Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التجديد لـ"يونيفيل": مطلب أميركا الوحيد حرية التفتيش عن أسلحة حزب الله

اتصالات باريس وواشنطن تكثفت لأجل تسوية

التصعيد العسكري على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية يرخي بظله على مفاوضات التجديد لـ"يونيفيل" (أ ب)

تشهد المشاورات حول قرار مجلس الأمن التجديد لقوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان، "يونيفيل"، مناورات تختصر عوامل الصراع الأميركي- الإيراني على الأرض اللبنانية، ومفاوضات مضنية يرافقها توتر يأخذ أحياناً منحى خطيراً على حدود لبنان الجنوبية مع الجيش الإسرائيلي، كما حصل منتصف ليل الثلاثاء الـ25 من أغسطس (آب) من تصعيد عسكري أرخى بظله على مفاوضات التجديد.

فواشنطن وتل أبيب تسعيان إلى إفقاد الجانب الإيراني إحدى أوراقه الفعّالة في تهديد أمن الدولة العبرية عن طريق الصواريخ التي زرعها حزب الله في المناطق الجنوبية وغيرها، والجاهزية القتالية التي استطاع تأمينها في أي مواجهة محتملة مع إسرائيل، طوال السنوات الماضية على الرغم من وجود "يونيفيل".

ويلتئم مجلس الأمن الجمعة الـ28 من أغسطس ليصوّت على مشروع قرار فرنسي اعترضت عليه الولايات المتحدة الأميركية التي تطالب بتغيير في تفويض القوات، يعزز صلاحيات تحركها، بحثاً عن أسلحة حزب الله في المنطقة الممتدة من نهر الليطاني إلى الحدود، أي المنطقة التي ينص القرار الدولي الرقم 1701 على خلوّها من الأسلحة، باستثناء أسلحة السلطة اللبنانية الشرعية.

الفيتو الأميركي للضغط النفسي

جرت مفاوضات الساعات الأخيرة وسط تهديدات أميركية بإمكان استخدام حق النقض ضد التجديد للقوات، إذا لم يؤخذ بمطلبها الذي تقف إسرئيل وراءه، في وقت وصفت تقارير من نيويورك هذا التلويح الأميركي بالفيتو حيال مشروع قرار فرنسي، بأنه "لعب على أعصاب الجانب اللبناني" قبل ساعات من جلسة مجلس الأمن، و"تهويل" على الدول الأوروبية التي تؤيد مطلب لبنان تجديد التفويض من دون تعديل في المهمات.

فكل الدول الأعضاء في المجلس، بما فيها أميركا ومن ورائها إسرائيل، ما زالت تعتبر وجود "يونيفيل" حاجة ملحة لحفظ الحد الأدنى من الاستقرار في جنوب لبنان، على الرغم من الثغرات والصعوبات في عملها. ووفق تقديرات دبلوماسية لـ"اندبندنت عربية"، سيحدث التجديد في نهاية المطاف قبل الـ31 من الشهر الحالي، تاريخ انتهاء فترة الانتداب للعام 2019 - 2020 مهما كانت الظروف.

فواشنطن على خلاف مع دول عدة في المجلس تراعي المطلب اللبناني الرسمي تجديد فترة انتداب القوات مدة سنة، من دون أي تعديل في طبيعة تفويضها وعملها. ومشروع القرار الفرنسي لا ينص على تغيير في التفويض وتؤيده سائر الدول الأعضاء، باستثناء البعثة الأميركية، على الرغم من أنه يتضمّن فقرة حول وجوب تمكين القوات من القيام بمهماتها بشكل أفضل، مراعاة للمطالب الأميركية الإسرائيلية في شأن التفتيش عن السلاح اعترض عليها المندوب الصيني.

التجديد سيحصل لأن الفراغ مستحيل

ويذهب بعض التقديرات الدبلوماسية، من باب الافتراض، إلى أنه حتى لو استخدم الجانب الأميركي الفيتو في جلسة يوم الجمعة، ما زال هناك إمكانية للتوصل إلى تسوية للأمر قبل الـ31 من أغسطس، ليجري تجديد التفويض، لأنه من المستحيل ترك وضع الجنوب اللبناني في فراغ دولي. وعلمت "اندبندنت عربية" أن السعي لتسوية حول قرار مجلس الأمن كان موضوع تواصل مباشر بين باريس وواشنطن خلال الأيام الماضية تجاوز مناقشات بعثتي الدولتين في نيويورك.

بعد أشهر من الضغوط حصرت واشنطن مطالبها بواحد: إعطاء "يونيفيل" صلاحية الدخول إلى الأملاك الخاصة والمنازل للتفتيش عن أسلحة أو صواريخ، تشك الاستخبارات الإسرائيلية في وجودها، من دون الحصول على إذن من الجيش اللبناني وموافقته، ومن دون فرض مرافقته لدورية القوات الدولية كما هو معمول به بحسب قواعد التنسيق الميداني بين الجانبين منذ عام 2007. فهي تخلت عن مطلب خفض تمويل "يونيفيل"، لأن ميزانية قوات حفظ السلام، من ضمنها القوات الموجودة في الجنوب، التي تشارك فيها أميركا بنسبة عالية، أقرت في يونيو (حزيران) الماضي، وباتت نافذة.

لم يكن التصعيد العسكري على الحدود ليل الثلاثاء مسعفاً للحجج الفرنسية واللبنانية في مواجهة الموقف الأميركي القائل بأن "يونيفيل" غير فعّالة في تطبيق القرار 1701 بمنع دخول أسلحة حزب الله إلى منطقة عملياتها. ويطرح أسئلة كثيرة في بيروت حول من يقف وراء التصعيد العسكري الذي حدث في تلك الليلة؟ وما علاقته بالمفاوضات الجارية في نيويورك؟

وعلى الرغم من أن القصف الإسرائيلي الكثيف على طول الحدود بالقنابل الفوسفورية والدخانية والمورتر، ليل الثلاثاء، توسع وأخذ بعداً يفوق ادّعاء إسرائيل بأن دورية تابعة لجيشها تعرّضت لإطلاق نار من أسلحة خفيفة من الجانب اللبناني، فإن "يونيفيل" لم تؤكد هذه الواقعة، لأنها ما زالت خاضعة للتحقيق من جانبها، كما تقضي العادة، لتثبيتها.

وتفيد التقارير الواردة من نيويورك بأن البعثة الإسرائيلية أخذت تروّج في اليوم التالي، في أروقة مجلس الأمن لوجهة نظرها بأن "يونيفيل" لم تتمكّن من منع تحرك حزب الله بالسلاح لتهديد استقرار الجبهة الجنوبية، بالتالي صلاحياتها الحالية غير فعّالة، لتبرير مطلبها تعديل تفويض القوات الدولية لتعزيز تلك الصلاحيات. واستند الجانب الإسرائيلي إلى أن حزب الله مصمم على القيام بعملية انتقامية ضد إسرائيل رداً على مقتل أحد مسؤوليه في قصف إسرائيل مواقع إيرانية بدمشق في الـ20 من يوليو (تموز) الماضي.

فالحزب لم يتبنَ أي عملية، واكتفى أمينه العام حسن نصر الله بالقول غداة التصعيد الذي تمكّنت "يونيفيل" باتصالاتها من لجمه بعد ساعتين، إن "ما حدث في جنوب لبنان أمر مهم وحساس لدينا، لكن لن أعلق عليه الآن، وسأترك ذلك إلى وقت لاحق". ويرى مراقبون أن السلطات اللبنانية طلبت من نصر الله عدم التصعيد، ولو الكلامي، كي لا يأخذه الجانب الإسرائيلي حجة لتبرير مطالبه.

جمعية "أخضر بلا حدود" ومطلب إسرائيل

لكن، هذا يعني أن كل فريق يحتفظ بأوراقه إلى صدره، ليس في ما يخص التفاوض على التجديد لـ"يونيفيل" فحسب، بل أيضاً في المناورات التكتيكية في شأن ما يدور في المنطقة بالتزامن مع الجولة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو على عدد من دول المنطقة، في إطار توجّه بلاده إلى تحقيق إنجازات في التطبيع العربي مع إسرائيل، يوظفها الرئيس دونالد ترمب في السباق على الرئاسة الأميركية بعد شهرين ونيف. فإسرائيل تحاول الإفادة من هذه الانتخابات من أجل الحصول على مكاسب عبر واشنطن، تؤدي إلى تقييد حركة حزب الله في الجنوب.

مطالب عدة لخدمة مطلب أساسي

رست مفاوضات التجديد لـ"يونيفيل" وراء الكواليس، بحسب قول مصدر دبلوماسي معنيّ في بيروت لـ"اندبندنت عربية" على الآتي:

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مطلب أميركي- إسرائيلي وحيد هو إطلاق حرية القوات الدولية في التفتيش حتى في الأملاك الخاصة من دون إذن الجيش، لأن الآلية الحالية المتبعة القاضية بإبلاغ قيادة الجيش بالاشتباه بأماكن يخزن فيها حزب الله قبل 48 ساعة، كي ترافقها دورية من وحداته هي "إضاعة للوقت"، يكون الحزب أخلى خلالها الأمكنة المشتبه فيها. ويقترح الجانب الأميركي الاكتفاء بإعطاء علم وخبر للجيش، وبحق "يونيفيل" في دخول المكان المقصود، سواء قبل الجيش أو بمرافقته أو لا.

ويستند الأميركيون والإسرائيليون في هذا المطلب إلى أنه لم يسمح لـ"يونيفيل" منذ عام 2018 حين اكتشفت إسرائيل ستة أنفاق حفرها حزب الله من الأراضي اللبنانية إلى شمال إسرائيل، بتفتيش معمل للإسمنت في إحدى القرى كان غطاء لبداية حفر أحد هذه الأنفاق. لكن هذا المطلب يلاقي معارضة الحكومة اللبنانية، بحجة أن القانون اللبناني يفرض استنابة قضائية ومرافقة مختار القرية للقوى الأمنية، إضافة إلى عدم حماسة دول مشاركة في عداد القوات الدولية لمعرفتها بأن الحزب سيجيّش الأهالي ضد دورياتها كما سبق أن حدث عشرات المرات في الأشهر والسنوات الماضية، ما يتسبب بمواجهة مع السكان.

أن إسرائيل تطالب عبر "يونيفيل" بتفكيك ثلاثة أو أربعة أبراج مراقبة أقامتها على الحدود جمعية "أخضر بلا حدود" البيئية التي أنشأها الحزب قبل سنوات، بحجة تشجير المناطق الحدودية، لكن إسرائيل تشتبه بأنها غطاء لعمله الأمني. ويعارض حزب الله هذا المطلب. وكان لافتاً أن بيان الجيش حول التصعيد العسكري الذي شهدته الحدود ليل الـ25 من أغسطس تحدث عن "استهداف مروحيات الجيش الإسرائيلي، بعد مراكز تابعة لجمعية أخضر بلا حدود البيئية داخل الأراضي اللبنانية، عبر إطلاق ثلاثة صواريخ في خراج بلدة راميا، وثمانية صواريخ في خراج بلدة عيتا الشعب، إضافة إلى صاروخين أطلقا من داخل موقع تل الراهب على خراج البلدة نفسها، مركزاً للجمعية المذكورة في محمية عيترون، ما أدّى إلى اندلاع حريق داخلها". وحتى تاريخه يُمنع على "يونيفيل" دخول مواقع الجمعية.

دعوة واشنطن إلى خفض عديد "يونيفيل"، إذا لم يؤخذ برأيها في تعزيز صلاحيات التفتيش عن السلاح من دون إذن مسبق من الجيش، إلى خفض عديد القوات الدولية، بحجة أن فعاليتها المنخفضة لا تتطلب وجود 15 ألف جندي دولي، ويمكن الاكتفاء بـ11 ألفاً فقط. وهو مطلب لرفع العتب، لأن عديد القوات انخفض إلى 10600 في عام 2017 ثم إلى 10155، بحسب تقرير الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريش في الأول من يونيو (حزيران) الماضي عن تقييم دور وفعالية القوات واقتراحات تعزيز قدراتها وخفض عددها. ويشمل تقرير غوتيريش نية خفض القوات البحرية التابعة للأمم المتحدة (المولجة تفتيش سفن قد تحمل سلاحاً للحزب عبر البحر) من ست إلى خمس سفن، في سياق تسلّم البحرية اللبنانية مهماتها تدريجاً. لكن غوتيريش أشار إلى وجوب التصرّف بواقعية في هذا المجال، نظراً إلى أن البحرية اللبنانية تملك فقط ثلاثة زوارق قديمة الصنع.

أن المطلب الأميركي خفض مدة تفويض "يونيفيل" من سنة كما جرت العادة كل سنة إلى ستة أشهر، التي يريدها فترة ضاغطة على الجانب اللبناني كي يتخذ الإجراءات المطلوبة منه لجهة تعزيز صلاحيات القوات في التفتيش عن أسلحة حزب الله لا تلقى قبولاً من الدول الأعضاء الأخرى في مجلس الأمن، ويتوقع أن تتخلى الإدارة الأميركية عن هذا المطلب.

يلخص دبلوماسي متابع مفاوضات الربع الساعة الأخير تطور الموقف بالقول إن كل المطالب وُضعت لخدمة المطلب الأول القاضي بالتفتيش عن السلاح من دون إذن السلطات اللبنانية، الخاضعة لنفوذ حزب الله. إلا أن الدول كافة المعنية في مجلس الأمن تدرك أن مسألة سلاح الحزب مرتبطة بالتفاوض الأميركي الإيراني على الوضع الإقليمي برمته.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير