Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السودان: بين الضغوط الخارجية والمخاطر الداخلية

الكيان الوطني للبلاد مهدد بالانشقاق إذا لم يتمكن من إدارة الأزمة

يبدو المشهد السوداني حالياً حافلاً بضغوط حادة على المستويين الخارجي والداخلي، حيث تشكل هذه الحالة تحديات أمام سلامة التحالف الحاكم من ناحية، وقدرته على إدارة هذه الضغوط من دون إحداث تشققات قد تسفر عن انهياره من ناحية أخرى، وهو ما يفتح الباب ربما لقلاقل سياسية ليست هينة، ومهددة بالضرورة لسلامة الكيان الوطني السوداني.

على المستوي الخارجي هناك أمران، الضغوط الأميركية للتطبيع مع إسرائيل، وملف سد النهضة، بما يشكله من تحد مرتبط بالمصالح الداخلية من ناحية، والتفاعلات الإقليمية من ناحية أخرى، وبدا أخيراً أن له أثراً على التحالف الحاكم بعد زيارة كل من وزير الخارجية الأميركي، ورئيس الوزراء المصري للسودان على رأس وفد وزاري كبير.

أما على المستوى الداخلي، فإن حرارة الجدل السياسي بين المكونين المدني والعسكري قد ارتفعت بشأن إفصاح رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك في خطابه بمناسبة مرور عام على توليه رئاسة الحكومة السودانية عن أن ما يقل عن 20 في المئة فقط من الاقتصاد السوداني تسيطر عليه الحكومة، بينما الجزء الكبير الباقي هو تحت ولاية الجيش السوداني.

في هذا السياق يمكن رصد أن موقف الحكومة السودانية وحاضنتها السياسية تحالف الحرية والتغيير من اعتبار أن التطبيع مع إسرائيل هو ليس من صلاحياتها باعتبارها حكومة غير منتخبة، له أثر ليس بالهين داخلياً وخارجياً، وذلك على الرغم من طبيعة تأثير هذه الخطوة في موقف الإدارة الأميركية من مسألة رفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب. فيبدو أن حسابات الحرية والتغيير قد تبلورت في إطار أن الجزرة الأميركية ما زالت بعيدة وأنه مع مرور عام على الحكومة الانتقالية السودانية من دون تحقيق هذه المسألة لهو مؤشر إلى تآكل الصدقية الأميركية في تحقيق الهدف السوداني.

أما على المستوي الأميركي، فإن رفض الحكومة السودانية التطبيع راهناً مع إسرائيل شكل فشلاً لبومبيو في أهم محطاته، حيث خرج من الخرطوم بخفي حنين، وهو الذي هندس أن تكون زيارته للخرطوم، مدعمة بوجود رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في التوقيت نفسه، وذلك بحسبان علاقات أحمد الإيجابية مع التحالف الثوري السوداني وطبيعة التأثير الإثيوبي فيه، خصوصاً في ضوء الرصد الأميركي المسبق بمدى الممانعة في صفوف تحالف الحرية والتغيير للتطبيع مع إسرائيل.

وقد شكل السودان وتطبيعه مع إسرائيل أهمية خاصة في زيارة وزير الخارجية الأميركي للشرق الأوسط، وذلك لسببن الأول إرتباطها بالأمن الإسرائيلي المباشر، في ضوء أدوار الخرطوم السابقة، تحت مظلة نظام البشير في تمرير سلاح إيراني إلى حماس عبر البحر الأحمر، والثاني هي طبيعة الفرص الاقتصادية الموجودة في السودان، خصوصاً في القطاعين الزراعي والسياحي، وهما مناطق تبرع فيها الآيات الاقتصادية الإسرائيلية، وبطبيعة الحال كانت زيارة بومبيو في حال نجاحها في محطة الخرطوم هو دعم ترامب في حملته الانتخابية الراهنة بتحقيق انتصار غير منقوص في الشرق الأوسط لصالح إسرائيل، وهو أمر لا بد أن يكون له أثر في تنشيط اللوبي اليهودي لصالح إدارة ترامب في هذه المرحلة الحساسة من الانتخابات الأميركية.

