Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف سنسدد الديون المترتبة علينا بسبب  كورونا؟

سيكون علينا أن نجد المال اللازم لتغطية الإنفاق والاقتراض الحكوميين غير المسبوقين أثناء الجائحة، لكن كيف؟

انتعاش متعثر: حل كوفيد قبل خروجنا الكامل من ركود عام 2008 (غيتي)

سيفوق عجز الميزانية الحكومية البريطانية هذا العام 300 مليار جنيه إسترليني (حوالى 392.4 مليار دولار)، أي أكثر من ضعف ذروته المسجلة في أعقاب الأزمة المالية عام 2008. وأوصل هذا العجز بالفعل الدين الحكومي إلى أكثر من مئة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى اعتُبِر كارثياً في النقاشات الحامية نوعاً ما التي أدت إلى "التقشف" عام 2010.

فكيف سنسدّد هذا الدين؟ وما هو الأثر في الضرائب؟ يقترح التاريخ علينا أن عدة طرق ممكنة لتحقيق ذلك. فعند نهاية الحروب النابليونية، بلغ الدين الوطني البريطاني حوالى 200 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وسُدِّد بالمقاربة التقليدية التي وسمت عهد الملكة فيكتوريا. فالحكومة فرضت قليلاً من الضرائب وفق المعايير الحديثة، لكنها أنفقت مبالغ أقل حتى. كانت ضريبة الدخل منخفضة وعند معدل موحد، وبقيت الرسوم الجمركية مصدراً رئيسياً وتنازلياً للعوائد.

وباستثناء إعطاء الحكومات نفسها وقتاً، هي لم تسهل الأمور على نفسها. فمعدلات الفوائد تذبذبت، لكنها كانت عموماً أعلى بكثير عما هي عليه اليوم، ما زاد تكلفة الدين. ولم يكن التضخم موجوداً تقريباً، فلم تنخفض القيمة الفعلية للدين خلسة. وحقق المالكون الأغنياء للسندات عوائد جيدة، في حين أنفقت الحكومة على خدمة الدين أكثر مما فعلت على التعليم.

وفي النهاية اقترب الدين من التسديد: فبحلول عهد الملك إدوارد السابع، بلغ مستواه 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. واستغرق الإنجاز حوالى قرن من الزمن.

وشهدت فرنسا، خصمنا المالي وكذلك العسكري خلال الحروب النابليونية، مساراً سياسياً مختلفاً إلى حد ما خلال القرن التاسع عشر، لكنها عرفت خفضاً مشابهاً للدين.

وفي أوائل القرن العشرين، تسببت إعادة التسلح قبل الحرب العالمية الأولى والحرب نفسها بمشكلة استدانة جديدة لمعظم البلدان الأوروبية – وبحلول عام 1919 سجل الدين البريطاني مرة أخرى أكثر من 200 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وجاءت الاستجابات هذه المرة مختلفة. ففي بعض البلدان طُبِع المال لتسديد الديون؛ وقضى التضخم الناتج من ذلك (لا سيما التضخم المفرط في ألمانيا عام 1923) على بعض قيمة الديون.

وأدى التوقف عن التسديد (لا سيما من قبل روسيا بعد الثورة) والإعفاء من الديون دوراً: ولم يكن الدين الناتج عن التعويضات التي فُرِض على ألمانيا دفعها قابلاً للتسديد عملياً في أي حال. لكن طُبِّقت أيضاً تخفيضات في الإنفاق بعد الحرب مباشرة: ففي بريطانيا وقع الإنفاق ضحية لـ"فأس جيديس" the Geddes axe، وهي تسمية أُطلِقت على ممارسة من ممارسات التقشف خيبت آمال من رغبوا في الحصول على "منازل تناسب الأبطال" وتوسع دولة الرعاية الاجتماعية الوليدة آنذاك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأدت الضرائب دوراً. فخلال الفترة السابقة للحرب، أجبر رد الفعل السياسي على نمو التفاوت (في الدخل في المجتمع) الحكومات في بلدان كثيرة على تضمين أجنداتها ضريبة الدخل التصاعدية وضريبة الإرث. وأبعدت الحرب كثيراً من الجدال عن هذه التغييرات، فبعد كل شيء، حدت الضرورات المالية من القدرة على إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء.

