة بواسطة الدول الثلاث، والتى لم ترقَ بعد إلى عرضها على هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي برئاسة جنوب أفريقيا، وبعد نقاش مطول بشأن المفاوضات خلال الفترة القادمة، توافق السادة وزراء المياه في نهاية الاجتماع على قيام كل دولة منفردة بإرسال خطاب إلى رئيس جنوب أفريقيا يتضمن رؤيتها للمرحلة المقبلة من المفاوضات".

مصر تدشن مشروعات قومية للحفاظ على المياه

دشنت مصر على مدار الشهرين الماضيين حملة قومية على مستوى جميع المحافظات لإزالة التعديات ومخالفات البناء وأعمال الردم العشوائية والحشائش الضارة على مجرى نهر النيل، بما في ذلك الترع الرئيسة وسط إجراءات قضائية صارمة بحق المخالفين تتولى الوزارة إحالتها إلى النيابة العسكرية، قما قامت وزارة الموارد المائية بطرح مشروع تبطين ترع الري الزراعي وتغطية وتطهير المصارف، فضلاً عن التوسع في تطبيق منظومة ترشيد استخدام المياه في الري من خلال تأهيل الترع وتطبيق أساليب الري الحديث، وكذلك تعاقدت وزارة الري مؤخراً على عقد المرحلة الثانية من دراسة تحديد الإمكانات والسحب الآمن المستدام للخزانات الجوفية بين وزارة الري وجامعة القاهرة، وتحديد المناطق ذات المخزون الجوفي الذي يسمح بتنمية مستديمة في ضوء محدودية تلك الموارد المائية غير المتجددة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات