Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أملك حلما" تتهاوى تحت صدامات السود والشرطة الأميركية

ذكرى مسيرة واشنطن الكبرى بعد 57 عاماً لم تلتئم معها جراح العنصرية

تدفق آلاف المتظاهرين في واشنطن للتنديد بوحشية الشرطة والمطالبة بإصلاحات قانونية.(نيويورك تايمز)

وقف الأميركيون، أمس الجمعة، بالقرب من نصب لينكولن الشهير بالعاصمة واشنطن لإحياء ذكرى الخطاب التاريخي للأب الروحي لحركة الحقوق المدنية المطالبة بحقوق السود، مارتن لوثر كينغ، في المكان الذي مازال يستحضر مقولته الشهيرة "أملك حلماً"، التي تخلّد نضال الأفارقة ضد العنصرية في الولايات المتحدة.

وتأتي المسيرة من أمام النصب التذكاري للرئيس آبراهام لينكولن صاحب البصمة التاريخية في إنهاء العبودية، بعد أقل من 24 ساعة على خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من حديقة البيت الأبيض، الذي أعلن فيه رسمياً قبوله ترشيح الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية.

في حين أثبتت الوقفة الاحتجاجية التي تخللتها كلمتان للابن الأكبر لمارتن لوثر كينغ وشقيق جورج فلويد، الذي قُتل تحت ركبة رجل شرطة في مدينة منيابوليس في مايو (أيار) الماضي، أن الجروح لا تسقط بالتقادم، ففي ذروة الحرارة والرطوبة الخانقة، تجمهر آلاف المتظاهرين في العاصمة واشنطن، مشكّلين مسيرة امتدت ما يقرب من نصف ميل على طول البركة الواقعة بين نصبَي واشنطن ولينكولن.

وبين ما يقرب من ربع مليون شخص تجمعوا في مسيرة الحقوق في واشنطن عام 1963، وعدد في حدود آلاف في مسيرة الجمعة الماضية، تتكشف بجلاء طبيعة الظروف الحالية التي تعيشها الولايات المتحدة تحت وطأة فيروس كورونا، الذي أجبر المصطفين على ارتداء الكمامات، وفحص درجة الحرارة، والتقيد بضوابط التباعد الاجتماعي لتقليل انتشار الوباء، في حين حث متحدث واحد الحضور على توخي الحذر.

وفي خطابه، لفت مارتن لوثر كينغ الثالث، الابن الأكبر لزعيم حركة الحقوق المدنية، إلى أهمية إيجاد طرق لإجراء مظاهرات سلمية، والابتعاد عن العنف، مبدياً تفهمه للجوء الناس إليه"، وأضاف كينغ، "كمجتمع أنت تضحي بشخص ما وتقول له أنا أضع ركبتي على رقبتك وعليك أن تدعني أقوم بذلك، هذا ليس صحيحاً".

وتطالب المسيرة بإحداث تعديلات جوهرية في قانون حق التصويت لعام 1965، وفي سياق متصل، قال القس آل شاربتون الذي يرأس شبكة العمل الوطنية التي نظمت النشاط، "لا نريد أن يكون هذا مجرد صيف ساخط، بل أن نقوم بما قاموا به قبل 57 عاماً، وأن نقول للحكومة الفيدرالية إننا في حاجة إلى تشريع".

 

ذكرى تاريخية

57 عاماً مرت على مسيرة واشنطن الشهيرة التي عُدّت واحدة من أكبر التظاهرات السياسية في التاريخ الأميركي، إذ أدت إلى تحقيق مكاسب مهمة منها موافقة الرئيس ليندون جونسون على قانون الحقوق المدنية لعام 1964، الذي يحظر على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو الأصل القومي، وإقرار الكونغرس قانون حق التصويت الذي يمنع التمييز العنصري عند صناديق الاقتراع.

وتأتي الذكرى التاريخية في أعقاب اشتعال الاحتجاجات المناهضة للعنصرية مجدداً في مدينة كينوشا بولاية ويسكونسون حيث انتشر حوالى 150 من قوات الحرس الوطني الخميس الماضي، لضمان الهدوء لليلة ثانية بعد ليال عدة من الاحتجاجات على إطلاق الشرطة النار على الأميركي الأسود جاكوب بليك، ما أثار اضطرابات أفضت إلى مقتل شخصين هذا الأسبوع.

تباين حزبي

الانقسام بين الجمهوريين والديمقراطيين حول التظاهرات المتصاعدة من فترة إلى أخرى يجسده تصريح حاكم ولاية ويسكنسون الديمقراطي توني إيفرز، الذي دعا فيه حملة البنادق من دون سبب واضح، إلى البقاء في المنازل، والسماح للآخرين بالاحتجاج سلمياً، في حين يرى آخرون أن الأفارقة قد حصلوا على حقوقهم ومطالبهم على حد سواء مع غيرهم، وأن هذه المسيرات الحالية لا مبرر لها، ويستشهدون بالمفارقة التاريخية التي تتبدى في حقبة منعهم من التصويت، ومن ثم وصول أول رئيس أميركي من أصول أفريقية قبل سنوات.

وأعرب زعيم الحقوق المدنية جيسي جاكسون من جانبه، في مؤتمر صحافي عن أسفه ممّا سماه "نمط قتل السود"، وألقى باللوم على الرئيس الأميركي دونالد ترمب في خلق ثقافة يتم فيها تشجيع الشرطة على استخدام القوة المفرطة، مطالباً النشطاء والمدافعين عن المجتمع المدني وعائلة بليك بتوجيه الاتهام إلى الضابط.

إلى ذلك، يحتج ملايين الأميركيين الأفارقة بأن العنصرية تجاه عرقهم مازالت سائدة ولكن في أشكال مختلفة، يعكسها الواقع المشحون الذي تعيشه بعض الولايات من وقت إلى آخر، وتظهر معاناة السود من ممارسات أجهزة الشرطة، التي تُتهم بأنها تتحامل ضدهم، نظراً إلى الحوادث المتكررة، فبالأمس شاهد العالم إرداء شرطي مواطناً أسود بالضغط على رقبته، واليوم تشهد ويسكنسون احتجاجات عارمة امتد بعضها إلى ولايات أخرى على خلفية حادث إطلاق النار على مواطن أميركي من أصول أفريقية أصابه بالشلل.

 

جروح العنصرية غائرة في الذاكرة الأميركية

تتجدد مسيرات السود والبيض المناهضين للتمييز تحت شعار "حياة السود مهمة" على خلفية الإحصاءات التي تكشف ارتفاع أعداد الضحايا السود على يد الشرطة، في حوادث تُوصف بـ "الوحشية"، ولا تكفّ الصحافة الأميركية والسياسيون والعامة عن شجبها، كونها تهدد القيم الديمقراطية التي تستند إليها الولايات المتحدة من الحرية والمساواة واحترام الآخر.

في وقتنا الحالي، هناك عبارتان تعبّر عن الواقع العرقي في أميركا بتجرد، الأولى، "أملك حلماً" التي صدح بها مارتن لوثر كينغ بجوار نصب لينكولن قبل أكثر من خمسة عقود، وقبل اغتياله بأربع سنوات، أما الثانية فهي "لا أستطيع التنفس" التي صرخ بها كل من جورج فلويد في مينيابوليس، وقبله إريك غارنر في نيويورك قبيل وفاتهما.

هذه الوقائع التي تصدم الشارع الأميركي بشكل متكرر تبرّر تأصل العنصرية تاريخياً في فضاءات المرئي والمكتوب والمعاش، سواء بالاستنكار أو الترويج، بل إن الكنيسة نفسها على الرغم من اعتبارها رمزاً دينياً يتساوى أمامه البشر، عدَّها يوماً ما الروائي الأفروأميركي جيمس بالدوين أنها تحت سيطرة لون واحد، إلى درجة أنه اتهم "المسيحية بتعزيز نظام العبودية الأميركي من طريق التخفيف من آلام القمع وتأخير الخلاص حتى الآخرة"، في حين أشاد بالدين بصورة عامة، لإعطائه الدافع لشريحة من بني عرقه لمواجهة الاضطهاد.

ومن خلال سرده الذاتي في "كتاب النار في المرة المقبلة"، "ذا فاير نيكست تايم"، أطلع بالدوين الذي اشتهر كذلك بتجربته القصيرة مع التدين وإلقاء الخطب الوعظية في الكنيسة، الملايين على الحياة الفقيرة التي عاشها الأميركيون السود في واحدة من كبريات مدن العالم، نيويورك، حيث كان ولازال حي هارلم الشهير، شاهداً على معاناة الأفارقة، والوضع للذي عاشوه وسط "فساد" أزقة الجادة الخامسة "فيفث أفينيو"، الذي دفع الكاتب إلى الهروب بقصد الخلاص من تبعات كل من العنصرية والانحلال الأخلاقي إلى الكنيسة، التي لم يجدها ملاذاً آمناً هي الأخرى، وفقاً لرأيه.

ولا تخفي ثنايا الكتاب أملاً في تغير جذري في حال الأميركيين السود، إلا أنها تلمح إلى صعوبة حدوثه، وبعد ثلاثة وثلاثين عاماً من وفاة بالدوين، وعلى الرغم من مرور الولايات المتحدة على مدى العقود الماضية بتحولات تاريخية على صعيد حقوق الإنسان، تفيد الأفارقة، فإن نداءات الأسر والنشطاء لازالت متواصلة، للدعوة إلى تنظيم احتجاجات، كان آخرها تظاهرة الجمعة في واشنطن، للوقوف ضد العنصرية والتنديد بوحشية الشرطة في تعاملها مع العرق الأسود.

المزيد من تقارير