وأدى الدين عند نهاية الحرب العالمية الثانية – الذي سجل 310 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة – إلى نتائج مختلفة مجدداً. واتجهت فرنسا وألمانيا إلى فرض ضرائب على الثروات (بما في ذلك فرض معدلات ضريبية لمرة واحدة وهي موازية للمصادرة، وكانت تمر بسهولة (في تلك الفترة) ربما حين يكون الثري المستهدف متهماً بالنازية أو تعامل مع النازيين). وحصلت إعفاءات كبيرة من الديون (في تلك الفترة) – وكانت ألمانيا مستفيداً رئيسياً، فقلصت دينها مع عدة أضعاف من الناتج المحلي الإجمالي إلى جزء يسير منه – ونقلت خطة مارشال هذا الكرم إلى مرحلة أكثر تقدماً.

ومنعت التسوية الاقتصادية الدولية بعد الحرب، المعروفة باتفاقيات بريتون وودز Bretton Woods، حصول تضخم مفرط، و(دفعت في الوقت مفسه باتجاه) سياسات اقتصادية توسعية حققت النمو، وأدت إلى نسب تضخم معتدل، وساعد النمو والتضخم المعتدل في التخفيف من العبء الحقيقي للدين. وتألمت المملكة المتحدة من التضخم في سبعينيات القرن العشرين، لكنه ساعد من كل بد كلاً من الحكومة وحاملي القروض العقارية في تسديد الدين. وشكلت الأزمة التي أدت إلى تسديد صندوق النقد الدولي لحزمة إنقاذ عام 1976 (لبريطانيا) حدثاً سياسياً كبيراً، لكنها لم توقف المسار الانحداري للدين العام قيد أنملة.

وكانت الحرب قد عززت مجدداً الضريبة التصاعدية، (وبقي هذا مستخدماً) حتى أواخر الثمانينيات على الأقل، ولم تعد نسبة الضرائب تماماً إلى مستوياتها السابقة للحرب.

وبحلول التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، سجل الدين العام البريطاني مجدداً 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي – فقد خفضناه من أكثر من 300 في المئة من الناتج في نصف الوقت الذي استغرقه خفضه من 200 في المئة خلال عهد الملكة فيكتوريا. ثم جاءت الأزمة المالية عام 2008.

وفي البداية حصلت استجابة قوية وفق مفاهيم كينز  Keynesian خفضت الدين العام إلى حوالى 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ولاحقاً، وعلى رغم الاستمرار في طبع المال، تمنعت الحكومات في شكل متزايد عن إنفاقه. وبالتأكيد وقع الإنفاق في المملكة المتحدة تحت نير التقشف – فقد زِيْد بعض الضرائب وخُفِّض غيرها. وانخفض العجز السنوي في شكل لافت، لكن الدين استمر في الارتفاع – وسجل 85 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي آخر مارس (آذار)، أي قبل أن يسدد كوفيد-19 ضربته للمالية العامة. وانخفض التضخم، وكان النمو مخيباً للآمال – فلم يسهم أي من التضخم أو النمو في خفض العبء الفعلي للدين.

فما هي الدروس التي يستطيع المرء أن يستخلصها؟

أولاً، للمهتمين بالسياسات الضريبة، لا تستطيعون النظر في الضرائب بمعزل عن غيرها: فلحسن الحظ أو سوئه، هي جزء من الصورة الكاملة. ويكون كل من حجم الدور المطلوب من الضرائب أن تؤديه، وطبيعة الضرائب المعنية، جزءاً من مجموعة أوسع من المتغيرات. ثانياً، هل نستطيع أن نقول من أصاب؟ ومن أخطأ؟ ليس تماماً، فإلى حد ما تكون هذه الأمور خاضعة للخيارات السياسية والرأي الشخصي (على رغم أن المرء يشتبه في أن بعض الخيارات تُعتمَد وغيرها يُرفَض أحياناً من دون أن يعي متخذو القرار الخيار). لكن بعض الوقائع تبرز. لم يمنع عبء ديون الحروب النابليونية الثورة الصناعية. وفاق متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي البريطاني اثنين في المئة، وهذا رقم قياسي في تاريخ الإنسان.

وإذا وفر الناس ببساطة الأموال التي كانوا سينفقونها على الوجبات خارج المنزل، وكل شيء آخر تخلوا عنه أثناء الإغلاق، فإن من شأن هذه المدخرات الفائضة أن توازن الإنفاق الحكومي الزائد.

وكانت الحال هكذا أيضاً خلال العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية. فقد ازداد الازدهار، في شكل أكثر عدالة مقارنة بما كان عليه في القرن التاسع عشر، وغابت الظروف الاجتماعية التي انتقدها ديكنز  Dickens. وفي ذلك الوقت، كان متوسط النمو الذي يزيد قليلاً على اثنين في المئة في السنة يُعتبَر باهتاً في المملكة المتحدة، على رغم أنه كان محترماً جداً في ضوء المعايير التاريخية للمملكة المتحدة. والواقع أنه مثير للإعجاب مقارنة بالفترة الممتدة منذ عام 2008. وربما عكست خيبة الأمل البريطانية بعد الحرب حقيقة أن دولاً أوروبية أخرى كانت تنجح في شكل أفضل كثيراً، إذ كانت تلحق بمستوى معيشتنا الأعلى سابقاً – يطلق الفرنسيون على فترة الثلاثين سنة بعد الحرب اسم "الثلاثين المجيدة" Les Trentes Glorieuses. (وشاركتنا الولايات المتحدة مستويات نمونا المتواضعة، لكن مع مستوى معيشة مطلق أعلى كثيراً، بدا في تلك الأيام بعيد المنال).

وربما كان هناك إجماع أقوى في تلك الفترة وعهد الملكة فيكتوريا على مجموعات السياسات المختارة في كل مناسبة (على رغم أن المجموعات كانت مختلفة تماماً). ويستشعر المرء أن إجماعاً أقل تحقق بعد الحرب العالمية الأولى. فقد تنازعت المطالب المتزايدة بالرعاية الاجتماعية مع توق إلى العودة إلى اليقين السابق للحرب.

ودفع هذا الحنين إلى اتخاذ واحد من أكثر القرارات الاقتصادية الكارثية في المملكة المتحدة على الإطلاق: أي العودة عام 1925 إلى معيار الذهب (إعادة التقييم القسرية للجنيه الإسترليني التي أثقلت كاهل صناعات التصدير وزادت من عبء الدين الوطني، من بين العديد من الجوانب السلبية الأخرى). ونتيجة لذلك، غابت المملكة المتحدة عن العشرينيات الهادرة (فترة الانتعاش الاقتصادي في بعض البلدان قبل الكساد الكبير). ويمكن للمرء أن يتعلم من الماضي، لكن من المهم تقييم السياسات في ضوء الظروف الحالية.

ماذا عن سياسات ما بعد عام 2008؟ كان النمو بطيئاً إلى حد يُرثَى له خلال فترة من الانتعاش المفترض. ولا يزال الجدل قائماً حول أدوار التقشف، وعدم المساواة، وغيرهما من مصادر مشكلة الإنتاجية في المملكة المتحدة. ونشأت أزمة كوفيد قبل اتضاح التركة الكاملة للركود وللسياسات التي طبِّقت استجابة له، ومن المرجح أن تبدو هذه التركة ضئيلة أمام تلك الأزمة.

وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أن أعباء الدين العام الضخمة لم تستبعد اتخاذ قرارات جريئة في مجال السياسات ذات آثار مالية ضخمة. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، أُنشِئت هيئة الخدمات الصحية الوطنية، وتوسعت دولة الرعاية الاجتماعية. وفي وقت مبكر من القرن الذي استغرقه تسديد الديون بعد واترلو (المعركة التي أنهت الحروب النابليونية)، أُلغِيت العبودية في الإمبراطورية البريطانية وجرى التعويض على مالكي العبيد، ما تسبب بازدياد ضخم في مستوى الديون التي كانت ستتناقص تدريجاً بخلاف ذلك. وحق للمرء أن يسأل، لماذا جرى تعويض مالكي العبيد وليس العبيد؟ لكن لا يمكن للمرء أن يجادل في حجم القرار أو الثقة في المالية العامة التي ترتبت عليه. وربما ثمة درس واحد ومفاده بأن علينا أن نواجه المستقبل بثقة.

 

هل من شيء خاص حول أزمة كوفيد؟ لقد جاءت معظم السوابق التاريخية لارتفاع الدين العام من الحروب. فالضرائب ترتفع في الحروب، وإن لم يكن بالسرعة التي يرتفع بها الإنفاق، لذلك عندما يتوقف القتال، تكبر القاعدة الضريبية للمساعدة في التعامل مع الديون. وعندما يبزغ فجر السلام، يمكن تحقيق أهداف كثيرة من خلال عدم خفض الضرائب بالسرعة التي قد يرغب فيها البعض. ولن تتوافر لدينا تلك الميزة التكتيكية في السنوات المقبلة.

ومن الجهة الأخرى، جرى التخلي عن كثير من الاستهلاك، وتعود نسبة كبيرة من ذلك التخلي إلى الأشخاص الأفضل حالاً على الصعيد المالي. العطل، الوجبات خارج المنزل، الحفلات الموسيقية، ويمبلدون، غلينديبورن (حسناً، ليس شلتنهام...)، كلها أُلغِيت. هذه كانت النتيجة المادية الحتمية للإغلاق – لقد خسر المستهلكون، لكن إذا كانت دخولهم مضمونة، ستزيد أموالهم نتيجة لذلك.

فهم، إلى حد كبير، لم يدفعوا لقاء الأشياء التي من شأنها الترفيه عنهم، وأُعِيد معظم الأموال المدفوعة مقدماً (حسناً، لم تفعل شركات الطيران ذلك). ويتمثل المقابل الاقتصادي لذلك في أن جميع العاملين في هذه القطاعات فقدوا المداخيل، باستثناء الحد الذي تحملت عنده الدولة العبء، لا سيما من خلال برنامج الإجازات والبرامج المماثلة (التي بدورها تشكل مساهماً رئيسياً في مشكلة المالية العامة).

فهل يشير ذلك إلى الجهة التي من المرجح أن تتحمل أو يجب أن تتحمل العبء؟ لقد انتقل النقاش العام إلى ضريبة الثروة.

والسؤال المختلف قليلاً هو: ما مدى أهمية تسديد الدين في المطلق؟ إذا وفر الناس ببساطة الأموال التي كانوا سينفقونها على الوجبات خارج المنزل، وكل شيء آخر تخلوا عنه أثناء الإغلاق، فإن من شأن هذه المدخرات الفائضة أن توازن الإنفاق الحكومي الزائد – فما من إشارة إلى ضغط تضخمي، وليست أسعار الفوائد مرتفعة في شكل مرهق للحكومة.

ومع ذلك، من غير المرجح أن يتوافر قدر من توافق الآراء حول دفع الفواتير كما حصل في شأن دعم الدخل الذي أدى إلى تراكمها.

(جون كوليناين مدير السياسات الضريبية في معهد تشارترد للضرائب)

© The Independent

المزيد من اقتصاد