ارتفعت مؤشرات أسهم سوق وول ستريت في نيويورك فور إعلان رئيس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي جيروم باول عن تغيير كبير في سياسة البنك، في ما يتعلق بالتضخم وبأسعار الفائدة التي تحددها شهرياً اللجنة النقدية في الاحتياطي الفيدرالي.
وردت السوق على ذلك بالارتفاع إلى مستويات قياسية مجدداً، فارتفع مؤشر داو جونز للشركات الصناعية الكبرى بما يقارب نقطة مئوية (0.92 في المئة)، بينما ارتفع مؤشر ستاندرد أند بورز 500 نقطة، أي نحو نصف نقطة مئوية (0.46 في المئة)، أما مؤشر ناسداك فارتفع بشكل طفيف بنسبة 0.13 في المئة.
وفي كلمته خلال المؤتمر السنوي للاحتياطي الفيدرالي في كنساس سيتي، قال باول إن البنك سيتخلى عن سياسته التقليدية برفع سعر الفائدة بشكل استباقي لكبح جماح التضخم المتوقع. وأضاف أن الاحتياطي الفيدرالي لن يقيد نفسه حرفياً بمعدل تضخم مستهدف عند اثنين في المئة.
وتقليدياً، فتلك مهمة البنوك المركزية في الاقتصادات المفتوحة عامة، إذ يدير البنك السياسة النقدية بشكل يمنع غليان الاقتصاد. وفي حال ظهور مؤشرات من سوق العمل، مثل ارتفاع معدلات التوظيف والأجور، فيلجأ البنك المركزي إلى رفع سعر الفائدة للحد من الضغوط التضخمية المتوقعة.
واعترف باول بأن التخلي عن تلك القاعدة والسماح بارتفاع التضخم، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك، يعني ارتفاع أسعار سلع أساسية تضر بموازنات الأسر محدودة الدخل، لكنه اعتبر ذلك ضرورياً للسماح لسوق العمل بالتوسع في نمو الوظائف بعد الأزمة التي سببها وباء فيروس كورونا، وأدت لدخول عشرات ملايين الأميركيين إلى قوائم البطالة.
وبالرغم من التحسن في أرقام التوظيف خلال الفترة الأخيرة، ومنذ إعادة فتح الاقتصاد بعد إغلاقات الوقاية من انتشار وباء كورونا، أظهرت مؤشرات أولية الخميس، أن أرقام طالبي إعانات البطالة في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي تحوم حول المليون شخص، ما يعني أن التعافي من البطالة توقف تقريباً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال باول في كلمته عن تغيير سياسة البنك إن "هذا التغيير يعكس تقديرنا لفوائد سوق توظيف قوي، بخاصة لكثيرين من أصحاب الدخل المتدني أو المتوسط... قد يبدو هذا التغيير متواضعاً، لكنه يعكس رؤيتنا بأنه يمكن الحفاظ على النمو في سوق العمالة والتوظيف، من دون تفشي معدلات التضخم".
وبرّر رئيس الاحتياطي الفيدرالي اللجوء لتلك الخطوة غير المألوفة بأنه "مع وصول نسبة الفائدة إلى أدنى مستوياتها، فلا يتوفر مجال واسع للاحتياطي الفيدرالي كي يدعم الاقتصاد خلال الأزمة بخفض أسعار الفائدة".
وتلقفت الأسواق الإشارة بأن الاحتياطي الفيدرالي ربما لا يريد خفض أسعار الفائدة للسالب (أي أقل من الصفر)، لكنه في الوقت نفسه سيسمح بالتضخم المرتفع. ويعني ذلك لأسواق الأسهم استمرار خفض كلفة الاقتراض، وتوفر السيولة بشكل كبير.
ومن شأن ذلك أن يحافظ على استمرار ارتفاع مؤشرات أسواق الأسهم، في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الأميركي ركوداً غير مسبوق، ونسبة انكماش هائلة في الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة تبعات وباء فيروس كورونا.
وتعليقاً على بيان باول قال رئيس ومؤسس مجموعة دي فير الاستثمارية نايجل غرين، التي تدير استثمارات بأكثر من 12 مليار دولار، إن إعلان الاحتياطي الفيدرالي سيؤدي إلى تكالب المستثمرين على الأسهم، ما سيزيد اختلال السوق.
وأضاف أن "الاحتياطي الفيدرالي سيبقي على سعر الفائدة عند الصفر تقريباً على مدى المستقبل المنظور، وربما لأكثر من خمس سنوات، وسيكون موقفه من ارتفاع التضخم غير صارم، بل ربما يسمح بارتفاع معدلات التضخم فوق اثنين في المئة... وسيضيف ذلك زيتاً إلى نار أسواق الأسهم المشتعلة ارتفاعاً".
وحذّر غرين المستثمرين من تراكم الأسهم في ظل استمرار ارتفاع المؤشرات، مؤكداً أن في ذلك تجاهلاً لاختلالات السوق التي ترتفع مدفوعة بزيادة أسعار أسهم عدد محدود من الشركات، وفي مقدمها شركات التكنولوجيا، وبالتالي فإن مراكمة الاستثمارات في صناديق التداول يمكن أن يجعل المستثمرين مكشوفين أكثر على أخطار هائلة، مع أن تأثير التغيير المفاجئ في سياسة الاحتياطي الفيدرالي بالنسبة للتضخم على سوق العمل وتوفير الوظائف ليس مضموناً، إذ يصعب تصور كيف سيسهم ذلك في تنشيط الاقتصاد، ويمكنه من خلق مزيد من فرص العمل، إلا أن المؤكد هو بقاء أسعار الفائدة منخفضة لفترة طويلة. الخلاصة الواضحة أن البنك لن يرفع أسعار الفائدة حتى لو ارتفعت معدلات التضخم.
ويحذر بعض الاقتصاديين من أن ذلك قد يزيد من عمق الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الأميركي، ويسهم في غليان فقاعة تضخم قيمة الأصول، ما يهدد التعافي الهش من أزمة وباء فيروس كورونا.