Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النظام الحزبي المعطوب بالكامل هو السبب في فوضى الـ"بريكست". لقد حان وقت الثورة السياسيّة الآن

يصعب تخيّل وقت سينتهي فيه التخبّط المصاحب لـ"بريكست". وفي المقابل، إذ حدث ذلك، تتطلّب منا هذه التجربة المُذلّة أن نجدّد النظر حينها إلى كيفيّة حكم المملكة المتحدة

جانب من تظاهرة ضخمة في لندن نادت بإعطاء الشعب القول الفصل حول "بريكست" (رويترز) 

نحن في حالة يرثى لها! في الآونة الأخيرة، اتّخذت وسائل الإعلام البريطانيّة في تغطيتها مجريات الـ"بريكست" نغمة يائسة تشابة تلك الموجودة في التقارير الواردة عن كوارث الإعصار في جنوب أفريقيا، التي تذاع بعد موضوع "بريكست" دائماً. وذهبت لورا كوينزبيرغ المحرّرة السياسيّة في "بي بي سي"، إلى حدّ اختتام تقريرها الذي قدمته في نشرة "نيوز نايت آت تين" المسائيّة في 20 مارس الجاري، بالسؤال التالي: من يعمل الآن؟ إنه ليس الجهاز المحيط برئيسة الوزراء، ولا أحزابنا السياسيّة، ولا برلماننا".

في وقت سابق من ذلك المساء، وفي بث استثنائي موجّه إلى الشعب، تمكنت رئيسة الوزراء من جعل الوضع أسوأ مما هو عليه، لو كان ذلك ممكناً، عندما تحدثت عن "أسفها الشخصي العميق" لوجوب تأخير الـ"بريكست"، وأنحت اللائمة على النواب و"ألعابهم السياسيّة ومناوشاتهم الإجرائيّة الملتبسة".

في صباح اليوم التالي، قبل اجتماع المجلس الأوروبي، وصف رئيس وزراء أيرلندا علانية الحالة السياسيّة في لندن "بالفوضى". نحن فعلاً في حالة يرثى لها.

على كل حال، يممكنا القول بطريقة ما أن انهيار النظام السياسي، وهو بالتأكيد ما شاهدناه في الأسابيع الأخيرة، ليس مجرد نتيجة حتميّة لاستفتاء مُضلل، ولكنه دليل على وجود خلل عميق في النظام وحجة مقنعة للتغيير.

أولاً، الانهيار. قد يكون تطوراً إيجابياً أن البرلمان أثبت وجوده، والجمهور البريطاني يبدو منخرطاً بشكل غير عادي في السياسة اليوميّة على غرار مشاهدة قناة البرلمان التلفزيونيّة، وحتى زيادة عدد مشاهدي النشرة المسائيّة المعتلّة "بي بي سي-  نيوز نايت". وكذلك يجدر عدم التغافل بخفّة عن "المناوشات الإجرائية الملتبسة" التي أدانتها تيريزا ماي في حديثها المتلفز. إذ أنها الطريقة الوحيدة التي توصل إليها البرلمان المتشرذم في محاولته التعامل مع الانقسام الحاد في مجلس العموم.

أثار مدى الانهيار المؤسّساتي على مدار الأسبوعين الماضيين، تعبيرات عن المفاجأة والصدمة، وحصلت أمور في البرلمان لم يسبق لها مثيل. إذ اتّخذ نواب من الحزبين الرئيسيّين مواقف مضادة للحزب الذي ينتمون إليه، بل تمرّدوا على محاولات ضبطهم. لقد تفكك الانضباط حتى داخل الحكومة. وامتنع عدد من الوزراء عن التصويت في إحدى الجولات الحاسمة. في أحد المواقف، ألقى أحد الوزراء في الحكومة خطاباً حول حجة معيّنة، وسرعان ما انخرط في ممارسة ضغط لمصلحة  حجة معاكسة. إنها ليست أوقاتاً "طبيعيّة".

ولكن، هل يجب أن تكون هناك صدمة فعليّاً؟ ليست الانقسامات في مجلس العموم حول "تنفيذ" الـ"بريكست"، سوى نتيجة منطقيّة للقرارات التي اتخذها ديفيد كاميرون بعد فوزه الذي لم يكن متوقعاً في انتخابات عام 2015. يوبدو الآن كأن دهراً قد مرّ على ذلك.

وأسهم في إحداث الفوضى بقوّة، قرار كاميرون ألاّ يكتفي بمجرد الوفاء بوعد قطعه في حملته الانتخابية بإجراء "استفتاء عن البقاء أو الخروج من الاتحاد الأوروبي"، بل المضي لشرعَنَة استفتاء افتَقَر إلى كل الاحترازات التي تتخذها معظم الدول الأكثر اعتياداً على إجراء استفتاءات روتينيّة، بما في ذلك الحدّ الأدنى من الإقبال وأغلبية الثلثين، أو هامش كبير آخر.

هل يجب أن يشكل التصويت لصالح الخروج من قِبَلْ 37 في المئة من الناخبين تفويضاً لـ"بريكست" قوّي، أو آخر يكون سهلاً، أو عدم الخروج مطلقاً؟ ما زال هذا الأمر خلافياً، لأسباب ليس أقلها أنّ غالبية كبيرة من أعضاء البرلمان سيصوتون على البقاء، لو ترك الأمر لهم.

قرار كاميرون الآخر كان تعليق الانضباط البرلماني والحكومي أثناء حملة الاستفتاء على "بريكست". وعلى عكس شروط الاستفتاء، كان ذلك القرار محتّماً، لأن جزءاً كبيراً مما استهدفه كان متمثّلاً في تسوية النزاع الداخلي في حزب المحافظين.

وهكذا، خاض الوزراء والنواب البارزون من كلا الحزبين الرئيسيين حملاتهم على جانبي الاستفتاء. وتالياً، جرى التعامل مع أوروبا كذريعة من أجل تحقيق الانضباط الحزبي، وستبقى كذلك حتى تُحَلّ تلك القضية.

ربما تمكن ديفيد كاميرون من إدارة الانقسامات الحزبيّة الداخلية ببراعة أكثر من تيريزا ماي، ولكن لم يكن باستطاعته أو أي رئيس حكومة آخر، إيجاد حلّ لذلك الأمر.

يرجع ذلك إلى أن أوروبا هي القضية الأكثر بروزاً لكنها ليست الوحيدة، التي تنقسم عليها الآراء داخل الحزبين الرئيسيين في المملكة المتحدة، بل كانت كذلك لفترة طويلة. ولا توافق بين الولاء للحزب ووجهات النظر حول موضوع الاتحاد الأوروبي.

ولو تمت الأمور كما يجب، كان من المفترض خوض انتخابات تيريزا ماي المبكرة عام 2017 حول قضية الاتحاد الأوروبي، لكن نظامنا السياسي الحزبي لم يعكس ذلك. ولم تكن النتيجة كارثة بالنسبة لماي حينها، بل ساهمت بشكل كبير في المشاكل التي تواجهها اليوم.

لكن، لا يقتصر الأمر على انقسام الحزبين حول موضوع أوروبا، وكون الغالبية في مجلس العموم تعارض نتيجة الاستفتاء بوقوفها ضد "بريكست". بالأحرى، تتمثّل المشلكة في الطريقة التقليديّة التي تُدار بها السياسة البريطانيّة باستخدام النقاش السجالي بين الخصوم ثم حصول الفائز على كل شيء، وهي لا تخدم التوصل إلى تسوية عبر تنازلات متبادلة، وهو أسلوب سنحتاج إليه كي تمر "صفقة" الخروج التي قدمتها رئيسة الوزراء أو أي صفقة مشابهة.

لنقارن الأشياء الأساسيّة مثل هيكليّة البرلمان البريطاني وإجراءاته، مع ما يماثلها في معظم الهيئات التشريعيّة الحديثة في الدول الاخرى، بما في ذلك اسكتلندا. بينما تقف حكومتنا ومعارضتنا على طرفي نقيض، يشبه الانقسام في مجالس الآخرين شبيهاً بانقسام الكرة الأرضيّة إلى نصفين متعارضين لكنهما متكاملين. وفي حين أن مناقشاتنا البرلمانية هي مبارزات بلاغية، مع وجود مشجعين في الجانبين كليهما، نجد أنها في مجالس الآخرين مناقشات تسير بلطف، بل تكون محادثات.  

أكثر من ذلك، نجد في معظم نُظُم القارة الأوروبيّة، أنّ الحلول الوسط والتنازلات هي جزء مكين من النظام فيها، ويعززها نظام انتخابي يتيح التمثيل المطلوب للأحزاب الصغيرة، ويسمح بتعبير أفضل عن التغيير.

في نظام أكثر تمثيلاً، سيكون لدى المملكة المتحدة حزبان يساريّان، واحد معارض وآخر مؤيد للعضوية في الاتحاد الأوروبي، وحزبان يمينيان (متماثلان)، وسينال حزبا الديمقراطيين الأحرار والخضر عدداً أكبر من النواب مما لديهم اليوم، وقد يكون هناك مجال أيضاً لحزب استقلال المملكة المتحدة (ما لم يندمج مع اليمين المحافظ المشكك بأوروبا).

في نظام كذلك، سيكون للنواب من كل الأحزاب أن يتعلموا أسلوب الأخذ والعطاء (= التنازل المتبادل) الذي يعتبر تحصيل حاصل بالنسبة للنواب الألمان مثلاً، ولطالما كان هذا الأسلوب ضرورياً لكنه كان مفتقداً بكل وضوح، أثناء عملية الـ"بريكست".

قد تمهّد نشأة المجموعة المستقلة المكوّنة من منشقين عن حزبي العمال والمحافظين بشأن "بريكست"، لبداية شيء جديد، لكنها مجموعة تبدو بدائية جداً كي يكتب لها النجاح، على الأقل حاضراً. وعلى أي حال، طالما حافظنا على نظامنا الانتخابي الذي يحصل فيه الفائز بالعدد الأكبر من الأصوات على كل شيء، فالأرجح أن تبقى تركيبة الحزبين المتخاصمين سائدة.

في وقت ما بين عامي 2010 و 2015، كان هناك بصيص أمل للتغيير في المملكة المتحدة. عندما خيّب ائتلاف المحافظين والديموقراطيين الأحرار التوقعات بانفراط عقده منذ الشهر الأول، وحافظ على تماسكه لمدة أطول من التي استمرت عليها ائتلافات عديدة في الحكومة السابقة.

كما ارتكبت، أو هكذا بدا الأمر، أخطاء أقل من النوع الذي يرتكبه وزير النقل كريس غرايلينغ، ربما لأن الآراء الأخرى في الحكومة كانت تُسمع قبل اتخاذ القرارات. يقال أن ديفيد كاميرون أدرج تعهده باستفتاء حول الاتحاد الأوروبي في بيانه لعام 2015 لمجرد أنه توقع تشكيل ائتلاف جديد، والتخلي عنه قد يكون تنازلاً رخيصاً للديمقراطيين الأحرار. للأسف، لم يكن الأمر كذلك.

يصعب تخيّل وقت سينتهي فيه التخبّط المصاحب لـ"بريكست". وفي المقابل، إذ حدث ذلك، تتطلّب منا هذه التجربة المُذلّة أن نجدّد النظر حينها في كيفيّة حكم المملكة المتحدة. ينبغي أن يكون الهدف هو أن يصبح الجهاز التنفيذي والأحزاب السياسيّة والبرلمان، معبّراً عن هذا البلد المتنوع بصورة أفضل من التي يعكسونها الآن، مع القضاء على العوائق والأحقاد التي تتبدى بجلاء اليوم.

© The Independent

المزيد من آراء