ولم يكن بومبيو الخاسر الوحيد في زيارته للسودان، حيث يبدو لنا أن وزن رئيس الوزراء الإثيوبي قد تراجع نسبياً في السودان، خصوصاً في أوساط تحالف الحرية والتغيير، وذلك بتأثير واضح من السياسات الإثيوبية إزاء الخرطوم في ملف سد النهضة بعد إقدام أديس أبابا على الملء الأول لبحيرة السد بلا اتفاق، وهو ما كان له أبلغ الأثر على السدود السودانية، ومحطات مياه الشرب التي خرجت مؤقتاً من الخدمة، وأثرت بالتالي في الإمدادات المائية للسودانيين لفترة، وأحرجت مباشرة الحكومة السودانية وتحالف الحرية والتغيير على المستوى السياسي أمام المواطنين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويمكن القول إن إعلان السودان عدم التطبيع مع إسرائيل ولو مؤقتاً كان ضربة ليست بالهينة للمكون العسكري في مجلس السيادة السوداني، خصوصاً أن رئيسه قد قابل رئيس الوزراء الإسرائيلي في أوغندا في فبراير (شباط) الماضي في خطوة أتضح لاحقاً أنها منفردة، ولم يتم التوافق عليها مؤسسياً في دولة السودان، وربما تكون هذه الضربة السبب في وجود تسريبات صادرة حالياً من الخرطوم بأن التطبيع مع إسرائيل خطوة قد يقدم عليها المكون العسكري بمنطق أنه صاحب القوة الصلبة في هذه المرحلة، خصوصاً مع البيان الصادر من مجلس السيادة السوداني بعد يومين من زيارة بومبيو، الذي لم يؤيد موقف الحكومة في أن طبيعتها الانتقالية تحول دون التطبيع مع إسرائيل. وأشار إلى أن مهامه هي اتخاذ سياسات خارجية متوازنة لتحقيق مصالح البلاد، وهي المقولة التي قد ينشأ عنها موقف جديد للسودان إزاء التطبيع مع إسرائيل خلال الأيام المقبلة، وينشأ عنها أيضاً جدل سياسي مؤثر بالضرورة في عافية التحالف الحاكم، ومدى قدرته على الاستمرار، خصوصاً إن لم تتحقق الوعود الأميركية بشأن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب في توقيت مناسب، على رغم التوصل لإتفاق بشأن دفع السودان 355 مليون دولار كتعويضات طبقاً للتسريبات الأميركية.

على المستوي الإقليمي، كانت زيارة رئيس الوزراء المصري للسودان، وطبيعة التصريحات الصادرة عنها من دعم للثورة السودانية والحكومة الانتقالية، وكذلك ما مثلته هذه الزيارة من تقارب مع المكون المدني من الحكومة الانتقالية، سبباً في حساسية مفرطة لدى رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، الذي قد تعود على التفاعل المصري مع السودان من القنوات العسكرية فقط، من هنا جاءت تصريحاته التي فتح فيها ملف حلايب وشلاتين على الشاكلة نفسها التي كان يمارسها البشير من ابتزاز لمصر، ولعل هذا الموقف من رئيس مجلس السيادة يشكل عمق المأزق المصري تاريخياً في السودان، ذلك أنه لااتفاق بين القوى السياسية عليه، ويثير حالياً حفيظة المكون العسكري حينما اقتربت القاهرة من المكون المدني على رغم أن مطالب النخب السياسية السودانية تاريخياً تتبلور في ضرورة إقدام مصر على التفاعل مع السودان عبر القنوات المدنية، والكف عن التعامل مع الخرطوم كملف أمني.

على المستوى الداخلي فإن الجدل الذي أثاره خطاب عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السوداني بمناسبة مرور عام على توليه الحكومة الانتقالية، يبدو حساساً في العلاقة بين المكونين المدني والعسكري في السودان، خصوصاً مع الحديث عن مدى سيطرة الحكومة على اقتصادات البلاد، بالتالي مدى قدرتها على تحسين مستوي معيشة مواطنيها، الذين يفتقدون الإمدادات البترولية، وما زالوا يعانون أزمة في الخبز، وذلك بالتوازي مع ارتفاع أسعار الدولار أمام الجنيه السوداني لحد الجنون، وتداعيات هذا الارتفاع على أسعار السلع الأساسية.

في هذه البيئة المحتقنة تكون سيطرة الجيش السوداني على أكثر من 80 في المئة من الشركات السودانية محل تساؤل على المستوى الشعبي، خصوصاً أن عوائد هذه الشركات لا تدخل الموازنة العامة، ولا يتم الإفصاح بشفافية عن موازناتها. وعلى رغم أن هذا الأداء معروف إقليمياً في الشرق الأوسط لكن ما يميز الحالة السودانية هو اتساع حجم السيطرة من الجيش على الاقتصاد، وسوء الأحوال المعيشية السودانية، وهو ما يجعل هذا الملف محل تراشق سياسي وجدل عام في الأوساط الجماهيرية.

في هذا السياق فإن خطاب رئيس الوزراء السوداني بهذا الشأن وغيره كان له أثر في تراشق على مستوى التحالف السوداني الحاكم تقول عناوينه إن خطاب حمدوك جاء للتغطية على فشل المدنيين في إدارة الحكم.

هذا المشهد السياسي المحتقن يغذيه تصاعد التوتر في شرق السودان تحت مظلة من الغموض بشأن موقف المؤسسات العسكرية وطبيعة أدائها على الأرض، حيث تقول شهادات صحافية سودانية من مواقع الأحداث - "صحيفة التيار" ـ إن القوات الأمنية تنسحب غالباً من مواقع الصراع ولا تسهم في تحجيمه، بل إن هناك خلافات تبرز بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع التي تتشارك حالياً في السيطرة الأمنية على بؤر التوتر.

وبطبيعة الحال يستثمر النظام القديم ومفرداته على الأرض في هذه المفاصل المتوترة والحرجة بين المكونين المدني والعسكري، وتنطلق الدعوات أحياناً بتغيير الحكومة أو إنهاء الفترة الانتقالية، بل وتحميل رئيس الوزراء السوداني كل تبعات الفشل الاقتصادي ليس من أحزاب سياسية فقط، أو زعماء مفوهين بل إن القوى الصوفية والسلفية دخلت على هذا الخط في هذه المطالبات، عبر منابر إعلامية، وهو ما يعني تآكل أرضية الاستقرار في السودان وتعاظم المخاطر أمام الحكومة الانتقالية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل