Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ورقة الجولان في لعبة الخط الانحداري للموقف الأميركي

اعتراف ترمب بـ "السيادة الإسرائيلية" على أرض سورية محتلة ليس سوى حلقة في سلسلة الانقلابات التي قام بها منذ وصوله إلى البيت الأبيض

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض (أ.ب)

الرئيس دونالد ترمب يكمل شعار "أميركا أولاً" بسياسة "نتنياهو أولاً". وهو يستمر في العمل على خطين متعاكسين: خط الغموض المحيط بما سمّاها "صفقة القرن" لتسوية القضية الفلسطينية. وخط الوضوح المتكامل في إخراج أميركا من دور الوسيط الذي كان مقبولاً ومطلوباً من الطرفين العربي والإسرائيلي في عملية التسوية. وليس اعترافه بـ "السيادة الإسرائيلية" على الجولان السوري المحتل بعد اعترافه بالقدس "عاصمة أبدية لإسرائيل" سوى حلقة في سلسلة الانقلابات التي قام بها منذ وصوله إلى البيت الأبيض من خارج التقاليد الرئاسية منذ الرئيس الأول جورج واشنطن: انقلاب على "النظام الليبرالي العالمي" الذي رعته أميركا بعد الحرب العالمية الثانية. انقلاب على سياسات سلفه الرئيس باراك أوباما الداخلية والخارجية. انقلاب على الموقف الأميركي التقليدي من معادلة "الأرض مقابل السلام". وانقلاب على الحذر الأميركي من صدم المواقف العربية والتنكر لحقهم في الأرض المحتلة واستعادتها، خوفاً من ثمن إغضاب العرب. وها هو اليوم يتحدى العرب والعالم لإرضاء إسرائيل.

ذلك أن المعادلة في أميركا تحمل مفارقة كبيرة: كل جيل أميركي جديد يبدو أقل تعاطفاً مع إسرائيل من الجيل السابق، كما تكشف استطلاعات الرأي حتى بين اليهود. وكل إدارة أميركية جديدة تذهب أبعد من سابقتها في الانحياز لإسرائيل. والأمثلة لا تحصى. بعد العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956 والموقف الأميركي الرافض الذي أجبر غولدا مئير على إعلان الانسحاب من سيناء، أرسل الرئيس أيزنهاور مذكرة إلى وزير خارجيته جون فوستر دالاس جاء فيها "قل لإسرائيل إن سياسة الرئيس هي الاستمرار في موقفه كأن ليس في أميركا يهودي". دالاس أعلن بصراحة "أن إسرائيل حجر رحى في أعناقنا". وزير خارجية آخر هو دين آتشسون كتب في مذكراته تحت عنوان "حاضر عند الخلق" أن "الصهيونية كسياسة أميركية رسمية سوف تسمح للعواطف الباطنية لدى اليهود بالتعتيم على مجموع المصالح الأميركية". اليوم يقف وزير الخارجية مايك بومبيو مع بنيامين نتنياهو أمام حائط المبكى في القدس ويزايد على ترمب في فعل أي شيء لكي يفوز نتنياهو في الانتخابات ويبقى رئيساً للوزراء.

وإذا صدقنا أن ترامب يريد إيجاد تسوية للصراع العربي - الإسرائيلي عبر "صفقة القرن" في إطار الإستراتيجية الأميركية لـ "كبح النفوذ الإيراني"، فإن ما يفعله يقود إلى العكس: ضمان الرفض الفلسطيني والإسرائيلي للصفقة. رفض السلطة الفلسطينية مُعلَن. والرفض الإسرائيلي مضمر. لكن نتنياهو يخوض الانتخابات رافعاً شعار الرفض لحلّ الدولتين، وطبعاً لحلّ الدولة الواحدة، وحتى للمساواة داخل إسرائيل. إذ يعلن أن "إسرائيل ليست دولة لجميع مواطنيها، إنها دولة الأمة اليهودية فقط". وأقل ما يقوله هو أن "السماح بنقل الأموال القطرية إلى غزة جزء من إستراتيجية أوسع لإبقاء حماس والسلطة في حال انقسام، وهذا سيمنع قيام دولة فلسطينية". حتى الموقف الأميركي من المستوطنات تبدل كلياً: من اعتبار المستوطنات "غير شرعية" إلى وصفها بأنها "مُعرقلة للسلام" ثم البحث في "تجميد موقت" لها، قبل الصمت الكامل.

ولا شيء يعبر عن الانقلاب على الموقف التقليدي الأميركي أكثر من قرار ترمب الخطير في شأن الاعتراف بـ "السيادة الإسرائيلية" على الجولان. أولاً لأن الحق في الأرض لا يموت بمرور الزمن. وثانياً لأن القرار 242 الصادر عن مجلس الأمن بعد حرب العام 1967 يؤكد في النص الذي صاغه المندوب البريطاني اللورد كارادون بمشاركة المندوب الأميركي على "عدم جواز حيازة الأرض بالقوة". وثالثاً لأن أميركا، من بوش الأب إلى بيل كلينتون ثم أوباما، هي التي لعبت دور الوسيط في المفاوضات بين سوريا وإسرائيل حول الجولان. كلينتون كان يحمل "وديعة رابين" التي فحواها "التزام الانسحاب الكامل مقابل السلام الكامل". وهو الذي أشرف على المفاوضات في واشنطن وشبيرز تاون، وكان آخر من حمل عرض إيهود باراك إلى الرئيس حافظ الأسد في جنيف في العام 2000. وهو يروي في مذكراته "حياتي" أن الأسد "التزم صنع سلام وإقامة علاقات عادية مع إسرائيل مقابل الانسحاب الكامل من الجولان"، كما تعهد "الانسحاب من لبنان عند التوصل إلى تسوية سلمية في الشرق الأوسط". وفي محادثات شبيرز تاون، بين نائب الرئيس السوري فاروق الشرع وباراك، فإن وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت قالت لباراك إن "السوريين أظهروا مرونة تجاه ما طلبتموه، لكنكم لم تقدموا شيئاً، فماذا تريد؟". ردَّ باراك: "أريد معاودة المفاوضات مع لبنان". وكان رأي الشرع أن "باراك ليس جدياً".

وحين يدّعي ترمب أن موقفه الجديد قائم على حسابات "الأهمية الإستراتيجية والأمنية والاستقرار الإقليمي"، فإنه يتجاهل، لا بل يجهل، ما اعترف به الجنرال موشيه دايان الذي كان وزير الدفاع أيام حرب العام 1967 لصحافي في العام 1981 مشترطاً عليه عدم النشر إلّا بعد وفاته، وهو "أقول لك بثقة أنه عندما أمر أشكول بأخذ الجولان لم يكن يفكر في الأمن بل في الأرض".

ولا نهاية لمسلسل المفارقات. فمن الحجج الإسرائيلية الجديدة المدعومة أميركياً للاحتفاظ بالأرض السورية المحتلة، القول إن الانسحاب من الجولان يقود إلى وقوف إيران فوق أعلى هضبة تطل على إسرائيل. وأبسط ما يؤدي إليه القرار الأميركي في الواقع هو زيادة الغضب العربي والإحراج، وتقوية الموقف الإيراني وشعار "الممانعة والمقاومة".

ولعلنا في حاجة إلى التأمل العميق في المعنى الجيوسياسي والإستراتيجي لقول بومبيو في جولته الأخيرة في الكويت وإسرائيل ولبنان إن "كل ما نفعله هو تكتيكات لإجبار طهران على تغيير سلوكها". والسؤال المباشر بعد الاستنكار العربي والدولي لقرار ترمب هو: هل بقي أمام السوريين والفلسطينيين خيار آخر سوى القتال لتحرير الأرض؟

المزيد من آراء